الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مخاطر الاستمرار بتثبيت الدينار العراقي

نبيل جعفر عبد الرضا

2012 / 1 / 17
الادارة و الاقتصاد


أدت التأرجحات في سعر صرف الدينار العراقي منذ بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي ولغاية نيسان 2003 إلى تأثيرات سلبية على حركة النقد والتداول في البيئة المالية العراقية . إذ تؤشر تلك الفترة الانخفاض التدريجي والمستمر في سعر صرف الدينار العراقي بعد ان كان ثابتا قبل ذلك التاريخ في ظل سياسة تثبيته قياسا بالدولار الأمريكي . ويرتبط انخفاض الدينار العراقي منذ بداية الثمانينات بالحرب العراقية – الإيرانية 1980 – 1988 ، وما أدت إليه من آثار كارثية على الاقتصاد العراقي كان من بينها تدهور العديد من المؤشرات الاقتصادية وتدني العوائد المالية النفطية نتيجة للأضرار التي لحقت بالقطاع النفطي . وبعد أن كان الدينار العراقي يعادل ثلاثة دولارات عام 1981 تغيرت المعادلة عام 1988 فأصبح الدولار يعادل ثلاثة دنانير . بيد أن الدينار سرعان ما تهاوى خلال عقد التسعينات ليصل إلى أدنى مستوى له عام 1995 عندما أصبح الدولار يعادل 3000 دينار . ونتيجة لتطبيق مذكرة التفاهم بين العراق والأمم المتحدة عام 1996 فقد تحسن سعر صرف الدينار إذ تراوحت قيمته ما بين 1800 دينار لكل دولار عام 1999 و 2300 دينار لكل دولار عام 2003 . لقد أدت التغيرات الكبيرة في سعر الدينار إلى انعكاسات خطيرة على البيئة المالية والاستثمارية في العراق التي اتسمت بالاضطراب ، وهو ما انعكس سلبيا على قطاع الأعمال وعلى السوق العراقية مما أفضى إلى فقدان ثقة المتعاملين والمستثمرين بالسلطة النقدية .
البنك المركزي العراقي وتثبيت سعر الدينار
في ظل ترتيبات تثبيت العملة الوطنية بعملة دولة أخرى ، تحدد الدول سعر صرف ثابت لعملتها مقابل إحدى العملات الرئيسة ( الدولار الأمريكي غالبا ) فيتحدد سعر صرف العملة أمام بقية العملات في ضوء أسعار صرف عملة الربط مقابل العملات الأخرى . وضمن هذا الاتجاه فإن ارتباط الدينار العراقي بسعر صرف ثابت أمام الدولار سيجعل من تغيرات أسعار صرف الدولار أمام عملات الشركاء التجاريين للعراق تنعكس بصورة مباشرة على أسعار صرف الدينار في مواجهة هذه العملات .
لقد نجح البنك المركزي العراقي في تحقيق استقرار سعر صرف الدينار العراقي وتحسينه بالقياس إلى الدولار الأمريكي والعملات الأخرى من خلال تثبيت سعر تعادل للدينار مقابل الدولار والدفاع عنه . وقد حدد هذا المستوى منذ أكثر من ثلاثة سنوات بنحو 1170 دينار للدولار الواحد بعد أن كان 1480 دينار خلال المدة 2003 - 2007. وقد انعكس هذا الأمر إيجابا على المبادلات التجارية والمعاملات المالية والتجارية في السوق العراقية ، وهئ مناخا ملائما اتسم بالاستقرار النسبي للمستثمرين ورجال الأعمال . واستخدم البنك المركزي العراقي إحدى الوسائل التقليدية للمحافظة على سعر صرف الدينار في سوق الصرف الأجنبي . وهذه الوسيلة تتمثل بالمزادات اليومية التي يبيع فيها البنك المركزي العراقي نحو 300 مليون دولار يوميا . ومع أن هذه الوسيلة قد نجحت تماما في تحقيق هدفها النقدي الرئيس المتمثل بالمحافظة على استقرار سعر الدينار إلا أنها قد أفرزت بالمقابل بعض النتائج السلبية والضارة على الاقتصاد العراقي منها :
1- إن استخدام البنك المركزي العراقي لجزء مهم من موجوداته الأجنبية لغرض تثبيت سعر الدينار يؤدي مع استمراريته الى استنزاف الاحتياطي النقدي للبنك المركزي العراقي ومن ثم يفقد البنك المركزي مع الزمن قدرته في الحفاظ على القيمة التعادلية للدينار العراقي لا سيما وان المبالغ التي يستخدمها البنك المركزي من الدولار ، هي كبيرة جدا وتزيد عن 60 مليار دولار سنويا إذا ما إستمر البنك المركزي على بيع هذه الكميات الكبير من الدولار الأمريكي . والمعروف بان مبيعات البنك المركزي العراقي قبل عدة سنوات لم تتجاوز 30 مليون دولار يوميا . ويبدو ان الطلب الشديد على الدولار مرتبط بالأوضاع السياسية التي تشهدها المنطقة حاليا والمتمثلة بالعقوبات الاقتصادية على سوريا وإيران وهو ما جعل العراق يمارس دور الناقل التجاري (بسبب ضعف بنيته الإنتاجية ) أي يمارس عملية الاستيراد لحساب سوريا بالذات أي عملية إعادة التصدير لها . وفي ضوء عدم وجود رقابة من البنك المركزي على عمليات إعادة التصدير يتسرب جزء مهم من الدولار الأمريكي إلى خارج العراق .
2- إن استقرار سعر صرف الدينار كهدف نهائي للسياسة النقدية لم يؤد إلى استقرار أسعار السلع والخدمات التي تجنح نحو الارتفاع المستمر والكبير ، وهو ما يعني ضعف فاعلية سياسة تثبيت سعر الدينار في تخفيض معدلات التضخم في العراق .
3- إن تثبيت سعر الدينار بإجراءات نقدية فقط يؤدي (وهو ما حاصل فعلا في العراق) إلى تقييم العملة العراقي بأكثر من قيمتها الحقيقية . وهذا يعني أن ثمة مبالغة في سعر صرف الدينار العراقي قياسا إلى العملات الأخرى . وهذا يعد احد الأسباب المهمة لهروب رأس المال نظرا للقيمة المنخفضة للدولار في مواجهة الدينار ، كما أن احتمال تخفيض سعر الدينار لأي سبب كان يمكن أن يؤدي إلى أن يتحول الناس من الأصول المحلية إلى الأصول الأجنبية وهذا هو نفس مبرر استبدال العملة أي الاستعاضة عن العملة المحلية بالعملات الأجنبية من اجل تجنب الخسارة المحتملة .
4- إن الوضع الحالي المضطرب امنيا وسياسيا في المنطقة وتلويح إيران بإغلاق مضيق هرمز وهو ما يعني اقصاء 80% من الصادرات العراقية النفطية عن السوق العالمية ومن ثم انخفاض مروع في العائدات المالية النفطية التي تسهم بحوالي 92% من ابرادات الموازنة العراقية لعام 2012 ، يستلزم المحافظة على الاحتياطي النقدي للبنك المركزي من خلال اعتماده على سياسة مرنة تأخذ بنظر الاعتبار الظروف السياسية والاقتصادية المستجدة
في ضوء ما سبق يمكن القول بان السياسة النقدية في العراق كي تكون فاعلة ينبغي أن تكون جزءا من سياسة اقتصادية كفوءة . وما دمنا بصدد سعر الدينار فأن المحافظة على استقراره ورفع سعره في مرحلة لاحقة يتطلب أولا وقبل كل شئ العمل الجاد على تطوير وتنمية الاقتصاد العراقي من خلال رفع كفاءة الأداء في القطاعات الاقتصادية المختلفة وتوسيع قاعدة المعروض السلعي من الناتج المحلي ، وهذا سيؤدي لاحقا إلى رفع القوة الشرائية للدينار ومن ثم تحسين سعر صرفه قياسا إلى العملات الأخرى . لذلك يغدو من المناسب اعتماد سياسة اقتصادية فعالة تقلل من التكاليف الباهضة لتثبيت سعر الدينار إلى أدنى حد ممكن من خلال زيادة التخصيصات الاستثمارية للقطاعات السلعية وبالذات الصناعة والزراعة إذ ليس من الحكمة أن تخصص موازنة عام 2012 نحو 5و1% فقط من التخصيصات الاستثمارية للصناعة في حين تستحوذ الرئاسات الثلاث على نحو 15 مرة بقدر ما يخصص للصناعة .. ان اعتماد نظام سعر صرف ثابت هو شبيه بوضع الاقتصاد في قالب محدد، وهذا يتطلب سياسة مالية متشددة ولا يسمح بالتجاوزات. أما إذا أغدقت الحكومات في الإنفاق أو ارتفع العجز الداخلي والخارجي، يصبح هذا الرداء ضيقاً وتبدأ التشققات بالظهور عليه مما يستدعي اتخاذ تدابير إصلاحية وإخضاع الاقتصاد للانضباط المالي . ان السحب من الاحتياطيات الخارجية لدعم العملة لا يكفي للحفاظ على سعر صرف ثابت، إلا إذا واجهته سياسة تصحيحية مالية ونقدية، كذلك لابد من وضع مرونة اكبر لسعر الصرف أو سقفين اعلى وادنى لسعر صرف يتحرك خلالهما بحرية بدلا من جمود عملية التغيير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا على المقال الجميل والمفيد !
ماجد جمال الدين ( 2012 / 1 / 18 - 06:58 )
شكرا على هذا المقال ، ولكن ألا تعتقد أن تحرير سعر صرف الدينار أو تعويمه في الظروف الحالية بدون وجود حكومة فعالة ذات إستراتيجية مالية وإقتصادية واضحة وبرلمان شبه معطل وفي ظل أوضاع أمنية غير مستقرة قد يجلب مزيدا من المخاطر ..
لا أدري ما أقول ولكن المشاكل متشابكة جدا في مستوياتها السياسية والإجتماعية ألإقتصادية ، وتتطلب حوارا موسعا ونظرة متفحصة من أعلى، لتكون القرارات أو التوصيات أكثر دقة وملائمة .. وهذا ما يجب أن تركزعليه كل القوى الوطنية بمثقفيهم وإختصاصييهم .
مع تحياتي وإحترامي


2 - سعر الصرف
وليد الزبيدي ( 2012 / 4 / 24 - 11:48 )
شكرا دكتور على هذا المقال المتميز والمهني ارجو ان يقراه المتنفذون ويستفادوا من هكذا مقالات مهنية هدفها تنمية الاقتصاد العراقي وبالتالي حياة رغيدة لكل العراقيين ...انا دائما اقراء مقالاتك وكتبك متميز
انا احد طلابك

اخر الافلام

.. لماذا سرعت كوريا الشمالية في إنتاج السلاح النووي؟


.. عمال المحارة الترند عملوا فيديو جديد .. المنافسة اشتدت فى تل




.. أسعار الذهب اليوم الأحد 19 مايو 2024


.. الأسبوع وما بعد | قرار لبوتين يشير إلى تحول حرب أوكرانيا لصر




.. بنحو 50%.. تراجع حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل