الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحديات المرحلة الإنتقالية في سوريا –رقم 2 - الأمن و السلام

هيثم خوري

2012 / 1 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


يشكل الهاجس الأمني واحدة من أهم التحديات التي تواجه أي حكومة إنتقالية بعد ثورة شعبية، إذ إن الثورات غالباً ما تترافق بالفوضى و العنف، وهذه الصفات تلازم عموماً كل الثورات، فالثورات هي مواجهة و تحدٍ بين الشعب الذي يريد تغيير نظام الحكم و الحكومة التي تقاوم هذا التغيير.

و السبب الكامن للثورات هو تراكم الإحساس بالحرمان و الجور و الظلم الذي يؤدي إلى العسر و الكدر و الألم و المرارة و الحنق. و لكن في لحظة معينة و نتيجة تعدٍ فاضح من السلطة على الشعب ينفجر الحنق مولداً غضباً و تمرد. و التمرد عادة ما يكون محدود المطالب و الإتساع، ولكن عندما ترفض السلطة الإعتراف بمشروعية هذه المطالب يرتفع سقف المطالب ليصبح إسقاط النظام ، و تتسع رقعة التمرد لتشمل أجزاء واسعة من البلاد، في تلك اللحظة يتحول التمرد إلى ثورة.

إذاً فالثورات بطبيعتها فيها غضب و مواجهة و تحدٍ-أي عنف نفسي- من قبل الشعب، و غالباً ما ترد عليه السلطة بالضرب و الإعتقال و التفتيش التعسفي و التنكيل و القتل، و الرد الطبيعي من قبل الشعب على هذا العنف المادي سيكون عنفاً مادياً أيضاً. و الحال أن مقدار عنف الشعب يكون متناسباً مع مقدار عنف السلطة، مع أنه في كل الأحوال يبقى أقل من عنف السلطة،لأن الشعب لايمتلك إمكانيات السلطة و لا دوافعها من إنتقام و رغبة في الإمحاء.
لهذا تتسم الثورات الشعبية إجمالاً بالفوضى و العنف و لكن تختلف عن بعضها البعض في درجة هذه الفوضى و العنف. و الحق، إن درجة العنف هذه الدرجة تتعلق بعدة عوامل و لكن أهمها على الإطلاق هو عنف السلطة. هكذا فالثورة المخملية في تشيكوسلوفاكيا عام 1989 و التي دامت ستة أسابيع و مارست فيها السلطة عنفاً محدوداً (إستخدام هروات فقط) أدت إلى وفاة متظاهر و احد فقط، بينما الإنتفاضة المصرية التي دامت ثلاثة أسابيع وتميزت بوحشية رجال الشرطة -حيث إستخدموا في بعض الأحيان الرصاص الحي- فإنها إنتهت بمقتل 846 شخصاً من المدنيين و أيضاً 26 شخصاً من الشرطة. أما الثورة الأمريكية و التي إبتدأت كثورة سلمية و لكن حكومة صاحب الجلالة إستخدمت الجيش لقمعها إنتهت على شكل حرب دامت ثماني سنوات مات خلالها 25000 إنسان. لهذا يتساءل بعض الباحثين إذا كان هناك حقاً ثورة لاعنفية بالمعنى المطلق، و الإجابة لا، و إنما درجة العنف المستخدم هي التي تحدد فيما إذا كان يصح أن نطلق عليها عنفية أو لا عنفية.

لم تكن الثورة السورية مختلفة في مسيرتها عن باقي الثورات، عندما كتب أطفال درعا "إجاك الدور يا دكتور" كانوا يعبرون عن حنق أهلهم بشكلٍ خاص و الشعب السوري بشكلٍ عام، و عندما برعونتها إعتقلت قوى الأمن هؤلاء الأطفال حولت هذا الحنق إلى غضب و تمرد للمطالبة بالإصلاح و الحرية و الكرامة، و لكن لما أنكر بشار مشروعية مطالب الشعب و رد عليها بالوعيد و التهديد إرتفعت مطالب الشعب إلى إسقاط النظام، عندئذ إتسعت رقعة الإحتجاج و تحولت الإنتفاضة إلى ثورة. كل هذا لم يكن إلا وصفاً تقليدياً لآلية نشؤ الثورات، و لكن ما عقد الثورة السورية من الناحية الأمنية كان إقحام الجيش و إستخدام الشبيحة في محاولة قمع الثورة و أيضاً التجييش الطائفي و تسليح المدنيين. كل هذا سيجعل موضوع إحلال الأمن واحداً من أكبر التحديات التي ستواجه الحكومة الإنتقالية.

كان إقحام الجيش في قمع المتظاهرين و قتلهم و التفتيش التعسفي و حصار المدن و دكها واحداَ من أكبر الحماقات التي إرتكبها النظام السوري. فهذا أفقد الجيش صبغته الوطنية ليس فقط في عيون المواطنين المدنيين، بل أيضاً في عيون الكثيرين من أعضاء هذا الجيش نفسه. هكذا إيتدأ التململ باكراً في بعض قطعات الجيش، فحصلت مماحكات بين عناصر و قيادات الفرقة الرابعة و الفرقة الخامسة أثناء حصار درعا، ثم تحولت هذه المماحكات إلى إنشقاقات أولاً فردية و و من ثُمّ جماعية. و لما كثر عدد المنشقين و بدؤوا يستقرون في المناطق السكنية و لا حقهم الجيش ليقضي عليهم ، بدأ المنشقون بالتصدي للجيش النظامي و الشبيحة لحماية أنفسهم و حماية المدنيين من حولهم، رأينا هذا بجلاء في الرستن و حمص.

الخطأ الثاني الذي إرتكبه النظام كان إستخدام الشبيحة. و الشبيحة هم عصابات مسلحة أسسها مالك الأسد أثناء الوجود العسكري السوري في لبنان و ذلك للقيام بعمليات التهريب. ثم تطور إتساعها و أصبح هناك الكثير منها في العديد من مناطق الساحل السوري، و يديرها أشخاص من آل الأسد و آل مخلوف و آل نجيب، و لكن القسم الأكبر منها هو تحت أمرة نمير الأسد إبن عم بشار الأسد. و هي مجموعات تقوم بعمليات النصب و الإحتيال و السرقة و جمع الأتاوات و الضرب و التنكيل، و تستخدم أسلحة مختلفة من عصي و سكاكين و أسلحة نارية فردية. وللشبيحة سجون خاصة يسجنون فيها من يخطفونه إلى حين قبوله بما يفرض عليه. وهم فوق القانون ، يفعلون ما يشاؤون بدون رادع يردعهم،فطلباتهم لا ترد، ويتحدون سلطة والشرطة وحتى المخابرات، و لهم إنتماء طائفي واحد يفتخرون به و بلغ عددهم 5000 إلى 1000 شخص قبل بدأ الثورة السورية. يتم اختيار الشبيحة بعناية فائقة من أشخاص لهم صفات مميزة، فهم محدودي الثقافة، و لهم بنية قوية و جسم ضخم، يتم تدريبهم تدريبا قتاليا عاليا، ويكون ولاؤهم المطلق لزعيمهم. تم إستخدام الشبيحة لقمع المتظاهرين لأول مرة في اللاذقية، ثم إبتدأ النظام بتجنيد العديد منهم من السكان المحليين في محافظات دمشق و ريف دمشق و حلب، و لكن بالتحديد في حمص حيث لجأ إلى أفرادٍ من طائفة محددة يقطنون تلك المدينة، و بدأ هؤلاء الشبيحة بضرب كل من يعتقدون أنه مؤيد للثورة و بخطفهم و تعذيبهم و أيضاً بتخريب الممتلكات و تهديد الأهالي و ترويعهم، مما دفع سكان بعض المناطق في حمص لتشكيل مجموعات مسلحة لمقاومة أعمالهم، هكذا وصل الوضع في حمص إلى ما وصل إليه الآن.
بالإضافة لهذا عمد النظام إلى التجييش الطائفي. و الحال، منذ إعتلائه السلطة عمد حافظ الأسد إلى إستخدام طائفة معينة لتقوية حكمه و ليحتمي بها عند الضرورة و ذلك عبر إعطائها بعض الميزات. هكذا بشكل من الأشكال ربط مصيرها بمصيره، أو بالأحرى أفهمها هذا و زرعه فيها، بالرغم من ذلك لم نسمع عن حوادث طائفية في سوريا. و لكن منذ بداية الثورة إرتفع التجييش الطائفي إلى أعلاه، فصبغ النظام السوري الثورة السورية بصبغة طائفية ليؤلب عليها الرأي العام السوري فيسهل عليه قمعها. هكذا أذاعت الإخبارية السورية في 26 آذار بأن هناك "أنباء تفيد عن رفع المطالب الشعبية لتصل إلى إثارة النعرات الطائفية"، و قالت مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان أن "ما يحدث في سوريا هو محاولة إشعال فتنة طائفية"، ثم تابعت القول أن السلطات السورية ألقت القبض على سبعة عناصر تخريبية من جنسيات مختلفة و لكن حتى الآن لم نرى هذه العناصر. ثم تابع أزلام النظام الواحد بعد الآخر التكلم عن الفتنة الطائفية. كل هذا أدخل الريبة و الشك و الخوف في قلوب مواطنين يقطنون أحياء متجاورة.
وفوق ذلك كان قد عمد النظام إلى تسليح المدنيين من طائفة معينة منذ أمد بعيد و لكن منذ بدأ الثورة أخذ ذلك منحاً أكثر سرعة و أكثر خطورة، فإذ به كأنه يضع النار في الهشيم.

كل هذه العوامل إضافة للفوضى التي ستتبع سقوط النظام ستجعل مهمة حفظ الأمن واحدة من أصعب المهام التي ستواجهها الحكومة السورية الإنتقالية. و لكن قبل أن ننتقل لدراسة الإجراءات الأساسية التي يجب على الحكومة الإنقالية إتخاذها، دعونا ندرس المثال العراقي حيث تدهور الوضع الأمني على نحو غير محسوب لنستفيد من أغلاط الإدارة الأمريكية في معالجة هذه القضية ، و أبرز هذه الأغلاط كانت ما يلي:
• العنجهية الأمريكية التي توقعت أن العراقيين سيستقبلون القوات الأمريكية بالزهور ، فنسى الأمريكيون أن الشعب الذي عانى من العقوبات لأكثر من 12 عاماً لن يستقبل أحد بالزهور. هكذا لم يبعث دونالد رامسفيلد -وزير الدفاع الأمريكي آنذاك- بعدد كافٍ من الجنود، رغم تنبيهات كولن باول -وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت- المتكررة بأن مهمات حفظ الأمن و السلام تحتاج لعدد كبير من الجنود.
• حل الجيش الذي حرم السلطة من واحدة من أهم مؤسسات حفظ الأمن.
• سياسة إجتثاث البعث التي تركت عدد كبير من العاطلين عن العمل الذين يحسون بالمرارة و الحنق.
• عدم تلبية الأمريكيين للحاجات الأولية للشعب العراقي من مأكل و مشرب و أمن مما أدى إلى تذمر الشعب.
• عدم فهم الأمريكيين للطبيعة القبلية و الطائفية للمجتمع العراقي لهذا لم يدركوا أن واحدة من مفاتيح الحل الأمني ستكون المصالحة بين الطوائف و الأعراق المختلفة عبر أولاً و ليس آخراً الإتصال برؤوساء الطوائف و القبائل.
• تأخر الأمريكيين في التفاعل السريع مع التطورات الأمنية خصوصاً في الأيام الأولى من الغزو مما سمح للعصابات بالإنتشار.
• أخيراً تقسيم العراق الذي كرّس الخلافات العرقية و الطائفية فيه.

إذاً الآن ماهي النقاط التي على الحكومة السورية الإنتقالية مراعاتها؟

• تشكيل لجنة أمنية منذ الآن لدراسة الوضع الأمني.
• الإنتباه إلى موضوع الشبيحة فهم سيسببون المشاكل حتى بعد سقوط النظام.
• الإنتباه إلى تلبية حاجات المواطنين من مأكل و مشرب خصوصاً في أماكن التوترات لأن ذلك سيخفف التوترات كثيراً.
• معالجة الشرخ الذي حصل في الجيش.
• معالجة الشرخ الإجتماعي الذي حصل في بعض المناطق و خصوصاً حمص وهذه المعالجة لها شقين: إجتماعي و أمني. أما الإجتماعي فهو عبر تحقيق المصالحة بين أطياف المجتمع في كل مدينة على حدة. و أما الأمني فهو عبر نشر الجيش مبكراً في مناطق التوتر، و تدريب الجيش على مهمات حفظ السلام، و عدم التردد بفرض حظر التجول عند الضرورة، و أخيراً سحب للسلاح رويداً رويداً من يد المدنيين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اوهام الديمقراطية
وافي الهزار ( 2012 / 1 / 19 - 00:51 )
هذه الوصفة الطبية على اي حقائق ووقائع أسئسست لها.أعد قراءات التاريخ جيدا فالعبرة بتجارب التاريخ لا بتسفيط الكلام المنمق.وهل سوريا أهم من يغسلافيا التي غدت اربع دول او اهم من العراق الذي قسم حكما اوو أهم من جيكسلافاكيا او السودان او اندونسيا .ثم الحرب الاهلية حتمية لامفر منها فرنسا-اسبانيا- اغلبية دول افريقيا -لبنان - العراق.الديمقراطية وهم كبير وهو في جوهره مشروع فئة اوليغارشية تحتكر السلطة والمال وتستخدم الانتخابات كذريعة لتكريس الخيارات التي تنتجها بنية اعدت سلفا.ستجد الطفيلين والنصابين من السياسيين البهلونيين وستندحر كل هذه الاسقاطات المعرفية اذ ان من يفرض شروط القوة على الارض هو من يمتلك القدرة على حمل واستخدام السلاح من الداخل والخارج اما المتوهمين والحالمين سيكونون خارجة اللعبة منبوذين

اخر الافلام

.. فولفو تطلق سيارتها الكهربائية اي اكس 30 الجديدة | عالم السرع


.. مصر ..خشية من عملية في رفح وتوسط من أجل هدنة محتملة • فرانس




.. مظاهرات أمام مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية تطالب الحكومة بإتم


.. رصيف بحري لإيصال المساعدات لسكان قطاع غزة | #غرفة_الأخبار




.. استشهاد عائلة كاملة في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي الس