الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تدويل الأزمة السورية من بوابة المبادرة العربية

عليان عليان

2012 / 1 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


ما يلفت الانتباه في الخطة العربية التي أقرها وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الأخير في الجامعة العربية، في الثاني والعشرين من الشهر الجاري مسألتان رئيسيتان هما:
(اولاً) أن المبادرة العربية في صيغتها الجديدة التي تنص على تفويض الرئيس السوري سلطاته لنائبه بصلاحيات كاملة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية من السلطة والمعارضة، مهمتها تنفيذ بنود المبادرة والإعداد لانتخابات رئاسية وبرلمانية تعددية حرة، بموجب قانون ينص على إجرائها وبإشراف عربي ودولي..ألخ هي تكاد تكون نسخة طبق الأصل عن المبادرة الخليجية، لحل الأزمة اليمنية مع اختلاف في توقيت تنفيذ البنود واختلاف في الأهداف.
ففي حين أن المبادرة الخليجية المدعومة أميركيا استهدفت حل الأزمة على قاعدة احتواء الثورة، عبر تحقيق بعض أهدافها دون التضحية بمرتكزات النظام الحاكم، وحزب المؤتمر برئاسة علي عبدالله صالح لأن تحقيق كامل أهداف الثورة يشكل بحكم الجوار خطراً على دول مجلس التعاون الخليجي، وتبعيته للغرب وعلى مصالح الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة في المنطقة.
بينما الهدف من المبادرة العربية الحالية بشأن سوريا من وجهة نظر وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي - الذين يشكلون صقور الجامعة الحاليين في هذه المرحلة- هو إنهاء النظام السوري وذلك لأسباب خفية لا تمت بصلة للتغيير الديمقراطي ولحقوق الإنسان ولحقن الدماء في سوريا، بل لأسباب سياسية تتعلق بالموقف من التسوية والمقاومة وبتحالفات النظام السوري، إذ أن الإدارة الأميركية سبق أن طرحت بالعلن، ولا زالت تطرح بالخفاء مباشرة أو عبر أدواتها في المنطقة، مساومة مؤداها أن يغير النظام السوري من مواقفه وتحالفاته، مقابل أن تلغي بالكامل العقوبات المفروضة عليه لأن النقطة المركزية في سياستها الخارجية، ليس تعميم الديمقراطية والانتصار للثورات، بل ضمان أمن (إسرائيل)، وتسيدها كقوة إقليمية رئيسية في سياق مشروع الشرق الأوسط الأميركي الجديد.
وهذا الهدف الخاص بإنهاء النظام السوري من المنظور الخليجي عبر عنه بوضوح كامل،حمد بن جاسم وزير خارجية قطر- رئيس مجلس وزراء خارجية الدول العربية- حيث خاض "الصقور" الخليجيون معركة سياسية، مع وزراء خارجية كل من مصر والجزائر والسودان لإخضاعهم لمبدأ تدويل الأزمة السورية على أمل أن تواجه سوريا، ذات السيناريو الليبي وما ترتب عليه من أخطار إستراتيجية.
وبالتالي فإن الأسئلة التي طرحها ويطرحها العديد من المراقبون المحايدون حيال بعض المقاربات، باتت أسئلة مشروعة ومنطقية أسئلة مثل: أين كان حرص هؤلاء الصقور، من العراق وهم من وفر التغطية السياسية الكاملة والدعم اللوجستي لاحتلاله من قبل قوات الاحتلال الأميركي وحلفائه، وما ترتب على ذلك من قتل وتشريد ملاييين العراقيين؟؟ وأين كان هؤلاء من الانتصار للدم اللبناني والفلسطيني في مواجهة العدوانيين الإسرائيليين على لبنان عام 2006 لاجتثات المقاومة اللبنانية وعلى قطاع غزة عام 2008 لاجتثاث المقاومة الفلسطينية ؟؟ وأين كان هؤلاء ولا يزالون من مبادرة السلام العربية التي يصرون على إعطاء المهل الزمنية (لإسرائيل) بسنوات وليس بأيام للقبول بها، ويرفضون سحبها رغم رفض العدو الصهيوني القبول بها وإلقائه إياها في مكب النفايات.. وأين وأين؟؟
وثانياً: أما المسألة الأخرى التي تلفت الانتباه هي أنه رغم فشل حمد بن جاسم وبقية وزراء مجلس التعاون الخليجي، في تمرير التدويل للأزمة السورية، إلا أنه تمكن من وضع الأزمة على عتبة التدويل من خلال تضمين المبادرة العربية بنداً ينص على تسليمها لمجلس الأمن من اجل الحصول على دعم لها،بعد أن تجاهل توصية رئيس بعثة المراقبين العرب الفريق أول محمد الدابي بشأن ضرورة بدء الحوار الوطني بين النظام والمعارضة، ليترافق مع عمل لجنة المراقبين العرب التي أثمرت حسب تقريرها الشهري الأول عن انخفاض وتيرة العنف وعن سحب المظاهر المسلحة، من المدن والبلدات السورية.
وأكاد أتوقع بل أجزم أن الاجتماع المقبل لمجلس وزراء الخارجية- الذي سينظر في تقرير لجنة المراقبين العرب التي جرى التمديد لها لشهر آخر- ستكون مهمته الرئيسية هو تدويل المبادرة العربية من خلال الطلب بتحويلها إلى مشروع قرار في مجلس الأمن أو الطلب بتبني قرار يستند إلى معظم بنودها ، وما صرح به بيتر ويتيغ السفير الألماني في الأمم المتحدة " بأن ألمانيا وعدد من الدول الأوروبية ستطلب من مجلس الأمن إقرار الخطة العربية" يشي بصحة هذا التوقع.
وجاء هذا التكتيك القطري- الخليجي بعد بالون الاختبار الذي طرحه أمير قطر حمد بن خليفة في واشنطن، إثر لقائه مع الإدارة الأميركية وبالتنسيق معها ومع الأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون ممثلاً بإرسال قوات عربية إلى سوريا، للفصل بين الجيش السوري والمعارضة السورية المسلحة وغير المسلحة، ذلك البالون الذي جرى تنفيسه جراء عدم قدرة حمد بن جاسم على تسويقه عربياً وجراء رفض النظام السوري له جملة وتفصيلاً، تحت مبرر أنه يفتح الباب للتدويل والتأزيم والتدخل الخارجي.
وإذا ما نجح الصقور الخليجيون من تدويل المبادرة العربية فإنهم يكونوا قد نجحوا في تحقيق ما يلي:
أولاً: تشكيل حالة اعتراضية على المشروع الروسي قيد المناقشة في مجلس الأمن منذ أكثر من شهر، بغية إخراجه من التداول بعد رفض كل من موسكو وبكين الاستجابة للتعديلات التي تطرحها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي،لجهة فرض عقوبات دولية شاملة على سوريا على غرار ما حصل في العراق قبل الغزو الأنجلو- أميركي وعلى مدى ثلاثة عشر عاماً.
ثانياً: إحراج روسيا سياسياً ودبلوماسياً خاصةً أنها سبق وأن طالبت بمبادرة شبيهة بالمبادرة الخليجية بشان اليمن، لحل الأزمة في سوريا فالخطة العربية الجديدة تحاكي بشكل شبه تفصيلي المبادرة الخليجية- مع اختلاف في التوقيتات- وبالتالي تصبح روسيا في وضع يصعب عليها رفضها، وبالتالي كما يقول بعض المراقبين" أسقط في يدها".!!
وفي حال موافقة روسيا على المبادرة العربية "المدولة" وعدم امتثال الحكومة السورية لها ، تكون الإدارة الأميركية قد تخلصت من عقدة الفيتو الروسي- الصيني المزدوج بما يمكن الإدارة الأميركية وحلفائها من تمرير عقوبات دولية قاسية، ضد النظام السوري إذا لم يستجيب لها وتشكيل حالة ضغط باتجاه إسقاط النظام، تحت عناوين" إقامة مناطق حظر جوي وممرات آمنة ومناطق عازلة.. ألخ" مترافقة مع تقديم دعم عسكري للمعارضة دونما تدخل عسكري مباشر.
لقد اخطأ النظام السوري مجدداً، في تعامله مع الحراك الشعبي المستمر في سوريا منذ عشرة شهور، فبعد لجوئه للحل الأمني مبكراً وتجاهله في البداية مطالب الإصلاح والتغيير الديمقراطي مما سهل مهمة المؤامرة الخارجية الداعمة لقوى مسلحة، نراه يراكم على الخطيئة بأخطاء أخرى،من خلال إعلانه عبر خطاب الرئيس السوري بشار الأسد عن استفتاء على دستور جديد في مارس- آذار القادم وانتخابات برلمانية تعددية،في شهر أيار أو حزيران من العام الجاري.
وهو بذلك يتجاهل حقيقة أن الدستور الجديد وقانون الانتخاب وغيره من القوانين الإصلاحية، يجب أن تكون مخرجات للحوار مع قوى المعارضة الداخلية، وبعض قوى المعارضة الخارجية الرافضة للتدخل الخارجي، وليس نتيجة لجان فوقية، تلك المعارضة التي سبق وأن طرحت حلولاً عملية ومبدئية للتغيير الديمقراطي من خلال الجلسة اليتيمة للحوار في حزيران الماضي، دون رفع شعار إسقاط النظام والتي لم يبن النظام عليها، بل تجاهل هذه المعارضة وحرق أوراقها مما اضطرها لأن ترفع شعار إسقاط النظام، لان بعض أطراف المجلس الوطني المعارض حاولت تشويهها وتصويرها وكأنها مطية للنظام.
لا نجادل في صحة ما ورد في خطاب الرئيس الأسد بشأن وجود مؤامرة على سوريا،لكن هذا لا يعني بأن الحراك الشعبي هو نتيجة مؤامرة... ولا نجادل بشأن استهدافات دول النفط من التبني المزعوم للحراك الشعبي في سوريا، لان دولاً غير ديمقراطية لا يحق لها أن تتحدث عن الديمقراطية، ولأن هذه الدول معنية بشكل رئيسي إنهاء ظاهرة المقاومة والممانعة في المنطقة وتسويق المشروع الأميركي في المنطقة، لكننا نرى أن أسلوب تعامل الحكومة السورية مع الأزمة ينتمي للماضي، ويدخلها بسهولة في كمين تكتيكات حمد بن جاسم المرتبط جذرياً بإستراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة.
ونضيف بالقول: أن التدخل القطري والخليجي عموماً أساء للانتفاضة السورية وشوهها، ووضع الكثير من السوريين في دائرة الارتباك ونقل الكثيرين منهم من موقع إلى موقع سياسي آخر، في حين آثر البعض الوقوف على الحياد، لأن الشعب السوري باختصار يرفض أن يوظف حراكه الشعبي، في خدمة البرنامج الأميركي وأدواته في المنطقة.
وكان من الأجدر بالنظام السوري أن يباشر بالحوار الوطني الشامل مع المعارضة في سوريا، تحت إشراف بروتوكولي محض للجامعة العربية وفقاً للمبادرة العربية السابقة، وأن يلتقط ما صرح به الدابي بضرورة الجمع بين إنهاء العنف من الجانبين وبين الشروع في الحوار وبرعاية الجامعة العربية، بحيث تكون قضايا الدستور الجديد وقانون الانتخابات وغيره من القوانين وحكومة الوحدة الوطنية مخرجات للحوار، وليست مفروضة عليه بإرادة دولية استعمارية.
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عزوف واسع عن التصويت في جولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية ال


.. من وراء تسريب بيانات ملايين السوريين في تركيا؟




.. وزارة الداخلية الإيرانية: نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاس


.. نافذة خاصة من إيران ترصد جولة الحسم من الانتخابات الرئاسية




.. تسريب بيانات 3 ملايين لاجئ سوري في تركيا.. والمتورط في الواق