الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسئلة الحداثة في ظل ربيع الثورات العربية

عبدالله تركماني

2012 / 1 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


شغلت أسئلة الحداثة حيّزاً مهماً في الخطاب العربي المعاصر، وتتجدد هذه الأسئلة الآن مع ربيع الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية، حيث تختلف وجهات النظر، وتتعارض المفاهيم والمصطلحات، وتتنوع المقدمات والنتائج، خاصة مع تعاظم دور قوى الإسلام السياسي في هذه الثورات. ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق هو الارتكاس بالوعي العربي إلى مقولات قرون سابقة، تدور حول الغرب وحضارته وثقافته وفكره وموقعنا من هذه الحضارة والثقافة والفكر، حيث يستعاد الموقف القائل بـ " عدوانية الغرب " و " بربرية حضارته "، إلى جانب مقولة التفوق الروحي والإنساني الذي اختصت به حضارتنا وفاقت فيه مادية الغرب ووحشيته. هكذا يتم التخلّي عن مقولات النهضة العربية الحديثة لا بالتقدم إلى ما بعدها بل بالارتكاس إلى ما قبلها، ما يشكل في حد ذاته تعبيراً مأسوياً عن إحباط التنوير والحداثة في عالمنا العربي المعاصر.
وأمام هذا الارتكاس إلى عصور التأخر نتساءل: إذا كان المشروع التحديثي العربي قد تعثر ولم يتمكن من بلوغ أهدافه، فهل لا تزال الحاجة قائمة إليه، في عصر ربيع الثورات العربية، حيث تجاوز العالم حقبة الحداثة ذاتها، ودخل إلى أفق جديد مختلف السمات والقسمات ؟ وهل يتسنى للعرب ولوج العصر الجديد، عصر العولمة وما بعد الحداثة، دون المرور بمرحلة الحداثة التي فشلوا في الوصول إليها ؟
لقد تعثرت محاولات التحديث المتكررة في العالم العربي منذ القرن التاسع عشر، ويعود ذلك التعثر إلى جملة عوامل بنيوية تاريخية واقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية، ولكنّ العامل الأهم تمثل – على الخصوص – في اعتقاد من تنطحوا لقيادة عملية التحديث أنها مجرد توطين المنتجات والمنجزات المادية للحداثة في البيئة العربية، دون الاهتمام الكافي بإعادة بناء المجتمعات العربية بالاستفادة من معطيات الحداثة ومكوناتها العقلانية، التي تضمن توطين قيم الحداثة في التربة العربية.
وإزاء ذلك يبدو أنه من الضروري أن يعمل المرء على إعادة صياغة وترتيب أفكاره، بما يمكّنه من فهم وتشخيص الواقع العربي وحاجات تقدمه، ومن ثم الانخراط بتغييره في اتجاه التكيّف الإيجابي مع معطيات وتحولات العالم المعاصر، وبما ينسجم مع طموحات الشباب العربي الثائر.
إنّ القضايا التي ينبغي أن تكون محور تفكيرنا اليوم كثيرة جداً، وتكاد تحتل جميعها مرتبة الأولوية: هل تتوافر شروط حقيقية لصياغة مشاريع ديموقراطية للتغيير، تحول دون احتمال قيام مشاريع شعبوية ظلامية تغرق بلداننا في المزيد من التأخر والمزيد من الأزمات ؟
يبدو لنا أنّ المنهج العقلاني النقدي، المستوعِب لحصاد التجربة العالمية، والمنفتح على كل التيارات الفكرية والسياسية العربية، بما فيها الإسلام السياسي المعتدل الذي يقبل التعددية الفكرية والسياسية ويحتكم إلى صناديق الانتخاب وينبذ الإرهاب والتطرف، يمكنه أن يتجاوز الصعوبات التي يمكن أن تعترض إمكانية التعاطي المجدي مع الأسئلة المصيرية التي تطرحها الحياة علينا.
لقد باتت مؤشرات المأزق العربي جلية وواضحة اليوم، فوفقا لتقارير برنامج الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، فإنّ العالم العربي مشلول بسبب عجز ثلاثي: عجز عن تحقيق الحرية، وعجز في المعرفة، وعجز في تمكين المرأة. والمشهد السياسي في أغلبية الدول العربية ليس أفضل مما سبق: أنظمة انتخابية ملتبسة وغير عادلة، سيطرة الأجهزة الأمنية وتدخلها في الشؤون الحياتية اليومية وفي الحياة المدنية، جهل بأحكام القانون، قضاء غير مستقل تتحكم فيه السلطة التنفيذية لأغراض فئوية، غياب حرية التعبير والتجمع السلمي، انعدام الشفافية في الإدارة والاقتصاد.
وهكذا، يبدو واضحاً أنّ العالم العربي يعيش حالة من التأخر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي، وتختلف الآراء حول أسباب هذا التأخر: فهل العرب مسؤولون عنه أم أنّ أعداءهم في إسرائيل والغرب يتحملون مسؤوليته ؟
ويبقى السؤال: لماذا حصلت كل تلك الهوة السحيقة التي تفصل العالم العربي عن معطيات العالم المعاصر والتي لا نستطيع ردمها أو تقليصها في المدى المنظور ؟ هذا هو السؤال الجوهري الذي ينبغي أن يُطرح الآن.
وفي هذا السياق، نطرح الأسئلة الآتية أيضاً: هل تطور أي مجتمع من المجتمعات يمكن أن يحصل من دون تأثيرات خارجية ؟ وبين عجز العديد من الحكومات العربية والحلول الغربية الفوقية هل من طريق ثالثة ؟ هل من طريق عربية للحداثة ؟
في كل الأحوال، يجب أن نعترف بأنّ دول المنطقة العربية بحاجة ماسة إلى التطور في اتجاه حداثي حقيقي. لكن لابد من التأكيد، في الوقت نفسه، على أنّ الحداثة لا يمكن أن تكون مجرد وصفة مستوردة من الخارج طبقاً للمواصفات الغربية، وإنما هي – أساسا - فعل محلي داخلي وطني، متناغم مع المعايير الإنسانية العامة للحداثة.
باختصار يدور الأمر حول وحدة معركة الحرية: استقلال الوطن وحرية المواطن والإنسان، التحرر من السيطرة الخارجية لا كبديل عن الحرية السياسية والثقافية وحقوق الإنسان، بل كأفضل شرط لتحقيقها.
فلنجرؤ على توكيد وجود أخلاقية كونية، هي تلك التي ألهمت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948. فعلى العكس من مزاعم أعداء الحرية والأصوليين من كل حدب وصوب، ليست هذه الأخلاقية أنموذجاً غربياً، بل إنها ميزة إنسانية. وهي ميزة كل الشعوب، وكل الأمم، وكل الديانات. لذا يجب علينا، أكثر من أي وقت مضى، أن نعمل على حمايتها وإحيائها وأن نكون على مستوى قيمتها الكونية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيناريوهات خروج بايدن من السباق الانتخابي لعام 2024


.. ولادة مبكرة تؤدي إلى عواقب مدمرة.. كيف انتهت رحلة هذه الأم ب




.. الضفة الغربية.. إسرائيل تصادر مزيدا من الأراضي | #رادار


.. دولة الإمارات تستمر في إيصال المساعدات لقطاع غزة بالرغم من ا




.. بعد -قسوة- بايدن على نتنياهو حول الصفقة المنتظرة.. هل انتهت