الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الـ-صولد- السوري في مواجهة الممانعة الإسرائيلية الأميركية

عماد هرملاني

2005 / 1 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


رغم إشارات الممانعة التي صدرت عن رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون، ثم عن الرئيس الأميركي جورج بوش، في معرض ردودهما على رسائل الاختبارات السريعة التي بعثت بها العاصمة السورية خلال الأسابيع القليلة الماضية لجس قابليات تحريك مفاوضات السلام الخاصة بالمسار السوري، يمكن القول بأن التقديرات المتعلقة بإمكانية تحريك تلك المفاوضات ما تزال مفتوحة على جميع الاحتمالات.
فالموقف الإسرائيلي المتأرجح بين رفض التعاطي مع الرسائل السورية وبين دعوات وجدت صداها داخل أوساط الحكومة نفسها تطالب بنوع من التعامل المشروط مع تلك الرسائل وعدم إدارة الظهر لها بصورة كاملة، يجد هذا التأرجح بعض تفسيره في حرص الحكومة الإسرائيلية على الإمساك بفرصة وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات من أجل تسكين المطالبات الدولية التي تلح عليها بشأن تحريك جمود العملية السلمية، عبر نقلة محدودة على المسار الفلسطيني يتم ضبطها تحت سقف وعنوان "المرحلة الانتقالية الطويلة" التي يريد شارون أن يستعيض بها عن خطة خارطة الطريق التي تضعه في مواجهة عقدة المفاوضات المتعلقة بقضايا الوضع النهائي.
أما تصريحات الرئيس الأميركي التي دعت سورية إلى انتظار دورها بعد الانتهاء من مفاوضات المسار الفلسطيني، فيمكن اعتبارها رسالة تحذير استباقية تريد أن تقطع على دمشق طريق الربط بين تعاونها في إنجاح الانتخابات العراقية وبين مراعاة مصالحها الحيوية بالنسبة للاستحقاقات المتعلقة بتحريك مسارات العملية السلمية، وحثها على التعاون في الملف العراقي دون ربط ذلك بعقدة الحصول على ثمن لهذا التعاون في مفاوضات السلام الشائكة.
وفي مواجهة هذه الممانعة المزدوجة، ما يزال بمقدور دمشق أن تذهب نحو خيار يؤدي إلى قلب الطاولة التي يتم ترتيبها لتحريك عملية السلام من مدخل القيام بخطوة منفردة تقتصر على المسار الفلسطيني وحده ودفع باقي المسارات (السوري واللبناني) نحو غرفة الانتظار الطويل. وورقة الـ "صولد" التي ما تزال دمشق تملكها في هذا المجال هي تقديم العرض الذي لا يمكن رفضه من جانب الحكومة الإسرائيلية ولا الإدارة الأميركية، والذي يتمثل في توجيه دعوة صريحة لعقد لقاء مباشر على أعلى مستوى ممكن بين الجانبين السوري والإسرائيلي، حيث يمكن التقدير بأن إطلاق مثل هذه الدعوة ستضع حكومة شارون أمام اختبار صعب على صعيد تماسكها الداخل الذي بات يستند إلى تحالف هش بين تجمع الليكود وحزب العمل الذي تتهيب قيادته من المجازفة بخسارة المزيد من قواها بين قواعد الحزب وداخل الشارع الإسرائيلي إذا مضت إلى نهاية الخط في وقوفها بجانب تكتل الليكود وأحزاب اليمين المتطرف في مواجهة القوى والتيارات اليسارية التي بدأت مواقفها تتقاطع عند نقطة الدعوة إلى التقاط أية فرصة تنبئ بإمكانية تحقيق تقدم على طريق إنجاز السلام في المنطقة، والتي ستجد في رفض العرض السوري المشار إليه فرصة لاستنفار وتجميع قواها في مواجهة الحكومة ، هذا ناهينا عن موضوع الضغوط الإقليمية والدولية التي ستضع حكومة شارون وإدارة الرئيس جورج بوش نفسيهما في مواجهتها عند إصرارهما على رفض عرض سوري من هذا النوع.
ولا يحتاج عرض كالمشار إليه إلى تبرير آخر غير التدقيق في معطيات الحالة التي آل إليها الموقف العربي في تعاطيه مع قضية الصراع العربي الإسرائيلي منذ منعطف اتفاقات السلام المصرية الإسرائيلية (كامب ديفيد)، ومرورا بمحطات مؤتمر مدريد واتفاقات السلام الفلسطينية الإسرائيلية (أوسلو) والأردنية الإسرائيلية (وادي عربة) وصولا إلى سلسلة اللقاءات (السرية والمعلنة) التي عقدت على مدى السنوات الماضية بين مسؤولين إسرائيليين وقيادات عربية من مختلف المستويات (ملوك، أمراء، رؤساء، وزراء ...)، حيث أدت تلك المنعطفات إلى إخراج الصراع من فضاء الرؤية القومية التي حكمت الموقف العربي حياله خلال العقود الماضية، ووزعت الصراع ضمن مسارات قطرية ألقت على عاتق كل طرف عربي مسؤولية اقتلاع شوكه بيديه لحل مشاكله العالقة مع إسرائيل.
وداخل مدارات هذا المسوغ الأساسي، يمكن الحديث عن اعتبارات ومدخلات عديدة تعطي للعرض المذكور وجاهته السياسية، ولعل أبرز تلك الاعتبارات اتساق مثل هذا العرض مع مسيرة الرحلة التي قطعتها المفاوضات السورية الإسرائيلية منذ مؤتمر مدريد وحتى توقفها في جولة مفاوضات شيبردستاون، حيث شهدت تلك المسيرة لقاءات عديدة جمعت مسؤولين من الطرفين من مستويات متباينة تضمنت بشكل خاص اجتماعات رئيسي الأركان واجتماعات وزير الخارجية السوري مع رئيس وزراء إسرائيل فضلا عن الجولات التفاوضية العديدة التي عقدت بمشاركة سفراء وخبراء رسميين. وهكذا يمكن القول بأن الدعوة لعقد لقاء على أعلى مستوى ممكن بين الجانبين لن يشكل خروجا عن سياق وافقت القيادة السورية عليه منذ مشاركتها في مؤتمر مدريد. وقد يكون مما له دلالته في هذا السياق أن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد الذي أبدى صلابة مشهودة في إدارته لإيقاع المفاوضات وتوجيه ضوابطها البروتوكولية، لم يرفض مبدأ اللقاء بين القيادات العليا بحد ذاته، وأكد في أكثر من مناسبة على أن لقاء من هذا النوع يمكن أن يعقد بعد الوصول إلى اتفاق ليشكل ذلك تتويجا للمفاوضات، وليس هناك ضرورة لعقده في بداية المفاوضات طالما أن الوفود المتفاوضة تتمتع بالصلاحيات المناسبة لمناقشة القضايا المطروحة في عملية التفاوض.
وحيث يقود التدقيق في طبيعة المتغيرات التي طرأت على واقع الظروف الإقليمية والدولية المحيطة والمؤثرة بالمعادلات الناظمة لحركة العملية التفاوضية، نحو التقدير الذي عرضنا له في بداية هذه القراءة بأن لقاء بين القيادات العليا أصبح مطلوبا من أجل تأمين إعادة استئناف المفاوضات وليس اختتامها، يأخذ العرض المتعلق بهذا الشأن حجمه وأبعاده الواقعية كخطوة إجرائية ليست خارجة عن السياق الذي يوجه مسارات العملية التفاوضية منذ بداية مؤتمر مدريد وحتى الآن.
وقد يكون في ثنايا هذه الملاحظة الأخيرة نفسها ما يساعد في استباق الإجابة على السؤال المناكف الذي يمكن أن يطرحه البعض حول المقابل الذي يمكن أن يقدمه أرييل شارون وحكومته حيال مثل هذا العرض السوري، وحول ما إذا كانت الحكومة الإسرائيلية ورئيسها سيوافقان على "العودة إلى مائدة المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها، والاعتراف بمبدأ الانسحاب من الجولان السوري المحتل حتى حدود الرابع من حزيران، والموافقة على رفع العلم السوري عند شاطئ بحيرة طبريا"، حيث يبنى الجواب الفوري حول هذا السؤال الافتراضي على التذكير بأن العرض المطلوب يهدف إلى تأمين إعادة بدء المفاوضات وليس اختتامها، وأن بين بدء المفاوضات والوصول إلى الاتفاق النهائي توجد مسافة طويلة من العمل التفاوضي الشاق والدؤوب الذي سيكون على الدبلوماسية السورية أن تثبت خلاله جدارتها وقدرتها على قراءة المتغيرات وحشد الأوراق واستنفار الإمكانات وتوظيف ذلك كله في خدمة هدف الوصول إلى اتفاق يضمن تأمين "الحد الأعلى" من الحقوق السورية التي يراد اليوم تعليقها إلى أجل غير مسمى تمهيدا لتصغيرها بعد تحويلها (إثر الفراغ من المسار الفلسطيني) إلى مجرد مشكلة حدود جغرافية متنازع عليها بين دولتين متجاورتين، وإفراغها من مضمونها السياسي كقضية احتلال نجم عن إفرازات قضية الصراع العربي الإسرائيلي الذي حكم مسيرة التاريخ السياسي في المنطقة منذ ما يزيد على قرن من الزمان.
* باحـث سـوري
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع