الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبجدية الثورة الإصلاحية الحسينية

علي محمد البهادلي

2012 / 1 / 11
مواضيع وابحاث سياسية



في بدء كل ثورة أو انتفاضة عندما يرافقها بعض الهفوات والسقطات والانتهاكات، تسمع وسائل الإعلام والمراقبين والمحللين السياسيين يبررون مثل هذه الخروقات ويعطون الحق للثورة ولدعاتها، إذ إن ما من ثورة أو تغيير يخلو من السلبيات والانتهاكات الطفيفة أو غيرها، وهذا هو دفع ثمن ضريبة الثورة والتغيير لا بد منه كما يزعمون.
بيد أن الثورة الحسينية خالفت كل معايير البشر وتبريراتهم، ووضعت أسساً أخلاقية راقية جداً لكل من أراد أن يلتحق بركب الصديقين والشهداء، وهذه الأسس والمبادئ التي يجب أن يتمثلها أصحاب الخط الرسالي في كل زمان ومكان في طريق الانتفاضة والثورة هي:
ــ تعريف الجماهير بالخط الرسالي الحق وإبراز معالمه ومزاياه والهدف من الثورة؛ كي يكون اندفاع الجماهير نحو الثورة اندفاعاً واعياً خالياً من الروح الانفعالية التي سرعان ما يخفت أوار لهيبها، من ذلك قوله(ع): (( إنا بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة، بنا فتح الله وبنا ختم)) وقوله (( رضا الله رضانا أهل البيت)) وبما أن هذا الخط أبعد عن قيادة الأمة على الرغم من أنه صمام الأمان لبقاء الرسالة على نقائها؛ لذا كان يجب الخروج لإرجاع المسيرة الصحيحة لهذا الدين؛ لذا نسمعه(ع) يوضح الهدف من الثورة،إذ يقول:((لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله لآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر)) .
ــ تشخيص الخلل المراد إصلاحه، وبيان فداحة النتائج المستقبلية إن بقيت الحال كما هي عليه، لكن من دون أن يصاحب هذا إشهار سيف التشهير والتسقيط الشخصي الذي يؤدي بدوره إلى شخصنة الخلاف ويجعل صاحبه ضيق الأفق بدل أن تكون رحبة، إلا إذا كانت المشكلة والخلل المراد إصلاحه متمثلاً في شخصية الخصم، وأبو الأحرار(ع) شخص الخلل منذ أيام معاوية بيد أنه لم يخرج؛ بسبب بنود الصلح الذي عقده الإمام الحسن(ع) مع معاوية وظل حافظاً للعهد ولم ينكث على الرغم من نقض معاوية للكثير من بنود الصلح، ومما بيَّنه (ع) في أيام معاوية هي قوله له: (( واعلم أن لله تعالى كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وليس الله بناسٍ لأخذك بالظنة وقتلك أولياءه على التهم، ونفيك إياهم من دورهم إلى دار الغربة، وأخذك للناس ببيعة ابنك الغلام الحدث، يشرب الشراب ويلعب بالكلاب))وقوله لعامل يزيد على المدينة: ((ويزيد رجل فاسق شارب الخمر وقاتل للنفس المحرمة معلن بالفسق ومثلي لا يبايع مثله)) وحذرهم بعاقبة تقاعسهم عن نصرته وسكوتهم عن الباطل الذي يمثله يزيد بأن الله سيبتليهم بولاة يسونهم سوء العذاب يتخذونهم خولاً ومال الله دولاً بينهم!
ــ تعبئة الجماهير بوسائل التعبئة كافة، منها التعبئة الإعلامية واستخدام عناصر الإثارة العاطفية واستثارة المشاعر الدينية، دون أن يخدش ذلك بسلامة الهدف ونقاوة الوسيلة، وما أروع كلام سيد الشهداء في جميع مراحل خروجه من المدينة حتى مثواه الأخير في كربلاء، إذ إنه يجعل السامعين يتكهربون لعذوبة منطقه وسلامة منهجه والعواطف الجياشة التي نثرها(ع)من ذلك قوله: (( ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً، فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً))وقوله:(( وهل من الموت بد؟ فإن لم أذهب اليوم ذهبت غداً))وقوله: (( أيها الناس إن رسول الله قال: من رأى سلطاناً جائراً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً سنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله)).
ــ تقديم الاعتراضات للجهات المراد الثورة عليها ووضع الإصبع على السلبيات؛ كي تكون بمثابة إلقاء حجة، وإنذاراً أخيراً قبل البدء بالتحرك الثوري، ومن ذلك ما نقلناه من اعتراضه على معاوية لعدة أمور أحدها توليته يزيد وفيها قال (ع): ((ما أراك إلا قد خسرت نفسك وتبرت دينك وغششت رعيتك وسمعت مقالة السفيه الجاهل وأخفت الورع التقي)).
ــ إلقاء الخطب والبيانات في معسكر الجهات الموالية للوضع الفاسد، لكسب ما يمكن كسبه من عناصر وإنقاذهم مما كانوا عليه في خندق الباطل، وتحييد ما يمكن تحييده من أفراد الأمة المغرر بهم، وتبيان أنهم إن لم يكونوا مع الثورة، فالأجدر من الناحية الاجتماعية والمعايير الإنسانية أن لا يكونوا مع المفسدين، وفي ذلك يقول الإمام الحسين للقوم يوم عاشوراء:((أيها الناس انسبوني من أنا؟ ثم ارجعوا إلى أنفسكم وانظروا هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكم وابن وصيه؟! أوليس سيد الشهداء عم أبي ؟!! أوليس جعفر الطيار عمي؟!! أولم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة؟!)) وقوله:(( إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم، وارجعوا إلى أحسابكم وأنسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون)).
ــ التدرج في العمل الثوري؛ وهو استقراء الساحة من الناحية الموضوعية، ووضع برنامجاً واضحاً يسير قائد التغيير على وفقه، مع وضع بعض المرونة تلافياً للأوضاع المحتمل وقوعها، فأول بوادر الثورة كانت على عهد معاوية لكن تأجيل الثورة كان مرتبطاً بكثير من الظروف منها بنود العهد الذي عقده الحسن(ع) ومنها دهاء معاوية في إخفاء أعماله المنكرة وقضية صحابته المزعومة لرسول الله(ص)!!! ، أما بعد موت معاوية فقد توالت رسل أهل الكوفة في دعوة الحسين إلى مبايعته والانتفاضة معه على بني أمية، وتحرك بذهنية القائد السياسي الواعي، فبعث إليهم ابن عمه مسلم ابن عقيل ليستعلم الأمر، وأما بعد مقتل مسلم، وقرب وصول أبي عبد الله إلى الكوفة، فقد كان الخيار العسكري لا مناص منه لا سيما بعد إصرار الجيش الأموي على رفض جميع الخيارات التي عرضها الإمام (ع) أمامهم.
ــ نكران الذات وتقديم الإنسان أعز ما يملك في سبيل الهدف؛ فذلك يعطي للأمة انطباعاً إيجابياً عن شخصية القائد ونزاهته وزهده في مناصب الدنيا وزخارفها، وهو ما بدا واضحاً في تخييره لأصحابه وأهل بيته في الانصراف وتركه يلاقي المصير المحتوم وحده، وتقديمه أفلاذ كبده من الأبناء والإخوة وأبناء عمومته، حتى رضيعه الصغير.
ــ الثبات على المبادئ حتى النفس الأخير، وعدم المساومة وعدم القبول بالتسويات لاقتسام المغانم، وكانت كلماته الأخيرة من أروع ما قيلت في الإباء والكبرياء وسمو النفس وعدم قبول الدنو مما يشينها، إذ قال: (( لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر إقرار العبيد، ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين : بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وجدود طابت وحجور طهرت وأنوف حمية ونفوس أبية لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام)).
ــ المشاعر السامية تجاه البشرية جمعاء، وإظهار مشاعر الحزن والأسى حتى تجاه أعداءه؛ لما سينالهم من خزي في الدنيا وعذاب في الآخر، وهو ما ظهر جلياً عند بكائه(ع) في آخر لحظاته المقدسة، إذ عندما سألته أخته زينب عن سبب البكاء، فكان الجواب: أبكي على هؤلاء القوم يدخلون النار بسببي: وهو ما صوره الشاعر في قصيدته الدالية أروع تصوير:
ورأيتك النفس الكبيرة لم تكن
حتى على من قاتلوك حقودا
فعلمتُ انك نائل ما تبتغي
حتما وإن يكُ شلوك المقدودا

وبأن من قتلوك ودوا عكس ما
قد كان لو علموا المدى المقصودا

ظنوا بأن قتل الحسينَ يزيدُهم
لكنما قتل الحسينُ يزيـــــدا
هذه هي أبجدية الثورة الإصلاحية، قام برسم حروفها الذهبية أبو عبد الله الحسين، لكن هذه الحروف بقيت خالدة خلود الزمان والمكان مخضبة بأحمر الدماء؛ دلالة واضحة للإنسانية على سمو الفضيلة وقبح الرذيلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوضاع مقلقة لتونس في حرية الصحافة


.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين: ماذا حدث في جامعة كاليفورنيا الأ




.. احتجاجات طلابية مؤيدة للفلسطينيين: هل ألقت كلمة بايدن الزيت


.. بانتظار رد حماس.. استمرار ضغوط عائلات الرهائن على حكومة الحر




.. الإكوادور: غواياكيل مرتع المافيا • فرانس 24 / FRANCE 24