الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيزوفرينيا الهطل الثوري في عقل الشخصية المصرية

محمد طلعت

2012 / 1 / 22
مواضيع وابحاث سياسية



أبرز مظاهر هذه الشيزوفرينيا الهطل الثوري ما انتاب بعض أعضاء البرلمان من حزب العدالة والنور إلى باقي الإخوة الأعضاء من أصحاب الذقون حين دخلوا قاعة مجلس الشعب الكبرى وشاهدوا كرسي رئيس مجلس العشب والمنصة الفخمة، فما كان منهم إلا أخذ صورة تذكرية لهم مع بريق كرسي الرئيس وابتسامتهم العريضة التي تنبئ عن اعتقادهم بأن هذا فتح مبين من الله خصهم بهم وحدهم دون شعب مصر.. وتتوالى من قبل حالات الهطل الثوري لدى نفس أعضاء التيار الإسلامي في تصريح أحدهم بأنه رأي الرسول الكريم يمسح على قبة البرلمان، وأخر يقول رشحت نفسي لمصر لأن الرسول زارني في المنام ووصاني خيرا بشعب مصر.!
فماذا يصنعون هؤلاء بالبرلمان؟
ومن قبل انسحب البرادعى من سباق الرئاسة وصنعوه رفاقه بأنه بطل قومي وأخيرا وجدت الثورة زعيما لها.. ومن قليل أعلن أيمن نور انسحابه هو الأخر من الرئاسة تحسبا لما سوف يجد بعد غد فى احتفالات الثورة..!
وباقي المرشحون لا حس لهم ولا خبر لا تجد لهم صوت مميز ولا مقولة حق تقال بوضوح في النهوض بالعقل المصري الذي يعانى من ترسبات خطيرة وجب تنقيته منها حتى يستفيق ويفهم حقائق الأمور ويفهم معنى ثورة كفعل محرك يحركها العقول وليس الشهوات والأطماع.
إن العرب وخاصة المصريين لا يقرؤون واقعهم خارج حدودهم الحماسية واسعة الشطط لحد التطرف والعنصرية لأحادية الفكرة الواحدة التي تدور برأسهم. فهم يرون إنها ثورة عظيمة وبعضهم يرى إنها فوضى، بعضهم يرون إنهم ثوار وآخرون يرونهم إنهم مجرد بلطجية وقلة مندسة. والكل لا يرى إلا فكرته هو ورأيه هو الصائب ورأى غيره هو الخطأ ويبدأ العداء والنفور والاعتداء.!
أما الغرب أصحاب مقولة –الربيع العربي - يرى إنها ربيع عربي ثائر جاء يطلب بالتغير وعلى النقيض من حالة الربيع نرى عبر المشاهدات والمتابعات قتل هنا وتخريب هناك وثرثرة عشوائية في الأفكار السياسية ذات الأطماع الخاصة بينما الأصوات الحقيقة بلا مصالح لا يسمع عنها ولا لها مجال للانتشار والاستماع لها. وتبدل الربيع البراق إلى خريف قاسى في أهوائه بالواقع العربي الذي أفاض في مسميات ثوراته ووصفها بأسماء الزهور، فوجدنا ثورة الياسمين بتونس وثورة اللوتس بمصر أما لبيبا فخرجت من سباق الزهور هذا وبقى الشوك يدمى في ثورات اليمن وسوريا ، وتم سحق زهور الخليج في مملكة البحرين قبل أن تنبت، وتم تقليم وتهذيب الزهور في مملكتي الأردن والمغرب.!
لكن أقسى الأوصاف التي قرأتها في الصحف الأجنبية على ثورة المصريين بأنها (ثورة الكشري) في الصحافة الكورية.. بالقطع هذا التوصيف من قبل الصحافة الكورية غير مدرك لمعنى الكشري التي قد يدل من خلال المفهوم السيئ للمعنى الذي يوصف به بأنه كشري وهو خلط أي شيء بأي شيء لينتج لنا توليفة أي توليفة وأي حشو بطن لسد الجوع بمعنى شيء غير خلاق.. بلاشك أن الصحفي الكوري صاحب التوصيف هذا لم يدرك هذا المعنى السيئ إنما اخطأ حين وصف مصر بأشهر طعام فيها.!
وحين التأمل في ثورة الكشري هذه قد نذهب إلى واقع الحال بأن ثوراتنا ثورة كشري فعلا أي أن ما صار فعلا هو خلط كل الأشياء على بعضها بما تنبت الأرض المصرية من عشوائية فكرية أغلبها لا يدرك معنى الثورة الحقيقية إلا بمفهوم الطبل والزمر وعاش الزعيم.. ربما حالة الخلط هذه بعد مرور عام أن الثورة لم تفرز للمصريين زعيم يأمر فيطاع.. يتحدث فيصفق له.. يشير برأسه فتعلو صيحات الإعجاب. أزمة العقل المصري إنه يحتاج إلى زعيم شخص ما تتوفر فيه سمات معينة حتى يلتفون حوله حتى لو تم خداعهم بعد ذلك فأنهم لا يصدقون إن زعيمهم المحبوب خائن وابن كلب.!
ولعل هذا يفسر نفسية بعض المصريين المريضة والتفافهم حول مبارك حتى الآن في جماعة(أسفين ياريس) وهذا نوع من الكشري أيضا توليفة غريبة وخلطة طعام مصرية مبتكرة قد تلجأ إليها ربة المنزل لسد الفقر والهاء صغارها بأي طعام حتى ينامون. لكن الكارثة ماذا بعد أن يفيق الصغار ويكتشفون عبر التاريخ القادم أن مبارك هذا مدان وإنه أفسد الحياة السياسية بمصر وهذا واقع لا يحتاج إلى شواهد.
على النقيض الأخر من ضمن جدول الأمراض المصرية وغياب العقل حالة الحماسة المفرطة لكل ما هو ثوري. وكأن الأمر تحول إلى مولد سيدي أحمد البدوي- وهو مولد شهير بمدينة طنطا المصرية يقام كل سنة احتفالا بمولد هذا الشيخ الصوفي- وتأتى إليه الراقصات والحواه، والدراويش والمجاذيب وكل من له حاجة أو ندر يأتون من جميع مدن مصر يجتمعون في ساحة الميدان أمام المسجد وتنصب خيام الأحباب والمريدين والشيوخ وأصحاب الطرق الصوفية وبالجوار تقام المراجيح والصغار يخرمون فتحات في الخيام يتلصصون على الغوازي وهن يغيرن ملابسهن.. استمتاع كامل بالحياة داخل مولد الميدان الفسيح أمام المسجد، وبالقطع وجب الصلاة راكعتين بالمسجد والتبرك بالدعاء والتقبيل والطواف حول مقام الشيخ.!
وعلى النقيض يأتي الرأي الرسمي وغير الرسمي بين السماح والتفهم لطبيعية المصريين النفسية لهذه الموالد وبين والمعارضين لهذه الموالد الذين يرون فيها الكفر العلني. والغريب في الأمر إعلان المجلس العسكري بأنهم سوف يوزع هدايا على المصريين بالطائرات العسكرية التى تطوف بسماء ميدان التحرير مشاركة للمصريين في احتفال بمولدهم الجديد.
وبقى أمر الميدان في هذه الاحتفالات بين الإفتاء الديني بين الحلال والحرام بين الشواذ والبطلجية والثوار والشرفاء. شيزوفرينيا عقلية تمتعت بها الثورة المصرية بلا منافس.
نفسية صعبة ومركبة، قد فهمها دوما الحاكم المصري ولعب عليها بمر عصور حكمه:" ابسط المصريين وهرج والعب مهم سوف يرفعونك على الأعناق وليس بعيدا يصنعون لك مقاما ويقيمون لك احتفالا سنويا بعد مماتك إذ داعبت أحلامهم الدينية" هكذا تربى وترسخ هذا المفهوم في عقلية المصريين سواء حاكم أو محكوم. والآن على الساحة الاثنين من ضحك وقدم التحية للمصريين- من قبل العسكري- وهناك من قدم الوعد بالجنة ونصرة الإسلام للمصريين –من قبل التيار الإسلامي-، والآن هما الفائزان.
أما ما يزعجنى حقا انفصام العقلية المصرية التي يتمتع بها الجميع تقريبا ، فالشعب الذي قام بالتصويت في الانتخابات وقدموا مصر للاخوان أليس هو نفسه الشعب الذي قام بالثورة ؟ والذين يحتفلون بالثورة أليسوا هم الذين يناهضونها فى ثورة مضادة بالعباسية؟ أليس كل الشعب بكافة أطيافه بإعلامه وبفلوله يتحدث باسم الثورة ويمجدها، ويلعن الثوار ويشوه سمعتهم في انفصام واضح للشخصية، بنفس الوقت؟
فكيف ستكون مصر الغد في ظل هذا الانفصام العقلي؟ والعقل المصري في الشباب النبيل الثائر بحق مشتت ضائع الذهن بين كثرة الأقاويل والقال والقيل حول ثورة مصر بكثرة الأحزاب التي تم تهجينها وتحبيلها سفاحا فخرجت بائتلافات أعجب في كثرتها التى تشقق أي اتفاق وتخوين أي تحالفات، كل هذا أدى إلى انفصام عقلي في الشخصية الثورية المصرية الوليدة منذ عام.!
والشعب منقسم الآن يعاني من إحساس نشوان مرضى كمن يستمنى بيده فلا عاشر امرأة حقيقية ولا شعر بإحساس حقيقي بحلاوة المعاشرة، إنما كذب على نفسه بأنه الفاعل الحقيقي والفعل الذي وجب حذفه هو من يكذبه ويعترض عليه ويكشفه.أما المفعول فيه فهو جثة هامدة محض خيال افتراضى.!
ربما يكون التشبيه السابق صادم بعض الشيء إنما هي نفسية المدمن الذي اعتاد العادة السرية من الجنسين، وهكذا نحن نمارس حب مصر كما ممارسة العادة السرية، فينا من يمارسها بتبجح ويتباهى بمرضه ويصفون أنفسهم بحماسة مفرطة بأنهم الثوار الحقيقيون وفينا من يمارسها بالخفاء كما يصفون أنفسهم بأنهم حزب الكنبة والكتلة الصامتة. والفريقان يمارسونها من خلف الشاشة من خلف الفيس بوك من خلف المدونات من خلف الانترنت..!
والميدان الحقيقي خالي الآن من أي عقلية ناضجة تصحح المسار، لماذا؟ ربما أصبح المرض متغلغل فينا دون أن ندرى، ليس لأننا شعوب لم تعرف ولم تجرب فعل الحرية وضح النهار من قبل لكن هى حالة مرضية عقلية دودة عفنة غرست فى ضمائرنا جميعا بأن كل شيء وليد الصدفة كل شيء كما الكشري خلطة ما وسد جوع وحشو بطن وانتهى الأمر. هل نظرنا إلى ماذا نأكل ماذا يقدم لنا وهل تسألنا هل هذا سيكون سهل الهضم أم سيكون عسير الهضم.؟
لا أحد يطرح على نفسه هذه الأسئلة لأن الداء عضال ومغيب وراء تلافيف المخ التي تنتشر فيها خلايا الأورام الخبيثة...
تتحدث أسماء كبيرة في عالم الميدان الثوري هبطوا في السنوات القليلة الأخيرة على الواقع المصري ونحن هنا في غنى عن ذكر أسماء محددة مع أنها معروفة لدى الجميع حتى لا نقع في فخ الشيزوفريننا التي نتحدث عنها.!
لكن نقدنا هنا حول هذه الأسماء التي تزعمت الحالة الحماسية دون طرح بديل حقيقي أو الاتفاق على ترشيح اسم محدد يتفق عليه جميع أطياف الشعب، والاتفاق هذا أمر سهل وليس صعبا كما يقولون فألف باء سياسة تخبرنا إنه من السهولة السيطرة على الجموع وجعلهم يتفقون حول اسم واحد.. وهذا واقع سياسي ولعبة سياسية بغض النظر عن شرفها أو حقارتها فالشرف والحقارة ترجع إلى نفسية من يقوم بتحريك الجماهير نحو الصالح العام أو الصالح الشخصي، ولعل تجربة عبدالناصر وخطابه الشهير بالتنحي وخروج الجماهير رافضة متمسكة به لأخر لحظة خير دليل ولعل الفوز الساحق للتيار الإسلامي في مصر خير دليل أخر على شرف أو حقارة هذه اللعبة في جذب انتباه الجماهير وجعلها تتفق على اسم واحد ومطلب واحد.
إن الأسماء الكبيرة هذه تعلب حماسة ثورية بينما العسكر يلعبون سياسة بتكتيك حربي والإخوان يلعبون سياسة كما أنزلت وكأني أرى بينهم معاوية بن أبي سفيان وعمر بن العاص.!
مصر الآن لا تحتاج حماسة أكثر ما تحتاج سياسة راشدة فاهمة واعية لظروف المرحلة الراهنة حتى لا تسقط ما تبقى من الدولة المصرية.
لكن واقع الحال أن هذه الأسماء الكبيرة لم تنزل إلى الشارع الحقيقي لم تأخذ ثقلها منه من القرى من النجع من الريف من الصعيد،كما نزل فيه العسكري والتيار الإسلامي، بل مكثت طول الوقت أمام البرامج التليفزيونية والفضائيات ويؤلفون الكتب ويتحدثون عن الثورة المصرية خارج مصر، ويمضون عقودهم الجديدة نحو تأليفات أخرى عن الثورة وتم تكريمهم عن مجهودهم الثوري في بلاد أخرى غير مصرية ومصر لا تعلم عنهم شيء سوى مناظرهم الغاضبة الزاعقة أمام الجزيرة والقنوات الخاصة وبعض دقائق بميدان التحرير يحمسون الشباب الثائر ويرحلون إلى التنظير وفلسفة الثورة وحتمية رحيل العسكري. وهذا عيب ثوري قاتل وقعت فيه هذه الأسماء التي تنادى برحيل العسكري ومخاصمة البرلمان.!
إذن ما هو البديل؟ يتحدثون عن أحلام عريضة وواقع دول أخرى وتجارب دول أخرى. محال أن تطبق مع طبيعية شعب ذو تركيبة نفسية معقدة كما طبيعة الشعب المصري.
فهل الشعب المصري مغيب؟ سأكون ناقد مجنون إن قلت نعم، لكنه يبلع الأفيون بمزاج خاص ويصلى الفجر بمزاج خاص بنفس الوقت.!
هذه التركيبة التي لعنت مبارك في رحيله هي نفس التركيبة التي سوف تبكيه إن مات وهو عاجز لا حول له ولا قوه داخل قفص الاتهام.
المصريون عاطفيون ويحتاجون إلى عاقل مخلص يلعب على وتر العاطفة فيهم حتى يخرج أروع ما في عقولهم الحالمة في بناء أهرام جديدة.
وحتى الآن لم يخرج لمصر هذا العاقل. وهذه ليست دعوة إلى انتظار الفارس الذي ينقذ الجميلة المسحورة من الموت. إنما هي دعوة لإعمال العقل الجمعي في المصريين.. نعم الثورة المصرية تسرق وتم طبخها وتقديمها في طبق كشري وأضاف عليه الشعب حسب مذاقه بعض الشطة والصلصلة والخل والتقلية بل طلب "كمالة " طبق إضافي ثم نفخ بطنه وطلب طبق أرز باللبن لتحليه ثم تحسس على انتفاخ بطنه وأمر (العسكري-الإخوان- الجرسون ) زجاجة كولا حتى يهضم.!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شيزوفرينيا الهطل الثوري في عقل الشخصية المصري
فيفا ( 2012 / 1 / 22 - 22:03 )
مصر لها حضارة.. ومصر لها تاريخ.. ومصر لها موقف.. ولا احد ينكر موقعها ودورها
الاستراتيجي في المنطقة العربية.. ولا نستطيع انكار ان مصر مستهدفة من الداخل والخارج من اجل سحب الريادة من تحت قدميها.. والهائها في مشاكلها الداخلية.. فقط كنا نتمنى ان يعي الشعب المصري هذه القذارة السياسية والمؤامرة الخارجية التي تستهدف استقرار مصر وتريد ابقاءها بعيدة عن مسرح الاحداث.. كنا نتمنى ان لا ينساق الشعب خلف الغباء الداخلي المتمثل في الفتن والتفرقة المتعمدة والبلبلة الرخيصة التي تهد في الوقت الذي نحتاج فيه الى البناء.. كنا نتمنى ان يكمل الشعب ثورته بنفس حماس واتحاد وفكر ثورة 25 يناير.. لكن التمني شيء وواقع الحال شيء اخر مع انني لا استبعد ابدا ان يتدارك الشعب الموقف وان يمسك بزمام الامور بـ فضل عقلاء هذا الشعب..
تدهشني دائما كتاباتك / تحليلك
وجرأتك / عمقك في الطرح استاذ طلعت
طاب حرفك


2 - لعبة مصالح
amr moustafa ( 2012 / 1 / 29 - 15:14 )
المسألة كلها مش شيزوفرينيا و لا حاجة ، انما هى لعبة مصالح و اهداف ، اولا حضرتك اخطأت حين وضعت الشعب المصرى ككتلة واحدة ، مع ان الشعب المصرى هو مجموعة من الطبقات تتصارع حول مصالحها الشخصية و الطبقية ، و بالتالى بالتأكيد سيكون هناك من يلعن مبارك و هناك من يمجد ايامه ، ده طبيعى ، زى ما هو طبيعى ان يعارض احد منا الاخوان و العسكر و البعض الاخر يدعمهم و يقف معهم بل و يهاجم من يهامجهم ، معنى ذلك كله انها ليست انفصام بل هى مصالح فى الاول و الاخر

اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟