الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرب.. شعوب الله المختارة

محمد أبوعبيد

2012 / 1 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


منذ فجر بلاغتنا اللغوية، وما زلنا، نحن العرب، الأكثر بلاغة في مدح الذات، مثل مناجاة البلغاء في مسامرة الببغاء. قد يواصل المرء تشبيبه الذاتي إنْ لم يكن على علم بما وصل إليه غيره، لكن المصيبة تعظم إن كان يرى حقيقة الغير فعاند نفسه وظل على تعاميه.

كاد يعلّمنا من علّمَهُم معلمون، لهم معلموهم أيضاً، أن الأرض فخورة بوجود العرب عليها، وليس العرب فخورين بأنهم على هذه الأرض، والسماء تختال أن العرب تحتها وليس العرب بأن السماء فوقهم. والمطر يتباهى بسقايته أفواه وأصقاع العرب، وليس العرب بأن المطر يهطل عليهم، وأن الأمم الصناعية مزهوة بنفسها لأنها تُصَنّع للعرب، وليس العكس. يا للبلية المضحكة.

كأن هذا الكذب الذي ورثناه، كمن يرث الأرض والمال، غير شافٍ لمرضنا النرجسي، وإذْ بنا نتقاسم عبادة الذات، لنصبح شعوباً عربية مختارة، بدلاً من عرب مختارين ومختالين لكن موَحَدين. إلا أن هذا الاختيار فرقنا ليمسي كل شعب عربي يدعي لنفسه الاصطفاء الرباني.

لقد أوصلنا هذا المرض إلى درجة أن كل شعب عربي، بلا استثناء، بات يعتقد، إن لم يكن مؤمناً، أنه من سلالات الأنبياء، فهو فوق الانتقاد، ولا يجوز لعربي ينتمي إلى شعب آخر، أن يتحدث عن غير شعبه بملاحظة أو نقد بناء، وإلا فإنه سيرتكب الخطايا والرزايا. صار كل شعب عربي يستأسد على شقيقه الشعب الآخر، بأنه الأذكى والأنقى، وغيره هو الأنكى، وأنه الأكثر علماً ومعرفة، وأن شبابه الأكثر وسامة، وأن إناثه الأشد جاذبية. وبات كل شعب يعتقد أنه وحده الثائر وغيره الخائر.

كل شعب عربي يقيم الدنيا ولا يقعدها إذا ما علم عن مواطن منه أصبح عضواً في برلمان أوروبي، أو أنه قدم بحثاً في أمراض السرطان في جامعة أمريكية، أو أن مغنية عالمية تعود بأصلها إليه وهي لا تفخر بهذا، فيظن أنه بذلك امتلك الأرض ومن عليها، ثم يغفل أن شعوباً عربية أخرى وصل مواطنوها إلى سدات الحكم الرئاسية في أمريكا اللاتينية، وأيضاً منها العلماء مثلما منها العملاء، وأن ما يمتاز به شعب عربي، فإن الشعوب العربية الأخرى تقاسمه الميزة أيضاً.

إننا اليوم في عصر "المُتاحات"، فبات بمقدور العربي أن يدرك من مكانه ما وصل إليه الآخرون، وأوله الجهاز الذي بين يديه والذي يوصله إلى العالم، ورأفة بنا، أو ربحاً منا، عربوه لنا، ثم نتجاهل ذلك لنواصل غينا وإيماننا الهلامي بأننا الشعوب المختارة، وأن على الآخرين أن يهتفوا باسم العرب. يسافر العربي إلى بلاد الغير فيرجع مبهوراً مقهوراً مسروراً مسحوراً بحدائقهم وشوارعهم وجامعاتهم ومشافيهم وصناعاتهم وقوانينهم ولغاتهم وغنائهم وأفلامهم، وحتى نسائهم، ثم يعود ليغرد أنه ينتمي إلى شعب الله المختار. ولكي يضحك على نفسه أكثر بأسنان ناصعة البياض، سيقرأ على فرشاة أسنانه أنها ليست من صنع بني جلدته، ثم يقول إنه من شعب الله المختار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة تقتحم حشدًا من محتجين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة أمري


.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. سيناتور أمريكي يعلق على احتجاجات جا




.. الولايات المتحدة.. التحركات الطلابية | #الظهيرة


.. قصف مدفعي إسرائيلي على منطقة جبل بلاط عند أطراف بلدة رامية ج




.. مصدر مصري: القاهرة تصل لصيغة توافقية حول الكثير من نقاط الخل