الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بشار وخطاب فى اللغة العربية

عبير ياسين

2012 / 1 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


خطاب طويل يضع به الرئيس السورى بشار الأسد نفسه فى خانه واحدة مع رؤساء سابقين باحثا على ما يبدو على مساحة تاريخية يداعب بها القومية خطابا وشكلا ويبتعد عنها جوهرا. خطاب يمكن أن تستمتع له وأن تتوقف فى كل لحظة لتطالب بشار نفسه بأن يستمع لمقولاته وأن يقف بنفسه أمام مرآته ويعي تعريف السلطة والمسئولية والدور والوطن الذى يتحدث عنهم.

زعامات تعيد تعريف المواطن والوطن وفقا لمعاييرها ومصالحها الخاصة، فمن يقتل فى سبيل الحرية خائن وعميل فى شهادات المواطنة الرسمية ومن يناصر النظام أو يصمت ولو قمعا على أفعال النظام القمعى هو المواطن الصالح والشريف والمحب للوطن، مقولات ليست جديدة ونسمعها هنا وهناك حتى وأن اختلفت الكلمات المستخدمة يبقى الجوهر واحد والرسالة واحدة وتعريف "الزعامات" لنفسها و"رعيتها" واحد.

زعامات تتحدث عن أدوار كبرى وقضايا عابرة للحدود العربية بحثا عن شرعية ومبررات للاستهداف فى نظام لم يمثل تهديدا فعليا لما يسميه عدو ولم يحرر أرضه فى حين يتمسك بخطاب الأراضى الفلسطينية المحتلة ذريعة لتأجيل الإصلاحات أحيانا والحديث عن استهداف ومؤامرات خارجية فى معظم الأحيان. خطابات ضعيفة تبحث عن قشة خارجية لسند كراسيها الهشة مهما بقت وتعيدنا لمقولة فلسطينية انتشرت عندما تم الإعلان عن ما سمى جمعة انقاذ الأقصى فى نفس توقيت مليونية حق الشهيد فى ميدان التحرير، حيث طالبت أصوات فلسطينية بالتركيز على مصر لأن المعركة الآن ليست الأقصى، كما أن معركة فلسطين تمتد من كل عاصمة عربية حرة وقوية. والأهم فى حالة بشار وحالة كل من يتلاعب بالقضية الفلسطينية والمقدسات الإسلامية أن الدم لا يبدل والمقدسات لا يفترض أن تعمى العين عن رؤية الدماء المسالة والكرامة المهانة والوطن المنتهك من داخله.

خطاب يتحدث فيما يشبه حصة خطابة لأستاذ يعرف مفردات اللغة ولكن لا يملك روح الكلمات، فالكلمات تشوهت من كثر ما ترددت وتكسرت على أرض الواقع فأصبح الدرس ركيك والطلاب من الأتباع فقط المعنيون بتسخين الأيدى وتجهيز الحناجر لزوم حضور خطاب الزعيم الأوحد وتلاوة محاسنه وتقبيل أياديه الملطخة بدماء مواطنيه ربما لأنهم معه صدقوا ما قاله بأن من مات عميل ومن حارب خائن ومن بقى صامتا هو المواطن الشريف والصالح، أو لأنهم من البداية يعتمدون فى تعريف الوطن والمواطن على مقولات السلطان.

خطاب يذكرنا -مع الفارق الكبير- ببرنامج أذاعى مصرى رائع أسمه قل ولا تقل، فعلى نفس السياق أكد بشار أن علينا أن نقول تجديد سوريا وليس سوريا جديدة. خطاب لا يختلف إلا فى لغته عن غيره من خطابات عربية أخرى ترى أن الغاية الكبرى هى أن يمن السلطان صاحب المقام العالى الجالس فى العلالى على رعيته المنتظرة بمنحة كبرى تسمح لهم بأكل العيش على حساب الكرامة والبقاء على الحياة مقابل التسليم بالمكانة والتغاضى عن شكل السلاح الذى يحمى الحاكم والتغنى بعدله وكرمه ونبل أخلاقه والأهم تواضعه وتسامحه وأصلاحه وديمقراطيته.

علق البعض بعد الخطاب بأن الرئيس لم يقل كما قال سابقيه "فهمتكم" و"لا أنوى الترشح" ولم يقدم ما يثبت أنه فهم أو أدرك القضية ولم يقدم تنازلات، وأشار أحد وجوه المعارضة السورية إلى صدمته لأنه توقع خطاب تنحى فجاء خطاب مغاير. ومن جانبى أعتبر أن خطاب بشار جاء متسقا مع مسار الأحداث وما أعلنه حتى الآن وما أتخذه وحكومته من مواقف، أما توقع التنحى فلم يكن وارد. ولم يتجاوز خطاب بشار كونه نسخة من خطاب مناسبات مشابه للعديد من خطب المناسبات السابقة فى مصر حيث كان الرئيس الأسبق يخرج متحدثا عن انجازات الحزب وسياساته الحكيمة ونيته الراسخة فى تنفيذ إصلاحات تاريخية لابد أن تكون تدريجية تمتد لعقود الأب والابن والأحفاد أن لزم الأمر.

لم يخرج بشار عن السيناريو العربى فى نسخته القمعية وعبر عن مميزات نظامه وقبضته الداخلية التى جعلت المعركة معه مكلفة وطويلة وقدرته على الصمود والظهور بمظهر المتماسك اللامبالى أكبر ليظهر فى بداية خطابه مبتسما ومقدما الإعتذار للحضور لابتعاده عنهم لبعض الوقت وكأننا أمام مشهد معبر أخر من السينما المصرية وتحديدا فيلم الأرهاب والكباب حين يتحدث وزير الداخلية فى الفيلم عبر الهاتف مع الفتاة التى كانت ضمن الرهائن فى مجمع التحرير فتقول له بكلمات ساخرة حين يسألها أنها لم تعرفه من صوته أنه ليس مطربا مشهورا مثلا لكى تتعرف على صوته بمجرد أن تستمع إليه، وكأن خروج المسئول للحديث الاحتفالى هو القاعدة وصوته يجب أن يحفظ ربما بحكم سنوات البقاء فى السلطة. وبهذا جاء خطاب بشار متناقضا ما بين أشارته لغيابه عنهم لبعض الوقت فى البداية والعودة للتأكيد تاليا على عدم حبه للظهور الإعلامى وعدم مشاهدته لنفسه وخطاباته مرات أخرى. تعامل فى البداية بوصفه المطرب المشهور والضيف الدائم على المشهد والحوارات، ثم عاد ليؤكد على صورة رجل الحكم الزاهد فى مناصبه والخاضع للتكليف وليس التشريف كما تغنى من قبله.

أعادنى مشهد اللقاء لصور ممتدة عربية، صور لن يحدث تغيير ما لم تختفى من عالمنا العربى حيث الحاكم الزعيم على المسرح والحضور يمارس دور الضحكات والتصفيق المعلب فى البرامج الكوميدية القديمة، فلابد من الإيحاء بأن العرض ممتع ويحظى بالقبول ويستمتع به من يشاهده ويتابعه فتصرخ الأصوات بكلمات التقدير والتحية وتلتهب الأكف بالتصفيق.

صور معلبة لأوطان همش فيها الانسان وقمع من أجل صعود القلة، ومع كل صعود كانت تلك القلة تشعر بتميزها وتفردها عن الرعية فتزيد فى الظلم والقمع من أجل المزيد من العلو والسمو، وفى مسار الصعود الطويل والقمع الممتد نست تلك القلة أن هناك فى القاع شعب ووطن جريح ودماء تسال وكرامة تطالب بحقها فى التنفس، وعندما تصاعدت الأصوات نظرت القلة من مكانها العالى وكأنها تشاهد صور من عالم أخر لم تنتجه بأيديها فصرخت أيادى خارجية وقلة مندسة وطرف ثالث وأجندات وأموال ومواقف قومية وأعداء من الخارج وخونه فى الداخل فجاء نزولها للمشهد وتعليقها عليه نوع من الكوميديا السوداء حيث الزعيم الذى يخرج ليتحدث عن عالم أخر لا نعرفه ولا يعرفه على ما يبدو وأصوات صراخ حقيقية على خلفية الدم وأصوات هتاف معلبة من مسرح الزعامة.

يخرج كل زعيم ليتحدث عن القضايا القومية والمصلحة العليا والقضية الفلسطينية ولكنه ورغم قدرته على الرؤية خارج الحدود لم يكن قادرا على رؤية جزء من أرضه درسناه فى كتب التاريخ باسم الجولان كان يوما يوصف أيضا بأنه أرض سورية محتلة قبل أن يقرر النظام السورى أن تحرير الجولان على ما يبدو يبدأ من القدس وليس العكس فى محاولة لدحرجة القضية فالمعركة مؤجلة والأغانى الوطنية والإشادة بالروح القومية يمكن لها أن تعمل وسط أجواء اللا حالة التى قررها الزعيم فيما أسماه مواقف الصمود والتحدى.

لن تكون معركة سوريا وشعبها قصيرة ولن تكون سهلة كما هى حالة الوطن العربى كله فالعبرة ليست بأيام الثورات وسقوط زعامات عن كراسى فى عدة أيام أو عدة أشهر فالمعركة أطول وعقود الفساد والإفساد تمثل شبكات ممتدة فى كل بلد عربى وعبر الخريطة العربية وتفريعاتها الإقليمية والعالمية أحيانا كثيرة.

لا يضيع الحق ولا تضيع المطالبة به أن استمرت ولكنها ليست نزهة سهلة عندما يكون المواطن مقابل الدبابة والعنف والوجه القبيح للكراسى مقابل الرغبة الانسانية فى الكرامة والحياة الجديرة بالبشر، ولكن الظلم مهما طال سينتهى بشمس مشرقة وقلوب دافئة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تمهلي حنانيك
نور الحرية ( 2012 / 1 / 12 - 18:30 )
ولكن اية حقوق ومطالب نريدها اولا هل قيامنا بثورات بما سفك فيها من دماء ودموع وفي الاخير ياتي من يكفر بالحقوق والديمقراطية والمساوات كي يحكمنا نظام الاسد مثله مثل اي حكم قادم سيقوده الاسلاميون حتما ولا تقولوا لي معتدلين فهدفهم كالقاعدة وبوكو حرام واحد وان تعددت السبل فما ان نخرج من حفرة حتى نجد انفسنا في اخرى الا تعسا لحظنا


2 - أخزمجية وديمقراطية
سهار الزاهي ( 2012 / 1 / 12 - 21:48 )
شو حضرتك اخوانجية ؟شو كان البديل الدومقروطي في ليبيا ومصر وتونس؟حفنة من المنافقين وكلاء الكوبريشن من اصحاب الكومبدور والطبقة الاسلاموية الرثة

اخر الافلام

.. مفاوضات الهدنة: -حماس تريد التزاما مكتوبا من إسرائيل بوقف لإ


.. أردوغان: كان ممكنا تحسين العلاقة مع إسرائيل لكن نتنياهو اختا




.. سرايا الأشتر.. ذراع إيراني جديد يظهر على الساحة


.. -لتفادي القيود الإماراتية-... أميركا تنقل طائراتها الحربية إ




.. قراءة عسكرية.. القسام تقصف تجمعات للاحتلال الإسرائيلي بالقرب