الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السودان الشمالي.. هل يبقى دون جنوب جغرافي؟

ماجد القوني

2012 / 1 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


الإرادة هي الحجة المنطقية لتبرير تصرفاتنا تجاه الآخرين وإقناعهم بمدى صحة ما نعتقد فيه، وهي المحرك الأساسي لدفع الايمان لإنجاز التحولات داخل الذات البشرية. ولا يمكن أن يُنجز تحول ما دون إرادة وإيمان، إرادة غالبية الجنوبيون، لم تكن قبل (نيفاشا) تتجه نحو خيار الانفصال، وتأسيس جغرافية جديدة مستقلة، ربما لوجود التماسات بين الشماليين والجنوبيين على المستوى الاجتماعي، الثقافي، الاقتصادي والديني. إيمانهم بوحدة السودان دفعهم للقتال عشرات السنين ورفض كل الخيارات دون وحدة البلد، وذهب د.جون قرنق شهيداً من أجل هذه الوحدة رافضاً كل دعاوى الانفصاليين في داخل الحركة الشعبية.
خيار الانفصال نتج عن إرادة وإيمان من الجنوبيين، والمصادفة لم تلعب دوراً في هذا التحول، لكن إرادة أخرى ساهمت في ذلك. وبالرغم من ابتهاجات الانفصاليون شمالاً والمتحررون جنوباً، إلا أن الذهنية السودانية لم تتحرر بعد من السودان قبل التاسع من يناير 2011، ومازال الجنوب قائماً في الوعي والذات السودانية، إن لم يكن في الجغرافيا. ولم يرد في إعلام النظام الحاكم مفردة الجنوب، والجنوب الحبيب، خوفاً من إحتمالات خرق سيادة دولة مجاورة، مذيعو التلفزيون يلقون التحايا على ربوع الوطن شمالاً، شرقاً وغرباً ولا جنوباً يلوح في أفق التحايا، ولم يتحدث مسؤولاً عن الجنوب الجديد الذي كان يتوسط السودان ليجد نفسه فجأة مجاوراً لدولة أجنبية، ولا يعترف به أحد ولا يُنادى بصفته الجغرافية.
ربما لأن عبارة (جنوب السودان) لا تعني لدى جل الشعب السوداني، تلك البقعة الجغرافية من حدود الدولة في الاتجاه الجغرافي الجنوبي، بل ذلك الجزء العزيز من السودان الذي تربطه علاقة وجدانية وحياتية لمئآت السنين، وقبل تأسيس الدولة الحديثة في السودان، وهو الجزء الذي ظلّ مصدراً للإحتراب لعشرات السنين، لم تهدأ الحرب إلا بعد توقيع اتفاقية نيفاشا في العام 2005، والتي جاءت عبر جثث الآلاف من أبناء الوطن (شمالاً وجنوباً). أسباب إندلاع الحرب في الخمسينات من القرن الماضي، تعيد وجودها بقوة أكبر في الشريط الجنوبي للسودان (النيل الأزرق، النيل الأبيض، جنوب كردفان، جنوب دارفور) حيث يوجد كل ما يدعو لتقرير مصير مشابه لدولة جنوب السودان.الأوضاع في هذه المناطق يعيد للأذهان قصة التمرد الأولى تجاه المركز في الخرطوم، وإن كان تصاعد الأحداث في تلك الفترة تصاعد تدريجياً، إلا أنه الآن بدأ وتصاعد كثيفاً وسريعاً، ويبدو الوضع أكثر خطورة خاصة بعد التحالف لقوى الهامش سياسياً في (كاودا).
تتوافر الآن الظروف الموضوعية والذاتية ليتحتل الجنوب الجديد موقعه، ويرث تركة الجنوب القديم المثقلة بالجراحات والمعاناة والحروب والتهميش والبعد عن التنمية، وكل هذا يضع سيناريوهات جديدة لتكرار الأزمة بصورة أكبر، وتهديد بإنقسامات أكثر قوة. إذا لم تتجه الدولة بثقلها لحل أزمة الجنوب الجديد، سيعيد التاريخ نفسه، وهي ذاتها الحتمية التي ساقها الشاعر (حميد) على لسان ست الدار: (لو ما كنته الزين ود حامد.. كان حيكونك واحد تاني).. ولأنه فرّ الجنوب الآخر بجلده، كان لابد من جنوب آخر.
وللحقيقة أنه لم يعد من المهم الحديث عن شمال وشرق وغرب وجنوب، يجب الحديث عن هامش يبدأ دائرياً حول الخرطوم (العاصمة) ويمتد حتى أطراف الولايات، هذا الهامش كله في الهم جنوب، حيث يتردى الوضع الانساني، الاقتصادي، ويطال التهميش كل أوجه الحياة، ويعاني من التمييز العرقي، الديني، الثقافي أيضاً، وهي مبررات أدت لإنفصال الجنوب والبحث عن استقلاله. سيبقى الجنوبيون في الشمال وكذا الحال بالنسبة للشماليين
القراءات النفسية لما يحدث تشير إلى أن ذكرى الجنوب ستظل عالقة في الوجدان السوداني، شاءت الارادة السياسية أم أبت، وستظل وعيياً دولة جنوب السودان هي الجنوب وانسانها هو (الجنوبي)، وسيرفض سكان الجنوب الجديد أن يُطلق عليهم صفة الجنوبيين، ليس لتمييز بل لأن الجنوبيون موجودون الآن. وستبقى ذات الأحاسيس والمشاعر بين الشعبين حيث تفشل السياسات دائماً في هدم ترابطهم الاجتماعي، وإن حدث خلل ما سرعان ما تعود هذه العلاقات، وهذا ما يسوقه متفائلون في مستقبل علاقة الدولتين، ربما على المستوى الشعبي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ستولتنبرغ: لا نواجه تهديدات نووية من روسيا فقط، بل أيضا من ا


.. مباحثات عراقية إيرانية في بغداد بشأن الحرب في غزة




.. الرئيس الأمريكي يستبعد التوصل قريبا لاتفاق بشأن وقف إطلاق ال


.. تواصل اشتعال الحرائق في بيريا قرب صفد شمال إسرائيل




.. غانتس: كان يجب على نتنياهو التحلي بشجاعة أكبر وإبرام صفقة تب