الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لفهم اليسار الماركسي الديمقراطي الجديد

عبد الغني القباج

2012 / 1 / 14
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


لفهم اليسار الماركسي الديمقراطي الجديد

حركة 20 فبراير أكبر من أن تكرب على نضلاتها أحزاب أو قوى مهما كان حضورها... و اليسار الديمقراطي المناضل اليوم تجاوز هذه الأحكام التبسيطية و الفقيرة

عدد كبير من المناضلات و المناضلين اليساريين يبلورون تشابه بين ديكتاتورية البروليتاريا طرحها ماركس و لينين و الديكتاتورية الفاشية الاستبدادية، مع أنهم يتجاهلون ديكتاتورية البورجوازية التي تتوارى خلف الديمقراطية البرجوازية. لينين و الثورة الديمقراطية و الاشتراكية كان خلال فترة الثورة المضادة (1917-1919) و الحرب الامبريالية عندما انتقد بإفراط الديمقراطية البرجوازية و اعتبرها، و كان صائبا، ديكتاتورية البرجوازية.
و الحالة هذه، فالديمقراطية البرجوازية ليست بالنسبة للطبقة البرجوازية، إلا شكل من أشكال الدولة لممارسة السلطة، كل السلطة، لصالح، و فقط لصالح، المصالح الرأسمالية. يجب أن لا ننسى بأن الديمقراطية البرجوازية عندما استولت على السلطة في أروبا في القرن 17 و الـقرن 18 مارست ديكتاتوريتها على الطبقة الفيودالية. و السلطة البرجوازية قمعت بعنف بل و صفت هذه الطبقة الفيودالية و ملوكها. و كذلك قامت السلطة البرجوازية بمنع الملكيين من الحق في التنظيم في منظمات كما منعتهم من الحق في التعبير. و لم تسمح للملكيين بالتنظيم إلا بعد الحرب العالمية الثانية و صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1945. و لم تستمر سوى الملكيات التي تخلت عن السلطة و استحالت إلى ملكيات شكلية و رمزية منزوعة السلطة.
الماركسيون و الماركسيات، و هذا معروف، يناهضون جهاز الدولة لأن الدولة بالنسبة لهم لا يمكن أن تكون سوى شكل من أشكال ديكتاتورية الطبقة. لذلك ماركس حدد ديكتاتورية البروليتاريا كديكتاتورية تـُـوَلِدُ تحرر و تحرير الإنسان من جميع أشكال الاستغلال و الاستلاب.
بالنسبة للينين ديكتاتورية البروليتاريا هي ديمقراطية الطبقات الكادحة. و هذا الطرح فيه نقاش. لأن لينين و ثورة أكتوبر 1917 الديمقراطية و الاشتراكية الروسية كانت تواجه الثورة المضادة و البنيات الاجتماعية المتخلفة و الحكام و القوى الرأسمالية الامبريالية.
و ديكتاتورية البروليتارية لم تكن أبدا هدفا بالنسبة لماركس و لا حتى بالنسبة للينين. لأنهما ببساطة ناضلا من اجل تدمير الدولة في نهاية التحليل في مرحلة الشيوعية. لأن الدولة في تحليلهما ليست سوى شكل من ديكتاتورية طبقة أو تحالف طبقي تمارس على كبقة و فئات طبقية أخرى.
أما ستالين فلم يكن قط ذا كفاءة في التحليل السياسي الماركسي و لا كان منظرا للدولة و للاشتراكية كما بلورتهما نظرية ماركس و ممارسته السياسية. لذلك حول الدولة السفياتية إلى ديكتاتورية بوليسية.
و اليوم، نجد الماركسيين/الماركسيات، الذين مرجعهم ماركس و ليست الماركسية في تجلياتها بعده، يوحدون جدليا ماركسية ماركس و الديمقراطية و حقوق الإنسان و الحرية بكل تجلياتها و المدنية و المواطنة و المساواة... و بالنسبة للماركسيين/الماركسيات الجدد الدين يقاربون بعقل نقدي ماركس يربطون جدليا ماركسية ماركس بالديمقراطية و يربطون الديمقراطية بماركسية ماركس. بمعنى أنهم يناضلون نظريا و سياسيا و عمليا من أجل توسيع الديمقراطية الليبرالية و تحويلها إلى ديمقراطية لتشمل مصالح، كذلك، جميع الطبقات الشعبية (الطبقة العاملة و الفلاحين و العمال الزراعيين و التجار الصغار و الفلاحين بدون أرض و الأجراء محدودي الدخل و العاطلين و المعطلين...)، كما يربط جدليا الماركسيون/الماركسيات الديمقراطيون أو الماركسيون/الماركسيات الجدد، في الممارسة السياسية، الماركسية بحقوق الإنسان. و بالتالي فبالنسبة للماركسيين/الماركسيات الديمقراطيين الديمقراطية هي جوهر الاشتراكية الماركسية. و نعرف أن ماركس كان يعتبر أن الرأسمالية ثورية بالنسبة للدول المتخلفة. لإن مهام الديمقراطية الشاملة أو الراديكالية تتمثل في توسيع الحقوق السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية إلى أقصى حد و استفادة الطبقات و الفئات الاجتماعية الشعبية منها، أي بناء مجتمع الديمقراطية الشاملة التي تـُـثَوِ رُ قوى الإنتاج في النظام الرأسمالي محليا و عالميا تثويرا يجعل الرأسمالية تصل إلى مرحلتها النهائية، حيث تصبح غير قادرة على الاستمرار في التوسع و إيجاد الحلول لأزماتها و غير قادرة في الاستجابة، كنظام اقتصادي و سياسي اجتماعي مسيطر في المجتمع، لحاجات تطور المجتمع و الإنسان اقتصاديا و اجتماعيا و سياسيا و ثقافيا نحو حياة تصون كرامة البشرية و نموها نحو الأفضل.
في الواقع، اشتراكية ماركس، و لأن واقع الصراع الطبقي و التناقض في المجتمع الرأسمالي أفرز اشتراكيات أخرى، تبلورت من جوهر و أحشاء الرأسمالية أي من التناقض رأس المال/ عمل و من الأزمة العضوية للرأسمالية، الأزمة الملازمة للرأسمالية و الناتجة عن هذا التناقض. و نعرف أن ماركس لم تمهله الحياة و ظروفه القاسية كي يذهب بعيدا في استكمال مشروعه النظري و السياسي و العملي. إذ لم يخصص مثلا جزء من عمله النظري و السياسي لتحليل الدولة الرأسمالية و بنيتها و مؤسساتها و مجتمعها المدني كما فعل مع تحليله و نقده للرأسمالية.
و بما أن الرأسمالية مرحلة من مراحل تطور الإنسانية، شكلت الاشتراكية البديل الاستراتيجي الممكن و الواقعي للرأسمالية. ماركس إذن لم يتمم مشروعه النظري في حياته. لذلك أوضح المفكرون و المفكرات الماركسيون، و بالنظر لكون مشروع ماركس ليس عقيدة، أن المشروع الاشتراكي بقي مفتوحا للتطوير و للإبداع و للتجديد وفقا لتطور الصراع الطبقي و تناقض الرأسمال/العمل في البلد الواحد و على الصعيد العالمي لأن شروط تحقيق و تطور المشروع الاشتراكي مرتبط بتطور الرأسمالية إلى أعلى مراحلها أي إلى نهايتها. فالرأسمالية ليست سوى مرحلة من مراحل التاريخ الإنساني. لذلك الرأسمالية و أزماتها و تناقضاتها تتطور نحو نهايتها. و لذلك يعمل اليسار الماركسي الديمقراطي على تطوير بديل ديمقراطي يساري جوهره الحرية و المساواة، و العدالة الاجتماعية و المواطنة و إعمال و احترام حقوق الإنسان و تحرر المرأة و المجتمع، و مساواة بين المرأة و الرجل، و احترام البيئة و التعددية السياسية الديمقراطية و حرية الرأي و حرية الصحافة، و الحريات الفردية و العامة و حرية التنظيم و احترام الكرامة الإنسانية...
الحركة الماركسية الديمقراطية تستمر عبر العالم و خصوصا في أمريكا الجنوبية و أروبا و لدى بعض الماركسيين المغاربيين و العرب... تستمر في تجديد رؤيتها النقدية للماركسية التاريخية (أي التجربة السفياتية و الصينية و غيرها) و للرأسمالية و تطورها و تحول طبيعة و تمظهرات الرأسمالية و الرأسمالية التبعية و طبيعة العمل في المجتمعات الرأسمالية و المجتمعات المتخلفة حيث العمل/العاملة و الإنسان يخضعون لسلطة الرأسمالي و الكمبرادوري و لوسائل الإنتاج الرأسمالية الذين يُـفقدون الطبقات العاملة و الكادحة و الإنسان عموما قيمتهم الإنسانية و يحولونهم إلى سلعة. الحركة الماركسية الديمقراطية، اليوم، تستمر في تجديد وعيها و رؤيتها النقديين، كما تستمر في بلورة رؤيتها و ممارستها الديمقراطية و تجدد منهجها و وسائل عملها لتجاوز أخطاء الماركسية التاريخية و دوغمائيتها، و إسقاطاتها الإيديولوجية الجامدة، و بالتالي الحركة الماركسية الديمقراطية تبلور مقاربات و تحليلات نقدية لنضال الحركة اليسارية الاشتراكية في المغرب و في العالم...
و بالتالي فالقضايا الفكرية لليسار (الماركسي من منظوري و قد يكون غير ذلك من منظور رفاق و رفيقات آخرين) مرتبطة جدليا بقضايا اليسار السياسية و التنظيمية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية.. و قد فهمنا كيساريين جدد في نهاية ستينات و بداية سبعينات القرن العشرين هذا الارتباط و مارسناه.. غير أن اليسار الجديد أنذاك عانى من إذقاع نظري مهول أي لم يبلور مقاربة نقدية لأطروحات الماركسية التاريخية (الماركسية المطبقة) و لم يبلور قراءة ذكية و مبدعة و نقدية لأطروحات ماركس بارتباط مع واقعنا و واقع المجتمعات التبعية و المتخلفة.. لقد رفعت الحركة الماركسية البلشفية بقيادة لينين شعار "يا عمال العالم و ياشعوب العالم المضطهدة اتحدوا".. و هو يعي أممية الصراع مع الرأسمالية و ارتباط الصراع الطبقي بالصراع التحرر الوطني و بالصراع من أجل التحرر الأممي... في حين اكتفى اليسار الجديد في فترة نشأته في المغرب آنذاك بماركسية التأويل. و أستغرب ليساريين ينتقدون أطروحات ماركس دون الرجوع لنصوصه و الاعتماد عليها و فراءتها من خلال الواقع السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي الملموس في المغرب و في بلدان العالم الثالث، و هو واقع التبعية و العولمة الامبريالية الذي يعيش هؤلاء اليساريين تناقضاته العنيفة.. بل يكتفون بتأويلات الماركسية... و لم نر اليوم مثلا ماركسيين مغاربة يقاربون و يحللون علميا اقتصاديا و سياسيا و سوسيولوجيا و تاريخيا أزمة الرأسمالية و أزمة الراسمالية التبعية و أنظمتها اليوم و استشراف مستقبلها و مستقبل الاشتراكية كبديل واقعي ممكن لتجاوز نظام الرأسمالية و الرأسمالية التبعية و أنظمتها...
إنها إشكاليات الفكر اليساري الجديد و إشكاليات الممارسة السياسية اليسارية الجديدة.
و لسنا نطرح هذه الإشكاليات من باب الترف الفكري بل لوعي الواقع الملموس للمجتمع المغربي و لتشكيلته الاجتماعية و للفئات الطبقية التي من مصلحتها التغيير الديمقراطي؟ و للإجابة عن أسئلة لماذا نطرح التغيير الديمقراطي الذي بشعار "الديمقراطية هنا و الآن" و نناضل من أجله؟ و لماذا قاطعنا الدستور و لماذا قاطعنا "ديمقراطيهم" الانتخابية؟
نطرح هذه الإشكاليات لبلورة المشروع الديمقراطي البديل للـ"ديمقراطية" المخزنية الكمبرادورية التبعية؟ و ما هي متطلبات هذا المشروع الديمقراطي البديل و برنامجه في الممارسة السياسية و الاجتماعية و النقابية و الثقافية و المدنية و التنظيمية؟ نطرح هذه الإشكالات لفهم لماذا جزء حركة الاسلام السياسي اندمج في النظام السياسي المغربي؟ من يمثلون سياسيا و إيديولوجيا من الفئات و الطبقات الاجتماعية؟
و نطرح هذه الإشكالات لفهم لماذا حركة اليسار المعتدل اندمجت في نظام سياسي تبعي غير ديمقراطي؟ و من تمثل هذه الحركة سياسيا و إيديولوجيا من الفئات الاجتماعية؟
و نطرح هذه الإشكالات لفهم لماذا لدينا كثرة الأحزاب التي تدعي اليسارية؟ وما طبيعة يساريتها؟ و ما هي طبيعة مشروعها الديمقراطي؟
نطرح هذه الإشكاليات لفهم لماذا كحزب اشتراكي موحد لم نتقدم في مشروعنا السياسي و لماذا تقدم اليسار في أمريكا اللاتينية و أروبا الشرقية و بعض بلدان آسيا التي كانت تنتمي للاتحاد السفياتي؟ في حين يتراجع اليسار في المغرب رغم دينامية حركة 20 فبراير...؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مرسيليا على أتم الاستعداد لاستقبال سفينة -بيليم- التي تحمل ش


.. قمع الاحتجاجات المتضامنة مع غزة.. رهان محفوف بالمخاطر قبيل ا




.. غزة: ما هي المطبات التي تعطل الهدنة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. البنتاغون: الانتهاء من بناء الميناء العائم الذي سيتم نقله قر




.. مصدر مصري: استكمال المفاوضات بين كافة الأطراف في القاهرة الي