الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ايران في العراق..

سامي فريدي

2012 / 1 / 11
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



صعود الاسلام السياسي كان له ثمن مبكر ومميز، ليس في مقتل السادات رئيس مصر (1981)، وانما بداية تدمير الحياة المدنية في الشرق الأوسط. صعود الاسلام السياسي الممثل في وصول الخميني للسلطة واعلان جمهورية ايران اسلامية، لم يكن دالة استقرار ورفاه وتدعيم ركائز السلام في مستقبل الشرق الأوسط، وانما قلقلة الأوضاع وزيادة معدل الاضطراب في المنطقة.
الدولة الدينية الجديدة لم تعلن عن نفسها في صورة (مملكة) اسوة بدولة دينية تقليدية، وانما استعارت من الحداثة الفرنسية صفة (الجمهورية)*. اعلان (الجمهورية) الأول في فرنسا (1798) لم يكن مجرد نهاية لنفوذ السلالة الملكية في فرنسا، وانما كان أكثر منه، بداية عصر سياسي جديد في أوربا والعالم. ولكن استعارة (الخميني) للجمهورية، قلما كانت سؤالا للراصد السياسي في المنطقة، رغم كثرة من تناولوا الظاهرة والفوا فيها.
جمهوريات الشرق الأوسط في العموم هي انقلابات على (أنظمة ملكية). جمهوريات علمانية –غير دينية-، حداثية –غير تقليدية-، عسكرية ثورية – غير سلالية عائلية-، دستورية –لا تحكمها ارادة ملكية سماوية-. وعندما تنضم ايران للركب الجمهوري فهي توحي بنص حداثي عصراني، انما تخذ قالبا اسلاميا. الاسلام الشيعي كان بالنسبة للمعاصرين لغزا، ولابد انه يختلف عن دول متعارَفة تحت لواء الاسلام كالمملكة السعودية مثلا!.
حتى تلك السبعينيات، لم تكن روح اليأس والتشاؤم قد طبعت الثقافة العربية، ولم تكن نذر الشرّ والخراب علنية كاليوم. وشخصية الخميني الدينية، الخارجة من كواليس (حوزة*) النجف للأفق العالمي، كان الغموض ما يزال يلفها ويحيط بتصرفاتها وتصريحاتها الثورية. كان الخميني يتحدث عن الفساد والاستبداد والاستكبار والمظلومية والحرية وحق الجياع والمظلومين، وهو نص مغر، ثوري ومثير لكل اليسار العالمي كبطل جديد ينضمّ لخندق مقارعة الامبريالية الرأسمالية المستكبرة. كم كانت نسبة الذين أملوا في نسخة حداثية ثورية من اسلام منفتح ينسجم مع روح العصر وينطلق للمستقبل بشجاعة الوجود؟.. هل كان الخميني نفسه واعيا لكل ما يحدث، ولحجم الأمال المعلقة عليه؟..
حتى الآن لم تتناول الاقلام* طبيعة الغموض والتناقض والانطوائية والعدوانية الكامنة في رجل دين لا يحدّ حقده حدّ. ولا أعتقد أن جملته الأخيرة تلك حركت المعلقين.. "تناول السمّ بيدي كان أهون عليّ من ايقاف هذه الحرب!". لقد استطاع الخميني، في ظلّ جملة الاحتفاء الاعلامي العالمي المحيط بشخصه ونشاطه، خداع الملايين، ليس داخل ايران والعراق، وانما في كل العالم، ليس من اسلاميين محبطين ويائسين، وانما علمانيين ومثقفين، بينهم أدورد سعيد مثلا. وعندما تلتبس أوضاع المنطقة، وتسقط ايران في قاع الفساد والاستبداد والتخلف وشرور الاقطاع الديني، بالكاد يلتفت أحد، ويستذكر موقفه السابق.
ايران.. وليس السعودية.. كانت عراب السيناريو الغربي (الأميركي) للشرق الأكبر الجديد ( new grand orient). هل جاء الخميني لتحقيق توازن تاريخي في الاسلام، بين يساره ويمينه، نصا وتطبيقا، أثر قرون من السلبية والتجاهل؟.. ان الخيال اشدّ إغراء للعرب من الواقع. ما يزال كثر يكررون ان الولايات المتحدة الاميركية كانت تدعم النظام العراقي ضد ايران في الحرب، فيما الواقع ان نظام التسليح العراقي روسي، ونظام التسليح الايراني اميركي، والغرب عموما – الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والمانيا والنمسا- دعموا الطرفين المتحاربين عسكريا، سواء بشكل مباشر وعلني، ام سري وغير مباشر- عبر وسطاء.
في النتيجة.. ان الولايات المتحدة وقفت إلى جانب ايران في القضاء على صدام ونظامه، الهدف الذي حاربت من أجله ايران ضدّ العراق، وكلاهما اليوم يحتل العراق عسكريا وسياسيا واقتصاديا، وبناء على رغبتها، قدمت القوات الأميركية (رأس صدام) على طبق للنظام الايراني وشيعة المالكي. هل يمكن الافادة من كلّ المعطيات الواضحة على ارض الواقع لكشف الصلات الحقيقية وراء (ثورة الخميني الشعبية) كما أعلنها ساسة أيران نموذجا قياديا لثورات الربيع العربي الشعبية، وما يعقبها من فوضى وفساد وتخلف لا يقل عما تحقق في ايران الاسلامية.
لم تنعزل ايران عن الشرق الأوسط يوما، ولم يقف حاجز اللغة أو العرق ضدّ هذا الارتباط. وسواء في التاريخ القديم او المعاصر، في محور الصراعات الاسلامية الداخلية حول الزعامة السياسية والمذهبية، أو محور الصراع العربي الاسرائيلي، كان لايران حضور وامتياز غير قابل للتجاوز، وكانت على الدوام بديلا جاهزا لملء الدور والفراغ. وفي المشروع الأميركي للشرق الأوسط الكبير، ليست ايران هامشا، وانما هي قلب الشرق الأميركي الجديد. وفي كل من حربي الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق كانت ايران الاسلامية لاعبا رئيسا على الصعيدين الدولي والداخلي. وكلما تنحسم ملفات شرق أوسطية، يصبح الدور الايراني اكثر انجلاء ووضوحا.
لماذا وقفت الولايات المتحدة بكلّ قوتها ضدّ هيمنة العراق على الكويت، وتتواطأ اليوم مع ايران في هيمنتها على العراق، وكلّ من الدول الثلاثة تتصدر (ليست أدنى من الأخرى في صدارة) الاحتياطي العالمي في النفط؟!!.. ما هو التصور الغربي للأطماع التوسعية والحلم الامبراطوري العتيد لايران؟.. التواطؤ الأميركي الايراني ليس وليد الحالة العراقية، الاقليمية، وانما أقدم منه بكثير يعود إلى دور ايران في عمليات الارهاب الدولي، وتمويلها لنشاطات مشبوهة لتصفيات سياسية او عمليات تفجير واغتيال بحماية دبلوماسية من طواقمها العاملة في الغرب. ان ملف ايران الارهابي ينافس الدور الليبي على الصعيد الدوليّ، وهو المتصدر اقليميا، في مقدمته دورها في سوريا ولبنان وفلسطين. ليس البيت الأبيض، وانما الذين يوجهون البيت الأبيض والبنتاغون هم الذي ينظرون بعين العطف إلى احلام ايران البائسة، ويحمونها من تكرار السيناريو الأمريكي في العراق.!
لا أعتقد أن الغرب ألأمريكي كان يرغب أن يكون لعبه مكشوفا كما فضحه تعاونهما في العراق؛ ولكن القرار التركي الرافض لاستخدام أرضيها من قبل القوات الأميركية لاحتلال العراق، أسقط ورقة التوت الأميركية. بينما استفادت حكومة احمد نجاة في تخفيف أو تصفية أجواء المواجهة الاعلامية بين الطرفين.
كثيرون لا يريدون رؤية حقيقة الدور الايراني السياسي في العراق، والبعض يقلل من أهميته ويجد له تبريرات متواضعة، بيد أن فهم حقيقة الدور الايراني وابعاده سوف يساعد على رؤية مسنقبل المنطقة بشفافية ووضوح أفضل. أن أحد أسباب الحيرة التي تنتاب الراصد هو مراوغة الواقع بذرائع فكرية أو أحكام متوارثة سابقة أثبتت فشلها. وهذا هو سبب بقاء الرأي العراقي مشوشا متذبذبا عاجزا عن رؤية حقائق الواقع. وكلما استمر التشويش والارتباك واختلاف الراي بين العراقيين، استفاد المناوئون من الفوضى وابتعدت ضفاف النجاة عن أعين الأهلين.
ربما اعتقد البعض أن عودة ايران للاسلام، هو خطوة باتجاه التقارب مع أطراف العالم الاسلامي، وخصوصا العالم العربي. وفي ضوء (التشارتر) الاسلامي –كعقد مشترك-، كان من حق المجموعة الخليجية الاستبشار بنهاية أطماع التوسع الفارسي في بلادهم. لكن دخان تصريحات الخميني النارية كان قد أعمى كلّ بصيص. فالانتماء العرقي لأهل ايران وملاليه أقوى من علاقتهم بالاسلام. والانحياز للشعور القومي الايراني أقوى من الانحياز لديانة عروبية تفترض من منتسبيها تعلم العربية وقراءة كتابها (بلسان عربي مبين).
ان حقيقة كون النزعة القومية الفارسية أقوى من أية عقيدة دينية، أمر يفترض عدم تجاهله في قراءة خريطة العلاقات الدولية في الشرق الأوسط. وفي مجال قوة الشعور القومي الفارسي، واعتدادهم به، لا بدّ من تذكر النزعة الاستعلائية للفرس على العرب (البدو) حسب نظرتهم التاريخية لهم. بل أن النظرة العنصرية الاستعلائية للايراني، ليست أقل من مثيلتها الاسرائيلية في الارث اليهودي، وبين الاثنين ما يكفي من وشائج تاريخية.
سامي فريدي
ــــــــــــــــــــــــــــــ
• في الثورة الشعبية ضدّ دولة الشاه لم يكن الاسلاميون وزعامة الخميني في مقدمة الاحنجاج، وانما كان هناك حزب (توده) أي الشيوعي الايراني، ومنظمة مجاهدي خلق على رأس المتظاهرين من الشبيبة وطلبة الجامعات والعمال والنساء، وكانت (الجمهورية) هي تطلع اليساريين والعلمانيين المتنورين، قبل أن تقع في أيدي الاسلاميين بعد وصول الخميني من فرنسا بالطائرة والذي لم يعلق بشيء حول الشارع عند وصوله، وبعد اسبوع من وصوله اعلن النظام الجديد وجرى تصفية اليساريين واحتكار السلطة في يد الخميني بعد حملات اعدامات (شعبية) مستمرة، بينها اعدام اربعة آلاف شخص في يوم واحد. فالخميني سرق ثورة الشعب الايراني واستبد بها بنفس غرار الثورة التونسية أو المصرية، أي نفس السيناريو. وما تزال الثورات الشعبية في ايران شبابية جامعية يقابلها النظام الحاكم بالنار والحديد والسجن والتشويه السياسي والاخلاقي لقياداتها.
• كلمة (حوزة) هي مفردة لغوية شيعية ايرانية التركيب واللفظ مشتقة من كلمة (حوض) والعجم لا يلفظون الضاء والظاد فيقلبونها زاء (زاي) فتكون (حوز) ثم أضيفت لها تاء مربوطة علامة الافراد، أي حوض واحد. والدالة الدينية العلمية للكلمة نابعة من وجود بركة ماء دائرية في طراز المسجد القديم، وكان الطلبة يتحلقون حولها للاستماع للدروس الدينية، ومنه جلوس الطلبة في دائرة حول المعلم. لذلك اختصت كلمة (حوزة) بالمدرسة التعليمية الدينية التي يرأسها المجتهد الأكبر، أو المرجع الديني الأعلى عند الشيعة، والتي تقابل كلمة (البابا/ بطريارك) عند المسيحيين.
• ثمة دراسة مميزة في سويسرا لعالم نفس نمساوي الأصل (GRÜN) بعنوان (Müttersohn) يتناول فيها دراسة شخصيات زعماء من منظار نفساجتماعي تحليلي بينهم هتلر وستالين والخميني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسؤول إيراني لرويترز: ما زلنا متفائلين لكن المعلومات الواردة


.. رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية يأمر بفتح تحقيق




.. مسؤول إيراني لرويترز: حياة الرئيس ووزير الخارجية في خطر بعد


.. وزير الداخلية الإيراني: طائرة الرئيس ابراهيم رئيسي تعرضت لهب




.. قراءة في رسالة المرشد الإيراني خامنئي للشعب حول حادث اختفاء