الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الواقعية الديمقراطية

سلمان النقاش

2012 / 1 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


خلص الكاتب الامريكي فرانسيس فوكوياما ذو الاصول اليابانية في كتابه نهاية التاريخ الى ان امكانية توقف التاريخ ممكنة ولكن فقط فيما يتعلق بالمباديء والعقائد والمؤسسات ..وهذا يعني ان الاحداث ستستمر في العالم بتواترموضوعي مهما كانت ضخمة او هامشية ..و يؤكد ان التاريخ مشروع بشري واعي يتطور بشكل متواصل ومتماسك هدفه انجاز تراكم حضاري وانساني يجب ان يكون له نهاية وهذه النهاية هي المجتمع الراسمالي الليبرالي واداته الديمقراطية في ادارة المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ..
والسؤال الذي يتبادر الى الذهن ازاء هذا الطرح هو :هل يقود هذا التطور مجمل الجنس البشري لبلوغ هذا الهدف ، ام ان الامر سيأخذ مراحل في الزمان والمكان ؟يتحرك فيها المجتمع الانساني بشكل عام الى ان تكتمل حلقات المشروع ..
هذا ياخذنا الى متابعة سلسلة الاحداث الجارية في العالم اليوم منذ نهاية عقد الثمانينيات حيث تبدو وكأنها انطلقت بشكل مبرمج وفق هذه الرؤية ويبدو ايضا ان الارادة الدولية المتمثلة بمركزها الاحادي القطب قد استهوتها هذه النظرية وراحت تتعامل معها تطبيقيا ..استناداعلى المتغيرات التي تفرزها الصراعات سواء بمفهومها المادي او ضمن المفاهيم العقائدية ..واصبحت الديمقراطية مشروع كوني تقوده الولايات المتحدة والغرب الذي قاد هو ايضا المرحلة الكولونيالية التي قسمت العالم الى عالم متخلف واخر متحضر رغم ان العالم المتحضر هو نتاج تاريخي كوني ساهمت فيه كل شعوب العالم قاطبة بدليل انتقال مراكز الحضارة عبر مراحل الزمن ..لا بل حتى انها اي هذه الشعوب واثناء خضوعها للهيمنة الاستعمارية كانت قد ساهمت بثرواتها المادية واحيانا الثقافية والبشرية في هذا التحضر ..
اليوم وبعد ان جددت الرأسماية ادواتها وبالتالي مفاهيمها وعلاقاتها وبعد ان اخذ التاريخ مساره بتجاوز النمط الاشتراكي حيث لم تفلح الجهود لابقائها كنمط حكم ضامن لبعض الحقوق الانسانية اذ تم تجيير بعض مبادئها كمنجزات تعكس التحضر التكنلوجي وعلاقاته الانتاجية كمباديء حقوق الانسان والمجتمع المدني وحرية المرأة ورفض التمييز العنصري وفوق كل هذا حرية الفرد في المجتمع وترجمت هذه الى قوانين دولية اصبحت لاحقا ادوات للتدخل في الوقت المناسب لتغيير انماط الحكم التي جاءت بعد حركات التحرر الوطني في اواسط القرن العشرين وتحول هذه الانظمة بمعظمها الى النمط الدكتاتوري بسبب عدم اكتمال مستلزمات المجتمع المدني الذي يفترض المؤسسات والقانون كقاعدة ثابتة لادارة المجتمع ..فهذه الشعوب بعد تاثرها بالمد الثوري العالمي تمكنت نخبها الوطنية والثورية ان تؤثر على مراكز القوى فيها متمثلة في العسكر لاجراء تغيير جذري في نظامها السياسي وحدثت الانقلابات التي لبست الثوب الوطني الذي البسته اياه النخب الوطنية المثقفة ذات الاتجاه اليساري والقومي ..والذي ساعد في نجاحها هو اعتماد الانظمة القديمة على في تثبيت دعائم حكمها على القوة القبلية والدينية التي ضعفت مسوغات تنامي قوتها بسبب المد الفكري العالمي الذي كان يفترض قوانين المجتمع المدني الساندة للتطور الاقتصادي بعلاقاته الجديدة مخلفا ورائه اسلوب الانتاج المتبع لهذه القوى التي بان وضعها الاجتماعي والمتخلف بشكل جلي ..فكان لابد وفق هذا ان تتفق الارادة المثقفة النخبوية مع نخبة العسكر المتحسسة للفارق الكبير بين ما يحدث في العالم وما يحدث في اوطانهم ..وهذا ما يفسر الصورة التي تشكلت فيها المجتمعات في الستسنيات والسبعينيات وبدت وكانها مجتمعات مدنية لا بل ان المدن الكبرى فيها كانت طاردة بشكل قوي للقيم الريفية والبدوية كما حدث في بغداد والقاهرة ودمشق وتونس ومناطق اخرى كبيرة ..لكن حركة التاريخ كانت تتحرك في وتيرة اسرع في بعض اماكن العالم وكانت تفترض مشاركة عامة من قبل المجتمع الدولي ككل وان على مستوى التشريعات الدولية وراحت حماية مصالح الاقوى تاخذ منحى شديد الاعتماد على ضمان التبعية التي وفرتها ارادة الفرد القائم على قمة الحكم في هذه المجتمعات ما جعل هذا الفرد يقوي مركزه القبلي مدعما بالديني الميزتان اللتان تمثلان الدعامة الاساسية في ثقافة هذه الشعوب نظرا لتذبذب وتيرة تطور النخب المثقفة والثورية التي تعتبر الاساس لوجود طبقة وسطى لازمة لتطور المجتمع ..وانطلاقا من المثل المحلي القائل ان الناس على اخلاق ملوكهم .. وبسبب ان هؤلاء ‏الزعماء هم اصلا من قبائل وبيوتات في مجتمعاته فقد اصبح نظام القبيلة هو السائد في النظام السياسي لمجمل القيادات الدكتاتورية ..اذ من المعروف ان الولاء لهذه القبيلة يفترض الالتزام بالصيغ الثقافية والسلوكية والتي تعتبر الدين والطائفة هو المرجعية الوحيدة .
ويبدو ان الوضع الحالي بعد سريان الربيع العربي وتاثره بالارادة الدولية وما تمثله من مصالح القوى الكبرى في العالم قد طبع النخب الطليعية الثورية الجديدة ذات الصفة الشبابية بطابعه نتيجة للتطور المذهل في نظام الاتصالات والاعلام وتحولت هذه النخبة في اتجاه تاثيرها نحو الشارع مباشرة متجاوزة العسكر او تحييده هذه المرة ليقوم الشعب بعملية التغيير مباشرة بالاعتماد على ادوات الديمقراطية المدعمة اصلا من اقوى مركز دولي والمنظمات الدولية ذات التاثير الحاسم بوجود هذا النظام او ذاك ضمن الخارطة السياسية العالمية اليوم .. لكن التاثير الواضح على ثقافة هذه الشعوب والذي كانت تقويه الانظمة القديمة التي سلبت الحس النقدي واعتبرتها رعية لها واستجابة هذه الشعوب الى هذه السياسة اذ اعتبرت ادارة الدولة بمثابة الاب الراعي لمصالحها لم تستطع فكاكا من ربقتها ..فكانت النخب الثورية قادرة على اسقاط الانظمة لكنها كانت تقف على ارضية ثقافية شعبية ترسخت فيها صفة الانصياع لارادة الحاكم ..غير ان الواقع صدمها بسقوط هذا الحاكم وانقسم المجتمع الى طليعة ثورية تمكنت من اسقاط النظام بواسطة المظاهرات دون اللجوء للعسكر واغلبية صامتة منتظرة ما ستؤول اليه الامور لكنها ادركت اخيرا بان لها دور في شكل النظام البديل رغم انها لم تساهم في اسقاط القديم فكانت نتائج الانتخابات في كل بلد تخلص من دكتاتوره خاذلة لارادة الطليعة الثورية ومتجهة نحو ما تفهمه العامة ان الخلاص لا يأتي الا من خلال الايمان بالعقائد الذي تجاوزها النظام السابق ..فهي ببعدها الروحي المرتجى دائما للخلاص من الظلم بامكانها تحويل المعاناة الى عدالة انسانية على الاقل معروفة ضمن مستوى ادراكهم ..وهذا ما يفسر اختيار الناخب في هذه المجتمعات الى من يمثل دينه او طائفته ..وبالتالي يفسر ايضا البطء الشديد والذي يكاد ان يكون متوقفا لبناء المجتمع المدني رغم حضور المؤسسات الديمقراطية وفقا لدساتير اريد لها ان تكون خارطة طريق لبناء المجتمع المدني رغم ما بها من معرقلات لهذا المشروع ذلك لان من يقوم باعادة صياغة الدساتير هم من فاز في الانتخابات او من هم معادل لهم في الكفة ضمن المنظور الديني وبدرجة اقل السياسي ..
بقي لنا ان نقول ان المشروع الديمقراطي العالمي ذاهب الى نهايته حتما ..ولكن هل ستضمن الرأسمالية مصالحها هذه المرة دون ابادة الشعوب ام ان الامر اليوم انيط بالشعوب نفسها لتقليص اعتراضاتها بواسطة العنف الداخلي والحروب المحلية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات


.. مظاهرة واعتصام بجامعة مانشستر للمطالبة بوقف الحرب على غزة وو




.. ما أهمية الصور التي حصلت عليها الجزيرة لمسيرة إسرائيلية أسقط


.. فيضانات وانهيارات أرضية في البرازيل تودي بحياة 36 شخصا




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تمتد إلى جامعة لوزان بسويسرا