الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش الثورة المصرية (40): مصر والحب فى اتجاه واحد

عبير ياسين

2012 / 1 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


هل يختلف الحب فى اتجاه واحد عن الحب من طرف واحد؟ ليس لدى رد قاطع على هذه النقطة التى قد تحمل معنى فلسفى، أرغب فقط فى ان أتحدث عن الحب فى شكل محدد هو الحب فى اتجاه واحد كما أعرفه. والحب فى اتجاه واحد بالنسبة لى يحمل حالة من الانسيابية، أو بمعنى أخر حالة من الحركة تختلف عن القول الحب من جانب واحد. الأول يحمل معنى مستمر من العطاء، حب يتدفق من طرف لأخر، أما الثانى فيحمل حالة من الثبات. نعم فى الحالتين نتحدث عن حب ولكن عندما نقول حب من طرف واحد فنحن نعبر عن حالة ثبات، ولكن أن نحب فى اتجاه واحد أقرب لحب الطفولة، الحب بلا انتظار لمقابل أو ثمن.. أن تحب ويتدفق الحب دون أن يتأثر الحب برد فعل متلقى الحب.. الحب هنا بمعناه لا يحمل فقط معنى حب شخص لآخر، ولكنه يحمل حب لشئ، وعشق لمكان وتحديدا عشق لوطن... وأن كان الحب قائما فالأعلان عنه فى تلك اللحظات التى تبعدنى فيها الجغرافيا عن الميادين والشوارع الثائرة ليس الا كلمة حق فى وقت لا أستطيع أن اقول كلمات أخرى فى ميادين الوطن المحتشدة تجديدا للثورة ودعما لها.

نحب الوطن ويتدفق الحب بلا انتظار للمقابل.. لا يرتبط الحب بما نحصل عليه من فوائد ومصالح ومكتسبات... نستمر نحب ونحب. نعم عندما نحب قد نغضب، ونتألم ممن نحبه ولمن نحبه.. نحب الوطن ونغضب أحيانا كثيرة منه ونحزن أحيان كثيرة عليه. عندما نحب فى اتجاه واحد نتألم بشده، نتألم بشكل مزدوج نتألم لأننا نحب ولأن من نحبه لا يرد هذا الحب بما يؤكد حبه لنا، ونتألم لأننا لا نستطيع أن نتوقف عن الحب والأهم أنه رغم ألمه ورغم تجاهل من نحب لا نرغب فى أن نتوقف عن الحب. يستمر فيضان الحب فى التدفق وكأنه شلال محكوم عليه بفعل القدر، الطبيعة تجبره على المسار وعلى استمرار التدفق مع المجرى من أعلى لأسفل. تصبح حالة من الحب الذى لا نملك التوقف عنه فيستمر بالجريان سواء رغبت الأرض فى هذا الحب أو لم ترغب.. وسواء اهتم من نحب أو لم نهتم، أشعر بكل هذا طوال الوقت أعرف كم أحب مصر وكم أعشقها بشدة والأهم أعرف اننى لا أرغب فى التوقف عن هذا الحب. كنت ولازلت أوجه الكثير من الانتقاد على كثير من الأوضاع، ويفسر البعض انتقاداتى أحيانا على أنها رفض أو كره. ولكن ألا يكون الحب الحقيقى النقى حب يتمنى فيه المحب للمحبوب كل الخير والسعادة. انتقد لأنى أحب وأتمنى أن أرى مصر فى أحلى الصور. أتمنى أن تكون دائما شابة سعيدة متألقة عفية، لا أكرها وهى مريضة ولا وهى متألمة ولكنى أحزن لها ومنها، وأحزن من نفسى لعدم قدرتى على تقديم المداواة..  للأسف لا أملك إلا الحب والدعاء لمن أحب.

يتعمق لدى هذا الإحساس أكثر كلما أصيب الوطن، كلما شعرت كم مصر وحيدة ومتألمة. أشعر أحيانا كأن مصر ليست مجرد أرض ونهر ومبانى ولكنها طفلة صغيرة تحتاج من يرعاها ولكننا فى أحيان كثيرة نقسو عليها ونتركها وحيدة فى الليالى الباردة.. لا أقصد طفلة بمعنى عدم النضوج أو الانتقاص من قيمة الوطن، ولكن الطفلة هى تعبير الحياة بالنسبة لى، ابتسامة وأمل ونظرة لازالت متفائلة للمستقبل وقدرة على العطاء. أما الحديث عن مصر بوصفها الأم فقط فيحمل قسوة أحيانا أشعر أننى لا أتحملها، فالأم عليها دوما فى منظورنا أن تعطى وتقدم ولا تنتظر من أحد، ولكن الطفلة تحتاج رعاية بقدر ما تعطى، فالطفلة تعطى ابتسامة دافئة وعلينا أن نرعاها أما الأم فتعطى دون أن تأخذ.. الطفلة تعبر عندى عن كل الحب.. فهى تعطى بحب الطفولة وبدون انتظار للثمن، ولكنها تبقى فى حاجة إلى رعاية وحماية أيضا.. وهذا هو الوطن يعطى دفء الأرض والسكن والجيرة ويحتاج منا الحب والرعاية أيضا.

نتألم بالطبع عندما يكون هذا الحب تجاه الأفراد بأكثر مما يكون تجاه الوطن والأشياء. عندما تحب فى اتجاه الوطن يظل وطن مهما غضبنا منه أو عليه فهو وطن لا نرغب فى تبديله، ولكن عندما نحب شخص فأنه يكون قادر على إحداث جراح وألم الجراح أكثر عمقا. تحب فى اتجاه واحد شخص قد لا يشعر أساسا بوجودك، أو لا يشعر بحبك أو يشعر ويتجاهله ولكنك تقف عاجزا عن فعل أي شئ أو اتخاذ أى قرار تظل تتمنى أن تغير اتجاه النهر أو توقف جريانه... وهذا يختلف عن حب الوطن والأشياء. يمتاز حب الوطن والأشياء بأنه حب لثابت، فالحب نفسه متدفق ولكن من نحبه ثابت، ولكن عندما نحب شخص فنحن نحب متغير. فى الحالة الأولى مهما غضبنا لا نتمنى أن نتوقف عن الحب ولكن فى الحالة الثانية نتمنى أن يتوقف الحب وأن يجف النهر ويا حبذا لو نملك محوه من خريطة روحنا.
  
تعيد الكثير من الأحداث التى يمر بها الوطن تلك الصورة للحب إلى ذهنى... أتمنى أن تكون مصر كالطفلة حتى وأن كانت جريحة فهى قادرة على الصمود، تتألم ولكن قادرة على العطاء.. قادرة على التدفق وإعطاء الحب. نعم مصر الطفلة نجرحها كثيرا ولكنها تبقى تحتضننا جميعا، تظل تحبنا وتتدفق بالحب. تظل مصر وطن أتمنى أن يحفظها الله لنا دوما بشمسها ودفئها وابتسامتها وتحملها لنا وبطفولتها وبراءتها، وأن يستمر حبنا لها بطريقة التدفق بلا توقف ولا جمود ولا نقصان ولكن أن تكون مصر مرة أخرى الحضن الذى أفتقدناه كثيرا خلال سنوات... حمى الله مصر دوما وحمى ثورتها وشعبها بسمتها التى لا تغيب مهما غطت عليهم سحب الظلم والطغيان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البرازيل.. سنوات الرصاص • فرانس 24 / FRANCE 24


.. قصف إسرائيلي عنيف على -تل السلطان- و-تل الزهور- في رفح




.. هل يتحول غرب أفريقيا إلى ساحة صراع بين روسيا والغرب؟.. أندري


.. رفح تستعد لاجتياح إسرائيلي.. -الورقة الأخيرة- ومفترق طرق حرب




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا قصفت مباني عسكرية لحزب الله في عي