الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديانة (النسخية) الجديدة وثورات جيل الانترنت

بهروز الجاف
أكاديمي وكاتب

(Bahrouz Al-jaff)

2012 / 1 / 16
العولمة وتطورات العالم المعاصر


في يوم السادس من كانون الثاني الحالي نشرت مجلة نيوساينتست العلمية لقاء مع (اسحق جيرسون) الطالب الجامعي ذي العشرين عاما في جامعة اوبسالا في السويد والذي يعد الزعيم الروحي لاحدث دين في العالم يعرف ب (النسخية Kopimism ) والذي تستند عقيدته على مشاركة الملفات (file-sharing) عبر شبكة الانترنت، واجازت الحكومة السويدية معبده (كنيسة النسخية) في يوم الخامس من كانون الثاني (اي قبل يوم واحد من المقابلة). يقول جيرسون بان المعلومات مقدسة والطقوس العبادية هي في قيمة المعلومات المستنسخة، وان الاستنساخ بحد ذاته يعد مقدسا.
لو رجعنا قليلا الى الوراء وتمعنا في ظهور بعض العقائد والافكار الجديدة- الغريبة مثل (الهيبز) و (العصر الجديد) في ستينيات و سبعينيات القرن الماضي لرأينا كيف تؤثر تعقيدات البيئة المتمدنة في كيفية بلورة الافكار بغرض الوصول الى طقوس تريح النفس البشرية للفرد في مشواره مع الحياة، سواء كان ئأثير تلك الطقوس سلبيا على المجتمع ام ايجابيا، وربما نسمع بين الفينة والاخرى عن اديان وعقائد بافكار لم تسمع بها اذن ولم تر مثلها عين، وكلها ردات فعل آنية وتعبيرات انعكاسية للتغيير الواقعي في نمط السلوك البشري الذي تفرضه التطورات التكنولوجية المتسارعة. أما اذا تعمقنا اكثر في كيفية ظهور الاديان البدائية فنراها قد تأرجحت بين قطبي العقلانية (الذكاء) واللاعقلانية (النفسية) في مجتمعات افتقرت الى المدنية والتطور التكنولوجي، ولكن اهم ماميز الاديان بكل اشكالها ومراحل تطورها عبر العصور المختلفة هي الطقوس، والتي يعد تاديتها تهذيبا للنفوس ودرء للشرور عنها والابقاء على صفات الخير فيها والتي هي من صلب الاله. واذا كانت الافكار الدينية الحديثة، التي بدأت باساطير الاولين وكانت ذات اهداف مجتمعية، تبغي الخير للامة و تشرع بنصوصها القوانين بما ينعكس تأثيرها في انظمة الحكم وسلوك العامة، فان هذا (الدين) الجديد الذي تجاوز عدد مريديه الثلاثة آلاف فردا، يبدو نمطا حداثويا في تفكير الجيل الجديد، جيل المعلوماتية، في ظل العولمة، والذي يمكن تسميته بجيل الانترنت والذي يعادل في تعامله مع المعلومة ما يحتاجه الجسم البشري يوميا من مأكل ومشرب، وهو دين ليس له اله ولا دنيا ولا آخرة، بل ان المعلومة فيه هي كل شئ على حد قول جيرسون، فيكون قد استجمع المعقول واللامعقول في توظيف المعلومة اللامتناهية بكل تناقضاتها وتجلياتها.
ان الذي لامفر منه هو هرطقة وزندقة معتنقي هذا الدين في نظر الديانات التي ينتمون اليها، ولكن الذي لابد من معرفته، هو المغزى من هذا السلوك، فمما لاشك فيه ان المغزى يكمن في التداعيات التي سببها (تشابك) الافكار لجيل مابعد ظهور الانترنيت وحرية التواصل عبر صفحات اجتماعية وعلمية وادبية فيه، بل ومالية واقتصادية افرزت مفارقات غريبة في نتائج حركات هذا الجيل والتي ربما لم تأتي اكلها بسبب الانطلاقة العشوائية السريعة والامكانيات الدنيا في مواجهة الافكار المختلفة (التقليدية) المنتظمة في برامج ذات اعداد متين. ولعل نتائج الثورات في البلدان العربية والتي عرفت بالربيع العربي افضل مثال على ذلك حين افرزت ثورات شباب الانترنت عن ازاحة دكتاتور ليحل محله دكتاتور آخر موازٍ له كان يتربص به ريب المنون، فكانت الازهار التي تفتحت في الربيع صفراء ذابلة لابذور فيها.
ولان الفعل له رد يساويه في المقدار ويعاكسه في الاتجاه، وكما قطرات الدهن التي في الماء تميل دائما لأن تلتئم، فان الجيل الجديد يميل اليوم الى لأن ينتظم باشكال مختلفة على نمط دين اسحق جيرسون او جماعة (احتلوا وول ستريت) وهي جماعات تشكل قطرات في بحر من التوجهات الفكرية- العولمية لشباب اليوم و الغد، والذي ينزع ليشكل الآتي في صناعة التأريخ، فالوسيلة تنموا يوما بعد يوم، وهي المعلومة التي تدخل في كل البيوت من دون اذن، والتواصل الذي يوحد الافكار من دون عوائق، وذلك نذير بان الثورة، حتى وان سرقت، فهي محطة في مسار التغيير الذي بدأ وسوف لن يتوقف عند ثورة واحدة مادام الفكر ليس موحدا عند جيل الانترنت ولم يبلغ سن الرشد بعد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مغامرات وأسرار.. بيكي تكشف أبرز التحديات التي تواجه البنات ا


.. استطلاعات: الولايات الأميركية المتأرجحة تبدي تغيرًا لصالح با




.. ناريندرا مودي يتولى رئاسة وزراء الهند للمرة الثالثة


.. لأول مرة.. مقاتلة أوكرانية تقصف العمق الروسي وتدمير مقاتلة ا




.. قتلى وجرحى من جراء استهداف الجيش الإسرائيلي مبنى سكنيًّا وسط