الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة التركية وسياسة -صفر مشاكل-

زوهات كوباني

2012 / 1 / 11
مواضيع وابحاث سياسية



قبل فترة ادعت تركيا، على لسان رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان، وكذلك وزير خارجيتها أحمد داوود أوغلو، انها تمكنت من تحقيق سياسة "صفر مشاكل"، في الداخل، والجوار، ومع العالم أجمع. كما ذهبت إلى انها اكثر تقدماً من الدول الاوروبية في الكثير من النواحي الحقوقية. واقتنعت الكثير من الاوساط العربية والكردية بهذه الدعايات والاقاويل واعتبروا كل من يقف في وجه تركيا عقبة في طريق التطور والتقدم. والغريب في الامر هو الاصوات الكردية التي تطالب بدعم ومساندة تركيا بقيادة أردوغان، وادعاءاتها بدعم حكومة حزب العدالة والتنمية الثوراث المندلعة في منطقة الشرق الاوسط، ووجود نية لديها بحل القضية الكردية. والكثيرون ذهبوا، واضعين الثقة في اردوغان وأوغلو وتصريحاتهما الحماسية، بأن تركيا لن تبقى مكتوفة الايدي إزاء القتل الذي يجري لجيرانهم، وانها ستقدم على حماية المدنيين من بطش الأنظمة الحاكمة انطلاقا من مهامها الانسانية والتاريخية. والمروجون لهذه الاقاويل كثير منهم من المعارضين القابعين في انقرة واسطنبول، والذي يتلقون أوامرهم منهما، وهم الذين كانوا وراء الترويج والتعبئة لإقامة منطقة عازلة في سوريا، بإشراف تركي، لحماية المواطنين والمدنيين العزل.
لنتوقف على وضع تركيا في النواحي الداخلية والاقليمية والعالمية، ولنقارن هذه الادعاءات مع المعطيات الموجودة. قبل كل شيء حكمت الامبراطورية العثمانية شعوب المنطقة، وخاصة العرب، لمدة خمسة قرون ادخلوهم خلالها في جهل وتخلف كبيرين. فالاتراك الذين جاؤوا الى هذه المنطقة مع الالفية الاولى اصبحوا سلاطين على المنطقة بانشاء الامبراطورية العثمانية، وحكموا الشعوب مستغلة العنصر الديني في المنطقة، وتغيير دينهم الوثني. واستفادوا من وضعهم العسكري في التنقل على شكل عشائر، واكسبهم هذا ديناميكية، وسرعة الحركة، ومميزات في الحرب، والقتال، ودخولهم في الجيوش الاسلامية، وبعدها السيطرة على هذه الجيوش، وصولا الى تاسيس امبراطورية يغلب عليها الطابع التركي، وهكذا استعمروا الشعوب الاخرى بمختلف اساليب واشكال الحيل والخداع، وارتكبوا بحقهم المجازر، ومارسوا ضدهم العنف والترهيب والتهديد، وما المجازر التي ارتكبوها ضد الشعب الكردي، والأرمني، والشعوب الأخرى، الا خير مثال على الهمجية التي مارسوها ضد شعوب المنطقة. هذه الخلفية التاريخية، المليئة بالقتل والدمار، هي السبب في محاولة الاتراك اليوم اطلاق الشعارات البراقة، والكلامات المنمقة، ودغدغة عواطف واحاسيس شعوب المنطقة، من اجل التاسيس لإقامة امبراطورية عثمانية جديدة. وتركيا تحاول بناء امبراطورية جديدة بمقاسات القرن الحالي، تتناغم مع العولمة، ولهذا تلجأ الى استخدام الاسلام السياسي، معتبرة اياه النموذج الذي يجب ان يحتذى به، اي امبراطورية عثمانية جديدة، ولكن بغلاف وزي مختلفين.
الدولة التركية في الوقت نفسه لا تتخلى عن سياساتها الرعناء بحق الشعب الكردي، فهي ترتكب بحقه جرائم ابادة جماعية، وتزج بالالاف من السياسيين، والصحفيين، والبرلمانيين، ورؤساء البلديات، والاطفال، في السجون والمعتقلات، إي انها لا تزال مصرة على سياسة القتل والبطش فيما يخص الشعب الكردي وقضيته العادلة. اضف الى كل هذه الجرائم استخدامها الاسلحة الكيمياوية، المحرمة دولياً، ضد القوات الكردية، وآخر مجازرها بالاسلحة الكيمياوية كانت في منطقة "جقورجة". كما انها ارتكبت في التاسع والعشرين من شهر كانون الاول الماضي مجزرة مروعة بحق مدنيين كرد في قرية "روبوسكي" ذهب ضحيتها 34 مدنيا كرديا بريئا.
إلقاء نظرة سريعة على هذه المجازر، والانتهاكات الفظة، التي ترتكبها تركيا بحق الشعب الكردي، وبأمر مباشر من أردوغان، يعني ان الدولة التركية تعاني من ازمة داخلية خانقة، أي لا "صفر مشاكل" داخلياً، ولا يمكنها ان تكون سنداً حقيقياً الى شعوب المنطقة، وسط هذا التنكيل اليومي بالشعب الكردي. كما ان علاقاتها مع دول الجوار، ايران وسوريا والعراق، تحولت الى عداء، وتهديداتها بالتدخل في سوريا يعني انها تعاني مشكلة مع هذا الجار، كما ان احتواءها للمعارضين السوريين، والمنشقين عن الجيش السوري، من شانه ان يجر سوريا الى حرب اهلية، وهذا يعني ان انقرة تلهث فقط وراء مصالحها، وليس مصلحة الشعب السوري، وكل هذا يشي بان تركيا تعيش ازمة حقيقية مع دول الجوار، ويشي بفشل سياسة الصفر مشاكل التي اعتمدتها. وعلى الصعيد العالمي، فلنأخذ الدول الاوروبية مثلاً، فرفض الاتحاد الاوروبي لقبول تركيا عضواً، رغم محاولات الاخيرة منذ اربعين سنة، والذي تشكل انتهاكات حقوق الانسان في تركيا احد اسباب هذا الرفض، والازمة الاخيرة التي نشبت بينها وبين فرنسا، معطيان على عدم استتباب العلاقات بين الجانبين، بل ووجود مشاكل وخلافات، ليس مستبعداً تأزمها في أي لحظة.
إن الاخذ بعين الاعتبار مجمل هذه الخلافات التي تعانيها تركيا، داخلياً واقليمياً ودولياً، يؤدي الى نتيجة مفادها ان تركيا ليست دولة صفر مشاكل، بل انها متخمة ومختنقة بالمشاكل، وليس من السهل عليها الخروج منها، سيما مع ممارستها القتل والارهاب، وارتكاب المجازر، وحملات الاعتقالات، وعدم معرفتها تقاليد الديمقراطية والحضارة والمدنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صلاة العيد بين الأنقاض في قطاع غزة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. البيان الختامي لقمة سويسرا: تحقيق السلام يستدعي إشراك جميع ا




.. هدنة تكتيكية تثير الانقسامات في الحكومة الإسرائيلية | #رادار


.. محادثات التهدئة بين شروط هنية وضبابية نتنياهو | #رادار




.. جدل واسع بإسرائيل إثر إعلان الجيش توقفا تكتيكيًّا للعمليات ج