الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش الثورة المصرية (36): محاولات على هامش الوطن والثورة

عبير ياسين

2012 / 1 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


أحاول أن أظل بعيدة عن الوطن، بعيدة بقدر بعد الجغرافيا ولكن النبض أقرب، والوطن الذى يسكن القلب لا يمكن أن يغيب ولهذا كلما حاولت الابتعاد زاد التعب وزاد الشوق والحنين وعدة للانغماس وبشدة فيما يحدث.

أحاول أن أبقى بعيدة عن الصور المشوهة مكتفية بالصور التى أحتضنها للوطن واللقطات التى لا تنسى لثورة كانت نابضة قبل عام تقريبا. وأحاول أن ابتعد عن صور مشوهة تملأ المشهد وعن شخصيات كثيرة تاجرت ولا تزال تتاجر بالوطن وبثورته وبكل ما يمكن أن تتاجر به من أجل كراسى ومناصب ومصالح وأقنعة جديدة تغطى الأجواء فى مرحلة ما بعد الثورة.

أحاول أن أركز على الوطن الحقيقى ومصر الحقيقة المتواجدة فى أماكن كثيرة ليس شرطا أن تظهر على الفضائيات والصحف وشاشات التلفزيون. وأحاول أن أركز على الدم الحقيقى الذى سال ولا يزال على أرض الوطن لمن يريد أن يراه وليس لمن يريد أن يلتقط معه صورة لزوم البروفايل الجديد بعد أن سيطرت صور الميدان والدبابات على المشهد قبل عام فى محاولة البعض لاثبات الوطنية واثبات دعمهم للثورة وتدشين تجارة جديدة فى سوق بيع الوطن والإتجار بدمه وعرضه وحاضره وماضيه ومستقبله، فالتاجر أحيانا لا يهتم بالسلعة ولا بالمستهلك ولا بما يبيع ويشترى بقدر ما يهتم بحساباته فى نهاية العام وحصاده الخاص مهما كانت وسيلة الربح.

أحاول أن أؤكد على دور المصرى كانسان يدفع الثمن مرات ومرات، يدفع الثمن قبل الثورة بصبره، ويدفع الثمن بعد الثورة بصبره، ثم يدفع الثمن مرات ومرات بأهانته وتهميشه والمس بذاته من مداخل طبقية وسلطوية تلبس أحيانا كثيرة ثوب الديمقراطية والإصلاح أو تتحدث باسمهم. وأؤكد أن المواطن فى صمته وفى ثورته شريك فى الثورة لأنه تحمل ويتحمل ولم يحصل على ما ينتظره بعد فى حين أن الكثير من المنتفعين والتجار يحصدون بالفعل نتاج التغيير النسبى الذى شهدته مصر حتى وهم يوجهون الاهانات للوطن والمواطن.

أحاول أحيانا كثيرة أن أبعد العاطفة والقلب عن المشهد، أن أجفف دموع العين وجرح القلب وأتمسك بالأمل فى اليوم الذى يسترد فيه المصرى حقه ومكانته وتسترد مصر تألقها وعافيتها وأعرف أن الطريق طويل وأن ما حدث حتى الآن هو تغيير القمة بأسماء جديدة أما الجوهر فلازال واحد مهما اختلفت الأسماء. وأن أتمسك دوما بأهمية الذاكرة، فالنسيان هو الآفة الأخطر التى نعانئ منها وندفع ثمنها دوما وكم مر بمصر من أحداث وشهدت فى تاريخها من منتفعين وتجار وأقنعة تتبدل وتتغير حسب الموجة وحسب المشهد وتعيد إنتاج نفسها مرات ومرات فى حين ينسى المواطن ويصبح النسيان حالة وعامل من عوامل استمرار الفساد والإفساد.

أحاول أن أؤكد أننا شركاء فى الثورة بما نملكه من ذاكرة وبما نعرفه من حقائق وبقدرتنا على إعمال العقل وتفعيل النقد والشك من أجل الوصول للحقيقة. أحاول أن أؤكد أن الاتساق هو الأساس وأن من يتبع آليات سلطوية وغير ديمقراطية ولا يؤمن فى مجاله وإطار عمله بقيم الحرية والمساواة والتمكين والشفافية غير مؤهل لتطبيقها فى الواقع، وأن الأيدى النظيفة فقط قادرة على أن تكون شريك فى الإصلاح فلا يمكن توقع حماية القط للفأر ولا الفاسد للإصلاح والديمقراطية والتغيير.

أرى صور كثيرة مشوهة رغم ما ترتديه من أقنعة وما تقوله من كلام براق يشمل كل المفاهيم الكبرى التى يطالب بها الجميع ويكررها الجميع فى سوق الوطن فتفقد الكثير من معناها وتشوه بقدر تشوه من يتحدث باسمها. أشاهد سيدة تحارب عمل النساء فى مكانها وترفض تشغيل المزيد من النساء لأن طبيعة مسئوليات المرأة من وجهة نظرها معيقة للعمل. تساءلت يوما عن كيفية وصولها لمنصبها وعدم شعورها بالإمتنان لأن من أوصلها لمنصبها لم يفكر فيها بوصفها مجرد أمراة كما تفعل هى مع غيرها؟! وتعجبت من حديثها المستمر عن المرأة والتمكين وعن أن يصدقها أحد وأن تقدم بوصفها نموذج للمرأة فى عالم ما بعد الثورة، وفى القلب أدرك أنها لا تعبر عما تقوله ولكنها أيضا ترتدى قناع قابل للاتجار به دوما وقابل لوضعها فى مقاعد جديدة والمهم قابل لأن يصدقه البعض ويشيد بها ويأخذ عنها.

أتعجب ممن تحدث دوما عن نفسه بوصفه المحارب الأول ضد الفساد والمدافع عن الفضيلة رغم أنه لم يقدم يوما وثائق كفيلة بإدانه أحد أو الكشف عن فساد حقيقى ومحاسبة فاسد؟! أتعجب أن يكون قادرا على الاستمرار بقناعه وقادرا على ايجاد من يستمع له ويصدقه ما قبل الثورة وبعدها رغم أنه لم يكن الا أداة من أدوات النظام المراد اسقاطه فى محاربة خصومه وتهديد من يحاول الخروج عن الخط المرسوم له، لا أتعجب من القناع بقدر تعجبى من تصديق الناس للقناع والإشادة بتلك الأقنعة المشوهة. من الطبيعى أن يرتدى هؤلاء أقنعة جديدة حسب الموقف لأن تاريخهم ملئ بالأقنعة ولكن العيب فينا أو فيمن يصدق منا أن الفاسد يمكن أن يصلح أو أن صاحب الأقنعة المستفيد بالفساد يمكن أن يحاربه.

أتعجب ممن كان يخجل أن يعلن مصريته ويصر فى جلساته المختلفة على الإشادة ببلدان أخرى درس فيها أو زارها وعمل بها كيف استطاع أن يقفز على ساحة التحرير ويتحدث باسم الوطن ويتحول لرمز من رموزه بعد أن أصبح الوطن ساحة متاحة لقناعه ووسيلة للعلو والسمو والارتفاع، أتعجب ولا أصدق ما يقول فمن ينكر حق أمه- وطنه فى الحياة عند المرض أو الفقر لن يتحول لانسان براق بعد أن يشيد بهم من أجل الميراث فهو لا يمثل الا حالة من حالات المتاجرة بالأوطان أكثر منها صحوة ضمير أو بر بوالدين.

أتعجب أحيانا كثيرة من صور مشوهة ولكن أكثر ما أتعجبه أن يجد البعض ممن يدافعون عن الثورة ويعتبرون رموز لها لدى الإعلام قدرة على الجلوس مع أسماء كثيرة لم تخرج من قوائم العار ولم تقدم دليل على ما قالته فى حق الثورة والثوار أثناء أحداث الثورة، ولم تقدم أعتذار ولكنها بدلا من ذلك قدمت نفسها بوصفها سبب من أسباب الثورة وعامل من عوامل نجاحها مستندة على النسيان آفة الحارة وعلى شخصيات كثيرة قبلت الجلوس معهم وتلميع برامجهم وأعطائهم مصداقية لم يكن من المفترض حصولهم عليها.

حتى الآن وبعد عام نجد أن مصر لازالت حزينة وأن الدماء لازالت تسال وأن المواطن لازال عليه أن يشد الحزام ويتحمل حتى ينتهى التجار من توزيع الغنائم ورسم الطريق والإستيلاء على ثورته تحت دعاوى الاستقرار والأمن الشخصى والخروج الآمن والعفو عند المقدرة ولسان حال هؤلاء التضحية بمصر من أجل مصالحهم فى سياق لا يختلف عن سياق مبارك ونظامه الذى لم يسقط ولن يسقط ما لم نتذكر ونعيد للذاكرة قيمتها ونتخلص من آفة النسيان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع


.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر




.. أردوغان: حجم تجارتنا مع إسرائيل بلغ 9.5 مليارات دولار لكننا


.. تركيا تقطع العلاقات التجارية.. وإسرائيل تهدد |#غرفة_الأخبار




.. حماس تؤكد أن وفدها سيتوجه السبت إلى القاهرة