الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خاطرة حول - ميدان التحرير - فى الذكرى الأول لثورة مصر

عماد مسعد محمد السبع

2012 / 1 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


فى مناسبة الذكرى الأولى لثورة مصر التى تواكب 25 يناير الحالى - يتصاعد الإهتمام بالسيناريوهات المحتملة لما سوف يكون عليه " ميدان التحرير " - الذى يمثل أيقونة حقيقية للثورة فى قلب مدينة القاهرة . غير أن ما يثيرفى هذا السياق هو أستمرار غياب الدراسات المتصلة بهذا " الحيز المساحى الميدانى " - الذى كفل واقعيآ بقاء الثورة والثوار.

ذلك أن الساحة الجماهيرية الجغرافية تبقى المهبط والملاذ لإنتفاضة الجمهوروحركته الأخيرة حتى ولونسجت خيوطها عبرالفضاءات الإفتراضية والسيبرية البعيدة والموازية.

المثيرهنا أن أنظمة القمع - التى حاصرت الإنسان العربى أفقيآورأسيآ - لم تنتبه لخطورة لهذا الحيز الجغرافى ولم تفطن لإمكانية أنتشاروأحتلال الكتل البشرية لهذا المسطح فى قلب المدينة. فخيال الإستبداد العربى لم ينجزأفكارآ لإحتواء وتضيق هذه المساحات وبأثر من عوامل ثلاثة تخلص فى الآتى :

أولآ : لأنه لا توجد سوابق تاريخية تحفز هذا الخيال وتحرضه نحو الجور على تلك المساحات . فلم يحدث من قبل أجتماع للتاريخ العربى بالمكان والجغرافيا وبشكل يمثل هاجسآ يؤرق سلطة البطش . بل كثيرآ ما كان ينظر لهذه الساحات - بسكونها واتساعها وأضوائها الباهرة - كرمزللإستقراروالسلام الإجتماعى .

ولذلك لم ترتبط ميادين ( التحرير و التغيير و القصبة ) بمعانى تاريخية تتعلق بكونها المكان الأهم والأثير للتعبيرعن المعارضة والإحتجاج .
وماحدث بتلك الميادين يعد ( مصافة تاريخية ) سعيدة للجمهورالذى أكتشفت أهمية وحيوية المكان من جانب , وكارثية ومؤلمة للحكام الذين أستيقظوا على مشهد الميدان وزحام البشرمن جانب آخر.

ثانيآ : أن تخطيط المدن العربية وعواصمها الكبرى ( ذى الطابع الإسلامى ) لم يهتم بتأكيد دورالساحات والميداين كأحد عناصرالمنشآت والمرافق العامة المكونة للهيئة المادية للمدينة الإسلامية .
فالساحات العامة كانت تشيد أمام المسجد الرئيسى لهدف أستيعاب تدفق حشود المصليين والإحتفالات الدينية . فالمسجد الجامع كان مركز بحث الشؤون السياسية والإجتماعية والتربوية – بالإضافة لوظيفته الدينية الأصيلة . ومن ثمة فأن مطالب التغيير والإصلاح كانت حاضرة ومحصورة داخل أروقته وبين أعمدته وحوائطه .

وقد حكمت تلك الأهمية للمسجد الجامع موضعه بالمدينة وباعتباره ( النواة الأساسية فى تخطيطها ) ,فقد كان أول ما يختط , ومن حوله كانت تخطط المدينة وتنتهى اليه شوارعها وسككها وأزقتها.
وتذهب الهندسة التخطيطية الإسلامية لإختيار موضع " متوسط " فى المدنية لإقامة هذا المسجد الجامع وبالنظر لمكانته الوظيقية الحيوية فى المجتمع المسلم .
فهو الحاضن لكل مفردات الشأن الدينى والدهرى فى وقت يتم تجريد الساحات المغايرة من أية صفة تتصل بنقاش الدين والدولة.
فالمعارضات والحوارارات والمجادلات تتم بداخله ولا تتجاوزه " للفضاء الخارجى "الذى كان يعد تابعآ ملحقآ و بهذا المسجد الجامع .
كماأن دار الإمامة( مركز الحكم ) تكون ملاصقة المسجد , وبحكم بناء النبى محمد لمنزل ملاصق للمسجد الجامع , وحيث صار تقليدآ معماريآ أسلاميآ أن يتلاصق قصر الخليفة مع المسجد حتى لا يتخطى الخليفة أوالولى رقاب المصلين بل ينفذ مباشرة من داره لجدار القبلة.
ومن هنا يمكن القول بأن هذه الذهنية المعمارية قد حجبيت عن العامة أفكارالتجمع والإعتصام خارج المسجد وبالساحات العامة.
والبين أن الميراث التخطيطى لمعظم المدن العربية مازال يدين بالولاء لهذه الفلسفة المعمارية الإسلامية الأمرالذى ترك بصماته على حوافزاستغلال الإنسان المسلم لهذه الساحة وكحاضرة مهيأة للتظاهروالإحتجاج .

ثالثآ : أن تجاهل الإهتمام بالميدان العام يمتد إلى عقلية الإستبداد الشرقى بالواقع الإقتصادى للمجتمع النهرى ومفرداته من حيطان وقيعان وأراضى زراعية.
فعبرنمط الإنتاج الشرقى الأسيوى جذر النهر وجود سلطة مركزية تقوم بثلاث مهام جوهرية لتحقيق الإنتاج الزراعى وهى : ( توصيل مياه النهر للأرض – حماية الأرض من غوائل الفيضان – توفير المياه بفترات الجدب والتحاريق ) .
وقد استتبع هذا التكوين الإجتماعى أهتمامآ بالأنهار وضفافها وجسورها , وبالأراضى الزراعية وخدماتها من قناطر وخزانات وسدود .
وكانت تلك أولويات الحاكم / المستبد والمالك والمسيطر على الأرض وعلى توزيع الماء والعدل بين الرعايا .
ومن هنا لم تكن حواضر المدن والميادين والساحات المفتوحة فى خاصرتها تمثل ضغطآ على الحاكم ولم تحظ منه بأية أهمية ,لأنها ليست تجمعآ زراعيآ وفلاحيآ مؤثرآ فى عملية الإنتاج , كما أنها خارج نطاق عوامل تثبيت هيمنته على العباد والرقاب.

هذه الأسباب تقف وراء سلوك اللامبالة التاريخى لأنظمة القمع العربى تجاه هذه الميادين , والذى أنقلب الآن لمنحى عدائى فى مواجهتها وباعتبارها حاضنة أساسية للجمهورولمطالب التغيير.

فالمجلس العسكرى المصرى والحكومة الإنتقالية أصبحت ضجرت بميدان التحريروبالتواجد الأسبوعى للثائرين وكانت تبحث عن قانون لتجريم التظاهروالإعتصام داخله .

كما تنشط لجنة فنية بجهاز التنسيق الحضارى المصرى لإعداد دراسة لإستخدامات ميدان التحريروالميادين والساحات الآخرى ,والهدف " غير المعلن " لهذه اللجنة هو الحيلولة مستقبلآ دون تجمع الجمهور بهذه النقط الجغرافية ووضع الخطط الكفيلة بأستغلالها كمزارات سياحية وأماكن ترفيهية !! .

ومن اللافت أن الإعلام المصرى والحكومة المؤقتة هللوا لواقعة ( كنس وتنظيف وغسل ميدان التحرير ) عقب الثورة وباعتباره ( سلوكآ حضاريآ ) وحيث أزيلت كافة القرائن والنقوش والرسوم والأيقونات الدالة على أن هناك أمة خاضت ثورة من هذا المكان .

ويبدو أن هدف العسكر فى مصرهو تجريد هذا الميدان من صفة ( التحرير) الحقيقى التى أكتسبها بعد ثورة 25 يناير , وعن يقين فأن هناك خططآ مماثلة ستطال الميادين والساحات فى البلدان العربية الثائرة كتونس واليمن , ومن هم فى طريقم للثورة بعد ذلك .

ومع ذلك فكلما عمدت سلطات القمع لحصار المكان وخنق حركة الجمهور فأن الشعب سيستنسخ حتمآ أماكنه وفضاءاته الخاصة , فقد عرف وأدرك أحداثيات و بوصلة طريقه نحو الميدان والساحة.

ولكن يبقى على الجمهور - الذى أحتشد بالآلاف والملايين لأجل المطالبة بحقوقه - أن يستعيد سريعآ هذه الميادين , وأن يتمسك بالتواجد والحضور فيها قبل أن تنقض عليها يد الديكتاتورية الجديدة وتحولها إلى ميادين " للذكرى " ! ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صنّاع الشهرة - تعرف إلى أدوات الذكاء الاصطناعي المفيدة والمج


.. ماذا وراء المطالب بإلغاء نحر الأضاحي في المغرب؟




.. ما سرّ التحركات الأمريكية المكثفة في ليبيا؟ • فرانس 24


.. تونس: ما الذي تـُـعدّ له جبهة الخلاص المعارضة للرئاسيات؟




.. إيطاليا: لماذا تـُـلاحقُ حكومة ميلوني قضائيا بسبب تونس؟