الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من ذكريات ثورة 25 يناير

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2012 / 1 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


فى 25 يناير 2011م كنت فى أسوان استعد للحاق بالطائرة المتجهة إلى القاهرة فى الساعة الثانية عشر صباحا غير أن المظاهرات التى حدثت فى القاهرة والجماهير الغفيرة التى احتشدت بميدان التحرير فى ذلك اليوم كادت أن تثنينى عن السفر، فاتصلت بأحد الأصدقاء فى القاهرة للوقوف على ما آلت إليه الأمور فقال لى أن الوضع عاد إلى الهدوء بعد أن استطاع الأمن أن يفض التظاهرة مستخدما خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع. حينئذ قررت السفر واتجهت بحقيبتى إلى مطار أسوان حيث استقللت الطائرة التى حطت فى مطار القاهرة فى الساعة الثانية صباح يوم 26 يناير.

توجهت إلى خارج المطار حيث كان الجو باردا، فاستقليت سيارة أجرة سارت بى فوق كوبرى 6 أكتوبر حيث شاهدت سيارات الأمن المركزى تتمركز فى محاور الطرق. وفى الصباح اتجهت إلى وسط البلد ومررت بميدان التحرير الذى كان خاليا من المتظاهرين وكانت الأمور تسير بشكل طبيعى مع تواجد بعض رجال الأمن الذين يجلسون باسترخاء فى قارعة الرصيف. وفى الواقع فقد أقمت فى القاهرة لمدة يومين كان الهدوء خلالها هو سيد الموقف غير أن التلفزيون لم يتوقف عن بث مشاهد الاضطرابات التى كانت تحدث فى السويس خلال يومى 26 و27 يناير. وفى صباح الجمعة 28 يناير قررت التوجه إلى الإسكندرية لحضور حفل زفاف ابنة عمى فى مساء ذلك اليوم. لم أتمكن من حجز مقعد على قطار متجه إلى الإسكندرية فقررت أن استقل ميكروباصا من موقف السيارات بمشعل بالهرم. لقد سارت السيارة بنا فى طريق إسكندرية الصحراوى ووصلت إلى موقف السيارات بمنطقة محرم بك حيث فوجئنا بمكبرات الصوت تعلن عن إلغاء رحلات السويس واستفسرت عن السبب فقيل لى أن الأوضاع الأمنية باتت خطيرة حيث فقدت الشرطة سيطرتها على المظاهرات التى لم تتوقف منذ 25 يناير. وما أدى إلى اشتعال الموقف وتفاقمه فى السويس هو سقوط العشرات من القتلى واحتراق العديد من مراكز الشرطة.

لم أجد سوى سيارة تاكسى لكى تقلنى إلى منزل العروس وفى الطريق مرت السيارة بجوار نقطة شرطة باب شرقى القريبة من ساعة الزهور الشهيرة حيث شاهدت مجموعة من قوات الأمن المركزى تصطف استعدادا لموقف ما لم استطع تحديده، لعله كان تحسبا لما قد يحدث عقب صلاة الجمعة فى ذلك اليوم. بعد زيارة قصيرة غادرت منزل قريبتى على وعد بالحضور لتناول طعام الغداء عقب أداء صلاة الجمعة. كنت قد قررت أداء الصلاة فى جامع القائد إبراهيم بمحطة الرمل غير أن اقتراب موعد الصلاة وتحذير الأصدقاء من حدوث صدامات حال دون ذلك، فقررت أن أصلى فى مسجد المطافى بشارع صفية زغلول. الغريب أن موضوع خطبة الجمعة كان حول ضرورة طاعة ولى الأمر حتى لو كان ظالما . استطرد الشيخ قائلا: ينبغى أن تنصاع وتخضع وتستسلم لولى الأمر حتى لو ضربك على ظهرك بالسوط. بعد الصلاة توقعت أن يخرج المصلون فى مظاهرة تجوب شوارع الإسكندرية غير أننى لاحظت المصلين ينصرفون كل إلى حال سبيله عندئذ قررت أن اتجول فى شارع صفية زغلول ولم أكد أصل منتصف الشارع حتى لاحظت جموعا من المتظاهرين قادمين نحوى فى اتجاه ميدان المحطة، فانزويت جانبا وظللت التقط الصور تلو الصور للمتظاهرين الذين كانوا يرددون هتافات حماسية وعلمت من أحدهم أن قوات الأمن المركزى أمطرت المصلين فى جامع القائد إبراهيم بالقنابل المسيلة للدموع قبل أن ينتهى الإمام من ختم الصلاة. بعد قليل شاهدنا أعمدة الدخان تتصاعد فى أرجاء الثغر وخاصة فى المناطق التى يقبع بها مبنى المحافظة ونقطة شريف بالعطارين وأماكن أخرى لم نستطع تحديدها. فى تلك الليلة لم نستطع النوم بفضل الدخان الذى كان خانقا يكاد يقتلع الرئتين. لم أجد بدا من مغادرة الإسكندرية، خاصة بعد إلغاء حفل زفاف قريبتى.

فى صباح السبت 27 يناير اتجهت لاستقل القطار المتجه إلى القاهرة ففوجئت بأن كل القطارات تم إلغاؤها ولم استطع فعل أى شىء سوى البحث عن ميكروباص حيث تلاحظ أن سائقى الأجرة انتهزوا الفرصة لرفع الأجرة. انطلقت بنا السيارة وهى تشق الطريق الصحرواى ولاحظت طوال الطريق دبابات الجيش تزحف بزناجيلها نحو الإسكندرية تنفيذا لأوامر مبارك بنزول الجيش لحفظ الأمن فى السويس والقاهرة والإسكندرية. وفور وصول السيارة لمشارف القاهرة شاهدنا بعض الصبية يسرقون أجزاء السيارات من منطقة تتكدس بها السيارات التى تتحفظ عليها سلطات المرور. وصلت منزلى فى شارع فيصل حيث ظللت أتابع مجريات الأمور على التلفاز وفى المساء لاحظت أن التلفزيون المصرى يعرض علينا أخبارا مفادها أن الفوضى عمت البلاد واستمعت إلى نساء يصرخن فى بيوتهن طلبا للنجدة من بطش البلطجية والمساجين الذين يقتحمون المنازل وتلقيت مكالمة من أهل منزلى فى أسوان يحثونني على إحكام غلق الأبواب جيدا. وبالفعل استبد بى الخوف والرعب ولم أتغلب على هذه المشاعر إلا بعد أن استمعت إلى إمام المسجد القريب يعلن فى الميكروفون بضرورة حضور الشباب إلى المسجد للمشاركة فى اللجان الشعبية التى ستتولى حراسة الشوارع. لعل أحدا لن يصدق إذا قلت إننى ظللت مستيقظا طوال الليل الذى تخللته بعض الصرخات التى أنطلقت من هنا وهناك. ومع ظهور بشائر الصباح كنت قد عددت العدة لكى أغادر القاهرة وبالفعل خرجت من منزلى فى الساعة الخامسة صباحا لكى أفاجئ بأن شباب المنطقة يسيطرون على النواصى ووجدت أحدهم يسألنى "إلى أين أنت ذاهب؟" قلت له بأننى فى طريقى إلى محطة الجيزة للحاق بأى قطار متجه إلى أسوان، فنصحنى بأن انتظر قليلا حتى تشرق الشمس فانتظرت بجوارهم لمدة نصف الساعة حتى توقفت سيارة ميكروباص متجهة إلى ميدان الجيزة فاندلفت داخلها لتنطلق السيارة بطول شارع فيصل الذى يبلغ حوالى 13 كم وكانت السيارة تتوقف فى كل شارع بفضل الحواجز التى وضعها شباب اللجان الشعبية. وعند وصولى لنهاية كوبرى فيصل فى ميدان الجيزة شاهدت سيارات الأمن المركزى المحترقة والمتوقفة فى كل مكان وأحذية الجنود متناثرة فى كل أرجاء المكان واستنشقت رائحة دخان القنابل الذى يملأ المكان. حملت حقيبتى ومشيت بخطوات متثاقلة نحو محطة الجيزة التى كانت مكتظة بالمسافرين إلى مدن وقرى الصعيد، لذلك قررت أن ألقى بجسدى فى أى قطار يتوقف ولم التفت إلى متاعب الوقوف فى القطار لمسافة طويلة. ولم تكد تمر بضع دقائق حتى توقف قطار فقفزت داخله وجلست على الحقيبة التى احملها وكان يجلس بجوارى شباب كثيرين يرتدون الزى المدنى، عرفت فيما بعد أنهم جنود فى مراكز الشرطة التى تعرضت للحرق والتدمير. ظللت أتجاذب أطراف الحديث مع الشباب حتى حل القطار بمحطة بنى سويف حيث وجدت مقعدا شاغرا جلست فيه حتى وصل القطار إلى محطة كوم امبوا فى محافظة أسوان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Ynewsarab19E


.. وسط توتر بين موسكو وواشنطن.. قوات روسية وأميركية في قاعدة وا




.. أنفاق الحوثي تتوسع .. وتهديدات الجماعة تصل إلى البحر المتوسط


.. نشرة إيجاز - جماعة أنصار الله تعلن بدء مرحلة رابعة من التصعي




.. وقفة طلابية بجامعة صفاقس في تونس تندد بجرائم الاحتلال على غز