الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النص الإبداعي التصادمي مع واقع الثورات العربية الطرح النظري -1-

محمد طلعت

2012 / 1 / 25
الادب والفن


الأدب الثوري. الآن على المحك بين تطلعات الأدباء للتسجيل الرصين اللحظة الراهنة بالحدث الثوري العربي وبين التسجيل الراكب للموجة والقول بأن الأديب فلان هو أول من كتب عن الثورة.!
والحق قد تابعت معظم الأعمال التي خرجت في ظل العام الثوري الماضي، فلم أجد شيئا مفيدا سوى بعض الأرشفة التاريخية لما يقال هنا وهناك مع تضفير هذا في جو سردي عقيم غير مبتكر. والآن في مثل ذلك اليوم الـ 25 من يناير، ماذا أفرزت الساحة الأدبية بمصر عن أدب مغاير سجل لنا ثورة مصر. ونفس السؤال لأدباء تونس، لأدباء لبيبا، اليمين؟ لا شيء يذكر سوى كم من الراويات والأشعار الأقرب إلى الشعارات وإعادة تضفير الأحداث التي تناقلتها الصحف ووكالات الأنباء ودسها عنوة بين دفتي كتاب أدبي.
إن الأدب الثوري ليس بالضرورة يرصد لنا الواقع الميداني للثورة وما حدث فيها إلا إنه سيكون كتاب تاريخي، إنما يرصد لنا ماذا جرى في الخفاء غير المعلن عنه يعمل الأديب خياله في ذلك وهنا ستتحقق مقولة العرب الجاهلية عن خيط الإلهام عند الشاهر أو انه يأخذ أشعاره وأخبار عن الجن الذين يخبرونه بالحقيقة. هذا فان صادف ما رصده الأديب عن غير المعلن هذا في روايته فهذا يحق له أن نقول عنه غنه كاتب الثورة الحقيقي إنما إذ خرج إنتاجه حول ما هو معروف فهذا سيكون أديب عادى.!
فالنص الأدبي المميز هو الذي يحمل بين طياته التصادمية سواء على صعيد اللغة والسرد أو في التخيل بما حدث أو سوف يحدث . تصادمي بمفرداته وتعابيره الصادمة للواقع المزيف المعاش. إذن تكمن حنكة الأديب أن ينقل هذا الزيف من واقع يبدو مثاليا وهذا دور الأديب في كشف الأقنعة المثالية هذه، وإماطة اللثام المزيف عن الأخلاق البراقة باسم الدين أو الإنسانية أو بالمعنى الأصح خلع نقاب التابو المقدس" السياسة- الدين – الجنس". فالأدب دوره دوما صادم لأرض الواقع وليس ناقلا له.
إن الميل إلى الاتجاه الواقعي التصادمي مع الواقع نفسه وليس توافقيا أو معايشا أو أن يكتفي الأديب برصد الواقع كما هو؛ فهذا قد يخرج الأدب وإنتاج الأديب عن متعة التأمل التي يخلقها في الرحم العقلي والروحي للقارئ. فحين يجلس القارئ ويقرأ رواية ما عن الأدب تجسد ثورة الفكر لعام 1919م، أو ثورة العسكر 1952م، أو ثورة الشعب عام 2011م، ومن قبلهم ثورة عرابي 1882م، وثورة الأزهرية مع الشعب المصري عام 1805م، نجد إن خارطة الأدب سجلت هذه الثورات بشكل رائع قد يغلب عليه بعض الحماسة والتقديس لأصحابها وتصورهم بأشكال أسطورية أنقذت البلاد والعباد من الخراب.
لكن الصورة لم تكن كذلك في اغلب الأحوال، فالأزهر مع الشعب بقيادة عمر مكرم وضع بداية بذور الثورة العلمية التي تبناها محمد على فيما بعد –برغم غدره بقائد الثورة ونفى عمر مكرم- واهتم محمد على بالعلم فجاءت ثمار ثورة الأزهر بتعليم الشعب المصري في باكورة فكر رفاعة الطهطاوي إلى عصر النهضة البكر الذي وضع مصر على خارطة الدول الحديثة، إذن الثورة برغم أنها لم تنتج أعمالا إبداعية أكثر ما أنتجت أعمالا عقليه. لذا مازلنا نعيش على هذه البدايات التقدمية ولو كتب لنا الاستمرار على هذا النهج لكان لمصر وضع أخر الآن. ومع ذلك أخرجت هذه الثورة الأم الأولى للمصريين فى تاريخها الحديث، فمن المعروف في ذلك الوقت كان النقل والترجمة والمحاكاة والتمصير في الأدب، إلا أن الجيل الأول في ذلك الزمن ووفقا لمفهوم ثورة الأزهر ثورة العلم بدأ يفتش في تراثه العلمي ليخرج لنا إبداعاته وحكاياته ومقاماته وبدأ في تكيف هذا التراث بمفهوم العصر الثوري العلمي الذي كانت تعيشه البلاد ولعل ابرع كتاب في ذلك حديث عيسى بن هشام ( 1907 م ) الذي يصور كاتبه محمد المويلحي نماذج التغيرات التي حدثت فى مصر على غرار أسلوب المقامات القديم لكن بروح الثورة الثائرة لنقد المجتمع المصري. ويعد كتاب حديث عيسى بن هشام سجلا ثوريا تصادميا لواقع المجتمع المصري آنذاك حاملا المفهوم الثوري التصادمي لواقع مجتمعه الذي افرز ثورتين فى حقبة زمنية قصيرة، إذ يمكنا القول أن حديث عيسى بن هشام هو نتاج ثمرة الثورة العلمية التي قام بها الأزهر وثورة العسكر الذي قام بها أحمد عرابي إذ تجسدت ثورة عرابي في منحنى أخر قاد الإبداع إلى منحنى أكثر حماسيا وكان هذا واضحا في أشعار البارودي ومن بعده شوقي وحافظ إبراهيم فخرجت أعمالهم الإبداعية تنادى برفع الروح الحماسية الوطنية ضد الاحتلال، فجاء إنتاجهم الأدبي في قالب الحماسة الثورية الصادقة المبنية على أساس عقائدي موروث من ثورة الأزهر العلمية.
تلت بعد ذلك ثورة 1919م، وهى الثورة الأكثر نضجا في الأدب حيث قدمت تراثا أدبيا ثوريا بمفهوم الأدب الثوري التصادمي مع واقع المجتمع في النقد البناء القائم على العقل والتنوير ولعل ابرز كتابها على الإطلاق كان نجيب محفوظ الابن المخلص لأهداف الثورة والحلم الثوري التحرري لبناء مصر الجديدة على العلم والإيمان.
ثم تلت الانقلاب العسكري 1952 والتي سميت فيما بعد بثورة يوليو وفقا لمقال كتبه طه حسين واصفا الحركة المباركة بأنها ثورة مجيدة، وتداعى إنتاجها الأدبي ليملئ السمع والبصر ولعل أبرز كتابها على الإطلاق كان يوسف السباعي وصلاح جاهين وكل الجيل الأدبي الذي ظهر مع ظهور هذه الثورة الحماسية التي ما قدمت إلا حماسة جوفاء وشعارات قومية عريضة دون أساس لها على ارض الواقع فسقط أدبها مع نكستها العسكرية وظهر بعدها أدب تقييمي تصادمي ناقدا محللا لهذه الثورة، وكان إنتاج فيما يعرف بأزمة المثقفين بعد النكسة.
والآن بعد حصاد عام على ثورة يناير 2011م، التي قدمت أشباه الأدباء ورداءة إنتاج أدب ثوري خالي من أي نقد تصادمي لما وراء واقع هذه الثورة. تكمن الأزمة هنا بين جيلين من الكبار والصغار(على الأساس العمري والقيمة أيضا) الجيل الكبير وقف مشاهد غير مستوعب الحدث كاملة خاصة فى اختلاط المفاهيم الثورية بذهنه" هل هذه ثورة بالمعنى التقدمي أم انتفاضة أم أجندة أم ...؟"، وبين جيل شاب قليل الخبرة والحرفة والصنعة الأدبية قد أخذته حماسة الضجيج الثوري بالميدان وأخذ يكتب انطباعاته على شكل قصص وروايات وهى في أغلبها لا تساوى شيئا. ثمة تراجع من الكبار وثمة تسرع من الصغار وثمة نفعية فى التصيد وركوب الموجة فيما يقال حاليا بمعرض الكتاب بالقاهرة الآن" الرواية الأولى عن الثورة – الديوان الشعري الأول عن الثورة – ووو) كلها أقوال براقة وتصنع برؤس صانعيها نشوة النصر الأجوف كما هو الحال والواقع السياسي للثورة الوليدة التي لم يتم ولادتها بشكل صحي حتى الآن.
إذن نحن هنا أمام ثورات هزت المجتمع المصري وساحته الإبداعية ويمكن تلخيصها في الثورات الثلاثة الأخيرة، فثورة 1919م، أفرزت ثورة عقلية تنويرية تصادمية أنتجت توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وجيل من الكتاب الكبار، أما ثورة 1952م، أفرزت ثورة كلامية ووعود براقة مغيبة للعقل تلعب على العاطفة والحماسة التي بلا أساس نقدي تنويري للثورة مثل يوسف السباعي وصلاح جاهين خاصة" جاهين ما قبل النكسة"، أما ثورة 2011م، أفرزت ثورة فوضوية في الإنتاج الأدبي. ورؤية غير واضحة يسيطر عليها حالة من الحماس والانفعال الذي محله الشارع والميدان وليس الأدب.
ومع النقد الأدبي الثوري التصادمي هذا النابع من الثورة نفسها والذي إن تمكن منه الأديب فلسوف يكتب اسمه من النور في سجل الأعمال الإبداعية العظيمة، فكيف يكون ذلك؟ وماذا سوف يبقى من العمل الأدبي الذي تناول الثورة ضمن سرده وشخوصه ولغته وحواره وتخيله؟ فهل حقا أعطى هذا النص الرؤية الشاملة والصادقة عن المشهد الثوري.؟
على الرغم من المذاهب النقدية الشتى التي تحدد صفات معينة لديمومة النص الأدبي حيث خلود الكلمة بعد فناء صاحبها، وسواء نتفق أو نختلف حول هذه الصفات لكن جميعها اتفقت إن ثمة رسالة ما لابد أن تصل وتلتصق في وجدان الأمة، فالأمة باقية وهى التي تسجل وتحفظ الأدب الذي يجتاز بالأمة المحن حيث يكون هو ضميرها الذي يرشد الأجيال فيما بعد إلى الفضائل والقيم والجماليات المطلقة للفكر والإبداع، فضلا عن تقديم تقييم عام للمرحلة من وجه نظر مغايرة تماما للمفهوم التاريخي والوثائق. والمغايرة هنا تكون نسيجا من اللحم الحي الذي عانى بخياله وشعر بكيانه وتألم بعقله؛ فنتج هذا الأدب - النص الباقي إلى يوم أن تقوم الساعة.
ومن هذا المنطلق ماذا يبقى النص الأدبي الثوري" الذي تناول حقبة الثورة تحديدا" فهل سوف يسجل له ولصاحبه الخلود؟ وهنا وجب علينا وضع بعض الصفات التي اتفق عليها جميع النقاد بمختلف مدارسهم النقدية، ولنختار على سبيل المثل وليس على سبيل الرصد صفاتين إذ تمتع بهم العمل الأدبي ضمن وجوده وديمومته. وهذا من خلال طرح سؤالين حاملين في متنهما أهم هذه الصفات التي لا اختلاف عليها:
هل توفر في النص الضرورات الفنية لانتمائها لجنس القص الأدبي، وهل حقق المتعة الفنية؟
والضرورات هنا هي المتفق عليها بين النقاد حتى يستقيم النص ويحدد هويته سواء شعر أو قصة أو رواية، مع الوضع في الاعتبار التجديد والابتداع وليس الإتباع فحسب.!
إن الذي سيبقى من الأدب تجديده وثوبه المعاصر مع احتفاظه بالخطوط العامة للهوية الثقافية والتقاليد والأعراف الاجتماعية التي تميز مجتمعا عن مجتمع ومن ثمة تميز أدب عن أدب. وهنا سيبقى النص الأدبي بطابعه الثوري بين ثوبه القديم في الحكي وبين زيه المعاصر الذي يحتاج بالتالي ثمة انفتاحا أكثر على "الموضات الأدبية العالمية".!
يبقى دائما الطرح الذي يشغل بال الناقد الجاد الذي يسعى إلى ربط الأدب بواقع مجتمعه والظرف الراهن المحرك لمخيلة الأديب في إنتاجه الأدبي هذا .. في البدء وجب طرح عدة تساؤلات منها،: لماذا أنتج هذا الأديب هذا العمل؟ هل هذا العمل له علاقة بالبيئة التي يعيش فيها الأديب؟ ما هى الرسالة التي يريد توصيلها عبر هذا العمل الأدبي؟ وكيف نجح أو تميز هذا الأديب في رصد مشهدية ما يحدث وما يرصده في عمله؟ وما هي المسافة الزمنية بين زمن كتابة الحدث( أو نشر العمل) وزمن الحدث الفعلي إن كان الحدث ذا بعد ثوري؟
انطلاقا من هذه الأمثلة الاستفهامية، وما نريده هنا من استفهام حول النص الأدبي الذي يرصد ثمة واقع ثوري يموج به الواقع الآني. فهل حقا أعطى النص الرؤية الشاملة والصادقة التي تفصص وتشخص الأسباب والأعراض والعلاج من منظور أدبي خالص بعيدا عن الهرطقة السياسية والاقتصادية ووجهات النظر حول الثورة ( مصر يناير 2011)؟
غالبا ما يندرج الأدب الثوري تحت عباءة الأدب الواقعي الذي يعرف بشكله الأكاديمي بأنه" ينتسب إلى الواقع، بمعنى: الحاصل والحادث، أو المتوقع أي الممكن حصوله؛ وإليه انتسبت المدرسة الواقعية في الأدب التي عنت في بادئ الأمر بتصوير كل ماله علاقة بالواقع، تصويرا لا يكون نقلا مباشرا أو نسخا حرفيا، بل تشبيها ومقاربة، على قدر كبير من الدقة والتفاصيل المشتركة للحياة اليومية؛ وتواصل داخلي حميم ما بين العمل الفني والحقيقة العارية"، وبهذا التعريف المبدئي عن التيار الواقعي في الأدب. وجب من خلاله تقيم النص الذي يقدم إنتاجا ثوريا مع البحث عن تلك العلاقة التصادمية بين النص وبين الواقع.


ولنا تكملة أخرى مع نموذج عملي في نص أدبي تناول ثورة يناير 2011م. ولنرى ماذا له وماذا عليه؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي


.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية




.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي


.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب




.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?