الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار والاختيار

مصطفى مجدي الجمال

2012 / 1 / 20
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


هذه لحظة الاختيارات الحاسمة في مصر.

تقول خلاصة المشهد أننا على وشك صدام بين الإخوان المسلمين والمجلس العسكري، أو على وشك الإعلان الفعلي عن تحالف/ تعاون بينهما.

في الحالة الثانية (أي التحالف) سيكون الهجوم الرئيسي القادم على القوى التي تريد استمرار الثورة وإكسابها طابعًا ديمقراطيًا مكتملاً وبعدًا اجتماعيًا واضحًا.

وهنا لن تعاني القوى الثائرة كثيرًا في استجلاء الموقف، رغم الخطر الهائل الذي سيحيق بها، وسيتطلب منها ذلك دفع تكلفة باهظة في الأرواح والحريات. وهو ربما ما سيدفع بعض القوى الثورية إلى التراجع "لالتقاط الأنفاس" والبحث عن أساليب أخرى لاستعادة التعبئة الشعبية.

أما إذا وقع صدام "من نوع ما" بين العسكر والإخوان فإن الاختيار- للمفارقة- سيكون أصعب. وتتمثل الصعوبة هنا في الذهنية الثنائية السائدة عند كثير من الثوريين، وأعني بها تلك الذهنية التي تترجم هنا في "ضرورة" الاختيار بين العسكر أو الإخوان، وضعف التفكير في البحث عن طريق/ بديل آخر.

عمومًا يجب أن أسجل الاعتبارات التالية قبل المضي في مزيد من مناقشة هذا الأمر:
- إن الأساس الموضوعي/ الطبقي للتحالف أو التعاون المرحلي- على الأقل- بين العسكر والإخوان لا يحتاج إلى جهد كبير لاكتشافه، فقيادات القوتين تنتميان إلى شرائح من البرجوازية الكبيرة ذات المصالح القوية والمتشابكة مع المنظومة الرأسمالية العالمية.
- إن الأساس الذاتي متوفر لقيام ذلك التحالف/ التعاون، فالإخوان حريصون كل الحرص على ألا تفلت هذه اللحظة التاريخية الاستثنائية من أيديهم بعد أكثر من ثمانين عامًا من الصراعات العنيفة- الدموية أحيانًا- مع الدولة وقطاعات أخرى من البرجوازية. وهم على استعداد لتقديم "قدر معقول من التنازلات التكتيكية" حتى لا يتكرر سيناريو 1954 في مصر أو سيناريو التسعينيات في الجزائر. والعسكر بالمثل قد يضطرون إلى هكذا تحالف/ تعاون مع قوة سياسية "جماهيرية وذات أوراق اعتماد انتخابية" لضمان الخروج الآمن مع بقاء مؤسسة الرئاسة تحت هيمنة العسكر واستمرار الامتيازات السياسية والاقتصادية للمؤسسة العسكرية.
- إلى جانب الأساسين الموضوعي والذاتي هناك "المادة اللاصقة" من الخارج التي يمكن أن تعزز وتشجع هذا التحالف، ولو على المدى التكتيكي/ المرحلي. وأقصد بها دور الولايات المتحدة- والاتحاد الأوربي بدرجة أقل- التي قد لا ترى بدًا- للتخلص من "المأزق" الذي تسببت فيه لها الثورة المصرية- من الاستعانة بـ "الإسلام المعتدل" للإبقاء على جوهر النظام اليميني التابع لها في مصر، مع تمتين هذا البديل بمنح دور المشارك للعسكر، ولو بشكل غير مباشر.

ومن البديهي أن العلاقات بين طرفي التحالف/ التعاون المتصور ليست ولن تكون سلسة فهي مليئة بتناقضات وتباينات يمكن أن تتفجر في أي لحظة، ولو لأسباب من خارج مصر، كأن يتفجر صراع إقليمي ما.

كما أن هناك قوى سياسية أخرى (مثل السلفيين والليبراليين) ستحاول- منطقيًا- أن تلعب دور "رمانة الميزان" بين الطرفين، كما سيحاول كل من الإخوان والعسكر الاستعانة بهذه القوي "لتحسين شروطه" في التحالف/ التعاون.
هنا يجب الحديث عن القوى الثورية، وفي القلب منها اليسار المصري.

يرى فريق من اليسار أن خطر العسكر داهم، وأنه يجب ألا ننكر أن الإخوان المسلمين قد حققوا "نصرهم" عن طريق الانتخابات. ومن ثم يدعون إلى أن يسلم العسكر السلطة فورًا للبرلمان المنتخب. وربما يدور بخلدهم هنا التراث الحافل للقمع منذ تدخل الجيش في الحياة السياسية المصرية. وأخطر ما في هذه الرؤية هو عدم إدراك بعض مؤيديها لحقيقة دامغة فحواها أن الإخوان والسلفيين من القوى الأصيلة للثورة المضادة، والكاتب في غنى عن إثبات هذه الحقيقة في هذا الحيز الضيق.

إذن يعترف هذا الفريق بـ "الهزيمة" الانتخابية/ السياسية لليسار، ويرى أن وجود سلطة "مدنية أيًا كانت" هو أفضل البدائل. والنتيجة الطبيعية لهذا الاختيار هي تأييد اليسار لتسليم السلطة للإخوان والسلفيين مع بعض "المُحسِّنات" الليبرالية و"مُكسبات الطَعم" اليسارية!!

في رأيي الشخصي: ضرورة التفرقة بين الاعتراف بالهزيمة وبين الترويج لشرعية نتائجها. فالاعتراف بالهزيمة الانتخابية (سواء للمشاركين أم المقاطعين) أمر مهم للدرس ونقد الذات والإعداد لمراحل نضالية قادمة. غبر أن الترويج لشرعية البرلمان هو تبرع مجاني لا يوجد ما يضطرنا إليه. ناهيك عن أن الانتخابات قد جرت في ظل أجواء من الاحتقان الديني والإنفاق الهائل للمال السياسي والدور الذي لعبته وسائل الإعلام الموالية للإسلاميين والليبراليين.

غير أن أخطر ما كشفت عنه الانتخابات هو تدني الثقافة السياسية (حتى على مستوى الدراية مجرد الدراية بأبجديات ومفردات الحياة السياسية) في الريف والصعيد ووسط فقراء ومهمشي المدن. أضف إلى ذلك: تَوَزُّع قوى اليسار (بمعناه العريض) على ثلاث قوائم انتخابية (قطاع في قائمة الإخوان، وقطاع في قائمة الليبراليين، وقطاع في قائمة الثورة) بدلاً من تشكيل قائمة واحدة كانت ستفيد على الأقل في المعرفة الواقعية بالقدرة التعبوية والشعبية الجماهيرية لليسار المصري العريض.

كما ازداد الموقف سوءًا بمقاطعة قوى يسارية عدة للانتخابات، فكان هذا الموقف- بغض النظر عن صحته أو خطئه- بالخصم طبعًا من القدرة اليسارية في معركة الانتخابات. وقد غلب على موقف المقاطعين الطابع السلبي، فلم يشهد الشارع المصري حركة قوية تدعو الشعب للمقاطعة، أو تقديم بديل قوي لها "على الأرض"، اللهم سوى محاولة إعادة "الروح القتالية" لميدان التحرير.

يرى فريق يساري آخر أن الدكتاتورية ذات الأيديولوجية الدينية، والتي ستقفز على السلطة بآليات "ديمقراطية" وعدم ممانعة أمريكية، هي أخطر بكثير وأصعب اقتلاعًا من الدكتاتورية العسكرية، ومن ثم لا بد من تصعيد الحراك الثوري بكل ما هو متاح في أيدينا، مع إمكانية الاستناد إلى "البؤرة الثورية" في ميدان التحرير وغيره من الميادين الكبرى في المدن المصرية، بما يؤدي إلى خلق سلطة/ قوة موازية لهيلمان كل من العسكر والإسلاميين.

ومن ثم يطرح الاعتماد على خلق تنظيمات شعبية جديدة ومبتكرة، أساسها اللجان والبرلمانات والمحاكم الثورية. وفي ظني أنه اختيار صحيح في توجهه العام، شريطة ملاحظة النقاط التالية:-
- أن التعبئة الشعبية ليس مكانها الأساسي الميادين بالمعنى الجغرافي، وإنما مواقع العمل والسكن، فضلاً عن قنوات الاتصال الحديثة.
- أن مستوى التعبئة الشعبية، وتعدد العاملين عليها، ولأسباب كثيرة لا مجال لتكرارها، لم يعد بمثل القوة التي كان عليها في الأيام الأخيرة لمبارك والتالية لخلعه.
- أن مستوى الوعي السياسي الذي كشفت عنه الانتخابات سيؤثر أيضًا على محاولات بعث وتجديد التعبئة الشعبية.
- أن الشارع السياسي (وميدان التحرير نفسه) ليس حكرًا على اليسار أو الائتلافات الشبابية، وباستطاعة القوى اليمينية أيضًا أن تحشد وراءها قوى "جماهيرية" يعتد بها.
- ضرورة أن يتم تطوير "الفعل الثوري" بناء على حسابات موضوعية تقيس بالأساس المزاج الثوري للطبقات الشعبية والميول العامة في المجتمع ككل.

.. بغض النظر عن أي من الخيارين المذكورين، ستبقى هناك حقيقة واضحة في المدى القريب على الأقل، وهي حقيقة استمرار الثورة المضادة في السلطة، سواء كانت سلطة البرلمان (الإخوان أساسًا) أم سلطة العسكر أم سلطة الاثنين معًا.

إزاء هذا التقدير.. لا أرى أهمية لانشغال اليسار بالمفاضلة بين تلك الاحتمالات في الأمد المنظور، لأنه في كل الأحوال سيقوم بالتخديم على الثورة المضادة.

من هنا لا بد من التأكيد على شق طريق آخر مستقل، يركز على محاور للعمل الثوري دون شغل النفس بصراعات السلطة بين قوى الثورة المضادة. وهذا لا يعني بالطبع الانعزال التام عن هذه الصراعات أو التحالفات، فمن واجبه أن يتعامل معها على المستوى الجزئي لنيل مكسب هنا أو تقليل خسارة هناك.

وأظن أن أهم محورين يجب أن يركز عليهما اليسار المصري العريض في الشهور القادمة هما:
أولاً: معركة "العدالة الاجتماعية" أو بالأحرى معركة الحصول على مكاسب اجتماعية مباشرة للطبقات الشعبية، بما يقلل من حدة الاستغلال الرأسمالي.
ثانيًا: معركة الدستور (لجنةً وصياغةً)، الذي يجب أن يكون ثمرة للتوافق المجتمعي وليس تعبيرًا عن "أغلبية".

غير أن النجاح في هاتين المعركتين يتطلب تعديلاً كبيرًا ومتصاعدًا في موازين القوى السياسية، الأمر الذي أظنه ممكنًا حال نجح اليسار المصري العريض والحركات الشبابية الجديدة في توحيد قواه، وارتبط أكثر بتصعيد الشعارات والنضالات الاجتماعية، وأجاد صياغة تحالفات "تكتيكية" في قضايا أخرى مثل الديمقراطية والاستقلال الوطني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت