الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع مابين المادية المنتشرة والدين

كرمل عبده سعودي

2012 / 1 / 27
العولمة وتطورات العالم المعاصر


تتصارع كثير من القوي المادية في العالم الآن لتأخذ المكانة الافضل حياة الكثير من البشر في جميع أنحاء العالم فالطفرات العلمية والتطورات الحادثة جعلت من الانسان سلعة تتداول حسب ما يتوافق ورغبات هذا التطور وحدث الانجذاب الهائل وبدأت القيم والمفاهيم تختلف فأصبح ما يشكل الفكر البشري هو مفهوم التحرر المادي والاستمتاع بكل مافي الحياة وغفل الانسان الذي خلق بفطرته النقية علاقته بالله والدين وجاءت المبررات واليماحيات الكثيرة ولو نظرنا بعين الانصاف لادركنا أن كل مايشمل حياة الفرد من تطورات هي نتاج رسالات الله السماوية وأن الاديان هي القوة الحافظة والدرع المتين لحفظ هذا العالم من مغريات المادية ونستطيع من خلال تمسكنا باصول الاديان السماوية والعمل بما شرعه الله سبحانه وتعالي أن نحقق رفاهية مادية أيضا ولكنها ولابد أن تكون أيضا مشمولة بالقوة الآخلاقية وبهذا يتحقق للانسان مايحتاجه من توازن مادي وروحاني ومن كتاب دين الله واحد تعرض لشرح هذه المسألة الدقيقة لعل توقظ من غفلة مصيرها الحتمي الهلاك للقيم العظيمة التي ما قدر الله لها الا شرف وعزة لبني البشر اجمعين "
إن مصير ما درج العالم على تسميته " التنمية الاجتماعية والاقتصادية " لم يترك شكًا في الأذهان بأنه لا مجال لإنجاح أية محاولة لإصلاح عيوب المذهب المادي ومثالبه ، حتى لو كان الحافز على هذه المحاولة أسمى النيّيات المثالية الخيِّرة .
فقد وُلدت خطط " التنمية " عقب الفوضى التي خلّفتها الحرب العالمية الثانية ، وصارت إلى حدٍ كبير أضخم مهمة جماعية طموح أخذها الجنس البشري على عاتقه ، وكانت دوافعها الإنسانية توازي في عظمتها الاستثمارات المادية والتقنية .
والآن بعد مضي خمسين سنة ، ومع الاعتراف بفضل الفوائد العظيمة التي جادت بها التنمية ، من الواجب أيضًا أن نحكم على مدى نجاح مشاريع التنمية هذه طبقًا للمعايير التي سنتها لنفسها ، فإذا ما فعلنا ذلك وجدناها فاشلة فشل يثير الخيبة في النفوس . فبدل أن يؤدي المجهود الجماعي الذي بدأ يُمثّل هذه الآمال العظيمة إلى تضييق الهوة الفاصلة بين أحوال ذلك القسم الضئيل من العائلة الإنسانية من الذين يتمتعون ببعد الحداثة وبين أحوال الأغلبية العظمى من البشر الغارقين في بؤرة الفقر واليأس ، فقد أدى ذلك إلى اتساع تلك الهوة اتساعا هائلاً قاد إلى الحضيض .

إن ثقافة الاستهلاك حين لم تجد لها منافسًا أصبحت لنا تركة ورثناها اليوم عن رسالة المادية الخاصة بتحسين أحوال البشر، أما أهدافها وأغراضها الآنية العابرة فلم تسبب للقائمين على تنفيذها أي إرباك أو إحراج. أما فيما يخص تلك القلة المقتدرة من الناس فيمكنهم الحصول على تلك الفوائد فورًا ، وما من عذر يبرره العقل لوجود مثل هذه الحالة ، وبانهيار نظم الأخلاق المتعارف عليها انتشرت العقيدة المادية الجديدة بجرأة ، ولم يكن تقدمها سوى انتصار لدافع حيواني ، غريزي أعمى كالجوع مثلاً . وقد تحرر هذا الدافع الحيواني أخيرًا مما كان يضبطه ويقيده من الموانع الغيبية. وكان أبرز ضحايا هذه الثقافة واسطة التعبير عنها . ومن ثمّ غدت النزعات، التي شجبها المجتمع على نحوٍ عام لكونها شذوذًا أخلاقيًا يستوجب التوبيخ والعقاب، من ضرورات تقدم المجتمع. وفي مثل هذه الظروف تصير الأنانية صفة لها قيمتها كموئل للتعامل التجاري . ويأخذ الزور والافتراء قالبًا جديدًا ويتحول مادة تغذي وسائل الإعلام. ويطالب بعض الناس دون أي خجل بالاعتراف بأنواع مختلفة من مظاهر الشذوذ حقوقًا مدنية. واستُخدمت الكنايات تلطيفًا لبعض الألفاظ ، فأصبحت كلمات الجشع والشهوة الجنسية والكسل والبلادة والكبرياء وحتى العنف ، مقبولة على نطاق واسع ، بل إنها اكتسبت أيضًا قيمة اجتمعية واقتصادية . ومن عجائب التقادير أن المغانم المادية ووسائل الراحة التي صُلبت عليها الحقيقة قد فقدت طعمها على غِرار الكلمات التي أُفرغت من معانيها أيضًا .

من الواضح أن خطأ المذهب المادي لم يكن نتيجة جهوده الجديرة بالثناء لتحسين ظروف الحياة، بل كان نتيجة ما حدّد رسالة ذلك المذهب من ضيق في العقل وثقة بالنفس لا مبرر لها. ويجب ألا ننسى أن أهمية كل من الرفاهية المادية والتقدم العلمي والتقني المطلوب لتحقيق تلك الرفاهية هما من المواضيع التي يجري بحثها عبر الآثار الكتابية المقدسة للدين البهائي. وكما أن لم يكن من مناص في البداية من بذل جهود اعتباطية لفصل أسباب الرفاهية وسلامة الحال المادية عن تلك التي تساعد على التنمية الروحية والأخلاقية للبشر ، انتهى الحال بالثقافة المادية إلى فقدان ولاء تلك المجموعات البشرية ذاتها التي ادّعت أنها تخدم مصالحها . فلقد حذر حضرة بهاء الله قائلاً : { انظروا كيف أصاب العالم بلاءً جديدًا يتزايد آنًا بعد آن ... فالأمراض المزمنة التي أودت بالمريض إلي وهدة اليأس ، ومُنع الطبيب الحقيقي الحاذق عن إشفاء المريض ، وقُبِل عديم الخبرة غيره ليفعل ما يريد . }

إضافة إلى خيبة الأمل بالنسبة إلى وعود المذهب المادي ، ظهرت في القرن الحادي والعشرين قوة للتحول والتغيير قوّضت تلك المفاهيم الخاطئة المتعلقة بحقيقة الوجود الإنساني ، وتمثلت تلك القوة في السعي لخلق عالم موَّحد أو فيما يُعرف ب"العولمة"
وعلى أبسط المستويات تأخذ العولمة شكل وسائل اتصالات تقنية متقدمة تُفسح المجال للتفاعل بين مختلف سكان الكرة الأرضية . ومع ما يوفره تبادل الاتصالات بين الأشخاص والفئات الاجتماعية المختلفة ، فإن سهولة الحصول على المعلومات لها من الأثر ما يساعد على تحويل ما تجمّع من المعارف والعلوم عبر القرون إلى إرثٍ تستفيد منه الأسرة الإنسانية بلا تمييز من حيث الموطن أو العِرق أو الثقافة – وهو إرث كان إلى وقتٍ قريب حِكرًا على صفوة مختارة من الناس . وليس في إمكان أي مراقب حصيف أن ينكر ما بعثته مثل هذه التغييرات من شحذ الهمم للتفكير من جديد في الحقيقة ، بغض النظر عن كل ما تسببه العولمة من حِدة الجور والإجحاف . وقد أدى ذلك التأمل والتفكير الجاد إلى تساؤلات طالت صلاحيات كل سلطة قائمة ، ولم يعد الأمر مقصورًا على تساؤلات عن صلاحيات سلطة الدين والأخلاق فحسب ، بل تعدى ذلك ليشمل الحكومات ، والصروح الأكاديمية ، والمؤسسات التجارية ، ووسائل الإعلام ، وبصورة متزايدة الآراء والنظريات العلمية .

وبصرف النظر عن العوامل التقنية، فإن توحيد الكوكب له آثاره الأخرى على الفكر قد تكون أكثر مباشرة ونفوذًا. فمن المستحيل المبالغة مثلا في آثار التحول والتغيير التي خلّفتها في الوعي الإنساني بطالب العولمة أسفار جماهير غفيرة من الناس على نطاق عالمي . إلا أن هذه الآثار على أهميتها لا تقاس بنتائج الهجرات الضخمة التي شهدها العالم إبَّان قرن ونصف منذ إعلان حضرة الباب دعوته. فقد اندفع الملايين من اللاجئيين الفارين من الظلم والاضطهاد كأمواج عارمة ، واكتسح هؤلاء بصورةٍ خاصة القارات الأوربية والأفريقية والأسيوية .
وفي خِضّم ما نجم عن هذا الاضطراب من مصائب وآلام نشاهد تزايدًا في اندماج أجناس البشر وثقافتهم كأنهم أبناء وطن عالمي واحد. وكان من نتيجة ذلك أن الناس من كل خلفية تعرضوا للتأثر بثقافات الآخرين وقواعد سلوكهم من الذين كانت معرفة الأجداد بهم معرفة ضئيلة أو تكاد تكون معدومة. وهكذا تولدت الحماسة لإجراء المزيد من البحث للكشف عن معانٍ لحقيقة هذا الوضع لا يمكن تجاهلها.
ولعل من المستحيل أيضًا أن نتصور كيف كان في الإمكان أن يختلف تاريخ السنوات المائة والخمسين المنصرمة عما عرفناه لو قام أحد القادة الرئيسين في مجال الشئون العالمية من الذين خاطبهم حضرة بهاء الله ، فخصص وقتًا للتأمل في ذلك المفهوم للحقيقة الذي عرّفه حضرته . وأيّد هذا التعريف ما كان يتمتع به صاحبه من صدقيّةٍ أخلاقية وروحية ، وهي الصدقيّة نفسها التي عبّر هؤلاء القادة عن إجلالهم لها .
من الواضح لكل فرد بهائي أنه برغم إخفاق هؤلاء القادة في الاستجابة لما دعاهم إليه حضرة بهاء الله ، فإن التحولات التي أُعلنت في رسالة حضرته تتحقق دون أن يعيقها عائق . فمن خلال الاكتشافات المشتركة والمعاناة المشتركة وقف البشر المنتمون إلى ثقافاتٍ متعددة وجهًا لوجه. ورابطهم الإنساني المشترك كامن تحت سطحٍ من الاختلافات والفوارق في الهوية من صنع الخيال . فسواء عارضت بعض المجتمعات بعنادٍ وتعنت ذلك الشعور بأن سكان الأرض هو بالفعل " أوراق شجرة واحدة " أو رحبت به مجتمعات أخرى معتبرة ذلك انعتاقًا من قيودٍ مُحكمة لا معنى لها ، فإن هذا الشعور يكاد يصبح رويدًا رويدًا المعيار الذي بموجبه تقاس الجهود الجماعية للعالم الإنساني .
إن انهيار الإيمان بالثوابت التي أقامها المذهب المادي وازدياد الخبرة الإنسانية في مجال خلق عالم موحَّد ، هما عاملان يدعم كل منهما الآخر في بعث تلك الرغبة الجياشة لدى الإنسان للتوصل إلى مفهوم حقيقي للوجود . وهكذا تم تحدي القيم الأساسية والتنازل عن الروابط التي تُفرِّق وتحدُّ. وصارت المطالب التي لا تخطر في البال مقبولة. إن ما يحدث هو انقلاب العالم – كما صرّح حضرة بهاء الله – ووصفته الكتب المقدسة للأديان السابقة مستخدمة الصورة المجازية " يوم القيامة " .
وقد تفضل حضرته قائلا بهذا الخصوص { قد أتت الصيحة وخرج الناس من الأجداث وهم قيام ينظرون. } فالسياق الجاري في طيّات ما نشهده من تفكك ومعاناة ما هو إلا سياق روحاني في الأساس – { قد سرت نسمة الرحمن واهتزت الأرواح في قبور الأبدان . }

كانت الأديان السماوية عبر التاريخ العامل الأساسي في التنمية الروحية للبشر . وبالنسبة إلى معظم أهل الأرض كانت الكتب المقدسة لكلٍ من هذه النظم الدينية ، حسبما وصفها حضرة بهاء الله " مدينة الأحدية "وهي مصدر تلك المعرفة المحيطة بالوعي إحاطة كاملة ، والتي لها من القوة والسلطان ما يُمكِّنها من أن تُنعم على المخلصين " ببصرٍ جديد ، وسمعٍ بديع ، وقلب وفؤاد جديد "
فهناك تراث أدبي واسع أسهمت في إبداعه كل الثقافات الدينية فسجلت في صفحاته ما مرّت به أجيال متعاقبة من سالكي سبل العرفان من تجارب ، ناقلة إلينا ما شاهده هؤلاء من تجليات الرؤى الغيبية .
فمنذ آلاف السنين إلى وقتنا هذا كانت حياة أولئك الذين استجابوا للإشارات الإلهية مصدرًا للإلهام حقق إنجازات مذهلة في فنّي الموسيقى والمعمار وفنون أخرى ، وإذ بخيرات الروح تلك تعود دومًا حية لتسعد الملايين من إخوانهم في الإيمان ، وليس من قوة أخرى في الوجود استطاعت أن تبعث في النفوس مثل ما بعثته الأديان السماوية من مآثر البطولة ومناقب التضحية بالنفس والانضباط . أما على المستوى الاجتماعي فطالما تُرجمت المبادئ الأخلاقية التي جاء بها الدين إلى قواعد عامة أخذ بها العالم في سّن القوانين لتنظيم العلاقات الإنسانية والرفع من شأنها . وإذا ما نظرنا إلى الأديان الكبرى في نصابه الصحيح نجدها بمنزلة القوة الرئيسية التي تدفع بعجلة التقد والرقي قُدمًا . وعكس هذاالقول يكون بالتأكيد تجاهل لما يشهد به التاريخ .

فهل لنا أن نتساءل إذًا: لماذا لا يقوم هذا الموروث موفور الثراء بدور رئيسي في يومنا هذا فيوقظ في النفوس من جديد توخي الحياة الروحية ؟
إلا أنه لابد من الإشارة إلا أنه هناك محاولات هامشية صادقة لإعادة صوغ تلك التعاليم التي قامت عليها الأديان كل على حدة. وذلك أملا في جذب الناس إلى الدين من جديد. ولكن يبقى جُلّ هذه المحاولات للبحث عن معنى يحددها متشعب الجوانب انفرادي المنحى، مشوشًا غير متماسك في طبيعته. فالكتب السماوية المقدسة لم يعتريها أي تغيير، ولم تفقد المبادئ الأخلاقية التي احتوتها أيًا من مصدقيّتها ، فما من امرئٍ يتوجه إلى السماء مخلصًا في السؤال إلا ويكتشف – إن ثابر وألح – جوابًا عن سؤاله ، في " سفر المزامير " أو في صفحات " اليوبينشاد " (كتابات مقدسة عن الهندوس ) . وما من أحدٍ تجلى له بعض تباشير الحقيقة المتخطية حدود العالم المادي إلا تأثر تأثرًا بالغًا بكلمات يسوع المسيح: أو بوذا حين يتحدث كل منهما عن هذه الحقيقة حديثًا وديًا حميمًا . ففي نبوءات القرآن الكريم والرؤى الموحى بها عن يوم الدين تأكيد قاطع لمن يقرأها إن الهدف الإلهي عُمدته إقامة العدل والإنصاف.
أضف إلى ذلك إن حياة الأبطال والقديسين في ما يميزها من خصائص لا تتضمن اليوم من المعاني والدلائل أقل مما كانت توحي به أثناء حياة هؤلاء في ما مضى من قرون. ومن ثمّ فإن أشد جوانب الأزمة الحضارية الراهنة إيلامًا لمعظم المتدينين هو عجزها عن توجيه مساعي البحث عن الحياة الروحية بالثقة المطلوبة وقيادتها إلى دروب الدين المألوفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد