الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سياسة المقاومة ومقاومة السياسة

معقل زهور عدي

2005 / 1 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


منذ فترة وجيزة ذكرنا السيد فاروق القدومي في مقابلته مع احدى الفضائيات بالشعار الشهير الذي أطلقته حركة فتح في منتصف الستينات من القرن الماضي وهو ( الفكر ينبع من فوهة البندقية ) ، وكما يذكر الكثيرون فقد لاقى ذلك الشعار هوى في نفوس كثير من الشباب المتحمس في المرحلة الأولى من انطلاقة فتح وحتى العام 1970 ، وبعد أحداث ايلول المؤلمة في الأردن بدأت موجة مراجعة لنهج المقاومة ، ومثل أحد أهم المدارس العقلانية العربية في تلك المراجعة الياس مرقص في كتابه ( نقد الفكر المقاوم ) .

وعلى أية حال فقد تأكد اليوم ان الفكر لاينبع من فوهة البندقية ، أما ( الفكر ) الذي ينبع من فوهة البندقية فهو ( الفكر ) المؤهل للسقوط أمام فوهة المدفع .
ليس الخطر المحدق بنا يتمثل فقط في نزعة الاستسلام أمام الهيمنة العسكرية والسياسية الأمريكية – الصهيونية والسعي للتكيف معها فيما يتعلق باحتلال العراق ، ولكنه يتمثل أيضا في فهم المقاومة فهما أعور باختزالها الى أعمال مسلحة لاتتطلب سوى انجاز التنظيم والتدريب وتأمين الأسلحة والتخطيط للعمليات وتنفيذها واعتبار أن الباقي ليس سوى تحصيل حاصل ، وأن النصر لايحتاج الى أكثر من ذلك ، هذه النزعة تشابه الى حد بعيد التيار الذي ساد حركة فتح في انطلاقتها والذي ينظر بازدراء الى دور الفكر والاستراتيجية والسياسةفي قيادة العمل المسلح وبالتالي يضع العربة امام الحصان .
هذا التيار ( العملي ) انتهى فعلا في التجربة الفلسطينية ليس الى اهمال السياسة ولكن الى سياسة مشوهة ، مختزلة ، هي مزيج من التلاعب والفردية والطبخات السرية ، ومن ثم الى القفز فوق القيم الأصلية والأهداف الكبرى التي كانت وراء انطلاق العمل المسلح حينما تم التلويح له بمشاريع وهمية وانجازات صغيرة مغمسة بشروط الارتهان .
تذكرت ذلك وأنا أقرأ حديث أحد قادة المقاومة في الفلوجة الى مندوب وكالة القدس ( قدس برس ) في 28 كانون الأول عام 2004 ، وبمقدار ما تشجعت لما أنجزته المقاومة من عمل قتالي مذهل ، بمقدار ما حزنت لذلك الخطاب المقاوم الذي لايرى أي معنى أوجدوى في السياسة ، يقول السيد أبوسعد الدليمي ردا على السؤال: لماذا لم تفرز المقاومة العراقية وبعد نحو عام ونصف من بدايتها جناحا سياسيا ؟
( أنت تقصد جناح الذل والخضوع والخنوع كما عمل البعض لاوالله ما أخذ بالقوة لايسترد الابالقوة والدم اننا نرى ان الجناح السياسي هو القتال ) .
السياسة اذن هي القتال ولاشيء آخر ، اما العمل السياسي فهو الخضوع والخنوع ، كلام السيد الدليمي في غاية الوضوح ولايحتاج لتفسير .
يتمنى المرء بالطبع أن لايكون هذا المنطق سائدا في المقاومة وأن يكون مجرد وجهة نظر ضمن وجهات نظر أخرى ، ولكن بروزه بمثل هذا الوضوح يستحق التوقف عنده ونقده بدافع الحرص على المقاومة وانتصارها لانقد من يبحث عن ذريعة لادانتها .
ينسى السيد الدليمي أن عمل المقاومة العراقية يستند في الجوهر الى أمرين :
الأول : تغذية الشعب لها بالرجال باستمرار وأن يتزايد ذلك مع الزمن .
الثاني : بيئة شعبية حاضنة للمقاومة تؤمن لها الحماية والتغطية وتتحمل مقابل ذلك ردود الفعل الوحشية لقوات الاحتلال .
وهذين الأمرين الجوهريين قابلين للزيادة والنقصان وفقا لحسن ادارة الصراع المرتبط بمدى وعي المقاومة وصحة نهجها السياسي ، وبالتالي فان احتقار العمل السياسي سيبعد المقاومة عن الميدان الحيوي لها مما يعني ترك المجال أمام الآخرين لتنفيذ خططهم والاكتفاء بدور المنفعل بالاحداث بدلا من صنعها .
وحتى لو تم عرقلة وافشال الاستراتيجية الأمريكية – الصهيونية الحالية للعراق فلن يمكن الانتقال نحو الامام من دون استراتيجية مقابلة ، اظهار الازدراء للسياسة يعني ادارة الظهر لوعي أبعاد المعركة وضروراتها وعزل المقاومة سياسيا مما يمهد لعزلها شعبيا وجغرافيا وهذا ما تسعى اليه الاستراتيجية الامريكية في العراق
وبالتالي فان الف باء استراتيجية المقاومة يفترض ان يكون منع عزلها ، وبالتأكيد فان مثل ذلك الهدف لايمكن الوصول اليه الا بوسائل وادوات سياسية وحين نختار بارادتنا ادارة الظهر للسياسة نكون قد اخترنا ان نجرد انفسنا من السلاح .
مواجهة الاحتلال في العراق تحتاج الى حشد وطني وبرنامج وطني وتحالفات وطنية ، وتحتاج الى استراتيجية وتكتيك وقدرة على المناورة السياسية تماما مثل الحاجة الى المناورة العسكرية ، يعترف السيد الدليمي أن المقاومة العراقية لم تتبع في الفلوجة التكتيك الصحيح حيث ابقت على جزء كبير من قوتها داخل المدينة في مواجهة غير متكافئة في حين ان استراتيجيتها المفترضة ليست المواجهة ولكن حرب العصابات ( الكر والفر ) ويمثل هذا الاعتراف تقدما في الوعي العسكري ، لكن يبقى أن عليه ان يعترف ان المقاومة لم تعط الأهمية المطلوبة للعمل السياسي ، وقد ظهرت آثار تلك النقيصة في الافتقار للآتي:
1- يحتاج توحيد العمل العسكري لفصائل المقاومة الى مرجعية سياسية لضمانه وديمومته .
2- قطع الطريق على المحاولات المستمرة للاحتلال وعملائه في تصوير المقاومة كفعل طائفي غير وطني وربطه بالارهاب .
3- انجاز اللقاء مع تيار مقتدى الصدر والتيارات المقاومة الآخرى هذا اللقاء الذي يتوقف عليه مصير العراق في الواقع .
4- ايجاد منبر اعلامي لنفي الاكاذيب حول عمل المقاومة وايضاح الحقائق ومواجهة الحصار الاعلامي

لقد لمسنا في حركات المقاومة الفلسطينية وعيا متقدما لضرورة العمل السياسي حيث تم تمييز القيادة السياسية وظيفيا عن القيادة العسكرية في كل من فتح وحماس والجهاد الاسلامي والفصائل المقاومة الاخرى ، وكذلك بالنسبة للمقاومة اللبنانية ،وعلى المقاومة العراقية ان تستفيد من التجارب التي سبقتها .

تظهر معركة الفلوجة من جانب القدرة القتالية العالية للمقاومة العراقية ، ولكنها تظهر أيضا حقيقة أن المقاومة العراقية مازالت في البداية من وجهة نظر التنسيق فيما بينها ونضج الوعي للحاجة الى برنامج سياسي وطني وجبهة عمل سياسية وطنية ، ومالم يتم تدارك هذه النقيصة المفجعة فان ثغرة كبيرة ستظل مفتوحة في عمل المقاومة ، وبدون شك فان أعداء المقاومة يعرفون جيدا كيف يستغلونها كما فعلوا بكل جهدهم حتى الآن .

معقل زهور عدي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف ردّ أسامة حمدان على سؤال CNN عن حالة باقي الرهائن الإسرا


.. حزب الله اللبناني..أسلحة جديدة في الميدان!




.. بـ-تجفيف القادة-.. إسرائيل في حرب غير مسبوقة مع حزب الله| #ا


.. فلسطينيون في غزة يحمّلون حماس مسؤولية جرّ القطاع إلى الحرب




.. الجيش الأميركي: تدمير زورق مسير وطائرة مسيرة تابعة للحوثيين|