الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-التويزة- الجماهيرية وغريزة الإنحطاط

عذري مازغ

2012 / 1 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


في الايام الأخيرة، حاولت أن أبتعد نسبيا عن الكتابة، فأنا لا أجد نفسي فيها ولا أنا انتمي إليها برغم أنها تتيح بعض الفسحة الذاتية، لكن في خضم الأحداث التي غطت الأربع سنوات الماضية، فوجئت حقا بشيء غريب، فالأزمة الإقتصادية بكل تداعياتها العميقة لم تحرك ساكنا في الطبقة العاملة التي هي المعنية بدرجة قصوى بدينامية الإنتاج أو العمل. فالحركة العمالية كانت قوية بشكل ملحوظ في القرن العشرين وحققت مكاسب لا يستهان بها سواء على المستوى الحركي للنقابات أو على مستوى الثورات السياسية الكبيرة التي تحققت في الإتحاد السوفياتي سابقا والصين وبعض دول أمريكا اللاتينية، عمليا يشكل انهيار الإتحاد السوفياتي ضربة قاصمة للحركة العمالية بشكل خاص، لكنه في الحقيقة يعبر من ناحية أخرى عن هشاشة ما في الوعي الإيديولوجي للعمال، فالإنهيار كان نتيجة حتمية لهذه الهشاشة، إن تاملا عاما في الحراك العمالي قي خضم الهجمة الرأسمالية "الجديدة"، في إطار ما يسمى عادة اليوم بالعولمة، يثير فينا حالة من التقزز، تبدو فيه الطبقة العاملة غير مستلهمة تماما للحركة الجديدة للرأسمالية، فالتراجع القاتل عن الكثير من المكتسبات التي تحققت، طيلة قرن ونصف من الزمن تم هضمها بشكل كاسح فقط في بضع سنوات ثم جاءت الأزمة الإقتصادية لتحول الناس إلى قطعان حالمة بمجد اللبرالية الجديدة، أصبحت الديموقراطية في شكلها البهلواني الرأسمالي المرتشي هي الخبز والأجور وكل مايتعلق بوسائل العيش الكريم، اصبحت الديموقراطية مطلبا لذاته وهو في الحقيقة مطلب هذه الرزمة من المثقفين والسياسيين والحقوقيين الذين حظيوا بشرف تبوء مكانة الطليعة، ويبدوا تاريخيا أن الطليعة المثقفة في المجتمع هي من كانت تبلور الوعي السياسي للجماهير، حتى في الأدبيات الماركسية يتكرس وجود مد حركي للطبقة العاملة بوجود طليعة ثورية هي من يقوم بمهمة تهييء الأرضية النضالية، تثقيف الجماهير وتعرية مسار حركة التاريخ بشكل عام من حيث هي حركة الطبقات السائدة في مجتمع ما، وهذا يعني ببساطة مؤلمة أن الطبقة العاملة المؤهلة عمليا بتحقيق القفزة التاريخية نحو مجتمع عادل مرهونة هي الأخرى بقيادة ثورية وطليعة ثورية وهنا نقف أمام إشكالية كبيرة هي حول دور هذه الطليعة في التراجعات الضوئية على مستوى المكاسب التي تحققت حتى فترة قليلة جدا. بهذه الوجاهة النظرية، التي تبدوا بديهية إلى حد ملهم خلقنا به ما يسمى في الثقافة السوسيولوجية بالشخصية الكاريزمية، فالطليعة الثورية توحي بهرمية طبقية، وبشكل فني تمثل روح الحراك السياسي، لكن بوعي آخر مقلوب، تظهر وضعا في الآلية النضالية التي تحققها الجماهير، في استنادها إلى هذه الطليعة الكاريزمية تخلق موقفا فطريا، هو ان الطبقة العاملة التي لا تتحرك إلا في ضوء هذه الطليعة الثورية هي طبقة تحكمها غريزة الإنحطاط الذي هو متأصل في طليعتها الثورية. في هذا التحديد النظري الذي يقتبسه أكثر المتثورون بروليتاريا يتحدد شكل الممارسة الديموقراطية للطبقة العاملة وهو انها غير معنية بالمشاركة مادامت الطليعة هي من يحدد أفق سيرورتها النضالية وهذا بالتحديد ما أعطى نموذج الإنحطاط في التجربة السوفياتية، وهكذا وبالوتيرة نفسها، في ما يسمى بربيع الشعوب عندنا، انطلق الحراك كاسحا وعفويا لا يعترف بأي انتماء، لكنه احتاج في مساره النضالي إلى هذه الكاريزما اللعينة والإنتهازية ولم يجدها إلا في قيادات كانت منحطة موضوعيا، قيادات متفهمة تماما لنمطية التوفيق بين شرعيتين متناقضتين تماما: بين ما تفرضه "الإلتزامت الدولية" وما تفرضه "الإلتزامات الوطنية" وهي على مايبدو لعبة كلمات أكثر منها حدودا تفصل بين الهم الوطني والهم الدولي تجد أساسها في الحل الديموقراطي أو بتعبير أصح في ديكتاتورية المؤسسات الإقتصادية والمالية باعتراف احد اعتى المفكرين الرأسماليين ك: رودز فورد بي هيز:" إن مقولة: هذه حكومة الشعب من الشعب وللشعب لم تعد قائمة. إنها حكومة الشركات وللشركات".
وطبيعي جدا أن تكون هذه الطلائع مرحة بدورها الريادي في خدمة هذه السياسة التوفيقية بين المال والأعمال، بينما الجماهير الكادحة عليها أن تنتظر مخاض هذا التوافق بين الإلتزامين: الوطني والدولي، قدرها التاريخي أن تعيش بين طرفي تحقيق معادلة الإنحطاط التي لم تسلم منها حتى عملية تأسيس الدساتير التي أصبحت بدعة حداثية جديدة لتدبير الملهاة عبرت عنه النخبة المنحطة في المغرب بتعبير فقهي جديد سمته " التنزيل”، بشكل مماثل عبرت الدعاية الإنتخابية في كل من مصر وتونس على هذا النمط من تدبير الملهاة في شكل دعوة لاختيار حزب يكيف مضامين الدستور وفق تنزيل جديد.
تبدوا الهياكل السياسية للمنظمات النقابية والسياسية متأسسة على هذه النمطية من التوفيق في تمأسس العلاقات، إن الحذر الخلاق في ما تبدعه من قرارات يسير وفق نمط أن لا يتهدم نظام هذه العلاقة، وبمعيار فاضح تبدوا الزبونية التي ليست مصطلحا سياسيا معيارا للعلاقات السياسية والمصالح المشتركة، المنخرطون الذين يبدون حماسة هائلة لنظامهم السياسي أو النقابي أو الديني أو الحقوقي بشكل عام، هم أكثر الطحالب تمأسسا وانحطاطا في الغريزة، وهم مبعث الإرتياح الجم لقيام علاقة تساوم مع المختلفين من تيارات أخرى بخلق تعبئة جماهيرية دورها الأساسي هو وضع أساس تبريري شعبي لتلك التحالفات التي تقيمها منظماتهم ، بالتعبير السوسيولوجي المغربي، بدأ الحراك السياسي ك"تويزة" ثورية شارك فيها الجميع، وما ان أصبحت الامور تتوضح حتى عادت القطعان إلى النضال داخل مؤسساتها لتفرز نمط الحداثة اللبرالية وهي الوجاهة التي كانت تناضل على أرضيتها قطعان اللبرالية الجديدة، وكان هذا التوجه لهذه الطليعة المثقفة بسبب وداعتها السياسية المتفهمة جدا لموازين القوى، والتي قد لعبت دورا أساسيا في إخماد الحراك النضالي للجماهير طيلة عقود كاملة، كانت هذه الطليعة خلالها، وفي إطار أنظمة الحكم الإستبدادية، وبفضل غريزتها المنحطة كانت مهمشة غاية في التهميش وهاهي الآن تعود لتحكم بفضل غريزتها الإنتهازية عملية تدجين وفق طموحها المؤسساتي الوديع، حيث يتولى المنخرطون داخل مؤسساتها، او مانسميه الإمتداد الجماهيري لهذه المؤسسات، مهمة تبرير التحالفات السياسية مؤسسة بذلك أحد أشكال تمظهر غريزة الإنحطاط.
إن التويزة في المغرب مثلا هي حرث أو حصاد جماعي لمجموع أراضي قبيلة او مجتمع ما ذات خصوصية معينة، قد تكون ملكيات جماعية، وهي كانت كذلك قبل ظهور المستعمر الفرنسي، وقد تكون ملكيات صغيرة لفلاحين صغار اضطرهم العوز إلى التشكل في العمل التعاوني الجماعي مشكلين بذلك نمط التويزة، التي تؤدي ثورتها عملا ثوريا كاملا: من الحرث الجماعي إلى الحصاد الجماعي. في التويزة السياسية، كانت الحاجة إلى التغيير قد عبرت من خلال منتديات الفضاء الإجتماعي الإفتراضي على نوع من ضرورة التعاون الجماعي الوطني، أظهرت تلاحما منقطع النظير بداية الحراك ولم يلبث تظهر نبتاته الكريمة حتى بدأت المؤسسات السياسية، التي كانت أصلا منحطة، تستعيد دورها التدجيني المفقود، لقد لعبت الطلائع المثقفة والسياسية دورا هاما من خلال استعادة حيويتها السياسية بالنفخ في البيانات السياسية، والحوارات المدفوعة الثمن داخل مؤسسات الإنحطاط العربي، القنوات الإعلامية العملاقة بالخصوص، وأصبحوا بقدرة قادر زعماء الحراك السياسي وملهميه.
إن أحد أشكال تمظهر غريزة الإنحطاط هو هذا التسليم الجماعي لضرورة أن يتولى هؤلاء المنحطون قيادة الأوطان وان تتخلى الجماهير عن أشكال إبداعاتها الخلاقة خلال الإنتفاضات الجماهيرية لتصير الأمور إلى سلام الأنبياء: إعادة تمشكل العمل السياسي وفق عملية إعادة توزيع العمل السياسي اي وفق حداثة سياسية بمنطق المفكر الأمريكي دوسانتوس:"تكييف البناء الأعلى لمجتمع معين بحيث يعاد تشكيله دون تغييره" أو بمنطق هينتينكستون في إعادة توزيع الأدوار السياسية.
لقد افترس الإبداع الثوري للحراك الإجتماعي الذي كان يولي الأهمية القصوى للتغيير الثوري من طرف كائنات منحطة ساهمت بشكل كبير في تدهور الوعي التحرري لدى الجماهير، لقد تحكمت فينا مرة أخرى غريزة الإنحطاط عندما توقفنا إلى عملية تغيير الأدوار السياسية من خلال لعبة الإنحطاط نفسها التي عادة تعبر الديموقراطية الرأسمالية على أعلى مراحلها وتخلينا على شكلها التويزي البناء الذي أظهر بشكل خارق، من خلال انطلاقته في الحراك الإجتماعي، وفي ظرف وجيز عن مدى قدرته على تجاوز الكثير من المعوقات التي كانت في زمن وداعة الإنحطاط، في أنظمة الإستبداد، تبدوا مستحيلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دمار في -مجمع سيد الشهداء- بالضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنان


.. انفجارات تهز بيروت مع تصاعد الغارات الإسرائيلية على الضاحية




.. عسكريا.. ماذا تحقق إسرائيل من قصف ضاحية بيروت الجنوبية؟


.. الدويري: إسرائيل تحاول فصل البقاع عن الليطاني لإجبار حزب الل




.. نيران وكرات لهب تتصاعد في السماء بعد غارات عنيفة استهدفت الض