الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هموم تربوية صغيرة !

أمجد الرفاعي

2005 / 1 / 3
حقوق الاطفال والشبيبة


كل صباح،تكاد الدمعة تطفر من عيني،وأنا أرى وحيدتي وفلذة كبدي(ليلى)،تلميذة الصف الرابع الابتدائي،تخرج من المنزل متوجهة الى مدرستها البعيدة،وقد تقوّس ظهرها الطري من ثقل حقيبتها المدرسية المحشوة بما يعادل وزنها من الكتب والدفاتر ومشتقاتهما!.
وفي كل صباح أشتكي لله قلة حيلتي وضيق ذات اليد،وقد أشتمه قليلاً لأنه خلقني فقيراً ومضطراً لارسال وحيدتي في الأيام قارسة البرد إلى مدارس الدولة.حيث يحشر التلاميذ حشراً كالأرانب،ويمضون الساعات الطوال وهم يتلوون وينفخون في أياديهم الصغيرة من شدة البرد.ذلك لأن الادارة الموقرة تقوم بـ"شفط"المازوت المخصص لتدفئة فلذات أكبادنا!.
وعند الظهيرة تعود ابنتي في أحيان كثيرة باكية،شاكية من أن المعلّمة قد عاقبت الصف عقابا جماعيا،بالضرب، لأنه صف مشاغب كما تقول المعلّمة الكريمة،أو لأنهم ربما أزعجوها بكثرة أسئلتهم.وربما كان الأمر كله عبارة عن (فشة خلق) نتيجة الضغوط التي تعاني منها من زوجها القاسي..!.
ويوما بعد يوم يزداد كره ابنتي للعلم الذي تحشو به المدرسة دماغ التلاميذ حشواً..بأطنان من المعلومات التي لايستطيع حتى (لافوازيه) أن يهضم نصفها..فمن دروس الديانة التي تتحدث عن النكاح وعن الكواعب الى التاريخ وحضارات الفينيقيين والكنعانيين والآراميين مرورا بدروس الرياضيات العالية والتي تؤهل تلامذة الصف الرابع لغزو الفضاء ذو الأبعاد الفلكية..!.
وكالعادةوفي نهاية العام وبعد انتهاء الامتحانات بيوم أو اثنين، يخطر ببالك أن تسأل أي طالب ابتدائي أو اعدادي أو حتى ثانوي عن حاصل ضرب عددين صغيرين أو عن علامة نصب المفعول به أو في أية قارة تقع سورية فتفاجأ في أكثر الأحيان بعدم معرفة الجواب!.
ومما يزيد من كره التلاميذ لمدرستهم وللعلم اجمالا هو كثرة الوظائف والواجبات المنزلية.فلا يأتي الليل إلا وقد تشنّجت الأصابع،وتيبّس الظهر،وتورّمت العيون من شدة الانهماك في كتابة الواجبات المدرسية تلك.والتي لاطائل من ورائها على مايبدو-سوى ملئ وقت التلميذ واشغاله عن اللعب الضروري لنموه،والضروري للابداع.
كما يتم من ناحية أخرى اشغاله عن الأسئلة الكثيرة التي تدور في رأسه بمثل هذا السن،والتي من خلالها يكتشف العالم ويكتشف شخصيته،وامكاناته.وذلك بتكريس منهج(البصم)وحفظ الدروس دون مناقشة علمية هادئة.
وتكريس منهج التلقين والتلقي الجاهز والمسبق الصنع،وفق ماتراه وترتئيه القيادات الرشيدة من مسؤولي الوزارة.
ومن المعروف في مختلف دول العالم المتحضر،أن على التلميذ أن ينهي جميع واجباته المدرسية قبل نهاية الدوام.وماعليه حين ذهابه للمنزل سوى ممارسة هواياته المختلفة،أو مشاهدة أفلام الكرتون وغيرها،من النشاطات الضرورية لنمو عقله وبدنه النمو السليم.
كما أن التخصص في تلقي العلم يبدأ منذ الصغر،وبما يتناسب مع ميول وامكانات الطالب.فلا يضطر أن يدرس دراسة تفصيلية علوم الفيزياء والرياضيات والعلوم الطبيعية وغيرها.
أما في بلادنا التي عقدت حلفاً استراتيجياً مع التخلف والبلادة،فان على الطالب أن (يدحش)في رأسه مااستطاع من تفاصيل وشروح ماأنزل الله بها من سلطان.في حين قد يقرر هذا الطالب بعد (البكالوريا)أن يدرس مثلاً في كلية التربية الرياضية،أو في كلية الفنون الجميلة....عندها ماعليه سوى أن يلقي بما تلقنه من أكوام الرياضيات والفيزياء والجيولوجيا والبيولوجيا ،في أول حاوية قمامة يجدها أمامه..وياخسارة تعب السنين!.
ومما زاد الطين بلّة هذا العام،هو مطمطة فصلي الدراسة على حساب العطلة الصيفية وعطلة منتصف السنة(عطلة الربيع!)،وذلك لتغطية النقص الحاصل جرّاء تطبيق الدولة المبارك ليومين عطلة في الأسبوع.
وحيث أن المنهاج المقدس المنزل من السماء،منهاج الكواعب والنكاح وطاعة الوالدين وأولي الأمر، وعلوم الأنف والأذن والحنجرة،لايحتمل التعديل أو الاختصار،فقد تجهبذ المسؤولون ومنظرو العملية التربوية في سوريا،وقرروا أن العطلة الصيفية الطويلة هي مضيعة للوقت،ومفسدة للجيل!،وبالتالي فلا بد من الغائها في السنوات القادمة الغاءاً كاملاً!.

....نعود لصغيرتي(ليلى)الغافية الآن في فراشها الدافئ،والتي يتوجب عليها بعد قليل أن تهجر الكرى،وأن تحمل حقيبتها الثقيلة ،وتتوجه إلى مدرستها في هذا الصقيع الذي يقطع المسمار!..
لذااااااااا !
أفكر ،مجرد تفكير،أن أجعلها تتغيب اليوم عن مدرستها..
يعني....كنوع من التمرد!!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار


.. بقيمة مليار يورو... «الأوروبي» يعتزم إبرام اتفاق مع لبنان لم




.. توطين اللاجئين السوريين في لبنان .. المال الأوروبي يتدفق | #