الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ربيع هذا أم خريف

فرج الله عبد الحق

2012 / 1 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


كنت أتصفح مقالاتي المنشورة على موقع حزبنا الحزب الشيوعي الفلسطيني أو على موقع الحوار المتمدن والتي بدأتها بمقالي بعنوان قم يا مصري وجدت أنه من الواجب علي أن ألخص وجهة نظري لما حصل و يحصل اليوم في عالمنا العربي محاولاً أن أكون موضوعياً بعيداً عن العواطف قدر الإمكان لأنه لا يوجد إنسان شريف لم يصفق لبو عزيزي أو يرقص على أنغام الشعب المصري يوم طلع علينا عمر سليمان ينبئنا بأن البقرة الضاحكة قد رحل. وابدأ متتبعا التسلسل التاريخي للأحداث.
تــونس.
في مقالي إذا الشعب يوماً أراد الحياة كتبت حينها أنه إذا لم تنتبه القوى الوطنية التونسية لأبعاد المخطط المرسوم المتمثل باستخدام الإسلام السياسي كبديل عن الدكتاتوريات المنهارة ستكون الثورة قد ضلت الطريق، وكما يبدو اليوم أن الأحزاب الدينية في تونس قد استطاعت الوصول إلى السلطة من خلال تحالفاتها مع بقايا السلطة المنحلة، إلا انه ورغم الضغوطات والإقصاء الممنهج للقوى التقدمية من وسائل الإعلام المحلية والعربية، وبرغم هذا ألنهر من الأموال المسكوب في خزينة التيار الإسلامي استطاعت القوى العلمانية خلق توازن جديد في تونس و استطاع حزب العمال الشيوعي و لأول مرة أن يمثل في البرلمان التونسي.

كما ذكرت سابقاً فإن خروج التيار الإسلامي منتصراً في هذه الانتخابات يضعه و لأول مرة في تونس أمام المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في هذا البلد، وما عليه إلا إثبات صحة برامجه وإلا فَقد هذه الأغلبية في الانتخابات القادمة، كما انه وبعد تبنيه مدنية الدولة مجبرا على إجراء الانتخابات في مواعيدها.
إن الشعب التونسي أثبت للعالم أنه عندما تصل الأمور إلى نقطة أللا عودة يقلب الطاولة على رؤوس الساسة ويجبرهم على تغير المسيرة، فالشعارات الثورية لا زالت موجودة تجمع الشعب التونسي خلفها ومجريات الأحداث أثبتت أن هذا الشعب قادر على توجيه المسيرة في الاتجاه الصحيح.

مـصـر
شرارة الثورة انتقلت من تونس إلى دول أخرى أولها مصر فاستطاع الشعب المصري أن يخلع مبارك العميل عن السلطة، وأن يقوم بإجراء أول انتخابات ديمقراطية منذ عشرات السنين منتجة لبرلمان جديد، رغم أن نتائج هذه الانتخابات لا تختلف عن تونس إلا أنها حصيلة سنوات من الكبت و الحرمان. هذه النتائج ورغم توجهها الديني تعتبر الأفضل بالنسبة للقوى الوطنية المصرية حيث تم تمثيل كافة القوى في مجلس الشعب.
نعم نتائج الانتخابات المصرية لم تكن مرضية من حيث نسبة القوى الوطنية و العلمانية لكنها البداية، ويمكن اعتبارها نقطة انطلاق للمستقبل.
و كما كتبت في مقالاتي فضراب السحن أحسن من حسني مبارك، قاصداً بذلك انه مهما كان البديل فهو أفضل من نظام العمالة والخيانة الذي كان قائماً في مصر.



ليـبـيا

المفاجئة الكبرى كانت الأحداث الدامية في ليبيا، و أقول أحداث ولا أقول ثورة للأسباب ألتالية:
1 ـ لم يكن موجود في هذا البلد و مند استقلاله أي تنظيم جماهيري علني كان أم سري ولا حتى نقابة للنصابين رغم كثرة عددهم في هذا البلد.
2 ـ نظام الحكم كان قد أغدق على هذا الشعب بمئات المليارات من الدولارات من خلال تأمين المسكن و الملبس و حتى المياه و الكهرباء بدون مقابل أو مقابل ثمن زهيد لذلك كان الحديث عن الثورة في ضرب الخيال.
3 ـ ألتركيبة الاجتماعية ألليبية تركيبة قبلية بامتياز وأي حديث عن وعي سياسي واجتماعي هو من ضرب الخيال، فلا ثورة ولا ثوار إنما بعض المثقفين المعزولين سياسياً واجتماعيا يعيشون في المهجر أو مُغلقي الأفواه بإرادتهم أو بالقوة يعيشون في ليبيا، غالبية أعضاء مجلسهم الموقر هو من هؤلاء أو من بقايا الحكم القديم. ويا لها من ثورة أول قرار فيها السماح بتعدد الزوجات.
4 ـ لا يمكن أن ننسى التدخل الأطلسي و أذنابه من عربان الهم و الغم في مجريات الأحداث ألليبية، فمنذ الشرارة الأولى للأحداث قامت الامبريالية وتحت غطاء قرارات جامعة الدول "العربية" وبقرار من مجلس الأمن الدولي، وبتمويل من شيوخ الهم والغم بزعامة أمير فطر حمد الذي درب المجموعات التي قامت بدخول طرابلس وشارك بطيرانه بقصف ليبيا، كأن الطريق إلى تحرير القدس تمر من الصحراء ألليبية.قاموا بتنفيذ الانقلاب على نظام الحكم و اعدموا القذافي.
لقد كان موقفنا حينها موقف واضح لا مجال للشك فيه القائل لا للفاشية ولا للتدخل وعلى الشعب ألليبي حل مشاكله بنفسه


سـوريا

سوريا قصة مختلفة فنظام الحكم ورغم التراجعات عن مسيرة التطور أللا رأسمالي من حيث تحويل القطاع الأكبر من الاقتصاد إلى اقتصاد خدماتي وربط البرجوازية الناشئة بالسلطة، ألذي ترجم على الصعيد الداخلي بأحزمة الفقر و تشديد القبضة الحديدية على ألشعب، إلا أنها بقيت على موقفها المعادي للامبريالية الداعم للمقاومة.
من هنا كان لابد من أخذ موقف مغاير من النظام الحاكم في سورية، نطالبه بالتراجع عن التحولات الاقتصادية، إعطاء الحريات الديمقراطية من خلال ألتعديلات ألدستورية التي تشمل حرية الأحزاب، الصحافة وفي نهاية الأمر إلغاء المادة الثامنة من الدستور من جهة، ومن جهة أخرى الحفاظ على دورها المقاوم للامبريالية وإسرائيل ومخططاتهم الرامية إلى بناء شرق أوسط جديد.
في مجموعة من المقالات شرحت هذا الموقف وكان هناك من اعترض عليه رددت عليهم بمقالي رد على تعليق.
أليمــن

في اليمن وفي عهد عبد الله الصالح بني النظام على أسس عشائرية و منذ الوحدة اليمنية و الحرب الأهلية قام النظام بقمع المعارضة واضطهاد الناس، وبما أن الجنوب كان أكثر تطوراً من الشمال فقد قامت السلطة بنهبه وتدمير مؤسساته الاقتصادية و الاجتماعية مما أدى إلى تأزم العلاقة بين الشمال و الجنوب، فظهر الحراك الجنوبي مطالباً بالانفصال، أما في شمال اليمن ، و مع بدء الحراك اصطدم النظام مع حلفائه العشائريين، وصل هذا النظام إلى نقطة أللا عودة عندما أبعد حلفائه عن السلطة، وفتح معركة بالأسلحة ألثقيلة ضدهم.
رغم كل ذلك بقي الشارع بزخمه يرفض الدخول في حرب أهلية جديدة ويفرض على المحيط الإقليمي و الدولي سلمية الحراك، وحتمية سقوط النظام للخروج من الأزمة.
لا يمكن هنا أن ننسى دور الإسلاميين في هذا الحراك من سلفيين في الجنوب إلى الحوثيين في الشمال، لكن ورغم توجهاتهم المتظرفة لا زال الشارع اليمني ملتزماً بشعارات ثورته.


البحرين

هذا الأرخبيل الذي صوت شعبه في القرن الماضي على بقائه دولة عربية بعيداً عن النفوذ الشاهنشاهي في إيران يتعرض اليوم لأبشع أساليب القمع من حكومته و بتأييد من دول مجلس التعاون الخليجي، ذلك لأنه يطالب بدستورية ملكية. ألقيادة البحرينية بتصرفها هذا تشعل نار الفتنة المذهبية و القومية، تأجج التيارات الدينية وتحرض عل الفتنة.
لا يمكن أن ننسى هنا دور السعودية في قمع شعوب المنطقة بما فيها البحرين لأن التغيرات الديمقراطية إذا حصلت في البحرين ستؤثر بشكل مباشر على ألمملكة الوهابية في السعودية.
لا يمكن أن ننسى أن الأحداث لم تبقى فقط في هذه الدول بل انطلق الحراك السياسي إلى دول أخرى كالمغرب، الجزائر، اللتان قامتا بتعديلات تخفف من معانات الشعب سياسياً و اقتصادياً, أما الأردن فقد استطاع النظام من خلال بعض التراجعات ومعتمداً على التركيبة العشائرية أن يسيطر ولو مؤقتاً على الأوضاع، دور التيار الديني واضح في الحراك معتمداً على الأموال القطرية و دعم السلفيين في السعودية.

فلسطين

نحن في فلسطين نمر تجربة قاسية فنحن تحت احتلال من جهة ومقسمين سياسياً وجغرافياً من جهة أخرى، ورغم كل محاولات المصالحة بين فتح و حماس لم نصل إلى حل لهذه الأزمة، بالإضافة أن كلا الطرفين لا يريد التنازل عن مكتسباته، ففتح لها التزامات مع الرباعية و بالتالي مع إسرائيل، و حماس تريد أن يكون لها دور في الترتيبات القادمة ذلك بعد بدء العمل في المصالحة بينها كحركة إسلامية وبين الامبريالية، وما إتمام عملية تبادل الأسرى بهذا الشكل وبهذا السرعة إلا إثبات حسن النوايا من طرف حماس.
من هنا كان موقف لجنتنا المركزية المطالب بعقد مصالحة شاملة تشمل كل القوى الوطنية الفاعلة على الأرض، إعادة تشكيل م. ت. ف. على أسس ديمقراطية، و قيام سلطة وطنية مهمتها الأولى الدفاع عن الشعب في وجه الهجمة الاستيطانية ودعم صمود هذا الشعب على أرضه.

بعد هذا العرض الموجز لمجريات الأحداث في المنطقة كان لا بد من السؤال هل نتائج هذا الحراك لصالح الشعوب أم لا؟ وهل هذا ربيع أم خريف عربي؟ ولكي نجيب على هذا يحب الإجابة على السؤال التالي:
أ ـ كيف تمكنت قوى ظلاميه و سلفية من السيطرة على الشارعين التونسي و المصري هذا بالإضافة إلى شوارع أخرى؟
ألجواب متشعب سأشرحه بالتالي:
1ـ رغم الصدام الذي كان قائماً بين التيارات الدينية و الحكم إلا أن الهامش المتاح لهذه التيارات من خلال حرية العمل في بيوت العبادة ومن خلال الجمعيات الدينية أعطت لهذه التنظيمات أرضية اصلب للانطلاق بعد سقوط الأنظمة.
2 ـ بعد نجاح التجربة الأردوغانية في تركيا في حرف الشارع التركي عن مشاكله الحقيقية، وبناء دولة إسلامية على الطراز الحديث تربط تركيا بركب الاستعمار والامبريالية، رأت الأخيرة انه بالإمكان الاعتماد على الإسلام السياسي لتنفيذ مخططاتها. لقد كان هذا واضحاً من خلال خطبة أوباما في القاهرة و تفريقه بين الإسلام المتطرف كبن لادن و الظواهري من جهة و الإسلام المعتدل كأوردوغان و مجموعات الإخوان المسلمين في كل من مصر و تونس الذين يغمضون عيونهم عن القذارة الرأسمالية مقابل السيطرة على السلطة تحت شعار أنه على الشعب الانتباه للآخرة لا للدنيا، و انه لا يجوز معصية الحاكم خصيصاً إذا كان الحاكم مسلماً. هم قدموا أنفسهم كبديل عن النظم الدكتاتورية لخدمة الامبريالية تحت علم الدين.
3 ـ أليوم يوجد لجنة عربية للثورة المضادة يترأسها الوهابيين في السعودية، ناطقها الإعلامي قناة ألجزيرة، ولا يمكن أن ننسى ألقنوات الأخرى مثل العربية و أل بي بي س وغيرها من القنوات، أما أموالهم فهي من عرق جبين شعوبهم والشعوب الوافدة من أجل خدمتهم، مصدر الأموال هو هذه الثروة النفطية الموجودة في بلادهم.
هنا لا يمكن نسيان هذا الشيخ العبد للصهيونية حمد الذي، وإن صحت الروايات التي تقول أن أصوله يهودية، أصبح رأس ألحربة في ألهجمة المعادية للشعوب,
4 ـ ألامبريالية و بمجرد شعورها بالخطر القادم من تحرك الشعوب بدأت بتنفيذ الخطة البديلة المتمثلة بإيقاظ الخلايا النائمة، فأرسلوا جون مكين إلى القاهرة ليقيم بشكل شبه دائم ويدير الدفة من جناح أحد الفنادق في ميدان التحرير، وبصراحة فإن هذا الصعود في شعبية الإخوان و السلفيين هو ناتج عن هذا البديل المعد مسبقاً كان أوردوغان هو المشروع ألعملياتي له، كما لابد من أخذ مقتل بن لادن كجزء من هذا المخطط من أجل تبرير دعم أمريكا للدين السياسي حيث تم القضاء على قوى التطرف في التيار الديني. معالم هذه المصالحة ظهرت بوضوح من خلال الدعم المستميت للقوى الظلامية في سورية و بوادر المصالحة بين طالبان و الامبريالية من خلال فتح ممثليه لهم في قطر.
أما إذا كان ما نراه ربيع أم خريف عربي فنحن الشيوعيين نرى أن التغيرات الحاصلة بإسقاط الأنظمة العميلة هو بحد ذاته نصر للشعوب، نعم ما نراه ليس ثورة تؤدي إلى قلب النظام الاقتصادي و الاجتماعي لكنها ثورة ديمقراطية تحول الحكم من دكتاتورية إلى ديمقراطية وبقدر نضالنا يمكن الخروج بنتائج إيجابية، أما ما هو ظاهر للعيان من نتائج الانتخابات حيث ما جرت فهو تعبير عن إرادة شعبية بإعطاء الفرصة للإسلام السياسي بالحكم، هذا سيضعه أمام المشاكل بشكل مباشر و عليه تقديم الحلول المرضية للشعب. وبما أنه لم يتخلى عن جوهره المؤمن بالغيبيات و الحلول الدينية فلن يصمد أمام مطالب الشعوب بالحرية، الديمقراطية و العدالة الاجتماعية.
على ألقيادات السياسية أن لا تعيد التجربة الفلسطينية بتهميش أي طرف من أطراف أللعبة السياسية لكي ينكشف للكل مصداقية ألإسلام السياسي وديمقراطيته، كما عليها أن لا تعيد التجربة الإيرانية حيث امتطى الخميني على ظهر الشيوعيين ليصل إلى السلطة.


بقلم فرج (عضو الجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية
حميد خنجي ( 2012 / 1 / 11 - 07:54 )
اراك يا زميل فرج بالفعل وكما أسلفتَ في البدء (النأي عن العاطفة والانفعال)، قد قرأت الوضع قراءة حصيفة عدا تحليلك عن سوريا والبحرين فالقراءة في حاجة الى مقارعة مركبة.على كل قراءة جيدة.. ولكن اردتُ ان اسألك عن رابط موقعكم


2 - ألقراءة
فرج الله عبد الخق ( 2012 / 1 / 11 - 08:42 )
الزميل حميد
يعد شكرك على تعليقك أود أن اطلب منك أن تعطيني وجهة نظرك لما يحصل في سورية و البحرين لينم النقاش حولهما. اما عن عنوان الموقع فهو
www.pallcp.ps
أما عنواني فهو
[email protected]
شكراً مجدداً على تعليقك
فرج


3 - الى فرج الفلسطيني
درويش السيد ( 2012 / 1 / 11 - 09:12 )
تحيا فلسطين ... يسقط بشار الاسد.


4 - السيد درويش
فرج الله عبد الحق ( 2012 / 1 / 11 - 14:58 )
تحيا فلسطين الف مرة ويسقط بشار مليون لكن هل بالشعارات الرنانة حلت الازمة السورية؟ يا صديقي لو فكرنا مرة واحدة فقط بالعقل لا بالعاطفة نحل كل مشاكلنا،ما اجمل شعوبنا وعي جالسة عل مقاعدها تعظم فلان و تسقط علان! لكن في النهاية تدفع هذه الشعوب ثمن العواطف.
فرج


5 - the dynamic of revolution(1)
ali ( 2012 / 1 / 18 - 23:49 )
امتداد زمن الصراع الذي تخوضه الثورة السورية ما ينفك يثير أسئلة كثيرة عن أسباب احتفاظ النظام السوري بالقوة، وقدرته على كسر وحدة الشعب السوري في الاصطفاف خلف ثورته. أسئلة لا تبدو مكتفية بالتفسيرات المتوفرة التي تشرح امتداد جذور النظام لأربعة عقود، صُرفت خلالها طاقات البلد على تعزيز وتثبيت القوة الحامية للاستبداد، والتنوع الطائفي والقومي للمجتمع السوري والذي تلاعب النظام بحساسياته واستغله أبشع استغلال، إضافة إلى شبكة المصالح والفساد التي بناها النظام مورطاً كبار التجار وخاصة في مدينتي دمشق وحلب. جميع هذه العوامل تساهم بهذا القدر أو ذاك في تأخير سقوطه لكنها لا تفسر المعضلة تماماً.
هذه الملاحظة تدعونا للظن بوجود خلل جوهري يقف وراء إشكالية بطء أو عدم قدرة الثورة حتى الآن على جذب قطاعات مهمة من الشعب السوري بعد كل القتل والاعتقال والتنكيل. خلل يعود إلى الأشهر الأولى وتتحمل مسؤوليته في الأساس الشريحة المثقفة.


6 - the dynamic of revolution(2)
ali ( 2012 / 1 / 18 - 23:52 )
منذ هلت البشائر من حوران في الجنوب حاملة إرادة الثورة وإصرارها، من درعا التي صنعت الثورة بكسرها حاجز الخوف وانتقالها من الهتاف الإصلاحي إلى مواجهة مفتوحة مع شرعية النظام، ثم حين انتقلت بعد وقت قليل لتنتشر في الضواحي والمدن الصغيرة والقرى، وصفت الثورة السورية بثورة الهوامش، ثورة المناطق المهملة، وهي الصفة التي لا تزال صالحة حتى الساعة.
وإذا كان هناك ما يفسر بالمقياس الاقتصادي حماس وغضب الشرائح الأكثر فقراً في الهوامش، فإن غياب الطبقة الوسطى ومركزها الأساسي في المدن الكبرى، لا يبدو منسجماً مع صورة هذه الطبقة بوصفها حاملة أساسية للتغيير الديمقراطي.
صحيح أن التاريخ المعلن والمعتمد لانطلاق الثورة، وهو الخامس عشر من آذار، يرتبط بمظاهرة جمعت عشرات الأشخاص في سوق الحميدية في دمشق القديمة، ثم تلتها محاولات قليلة قمعت جميعها من قبل النظام. إلا أن هذه المحاولات التي بادر بها أفراد من الوسط الثقافي سرعان ما انطفأت، وحينما عادت بعد زمن لتواكب ولو بخجل الثورة العارمة المتفجرة في المدن والقرى الأقل شأناً، لم تستطع تجاوز محدوديتها وظل رقم العشرات يحاصر أفقها. بينما ظلت مدينتا دمشق وحلب متوجستين، ور


7 - the dynamic of revolution(3)
ali ( 2012 / 1 / 18 - 23:54 )
ضعف وقلة هذه المحاولات كانت تعبر عن هزيمة مريعة للريادة الثقافية، وكان ذلك التقاعس والتهرب من قبل غالبية المثقفين يمثل الخيانة الأولى. فالوسط الثقافي لم يكن قادراً على امتلاك زمام المبادرة، أو كسر حاجز الخوف جماعياً، وبدلاً من أن يكون الحامل الأساس لثورة تطالب بتغيير هو في صلب نقاشاته السطحية منها والعميقة، ومن مطالبه المبدئية البديهية، تراجع عن دوره التاريخي. تراجع أفقد الثورة الكثير من آمالها في تحريك المدن الكبرى بما تحمله من حشود وتنوع، وبما تمثله من مركزية في بنية النظام الاقتصادية والإدارية. بل إن تخاذل المثقفين كان يعني خسارة الشبكة الحيوية الأهم في هذه المدن التي تستطيع جمع أطراف التنوع المدني في الوقت الذي تعجز الشبكات العائلية والقبلية والدينية والمناطقية عن ذلك. خسارة طبعت الثورة بالطابع المناطقي ليشكل كل حي أو قرية وحدة في فسيفساء الثورة. ولعل الموقف المخيب للمثقفين يُظهر نجاح النظام في تفريغ البلد من الحوار السياسي، وتفريغ الوسط الثقافي من الالتزام السياسي، خاصة بعد ربيع دمشق


8 - the dynamic of revolution(4)
ali ( 2012 / 1 / 18 - 23:58 )
التكوين الفسيفسائي للثورة السورية لم يقتصر على الفرز المناطقي بل تعداه، كما يتوقع في مجتمع تعددي، إلى الفرز الطائفي. لا جدال في أن هناك الكثير من المناضلين والمعارضين يحسبون على الأقليات الدينية، وهم بالتأكيد الأكثر تعرضاً للضغوط الأمنية والاجتماعية. لكن الحشود الثائرة تحمل سمات أحادية طائفية واضحة. مشهد يثير الخوف لدى الأقليات ويثير الألم والحنق لدى الثوار. هذا المشهد المريع هو بلا شك صنيعة النظام، ولكن ماذا فعل المثقفون حياله؟ أين ذهب القسم الأكبر من مثقفي الأقليات، أولئك الذين يمثلون أغلبية في الأوساط الثقافية عموماً بحكم هجرة الريف إلى المدينة التي تعيش الآن جيلها الثالث، والاهتمام بالتعليم كطريق ممكن للصعود الاقتصادي والاجتماعي، وهو ما ساهم في رفد الأوساط الثقافية المدنية التقليدية بأجيال من المبدعين في شتى المجالات، وهي حالة عاشتها سورية كسواها من دول العالم. لكن حين دقت ساعة التغيير وتراجع أغلب المثقفين على اختلاف مشاربهم، كان لتراجع المثقف الأقلوي أثر أشد وطأة..


9 - the dynamic of revolution(5)
ali ( 2012 / 1 / 18 - 23:59 )
فعودته إلى مواقعه الأهلية، سواء أكان السبب ارتداده إلى مرجعيته الطائفية، أو خوفه من مواجهة سطوة العائلة والمحيط الاجتماعي من جهة والسلطة المتربصة بهكذا اختراقات من جهة أخرى، كانت تعني ـ هذه العودة ـ انفصاله كلياً عن مرجعيته الفكرية، ليتحول هذا الذي أنهك عمره في تثبيت تمايزه عن محيطه الفطري إلى فرد من جماعة إن غوت غويت. ولعله لم يدرك أنه حين جعل من انتمائه الطائفي حاجزاً بينه وبين دوره التاريخي إنما كان يخون مبادئه وشعبه وطائفته. فالأقليات الدينية لا تلام على حذرها وتخوفها من الهزات الاجتماعية في مرحلة تعج بالصراعات الدينية والطائفية على المستوى العالمي عموماً وفي الأقليم خصوصاً، لكن الشريحة المثقفة تلام، وتتحمل المسؤولية، على تقصيرها في تقديم نموذج مغاير يتجاوز منطق الأقليات.


10 - the dynamic of revolution(6)
ali ( 2012 / 1 / 19 - 00:00 )
تقاعس المثقف الأقلوي كان يعني تعزيز اللون الأحادي لحشود الثورة، ومساعدة النظام في وضع حدود الخوف بين الطوائف، ولعل الجملة التي أطلقتها باكراً المناضلة العنيدة خولة دنيا كانت تستشرف هذه المعادلة حين هتفت: شاركوا في الثورة كي تشبهكم. ولو أن بضعة آلاف خرجوا من مثقفي الطائفة العلوية للاحتجاج، لو أن آلافاً خرجوا في المناطق ذات الأغلبية الدرزية أو المسيحية من مثقفي هذه الطوائف كما حدث لمرات في مدينة السَلَميّة، لو أخذ المثقفون على قلّتهم دورهم التاريخي منذ الأشهر الأولى لكانت جغرافيا الثورة تشمل كل متر في سورية، ولكانت الثورة نفسها أكثر قوة وجمالاً وتوازناً. إلا أن ما حدث هو أن عشرات من هؤلاء المثقفين حاولوا كسر صمت مناطقهم متحملين قمعاً شرساً من الأمن والشبيحة، بينما انكفأ غالبيتهم على ذواتهم الفطرية، وراحوا يكتشفون يوماً بعد يوم أن الثورة لا تشبههم، وأن اختلافهم عنها في ازدياد مستمر. دون أن يعرفوا، أو يعترفوا، أن موقفهم هو من صنع هذا الاختلاف وبدّد الانتماءات العقلانية بشكليها الاجتماعي والثقافي، في الوقت الذي كانت الانتماءات السياسية الفوق طائفية قد قزمها بطش النظام منذ زمن بعيد..


11 - the dynamic of revolution(7)
ali ( 2012 / 1 / 19 - 00:01 )
المتابع للمشهد السوري يلحظ دون عناء عفوية الثورة السورية، فهي تتقدم وفق تصاريف الأحوال، مدعومة بتراكم هائل للقهر وإرادة أكيدة بالتغيير لدى الثوار، إضافة إلى شجاعة في مواجهة النظام تتجاوز التحليل والتفسير. لكنها ـ أي الثورة ـ لا يديرها عقل أو استراتيجية أو منهج يمكن تعيينه، رغم كل الإبداع والتقدم الذي أحرزته مظاهرها في غير مكان.
هذه التوصيفات لا تنتقص من قيمة الثورة، لكنها تثبت من جديد الأثر المريع الذي خلفته خيانة الوسط الثقافي. فمئات المثقفين الذين التزموا بمبادئهم ونصرة شعبهم كانوا قلة وموزعين جغرافياً إلى حدٍّ جعل من المستحيل عليهم تشكيل تيار فاعل ومتمايز في الشارع. واقع فرض عليهم أن يتوزعوا أفراداً وجماعات في عدة مسارات تتراوح بين النشاط الجمعياتي عملاً وتنظيماً وإعلاماً وبين الالتحاق بالكيانات السياسية للمعارضة.


12 - the dynamic of revolution(*)
ali ( 2012 / 1 / 19 - 00:02 )
ورغم أن المعارضة التقليدية ظلت لعقود منفصلة عن الشارع بحكم قمع النظام أساساً، إلا أنها سرعان ما حاولت ركوب موجة الثورة، وهو ما نجحت فيه إلى حد بعيد، فهي تشكل الآن الجسم الرئيس لكل من قطبي المعارضة: المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق الوطنية. بينما أدى ضعف حضور الوسط الثقافي في الفعل السياسي في لحظة الثورة إلى اقتصار دور المثقفين على ممارسات ومشاركات فردية، على أهميتها وبطولتها، غير قادرة على تشكيل تيار مؤثر في الحراك ذاته أو في أطر المعارضة نفسها.
ولعل تجربة برهان غليون في رئاسة المجلس الوطني تشكل مثالاً لموقع المثقفين في الكواليس السياسية للمعارضة. فالحضور الهزيل لمن يحسب على الإطار الثقافي في تلاوين المعارضة سحب من المثقف أي قدرة على التأثير حتى ولو بلغ مراتب قيادية. إذ إن وحدته في فضاء لا يشبهه كثيراً، وتغلب عليه التكتيكات، إن لم نقل التلاعبات، السياسية، وعدم وجود تيار واضح يدعمه، أو يمكن أن يلتقي معه على العمق ذاته، تجعله مضطراً لتكرار ما يقال حوله بالبساطة الممكنة كي لا تسحب جموع الثوار الثقة منه!


13 - the dynamic of revolution((9)
ali ( 2012 / 1 / 19 - 00:05 )
بالمقابل حافظ بعض المثقفين على مقدار من الاستقلالية، في محاولة منهم لخدمة الثورة كل حسب موقعه وإمكانياته، بما في ذلك تغطية النقص المنهجي والنظري الذي تعاني منه الثورة، كما هو حال الجهود التي يبذلها، على سبيل الذكر لا الحصر، ياسين الحاج صالح للتفاعل مع الثورة فكرياً.
ويبدو أن إدراك المثقفين الثوار لمحدودية وزنهم، وإحساسهم بعقدة الذنب تجاه تخاذل وخيانة الأكثرية من أبناء وسطهم، جعلتهم في كثير من الأحيان يتجنبون نقد أهل الثورة في الميادين، ويتعجلون الدفاع عن خطاباتهم وإيجاد مسوغات لها حتى عندما تصطدم بمبادئهم، أما حين ينتقدون فيحاولون الابتعاد عن مرجعية قيم الحداثة كي لا تبدو فجة في وجه شارع لا يحمل الكثير من الوعي النظري، لكنه يصنع الأمجاد في كل لحظة.
هذا المزيج من الحماس الثوري وعقدة الذنب تنتج في بعض الأحيان قراءة مثالية للثورة تخلط بين المطالبة بالتحرر من القهر والظلم والمطالبة بالحرية الفردية وحرية الاعتقاد، وبين الاحترام التقليدي للمرأة واحترام حريتها، وبين المدنية والعلمانية. قراءة تعاني من قوة الاستقطاب الموجودة بين اتجاهين متنافرين طرفاه الاستبداد والثورة، ما يجعلها تغرق أحياناً


14 - the dynamic of revolution(10)
ali ( 2012 / 1 / 19 - 00:07 )
في حالات من التقديس والتبجيل لكل من يقاوم المستبد لترفعه عن مستوى النقد. بل إن ظاهرة صوتية كعدنان العرعور بما يمثله من غوغائية وتعصب وظلامية قد نجد من المثقفين من ينتقده للجانب الطائفي في خطابه، ويسكت عنه في خطابات أخرى. بالمقابل يصعب أن نجد من ينتقد عبد الباسط الساروت حين يعظّم ويمجد العرعور، وكأن شجاعة الساروت وبطولته الاستثنائية، تجعله خارج مستوى النقد، إن لم تنصّبه مرجعاً للثورة. ألم تنصح إحدى صفحات الفيسبوك الحاشدة برهان غليون أن يسمع ما يقوله الساروت وينفذه دون نقاش!!
قتامة صورة خيانة الوسط الثقافي لا تطمس بأي حال جهود مئات من المثقفين على اختلاف أماكن إقامتهم ومواقع مساهمتهم. جهود تحقق الكثير للثوار والثورة وإن لم تكن قادرة على التأثير في بنيتها. ولا أعتقد، في هذا السياق، أن الحراك الطلابي في الجامعات السورية يستطيع أن يستدرك الخلل، فمن جهة تأخر هذا الحراك ستة أشهر تقريباً بعد انطلاق الثورة، وهو ما يعني أن بدايته كانت لاحقة للشروخ الجغرافية والسياسية التي أحدثها النظام في المجتمع،


15 - the dynamic of revolution(11)
ali ( 2012 / 1 / 19 - 00:09 )
كما أن انتشار الجامعات وتوزعها في أغلب المدن قلل من تنوع الجسم الطلابي في هذه الجامعة أو تلك، دون أن يقلل هذا القول من أهمية وحيوية هذا الحراك في إطار الثورة فهو يضمن، في حال تبلوره، حضوراً شبابياً متآلفاً ومتماسكاً سيكون له ولا شك دور مهم قبل وبعد سقوط النظام.
لا مفرّ من الاعتراف بأن المثقفين تأخروا عن التأثير جذرياً في لوحة الثورة، لكن المدينة الكبيرة التي ينتمون إليها بأغلبهم ما زالت تنتظر حشدهم، ومازالت سورية تنتظر بفارغ الصبر انتفاضة مدينتيها الكبيرتين. صحيح أن المثقفين أقل الناس حباً للحشود.. لكنها سبيلهم الوحيد كما يبدو للوصول إلى الحرية التي يعشقون.


16 - السيد علي
فرج الله عبد الخق ( 2012 / 1 / 19 - 10:59 )
بعد التحية
استمتعت بقراءة رأيك في الوضع السورب خصيصاً فيما يتعلق بدور المثقفين السوريين، تحليلك طويل و متشعب وأنا لا أريد الرد على مراحل كما علقت أنت لذلك سأرد عليك في مقال خاص.
مرحلياً اوافقك الرأي بأنه لا وجود لدور فعال للمثقفين لكني أخالقك عندما تعتبر وجود بعضهم في المراكز القيادية هو مشركة بالثورة فالمجلس الوطني الذي يشارك به غليون هم عبارة عن تحالف الإسلام السياسي مع المرتبطين بالصهيونية وجدوا أنه من الواجب استخدام وجه نظيف فتبرع غليون.
غياب الدور الفعال للمثقفين الثوريين في الحراك السوري يعيدني إلى التسائل الذي أطرحه دوماً ما هو البديل الوطني المطروح في سورية؟ ولا تقل أن البديل هوما نراه اليوم في سورية. على كل حال انتظر مقالي. فرج


17 - لرجاء الانتباه
فرج الله عبد الخق ( 2012 / 1 / 20 - 07:29 )
when you have some time ,please read the article on this link
best regard
السادة في الحوار المتمدن ما هو المخالف للقواعد في التعليق السابق؟؟؟؟
السيد علي أرجوك أرسل الرابط

اخر الافلام

.. لأول مرة منذ 7 عقود، فيتنام تدعو فرنسا للمشاركة في إحياء ذكر


.. غزيون عالقون في الضفة الغربية • فرانس 24 / FRANCE 24




.. اتحاد القبائل العربية في مصر: شعاره على علم الجمهورية في ساب


.. فرنسا تستعيد أخيرا الرقم القياسي العالمي لأطول خبز باغيت




.. الساحل السوداني.. والأطماع الإيرانية | #التاسعة