الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرة أخرى مع أطيب التحيات للمؤتمر التاسع

غالب محسن

2012 / 1 / 27
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 32


أطْبِقْ جَفنَيكَ
لتســمعَ .
أطبِقْ جفنَيكَ
لتفتحَ باباً سِــرِّيّـاً في القلعةِ .
أطبِقْ جفنَيكَ
لتدخلَ بستانَ الخشخاشِ البـرّيّ ... سعدي


يعيد الحزب الشيوعي العراقي مبادرته التي أفتتحها بدعوة الجمهور المهتم لمناقشة برنامجه الذي سيقدم الى المؤتمر التاسع القادم ، والآن يطرح تقريره السياسي . وأن كانت عندي ملاحظات ( نشرتها في تأملات سابقة ) وظنون على المبادرة فأن ذلك لا يقلل من أهميتها و الأعتراف بأنها ريادية ، من حيث الشكل على الأقل ، في الثقافة السياسية العراقية وهذه حسنة تُحتسب للحزب .

بدءاً لا بد من الأعتراف من أنني أكتب دون حماسة الفرسان عندما يتعلق الأمر ، عندنا بسياسة البلدان . لست وحدي بالتأكيد ، فالسياسة مسؤولة عن كل الدمار والخراب الذي لحق بالأنسان قبل العمران . لكن السياسة تحاصرنا في كل مكان ، وأن في القبر كان . لكنها ، في ذات الوقت ، في الغرب على أقل تقدير ، هي من حقق مجتمع الرفاهية والحرية والأمان .

أن تطورالأوضاع السياسية مثلاً في بلداننا لا يمكن التكهن به ولا حتى من قبل خبراء السياسة الأكاديميين . أن جلَّ ما يمكنك عمله هو تحليل ما حدث ، الماضي . يعني محاولة الأجابة عن سؤال لماذا حدث وليس ماذا سيحدث ، المستقبل ، فهذا الأخير علمه عند علّام الغيوب . عندنا ليس بالأمكان تطبيق علوم السياسة " الأكاديمية " لا على الحكام ولا على المعارضة ألا بعض الأستثناءات المحدودة . لذلك فأن المقالات عندي هي تأملات وهذا أسلم .

وما دامت هي كذلك فقد تحضى بالغفران ، والرضوان ، قبل حُكم الصولجان ، وربما قطفت عطف الأنسان ، الحيران ، أن لم يكن للعقل شأن ، وربما في القلب والوجدان ، وهو أضعف الأيمان ، الى ماشاء الرحمان ، قبل أن يطويها النسيان ، فتصبح ، قبل أنعقاد المؤتمر ، في خبر كان .

وللشكل معنى أيضاً

لن أُعلق على ضرورة تغيير بعض الكلمات أو العبارات التي تحتاج بالتاكيد لأعادة صياغة ، لتثبيت المعنى أو دفع اللبس عنه ونفي الحاجة للتأويل . على سبيل المثال بدلاً من " بعد التغيير 2003 " يصبح المعنى أكثر وضوحاً لو أستبدلت من قبيل " بعد أسقاط النظام وأحتلال العراق 2003 " لأنها ، في الحالتين ، تعكس موقفاً سياسياً .

سأترك هذه للمهتمين بشؤون اللغة والسياسة ، فهم أدرى باسرارها .

لسنا بحاجة للقول أن الوثيقة شاملة ، فهذا واضح ، بل ولا تنقصها البلاغة والرصانة في كثير من مفاصلها ، وتمنح شعوراً قوياً بحس مؤلفيها الوطني وتطلعهم نحو مستقبل أفضل للشعب العراقي ولحفظ كرامته وثرواته وأستقلاله. وقد جاهدت الوثيقة في رسم طريقاً للخروج بالبلاد من كل أزماته ، السياسية ، الثقافية ، الأقتصادية والأجتماعية ، رغم أن كثير من تلك يقترب من الأماني .

غير أن الوثيقة طويلة ، طويلة جداً ، بدت في أحيان كثيرة وكأنها مونولوج داخلي ، مفعمة بالعواطف ، والرغبات ، رغم الأرقام . مليئة بالسرد ، وفي معظم الأوقات غير ضروري . قراءة مثل هذه ربما ستدفع بالكثيرين ، من المخلصين الطيبين لوضعها على رفوف المكتبات !

والسؤال : هل نحن بحاجة الى وثيقة تسرف بالتفاصيل الى الحد الذي بدت فيه وكأنها تداعيات ؟ السؤال اللاحق الذي ينبغي الأجابة عنه : الى من تتوجه هذه الوثيقة ؟ لقد أتعبتني قراءة هذه الوثيقة من هذه الزاوية ، فما هو حال العوام ممن أرهقتهم الخطابات الدينية والسياسية ؟ ولك أن تتصور كيف سيستقبلها شباب الأس أم أس والفيس بوك والتويتر وساحات التغيير!

ليس في الأطالة ، والسرد ، بما فيها من أحصائيات وأرقام ، شطارة أو أبداع ، أو ربما تصور أن ذلك يمنح الوثيقة صفة العلمية-الأكاديمية . تصور غريب أذا كان ذلك حقاً .
الأبداع الحقيقي هو في أنتاج وثيقة ، بسيطة في صياغاتها ، سهلة القراءة والفهم ، مختصرة و مكثفة على ما هو الأهم . فالعبرة ليس في كثرة الأهداف بل في أختيار أهمها . أن المبالغة في تحليل كل شئ ، والأسهاب والأطناب ، يهدد بتضيّع الفكرة وتشتيتها . ومن جهة أخرى فان الحنكة السياسية أنما تكمن في أستبعاد الأهداف الأقل أهمية . والعكس قد يعطي مبررات للشك في ضعف قراءة الواقع ورسم ملامح غده . أن أختصار الأهداف لا يقل أهمية عن تشخيصها أن لم يكن ذلك أكثر أهمية .
المطلوب ، أذن ، وثيقة موازية ، أخرى بهذه المواصفات ، للجمهور ، وأن شاء مؤلفي التقرير الأحتفاظ بالنص المطوّل فهذا من حقهم ، رغم أن الحكمة تقول خير الكلام ما قلّ ودلّ ، وكثير من العمل .

مسؤولية تأريخية

في أيلول 2011 كتبت تأملات موجهة للمؤتمر التاسع (عن البرنامج) ، وقبلها كُنتُ قد عبأت نفسي ، قبل غيري ، بمجموعة أخرى من التأملات هي أقرب ، أن شئتم ، للتحامل من العتاب القاسي على السياسة عموماً ، قبل السياسيين . فبعد الذي مضى وصار ، من ثورة الأحرار ، والحروب والحصار ، وما تبعها من دمار ، للأنسان قبل الأمصار ، لم يبقى سوى الهموم والأقدار ، وترك ، ليس الأهل ، بل الديار .

الوثيقة تُسرِف في عرض الواقع المعقد والمحفوف ، من كل جهة ، بالمخاطر ، الواقع المستمر في المتدهور في كل المجالات وأهمها على الأطلاق " العملية السياسية " التي باتت مشلولة تماماً ونهبت ثروات البلاد . ولا تُجانب الوثيقة الصواب في تبيان الأسباب وتحميل القوى السياسية الأخرى ، الحاكمة ، والمتفذة ، مسؤولية ذلك .

هذا حق ، لكنه ليس كل الحقيقة وأن كان أكثرها !

في كثير من الفقرات يتناول التقرير السياسي ليس الأوضاع السياسية والأجتماعية والأقتصادية المختلفة بالتحليل والتعليق وأقتراح الحلول فحسب بل وكثيراً ما تطرق الى دور الحزب الأيجابي بصورة مباشرة أم غير مباشرة في تلك الوضاع ، وهذا مفهوم بأعتبار أن الحزب جزء من العملية السياسية . وأذا كان ذاك الأخير صحيحاً فمن المفترض أن يتناول التقرير سياسة الحزب أرتباطاً بتلك الأوضاع . أليس كذلك ؟ هذا ضروري على الأقل لسببين على الأقل : للأمانة التأريخية وأيضاً لكي نفهم سياسة الحزب الحالية .

لكن مؤلفي التقرير لديهم رأي مختلف !

بالطبع لا أُريد خلط الأوراق ، أو تحميل الضحية (كذا) مسؤولية ما جرى من تدهور وخراب ، أرجوكم ، هذا ما يسموه في السياسة " هروب للأمام " أو كما أسميه أنا عجز في الحجة . ألم يكن الحزب جزءاً من تلك العملية السياسية التي ينتقدها ، بل وما زالت عيونه ترنو الى الحدائق الخضراء ؟ وبغض النظر عن مدى حجم تلك المشاركة ، فأن المسؤولية الوطنية تتطلب التطرق لها وتبيان الموقف منها ، بالنقد العلني البنّاء رغم أنني على ثقة من أن هناك من يعتقد أنها كانت أيجابية . وفي كل الأحوال أن تم ذلك النقد ، مصحوباً بالتحليل المناسب ، فأنه يوفر الأرضية لتجاوز تلك المرحلة كما أنه يعطي مصداقية وحرية أكبر في نقد الآخرين .

الأعتراف بالخطأ فضيلة قبل أن يكون قوة ، لكنه حق الجمهور أيضاً . أن زلازل التغير (أو ما يُعرف بالربيع العربي ) في المنطقة لا يشمل أنظمة الحكم فحسب بل كل السياسة بما فيها تلك التي ليست في الحكم وقبل شئ الفكر التقليدي ، مهما كان لونه .
ومن ناحية أخرى فان الجمهور الديمقراطي عموماً لم يعد كما كان . ليس من الحكمة ، أذن ، تجاهل هذه الحقيقة . لا نحتاج لتكرار المبررات وهي كثيرة ، ما شاء الله ، لكنها للأسف أصبحت عتيقة ، لا تُقنع حتى دجاجة .

سياسة ماركس وغاندي لم تكن فناً

بالرغم من أن كثيراً مما جاء في البيان الشيوعي لم يعد صالحاً في وقتنا الحاضر لكنه قدم صورة أكثر صدقاً فيما يتعلق بمفهوم السياسة . فالسياسة هنا كانت في وحدة مع مبادئ البيان رغم أن الأخيرة كانت لمصلحة طبقة واحدة . وهكذا ، من زاوية أخرى ، كانت سياسة غاندي متماهية مع الأخلاق الأنسانية ( من أقوال غاندي المشهورة : لو طبقنا عقوبة العين بالعين لأصبح كل البشرعميان ) !.

أن ممارسة السياسة على أساس مفهوم " السياسة فن تحقيق الممكنات " ، الذي أصبح مبتذلاً من كثرة ترديده وممارسته ، أنما تلغي ، في الجوهر ، الفوارق بين الأحزاب في ممارسة السياسة وأن أدعت تمسكها بايدولوجيات ومنطلقات فكرية مختلفة . وبغض النظر عن من القائل ، سواء أكان لينين أم بسمارك ، فأنه يلتقي في النهاية ، شئت أم أبيت ، مع مفاهيم خبير ومؤسس علم السياسة الحديثة " أو الخبيثة " ميكافيللي في أن هدف السياسة ( الحاكم ) هو المصلحة ( الشخصية ، الحزبية ، السياسية ، بثياب الوطنية وأمتداداتها الدولية ) ، وأذا كان هناك أستثناءات فبين السياسيين كأشخاص (علي/ معاوية ، غاندي / روزفلت ، قاسم / صدام ، مانديلا / بوش) . أن فن تحقيق الممكنات لا يمكن أن يعني ، في المحتوى والممارسة ، غير تهميش المبادئ والبحث عن مبررات السياسة .

العراق مدجج حتى أخمص قدميه بأطروحات الأسلام السياسي ( ولا فرق جوهري ، عندي ، بين أختلاف الجماعات مهما تعددت التسميات أو الأنتماءات) . العراق المتشح بالسواد الدائم ، الحزن الدائم ، العاطل الدائم ، عن التفكير والعمل . أجازات رسمية ، وعشرة أضعافها غير رسمية مفتوحة للسماء ، خسارات تلحق بالأنسان دع عنك العمران ( بأعتراف سدنة المراقد وأأمة الجوامع والحسينيات وقادتهم السياسيين ) .

أليست هذه اليوم من بين أكبر " مشاكل العراق الحقيقية " ؟ أذا أجبت بالأيجاب عن هذاالسؤال فتهيأ لخيبة أمل لأنها ضاعت في التقرير . فعلى الرغم من كرم التقرير في السرد والتفصيل فلم يرد مصطلح الأسلام السياسي غير مرة واحدة (الفقرة 51 ) وفي ذلك لأكثر من دلالة !

ليست الشعائر والطقوس بذاتها ما أنا أُلمح له ، بالطبع ، وأطلاقاً ليس أهل البيت ولا سيدا شباب أهل الجنة ولا الأئمة الكرام وآيات الله العظام ، ولا أبو حنيفة النعمان ، فكل ذلك أصبح جزءاً أساسياً من تراث و " فلكلور " الشعب العراقي وأصدقائه بل ومحور أيمانهم . وفي بلد مثل العراق عانى شعبه من مختلف أشكال الأضطهاد وقمع الحريات ، ومنها الدينية ، لحقبات طويلة من الزمن ، يصبح مفهوماً ، ومقبولاً ، الى حد ما ، نوع من " فوضى " الحرية عقب سقوط ذلك النظام . لكن أستمرار هذه الفوضى بعد مرور كل هذه السنين ، والمبالغات في الطقوس التي تجاورت حد " المفهوم والمعقول " حتى تحولت تلك الى عبادات أصابت البلاد بشلل شبه دائم ، ثقافياً ، وأجتماعياً وأقتصادياً .

أن من بين أكثر الأخطار التي خلقتها وتخلقها هذه الأجواء هو أشاعة ثقافة تتمثل الماضي لا المستقبل ، ليس للآخر فيه مكاناً . ثقافة تبحث عن حلول في قمة السماء لا تحت قمة البرلمان . علاوة على ذلك فأن السياسة ، ممثلة في الأسلام السياسي الحاكم والمعارض ، المحلي والأقليمي ، هو الحاوية والحامية والداعية لكل ذلك مما يضع مصداقية أولئك مثلاً حول الديمقراطية والتعددية موضع الشكوك المشروعة تماماً كما يضع عدم الأشارة لها في هذه الوثيقة موضع الشك أيضاً .

أليست هذه المشكلة أعمق وأهم من مشكلة " تصريف المياه الصحي " مثلاً حتى تجد هذه الأخيرة مكاناً لها في هذا التقرير المغرق بالتفاصيل بينما تلك يصعب العثور عليها .
أن السكوت أو تجنب الحديث عن هذه المشكلة ، بحجج أصبحت عتيقة لا أريد تكرارها ، هو أقل درجة من " أضعف الأيمان " ، وتطبيقاً خلاقاً لمفهوم " السياسة فن تحقيق الممكنات ".

لا تستقر الريح
من شدة البرد والقهر
وأنين الصفيح
في هجيع اليالي
أمرأة حبلى ، تصيح
أنا الشجر
أنا القمر
ورمال البحر
وأمواجٌ لا تستريح








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي


.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟