الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات شعرية عراقية

عبد الجبار منديل

2012 / 1 / 14
سيرة ذاتية


في سنوات الاربعينات من القرن العشرين كنا في مدرسة قريتنا (الفاضلية) التابعة لمحافظة الديوانية نحفظ الشعر ضمن الواجبات المدرسية التي يكلفنا بها المعلمون ومن ضمنها الاناشيد المدرسية التي نقراها في الاصطفاف الصباحي اليومي والتي تجعل المدرسة والتي لا يزيد عدد معلميها عن ثلاثة واحيانا ينقص الى اثنين وعدد تلاميذها علن الستين واحيانا ينقص الى الاربعين اشبه ما تكون بالمعسكر الصغير .

كان الاصطفاف يكرس للتفتيش على الايدي وخاصة الاظافر التي ينبغي على جميع التلاميذ قصها بشكل مستمر مع ان الاغلبية هم حفاة مثل ابائهم الفلاحين ويلبسون الدشداشة الوحيدة التي يملكونها . وكانت عقوبة الطالب المخالف اما الضرب على اصابعه بالمسطرة او اشكال اخرى من العقوبات التي يتفنن المعلمون في استعمالها مثل ضرب الكف بالعصا او استعمال الفلقة ....الخ . وكانت وصية الآباء العراقيين للمعلمين في تلك السنين هي (الك اللحم والية العظم )اي عاقبه كما تشاء المهم ان يبقى حيا .

بعد التفتيش على (النظافة) كان ينبغي على احد التلاميذ ان يقرأ قصيدة او نشيدا وطنيا امام الجميع واحيانا نقرا الاناشيد بشكل جماعي . وكانت هذه الاناشيد ملحنة وهي عادة اما عن الوطن او عن العائلة المالكة . ومن هذه الاناشيد نشيدا عن الوطن اذكر منه

وطني انت لي والخصم راغم وطني انت كل المنى
وطني انني ان تسلم سالم وبك العز لي والهنا
يا شبابنا انهضوا انهضوا ان ان ننهضا ننهضا
ولنعل الوطن الوطن فلنعم الوطن الوطن
وانهضوا وارفعوا عاليا مجدكم خالدا ساميا
ومن هذه الاناشيد نشيد عن الملك فيصل الثاني واذكر مطلعه
نحن فداء لكم يا صلب عدنان ذخرا لكم فيصلنا الثاني
وبعض التلاميذ المشاغبين كان يقراه بالعكس (انتم فداء لنا يا صلب عدنان )
ومنها عن الجزيرة العربية واذكر مطلعها
لحصاها فضل على الشهب وتراها خير من الذهب
تتمنى السماء لو ليست حلة من طرازها العجب
او عن الوصي على عرش العراق عبد الاله واذكر مطلعها
عبد الاله يا عظيم الصفات يا عظيم الوفاء
وبالاضافة الى الاناشيد هناك مادة المحفوظات وهي القصائد التي يكلفنا المعلمون بحفظها وهي مطلوبة بالامتحان . ومن هذه المحفوظات قصيدة طريفة غريبة التراكيب قيل انه من الصعب حفظها وان الشاعر قراها على بطانة الخليفة العباسي فعجزوا عن حفظها لصعوبتها واعتقد ان قائلها هو الشاعر (ابو الشمقمق ) وكانت موجودة في كتاب القراءة للصف الرابع والخامس الابتدائي والقصيدة تقول
صوت صفير البلبل هيج قلب الثمل
والكل كع كع ككعع خلفي ومن حويللي
لكن مشيت راكضا كمشية العرنجل
كما ركضت هاربا في خشية من عقللي
الى لقاء ملك معظم مبجل
يامرلي بخلعة حمراء كالدململ
وفي امتحان البكلوريا للصف السادس الابتدائي كان احد الاسئلة في امتحان اللغة العربية يطلب كتابة قصيدة مما نحفظ . ومع انني كنت احفظ اكثر من قصيدة الا انني اخترت اكثر من قصيدة عن ميلاد النبي كانت تعجبني قافيتها وموضوعها ومطلع القصيدة يقول
الارض تهتف والسماء تردد حي الرسالة فالوليد محمد
حي الرسالة في صباح جبينه شمس لها في كل حي فرقد
ونختم القصيدة بالبيت التالي
الناس من حيث الحقوق سوية لا ابيض لا احمر لا اسود

وعندما سالني احد المعلمين عن الامتحان وذكرت له اسم القصيدة تغير لونه واصابه الرعب . ويظهر ان القصيدة غير مدرجة في البرنامج الدراسي وقد اعطانا اياها المعلم الشاب القادم من بغداد . وقد علمت بعدئذ ان القصيدة للشاعر محمد صالح بحر العلوم وكان متهما بالشيوعية ولم اكن اعرف عن ذلك اي شيء . وقد بقيت ادارة المدرسة قلقة مما قد يترتب على ذلك .الا ان النتيجة ظهرت وكنت ناجحا ومرت القضية بسلام واطمأنت ادارة المدرسة .

وقد عرفت بعدئذ ان للشاعر المذكور قصيدة مشهورة بعنوان (اين حقي ) يتداولها الناس بشكل واسع ضد النظام القائم آنذاك . وبرغم انها كانت ممنوعة الا انهم كانوا يستنسخونها , و قد قضى الشاعر سنوات طويلة من حياته في السجن .

في السبعينات عينه صدام موظفا في جريدة الثورة براتب (80) دينارا واخذ يكتب قصائد سياسية ضحلة لا تليق بشاعريته ولا بتاريخه السياسي وسمعته .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في لبنان


.. المبادرة المصرية بانتظار رد حماس وسط دعوات سياسية وعسكرية إس




.. هل تعتقل الجنائية الدولية نتنياهو ؟ | #ملف_اليوم


.. اتصال هاتفي مرتقب بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائي




.. مراسل الجزيرة يرصد انتشال الجثث من منزل عائلة أبو عبيد في من