الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نستمرّ أو لا نستمرّ؟ هذا هو السؤال

زكرياء الفاضل

2012 / 1 / 12
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


عرفت سنة 2011 منعطفا مهما في تاريخ شعوب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تجلى في بدء العقد الثاني من الألفية الثالثة بملحمة شعبية خالدة قضت على الاستبداد السياسي والحكم الوراثي في بعض البلدان، بينما تشهد أقطار أخرى استمرار المعركة من أجل الحرية والكرامة إلى حد اليوم. ولم تستثني هذه الملحمة التاريخية بلاد المغرب الأقصى رغم زعيق نظامه المخزني باستثنائيته. لكن أ يكون للمغاربة الحق في الاستمرار بمطالبة إسقاط الفساد والاستبداد بعدما تشكلت وتعيّنت حكومة العدالة والتنمية؟ ألا تكون الاستراتيجة المتوخاة من وراء هذا الشعار هي إسقاط الوطن وتجزئته إلى دويلات؟ ألا يكون هدف اليسار الإطاحة بالحكومة الملتحية لتلميع صورته؟ لماذا لا نعلن ثورة هادئة على الفساد حقنا للدماء؟ ماذا سيخسر اليسار لو يدعم سياسيا الحكومة الجديدة بدلا من انتقادها؟
هذه التساؤلات منبعها كاتب مغربي شاب في مقال له نشر على موقع جريدة هسبريس المغربية الإلكترونية، ونظرا لأهميتها ارتأيت أنها بادرة طيبة لحوار مدني متحضر يعبر كل من خلاله عن رأيه بشكل ديمقراطي إيمانا بالتعددية الفكرية ونسبية الحقيقة.
أ - إن قرار استمرارية المعارك المصيرية من أجل الكرامة والحرية ومجتمع العدالة الاجتماعية لمن حق الجماهير الشعبية وحدها، ولا يمكن لأي كان أن يفرض عليها رأيه. فهذه الجماهير الجائعة والعاطلة والمهمشة والمنبوذة من طرف السلطة المخزنية هي التي أعطت الانطلاقة لربيعها المغربي، وهي التي ستضع له حدا عندما ستظهر لها بوادر التغيير الحقيقي، الذي من أجله خرجت للشوارع معرضة نفسها لبطش وقمع النظام المخزني الطبقي. ورغم هذه البديهيات لابأس أن نجيب بخصوص الحكومة المعينة.
الجواب يكمن في عبارة "تعيين الحكومة"، إذ ما نطالب به، كمغاربة يسعون لحكم ديمقراطي مدني ومتحضر، هو حكومة منتخبة وليس معينة. عندما رفعت الجماهير الشعبية شعار "ملكية برلمانية"، فإنها كانت تقصد النموذج البريطاني أو الإسباني .. أي رئيس الحكومة ينتخب من طرف الشعب ليكون مسؤولا أمامه عبر ممثليه الحقيقيين بمجلس نواب الشعب ذو صلاحيات فعلية وليس هيأة مهمتها استشارية فقط. أما وأن الحكومة لاتزال تعيّن من طرف القصر، الذي يحدد لها صلاحيتها وحقائبها بدستور قديم في حلة جديدة ترك كل السلطات بيد فرد واحد أوحد، فلا يمكن الحديث عن تطور للمسار الديمقراطي بالمغرب، لأنه منعدم أصلا. فبعض الثقب، التي أحدثت في غطاء طنجرة غليان الشعب، أملتها ظروف التغيرات الحاصلة بالعالم، وأسرع ببعض خطواتها تسونامي الربيع العربي. فالنظام المخزني، كما علمنا التاريخ، لا يتنازل عن بعض القشور إلا مكرها تحت ضغوطات خارجية، أما ما تعلق بالداخل فهو يتولاه بالقمع والبطش وحتى استخدام الرصاص الحي ضد المواطنين. لكن ربيع الشعوب المسماة بالعربية قلب الموازين، وأضحى جليا أن التغيير ممكنا والمفزوع اليوم ليس هو الشعب.
إن حكومة العدالة والتنمية هي من أقصت نفسها بنفسها والجماهير المحتجة بريئة من الإقصاء براءة الذئب من دم يوسف. فهي قد وضعت نفسها في خندق معادي للشعب وتموقعت داخل السلطة المخزنية حين تشكلت من أطراف مخزنية لها سوابق مع الشعب، وحين أخلت بوعودها حول تقليص الحقائب الوزارية حفاظا على مال الشعب، وحين خصصت أكثر من مليارين لحاجيات القصر وهي التي لم تضع ميزانيها بعد، وحين تخلت عن وزارة المالية والاقتصاد لعناصر لا يريدها الشعب، بل فككتها وجعلتها وزارتين لتزيد ثقلا على كاهل الجماهير الكادحة. وهذا ليس إلا غيض من فيض والباقية آتية في المستقبل العاجل.
أودّ بدوري هنا طرح بعض الأسئلة للنقاش هنا: كيف يمكن التوقف عن الاحتجاج وتراب قبور شهداء حركة 20 فبراير لازال طريا؟ كيف يمكن إعلان الهدنة وجروح مناضلي الحركة لاتزال تسيل؟ كيف يمكن مغادرة الشارع ومعتقلوا الحركة لازالوا قابعين في سجون النظام المخزني؟ لماذا التنازل يجب أن يكون من طرف الشعب دون الجانب المخزني؟ أما كفت تنازلات الشعب منذ عهد الاستقلال النسبي إلى انطلاقة الربيع المبارك؟
ب – إذا كان طرف يريد إسقاط الوطن وتجزئته فإنه ليس الشعب وطليعته حركة 20 فبراير الشبابية. فمنذ البداية والحركة تطالب بشكل سلمي بالتغيير ولم تعتصم بالشوارع والميادين إلى أن يزهق الباطل ويظهر الحق، وربماهذه إحدى أخطائها، بل اختارت المسافة الطويلة، دون المائة متر، رغم صعوبتها واحتياجها لطول نفس وتكتيك ليس باليسير. فقد اختارت هذا النهج لإيمانها بالنضال المدني المتحضر، وحفاظا على وحدة التراب الوطني. فالحركة رغم شبابها وحداثتها تعلم جيدا أن أعداء وحدتنا الترابية متربصين بالوطن وينتظرون الفرصة المناسبة لتنفيذ قرارات أسيادهم، لكن تعنت النظام المخزني وتشبته بالشكل الإقطاعي لبنيان الدولة المغربية، الموروث عن القرون الوسطى، هو الذي بدأ يدفع بالبعض إلى أحضان التطرف والقرارات الاندفاعية والتهورية. إذا من يريد إسقاط الوطن وتجزئته؟
ت – عند ذكر اليسار كثيرون هم من يقصدون تلك الأحزاب ذات المرجعية المخزنية والتاريخ اليساري، ولا يفرقون بين اليسار الحقيقي، الذي لم يشارك في لعبة الديمقراطية المخزنية ولازال مخلصا للوطن والشعب رغم كل المحن، التي مرّ ولايزال يمر منها. لكن الإعلام المخزني والمأجور يربط دوما إسم اليسار بتلك الأحزاب التي باعت الوطن والشعب بالمناصب والحقائب الوزارية تشويها لمفهوم اليسار الحقيقي والشريف.
إن أي حزب كيفما كانت قوته لا يمكنه الإطاحة بأية حكومة إلا إذا سانده الشعب في ذلك، لهذا إن أسقط طرف معين حكومة بنكيران فإن ذلك لن يعني سوى أنها أخفقت وابتعدت عن الجماهير فنبذها وعزف عنها الشعب.
إن المتربص بحكومة العدالة والتنمية هي الحكومة الجديدة عينها والأحزاب المخزنية وليس اليسار الشريف، الذي لا يقوم بأكثر من واجبه الوطني نحو شعبنا الكادح والمناضل. فيسارنا يعمل فقط على فضح الحيل السياسية لهذه الحكومة وكشف تواطئها مع النظام المخزني، ولا حاجة له بتلميع صورته اللامعة بتضحيات مناضليه داخل السجون المخزنية وخارجها. وإذا كان البعض يربط حب الوطن بحب رأس الدولة فتلك مشكلته وحقه وكل حر في ممارسة قناعاته السياسية.
ج – إن ما يحصل بالمغرب من احتجاجات لا يمكن بشكل من الأشكال وصفه بالثورة على الفساد والاستبداد، بل هي مجرد انتفاضة شعبية سلمية. ذلك لأن الثورة تكون لها قيادة معينة ببرنامج محدد يستهدف هدم القديم من أجل بناء جديد وهي عملية لا تخلو، للأسف الشديد، من سيل الدماء. لهذا فالحديث عن ثورة هادئة يظهر قصور في فهم المصطلع أو قد يعبر عن تمويه مقصود لحاجة يدريها صابه. وإذا كان أحد يسعى للفتنة فهو النظام المخزني، الذي يماطل ويلتف على مطالب الشعب بعناد يحسد عليه، ويواجه الاحتجاجات السلمية بالهراوات و"المقلاع"، ويدهس بسياراته المواطنين المطالبين بحقهم في العمل بدلا من أن يتوجهو إلى طريق الإجرام والانحراف. إذا هي انتفاضة سلمية ضد الفساد والاستبداد ولا شيء أخر.
د – اليسار الشريف وكل القوى الوطنية المخلصة للوطن والشعب بدعمها للحكومة الجديدة ستخسر بداية نفسها، ثم سمعتها فجماهيرها، إذ من يدعم مرمّم ومزيّن السلطة المخزنية شريك في الاحتيال والالتفاف على مطالب الجماهير المنتفضة. وهذا يعني أننا سنكرر أخطاء الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية وغرهما ممن دخل لعبة الديمقراطية المخزنية، والمؤمن لا يلذغ من الجحر مرتين أليس كذلك؟
إن حكومة العدالة والتنمية لا سلطة لها وهذا ما ظهر بتعيين الملك للسفراء بعد تعيين عبد إله بنكيران رئيسا للوزراء، وهي رسالة واضحة تبيّن من رب البيت في المغرب. كما يجب الانتباه لما حصل مؤخرا لوزير الشؤون الخارجية والتعاون، حيث أرسله عاهل المغرب إلى وجدة لاستقبال أمير عربي، بينما أرسل الوزير المنتدب إلى إسبانيا للقاء رئيس وزرائها الجديد. وهذه أيضا رسالة مكشوفة توضّح أن الدكتور العثماني لن يمتلك سلطة فعلية بوزارته.
سؤال: هل الحزب الذي يريد الإصلاح الحقيقي يرضى بتموقعه شكليا في الحكومة تاركا السلطة الفعلية لأشخاص من وراء الكواليس؟ أليست هذه إهانة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ساعدت كوريا الشمالية إيران بهجومها الأخير على إسرائيل؟ |


.. مسلسل يكشف كيفية تورط شاب إسباني في اعتداءات قطارات مدريد في




.. واشنطن تؤكد إرسال صواريخ -أتاكمس- بعيدة المدى لأوكرانيا


.. ماكرون يدعو إلى أوروبا مستقلة أمنيا ودبلوماسيا




.. من غزة| 6 أيام في حصار الشفاء