الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
عشر أمهات للبصق على وجه مبارك
شريف صالح
2012 / 1 / 18اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
عشر أمهات للبصق على وجه مبارك
• رؤية مبارك في القفص، كانت علامة خاصة بي: أن أراه ذليلاً في القفص في الشهر ذاته ـ أغسطس ـ الذي حملت فيه حقيبة، ليس فيها الكثير، وخرجت من بلدي.
• لا أدعي أنني حزين، لأنها كانت تجربة مهمة وثرية.. لكنني خرجت مضطراً بعد أن سُدت في وجهي الأبواب، وشعرت بعجزي التام عن التعامل مع نظامه. وأسلمت وجهي إلى مجهول لا أعرفه.
• كان المشهد قصاصاً لي، مثلما هو لملايين آخرين تغربوا أو غربوا، وليس فقط لأمهات الشهداء والمصابين.
• مشهد أعادني إلى الوراء خمسة عشر عاماً، عندما كنت أقضي خدمتي الوطنية بالقرب من السجن الحربي، وكنتُ أشاهد السيارات المصفحة، معبأة بشباب الجماعات الإسلامية. وعند البوابة الرئيسية التي تبعد عن مقر المحاكمة العسكرية بأكثر من اثنين كيلو متر.. كنا نقف في زينا العسكري، من أصحاب الرتب المتوسطة والصغيرة.. وإلى جوارنا آباء وأمهات الشباب المعتقلين. وفجأة اقتربت سيدة عجوز من إحدى السيارات ـ لستُ متأكداً هل رأت نجلها من نافذة السيارة أم لا! ـ وراحت تهتف وتسب مبارك شخصيا أمام الملأ، وتعايره بأنه ابن الحفاة الذي أذل كرام الناس. حسدت المرأة في سري على شجاعتها. وخمنت أنها قد تكون من المنوفية طالما تواجه مبارك بأصله وفصله!
• كثيراً ما كنتً أرى في بيوت الفلاحين، في مندرة الضيوف صورة لشاب. وفور أن أسأل عنه يقال إنه استشهد في إحدى الحروب الكثيرة مع إسرائيل. ترسخت في داخلي فكرة أن لكل بيت مصري ثأراً مع إسرائيل. وفي نهاية الثمانينيات وطوال عقد التسعينيات، ترسخت فكرة مشابهة مع أفواج الملايين المهاجرين إلى العراق والسعودية، والنعوش الطائرة، وسرقة الأعضاء البشرية، واعتقال شباب لا يعودون، والقتل المتعمد لآخرين ثم الزعم أنهم قاوموا الشرطة، والموت الغامض لسليمان خاطر الذي كتبت عنه أولى محاولاتي القصصية. حتى عندما تزوجت في مطلع الألفية الثانية واستأجرت شقة، رأيت أم صاحبة البيت السيدة الصعيدية وهي تبكي بحرقة ابنها الشاب الذي اعتقل منذ سنوات ولا تعرف شيئاً عنه، ومات أبوه دون أن يراه! إذن لكل بيت في مصر ثأر مع هذا النظام.
• في آخر زيارة إلى مصر، قبل الثورة بأشهر قليلة التقيت أستاذي عبد المنعم تليمة، وسألنا إذا كنا نتوقع وصول جمال مبارك إلى الرئاسة. قلت له: هذا المتوقع بنسبة كبيرة جداً. ثم فوجئت به ينفعل ويعترض، فحاولت أن أبين له أنني أقرأ الواقع كما أراه، لا كما أتمناه.. وكل المعطيات أن البلد تؤمم وتكمم لتسليم السلطة للنجل المكروه، ثم إن دكاكين المعارضة في مجملها، لا تقل سوءاً عن الحزب الحاكم وحاشيته.
• في تلك الفترة، كنت أفكر جدياً في فعل رمزي، مثل التنازل عن جواز السفر المصري، أو عدم العودة إطلاقاً إلى بلدي. لم أكن في يوم من الأيام من الحالمين، وكنت مقتنعاً بأن هذا النظام القواد الفاحش في ظلمه وفساده ونهبه، لابد أن يسقط من تلقاء ذاته. لكن متى؟ لا أدري!
• أسست قناعتي على ثلاثة أفكار، أن الأنظمة الطاغية متخشبة بطبيعتها وتنفصل شيئاً فشيئاً عن الواقع، إلى أن تكبر جرثومة سقوطها ذاتياً من داخلها. الفكرة الثانية للفيلسوف الفرنسي إدغار موران بأن التغيير لا يحدث بالضرورة بناء على فعل ثوري كبير، أو من الجهة المتوقعة.. فقد يراهن البعض على الإخوان مثلاً، ثم يأتي التغيير من احتراق عامل بسيط مثل البوعزيزي. كل الطرق ـ حتى غير المتوقعة ـ ونتيجة عوامل كثيرة معقدة، قد تؤدي إلى انهيار أعتى الأنظمة. ولهذا السبب أومن بالقصيدة، ورسم الكاريكاتير، والقصة، والأجساد التي تحترق مثل طائر الفنيق لتبعث شعباً من جديد. الفكرة الثالثة أيضا استلهمتها من موران، عندما أبدى تحفظه على نظرية الأسباب التي نغلف بها الفعل التاريخي ـ أياً كان ـ بأثر رجعي.. كأن نقول إن الثورة الفرنسية اندلعت بسبب كذا وكذا.. هنا نقرأ الثورة بأثر رجعي، مضافاً إليها مائتي عام من الوعي البشري. وهي فكرة صحيحة، وتعني بالنسبة لي أن مجموعة من العناصر العشوائية ـ وغير القابلة للعقلنة ـ قد تؤدي إلى انفجار أي وضع في لحظة ما، أو تغير جذري.
• كان النظام آيلاً للسقوط، لكنه فاجأنا في سرعة ودراماتيكية سقوطه، ليس بسبب جهاد الإخوان ، ولا فتاوى السلفيين، بل بسبب شباب مغمورين على الفيس بوك. أذكر أنني تعاطفاً مع صورة خالد سعيد في شبابه الغض، وصورته بعد التعذيب والتشويه والقتل، وانضممت فوراً إلى "كلنا خالد سعيد" بل وكتبت نصاً. وعندما ظهرت دعاوى النزول يوم عيد الشرطة، لم يكن أحد يزعم أنها ثورة، بل مجرد مظاهرة في إطار مظاهرات سابقة حاولت تقديم صورة متحضرة وسلمية احتجاجا على ما جرى للشاب السكندري. واستغربت أن بعض الأصدقاء على الفيس بوك، تندروا وسخروا من الدعوة. لا أدري لماذا هذه الوصايا على الشباب والتهوين من حلمهم! تابعت مثل غيري تسارع الأحداث عبر "الجزيرة" و"الفضاء" الافتراضي، وانتبهت لعدد لا بأس به من المخبرين في صفحتي، فكانت فرصة لحذفهم.
• وبعد عام.. هاهي عقارب الساعة تعود بنا إلى الموعد نفسه:25 يناير.. لم يحاكم أحد من قتلة الثوار محاكمة جدية، صفقات السلطة، وصفقات العفو عن المخلوع الذي أهان شعباً ووطناً، ثم يراد منا أن نحترم "شيبته" التي كان يخفيها بعناية بأرقى الصبغات! محاكمة هزلية، تبحث عن حيل قانونية، ومنطقة ما لا يمنطق، ولا تحاكم من أقسم بالأيمان المغلطة على حماية البلد والشعب وصون مقدراته، فأهدر كل ما يمكن إهداره وأشاع الفساد والسرقة والرشا والنهب والجوع والفقر والمحسوبية ورداءة التعليم والخوف والتعذيب والأمراض والبطالة والدعارة السياسية. ويتناسى أطراف المحاكمة آلاف الشهداء والمصابين، لم يهبط أحد من المريخ لقتلهم! ولم يضبط أجانب أو مندسين، فمن قتلهم؟ ومن له مصلحة في القتل، ومن بدأ حكمه بالقتل واستمر بالقتل!
• بغض النظر عن إعدامه أو تبريئه، يكفيني شخصياً رؤيته عاجزاً ذليلاً في القفص، ليقيني، أن لله عقابا يفوق كل ما يقدر عليه البشر. لكن تلك الرؤية قد لا تشفي غليل أمهات الشهداء والمصابين ومن فقدوا أعينهم.. وتجنباً لزعل من يعتبرون أنفسهم "ولاد مبارك" وتجنباً لزعل بعض الدول كما يقال. وحتى يستحق 25 يناير أن يكون عيداً للشهداء وأهاليهم، يمكن أن يأمر القاضي بنقل مبارك على نقالته وبالطائرة ذاتها إلى ميدان التحرير، واختيار عشر سيدات من أمهات الشهداء، بالبصق على وجه مبارك أمام كل شاشات العالم لتبريد قلوبهن.. إنه حل بسيط جداً، فهو لن يُعدم ولن يقتل كما قتل شبابهم.. فإعدام عجوز بلغ من الكبر عتياً، ليس عدلاً يوازي قتل شباب لم يفرحوا بحياتهم بعد.. وساعتها لن يزعل أحد، فكل ما سيجري مجرد فعل رمزي، بعدها يصدر عفو عنه. فقط عشر أمهات يبصقن حتى يجف الريق بصقة أم واحدة. أما بقية العصابة وعلى رأسها حبيب العادلي وكلابه الستة، فيمكن أيضا ترشيح عشر أمهات لكل كلب، يقمن بضربه بشباشب الحمام أمام كل الشاشات. بالتأكيد ضرب الشباشب أهون مئات المرات من وسائل التعذيب والسحل وخلع الأظافر والتعليق من القدمين والاغتصاب.. مجرد فعل رمزي آخر، ويستطيع المجلس العسكري بما له من قدرات تنظيمية، أن يجعل تلك الفقرة الاحتفالية أهم فقرات العيد الأول للثورة، وسط زغاريد بقية الأمهات وأسر الشهداء والمصابين. ويمكن استمرار هذا الفعل الرمزي بالكيفية ذاتها مع بقية الحاشية المربي الفاضل وأستاذ "القانون" أحمد فتحي سرور، وراعي عصر الديمقراطية صفوت الشريف، وبقية رجال الأعمال المعروفين بالعفاف والغنى، أباً عن جد.
هذا وحده قد يشفي الصدور، ويعوض ما عاناه شعب بأسره من ذل وإهانة وتعذيب، طالما أن عدالة الأرض مهما بلغت من نزاهة لن تعيد الأرواح إلى شبابنا، ولا النور إلى من فقدوا عيونهم.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الرسوم الجمركية الأمريكية بولاية ترامب.. إليكم ما نعرفه بشأن
.. عاجل | نتنياهو قبيل دخول اتفاق غزة حيز التنفيذ: المعركة لم ت
.. الحوثيون يعلنون استهداف مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أ
.. موازين - حوار الأديان.. جدل يتجدد
.. نشرة إيجاز - إصابة إسرائيلي بجروح خطيرة في عملية طعن وسط تل