الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وجهان لامراْة واحدة

سرحان الركابي

2012 / 1 / 17
الادب والفن


*

في ظل الحرائق والدماء والاشلاء التي تتطاير على مذبح المواطنة , وفي ظل الصمت المروع او الرضا الغير معلن عنه وتمرير تلك الجرائم بصت مريب لا يسعني الا ان افتح الراديو , ان كان هناك راديو و اسمع اغنية سعاد حسني ( الدنيا ربيع والجو بديع ) , هذا اذا بقيت اذاعات تبث هذه الاغنية , رغم اني متيقن ان هذه الاذاعات باتت تخصص جل وقتها لامام الامة الجديد عرعور , او للامام الاخر الفالي , حفظهم الله ورعاهم من كل مكروه
معذرة ايها القراء
معذرة ذوى الضحايا
معذرة لكل الضحايا
فنعيكم صار شتيمة
والتنديد بقاتلكم ابغض انواع الكراهية
الشي الوحيد الذي نملكه هو ان تسمع تلك الاغنية ونعيش ربيعنا الخاص بعيدا عن اشلاء الاجساد وكل الضجيج

...........................................................................................................................

وجهان لامراْة واحدة

تتمدد الذاكرة فوق بلاط الزمن العاري والموغل في الازلية والتيه , فتومض الصور و الاحداث والوجوه القاتمة والمضببة , لتتراقص مثل اشباح هلامية بلا اشكال ولا تفاصيل
وجوه الناس الذين مروا من هنا . وطبعوا بصماتهم في سجل ملطخ بحبر الفوضى وتدافع الايام والسنون وتشابكها المربك , ترسم شريطا داكنا وممزقا لاحداث تابى ان تستقيم في تسلسل زمنيي وتستقر في شكل ما
كانت وفاء هي من يقف بالباب عندما اعود حاملا كتبي المدرسية , ولم تكن جنان سوى فتاة تعيش على الهامش تماما
شريط هذه الذكري يلمع في الذاكرة مثل ضوء خافت . ما يلبث ان يذوي ويتهاوى في زحمة الذكريات وتدافعها وقد تتشابك خيوط الذاكرة احيانا فيبزغ وجه وفاء بابتسامته العريضة وتقاطيغه الملائكية مثل نبت صحراوي وحيد فوق جسد جنان , لتغدو الصورة كابوسية في ظلالها والوانها وفضاءاتها الهلامية
وجه وفاء بتقاطيعه وتفاصيله الفائقة والدقيقة ينتصب فوق جسد جنان , ثم لا تلبت ان تنقلب الامور , فيبزغ وجه جنان في صورة خاطفة متربعا عرش الجسد المكتنز , لوفاء راسما هالة من الظلال تمتد لتغطي قامته المديدة والممشوقة
تداخل الصور وتراقص الوجوه . بين وجه وفاء بملامحه الطفولية التاضحة برغبة انثوية طافحة , وبين وجه جنان بملامحها البليدة ورغباتها العابثة , هو ما يربك الذاكرة ويهرسها
لابد من اعادة رسم الاحداث ونركيب شريط الذكريات لتتطابق الصور وتاخذ نسقا ما
لوفاء حضور طافح تعج به الذكرة ويمتد مثل خيط نازف
تقف وفاء وسط باب البيت … تتحدى كل العيون التي تراقب وتتلصلص ,
ترفع يدها الى الاعلى , وبحركة انثوية ساحرة تمسد شعرها
ورغم بعد المسافة بيننا لكنني كنت اسمع نداءاتها الخفية تصرخ بي وصوت لهاثها الذي يستفزني
هكذا تكتمل الصورة التي تشبه بروفا مسرحية تتكرر كل يوم على خشبة الرغبات الجافة والمقموعة
في كل يوم امر هابطا من وحي رغباتي من امام باب البيت
بينما تنتظر هي عودتي وقد حفظت عن ظهر قلب مواعيد دخولي وخروجي من المدرسة
لكن وجه جنان يابى ان يفارق الذاكرة وهو يرقد في دهايزها القصية , مثل عدو قديم يترصدني ويفسد لي كل تفاصيل الذاكرة
يظهر وجه جنان مثل غيمة هائلة تحجب خلفها كل الذكريات
, يكبر وجهها رويدا رويدا الى ان يحتل كل مساحات ودهاليز الذاكرة , ليذوي وجه وفاء وتشحب ملامحه , ثم يتحول الى نقطة سوداء بلا محلامح ولا تفاصيل , ابحث عن وفاء في كل الاوراق الميتة والمهملة
لم تعد تفاصيل وجهها الملائكي تحضرني , تموت وفاء على مذبح الفوضى وجنون الذاكرة فتعصر روحي
تتقزم كل الذكريات عن وفاء وتنزوي بعيدا, تاركة كل المساحات امام زحف هائل لوجه جنان وصوت ضحكاتها الطفولية العابثة
من كان يرسم تلك الصورة ما لم تكن جنان قد طبعت بصماتها هنا في هذه الذاكرة , وكيف لها ان تلج في الذاكرة ما لم تكن امراة حقيقية قد استطاعت بدهاءها الانثوي ان تسجل اسمها وحضورها في الذاكرة
وجه جنان وصوتها الضاحك العابث لا يريد ان يغادر
يتسرب الشك مثل صقيع موجع ويتغلغل في اطرافي ودواخي ويسود كل الاوراق
ترى لمن كنت اقف في الباب ؟؟؟
اكانت وفاء ام جنان ؟؟؟
ومن كان يحييني بتلك الاشارة السحرية ؟؟؟
يقع بيت وفاء في الطريق الى المدرسة , وعندما كنت امر من امام باب بيتهم كانت تقوم بنفس الحركة , تمسد شعرها بيدها , تحية لمقدمي ومرور موكبي امام عرشها الذي لا تفارقه
يقع بيت جنان في الطريق الى سوق المدينة , وعندما كنت امر كانت تعض شفتيها في حركة تنم عن شهوة طفولية عابثة
كانت وفاء تصعد الى سطح البيت ومن هناك تراقبني وتقوم بنفس الحركة عندما امر وعندما لا تجد فرصة للوقوف بباب البيت
كانت تراقبني من خلال الفتحات في سياج البيت
بينما كانت جنان ترتدي طاقية من تلك التي يرتديها الفتيان ونادرا ما كنت ترفع تلك الطاقية التي تحجب عينيها
لكن ما ادراني ان تلك الصور المهشمة هي مجرد اضغاث احلام ؟؟
فقد تكون وفاء هي نفسها جنان , وما اختلاف ملامح الوجه الا عبارة عن لحظات زمنية متباعة ,
.اكاد اشك ان. لوفاء وجنان جسد ووجه واحد
ولهما ذكرى واحدة لكنها تشظت عبر الزمن
واكاد اجزم ان وفاء هي جنان
وفاء الرائقة الفاتنة هي نفسها جنان الضاحكة العابثة
لكي تنزوي الرغبة ولكي تستريج الذاكرة من اعادة حلم جميل كان يراودها على الدوام كان لابد من استحضار حلم اخر كي يطرد تلك الاوهام , لتستريح الذاكرة من ذلك الطيف الذي اتعبها
اذن لا وجود لجنان البتة …. جنان مجرد كابوس تتشضى عنده الذاكرة وتفقد قدرتها على استحضار حلمها الذي ادمنت على تكراره بشكل مرهق
لكي تموت وفاء وتنزوي في الاطراف القصية من الذاكرة كان لابد للذاكرة من ان تستحضر حيلها والاعيبها
كي تحفظ لارشيفها التوازن من سطو ذلك الطيف الذي يابى ان يفارقها , كان لابد للذاكرة من ان تسمح بعض ملامح وفاء لتفسح المجال امام ذكريات اخرى
مع ذلك ظلت وفاء هي الانثى الوحيدة التي طبعت بصماتها في الذاكرة , وتخطت كل الكوابيس والوجوه العابثة , وكانت تبزع من بين كل ضباب الذاكرة لتذكر انها المراة الوحيدة التي غرست حضورها في اعماق الذاكراة ·








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - في غاية الروعه
حالابسه ( 2012 / 11 / 3 - 05:06 )
مقال في غاية الروعه يشعر القاريء ان السرحانين موجودون للان ويشعر حتى الغبي بالانتصار لوجود من هو اغبى منه مثل منقار الخشب سرحونه

اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟