الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مذكرات شاب ثائر يوم ٢٥ يناير

اسلام احمد

2012 / 1 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


كل المؤشرات كانت توحي بأنه سيحدث شئ ما فقد وصل حجم فساد واستبداد النظام إلى حد لا يحتمل , غير أن أحدا لم يكن بامكانه أن يتنبأ بأنها ثورة على غرار تونس , بمعنى آخر حين دعونا الى تظاهرات ٢٥ يناير لم يكن في مخيلتنا أنها ستتحول الى ثورة شاملة ناهيك عن نجاحها!

كان آخر مقال كتبته قبل قيام الثورة بتاريخ ٢٤ يناير حمل عنوان (الثورة التونسية) وفي آخر المقال قلت : " بعد حدوث الثورة التونسية ثارت التساؤلات عن إمكانية تكرارها فى دول عربية أخرى تعيش ظروف شبيهة وفى مقدمتها مصر فهل يمكن ان تكون الثورة التونسية ملهمة لثورة مصرية؟! وما إمكانية حدوثها على ارض الواقع؟! , وفى حالة ان حدثت ما احتمالات نجاحها؟! , هذا ما سأحاول الإجابة عليه فى المقال المقبل باذن الله" (لم يمهلني القدر لكتابة هذا المقال فالثورة حدثت بأسرع مما توقعت) , وفي نفس اليوم ٢٤ يناير اتصل بي هاتفيا الصديق الأستاذ بلال غباري بعد أن قرأ مقالي وهو مثقف ورجل أعمال مصري بلدياتي كان يعيش بدبي وعاد لتوه الى مصر , حذرني فيه من قيام ثورة في مصر قائلا أن مصر ليست تونس فالظروف مختلفة إذ أن الشعب التونسي مثقف وواعي على عكس الشعب المصري كما أن عندنا كثير من البلطجية والمجرمين من الممكن أن يندسوا ومن ثم تتحول مصر الى فوضى شاملة تهدم الدولة , (التجربة أثبتت أن جزء كبير من كلامه كان صحيحا تمثل فيما حدث من انفلات أمني وأعمال سلب ونهب صاحبت الثورة) , على أي حال انتهت المكالمة بوعد بلقاء في الغد يوم ٢٥ يناير صباحا

ولأن الأمن كان أداة النظام الرئيسية التي استند عليها ليبقى في السلطة فقد تم اختيار يوم ٢٥ يناير بالتزامن مع عيد الشرطة للتظاهر ضد النظام وذلك لبعث رسالة معينة الى النظام مفادها كفى ظلما واستبدادا وللمطالبة بالحرية والكرامة , بعبارة أخرى أن الغضب الشعبي كان منصبا على النظام بشكل عام وعلى الأمن بشكل خاص , كانت الدعوة للتظاهرات تقضي بمظاهرات متحركة في جميع محافظات مصر بحيث لا يتمكن الأمن من التحكم فيها أو السيطرة عليها , وفي المساء من نفس الليلة ٢٤ يناير اتصلت بحركة شباب ٦ أبريل بمحافظتي لأعرف أين ومتى ستنطلق المظاهرة في بورسعيد؟ , فردت علي فتاة لا أعرفها بدا من صوتها الحذر والخوف فسألتها بشكل مباشر عن ميعاد ومكان المظاهرة؟ فأخبرتني أنها ستبعث لي برسالة بميعاد ومكان المظاهرة قبلها بنصف ساعة ثم أغلقت المكالمة بسرعة دون سلام , وهو ما فهمت منه أنه إجراء وقائي منعا لتتبع المكالمات من جانب الأمن

وفي صباح يوم ٢٥ يناير استيقظت مبكرا واتصلت بالأستاذ بلال غباري كما وعدته فدعاني للقاؤه على قهوة (الجيزي) , ذهبت إليه وكان لقاءا رائعا تحدثنا خلاله في الشأن الخاص والعام وتطرق الحديث الى الثورة التونسية وإمكانية تكرارها في دول عربية أخرى كما استفدت من خبرته بالشأن العربي حيث قضى جزء كبير من حياته بدبي ودول الخليج , وفي تمام الساعة الثانية ظهرا أوصلني بسيارته الى منزلي وجدد تحذيره لي من النزول في المظاهرة قائلا أن القبضة الأمنية عنيفة , شعرت في كلامه بحنان الأب ومع ذلك فلم أوعده بعدم النزول , كان المفترض أن تنطلق المظاهرات في تمام الساعة الثانية ظهرا , جلست أتابع الأحداث أمام الانترنت منتظرا الرسالة بشغف وفي تمام الساعة الثانية والنصف ظهرا تلقيت رسالة يقول نصها : "عند معصرة سلسبيل في شارع التلاتيني مظاهرة متحركة" , (مازلت محتفظا بالرسالة كشهادة للذكرى) , ارتديت ملابسي وقمت بلف الكوفيّه الفلسطيني حول رقبتي , وأديت صلاة العصر ثم انطلقت على بركة الله دون أن أخبر أحدا من أهلي , ذهبت الى المكان المتفق عليه فلم أجد شيئا فواصلت المسير حتى بلغت شارع محمد علي وهناك وجدت أعدادا هائلة من قوات الأمن المركزي وعربات مصفحة بطول الشارع , وبمجرد نزولي وجدت ضباط الأمن ينظرون إلىّ بحذر إذ كان يبدو من مظهري أنني متظاهر فابتعدت عن أعينهم مختفيا في المحلات الجانبية , غير أنني لم أجد أي أثر للمظاهرة فسألت أحد الباعة في المحلات , ما الأمر؟! فأخبرني أنه كان هناك مظاهرة وتم فضها سريعا من جانب الأمن , سألته كم كان حجمها فأخبرني أنها ليست كبيرة , فشعرت بالحزن لأن المظاهرة فاتتني ويبدو أن حرصي على أداء صلاة العصر قبل النزول قد أخرني بعض الشئ , ثم انطلقت بعد ذلك الى مديرية الأمن لعلي أجد مظاهرة أخرى هناك ولكني فوجئت بمجموعة من البلطجية يهتفون لمبارك رافعين صورة كبيرة له تحت حماية الأمن فشعرت بالاستياء ثم عدت محبطا إلى المنزل , وجلست أتابع الأحداث بشغف أمام التلفاز , وفي مساء نفس اليوم كنت على موعد آخر للقاء صديقي المهندس ورجل الأعمال أحمد الجمال وبمجرد خروجي من بوابة العمارة فوجئت أمامي بعربة أمن مركزي يقف بجانبها جندي يصوب سلاحه تجاهي , مما أصابني بالخوف ولكني مع ذلك حرصت على الثبات في مكاني واضعا يديّ في جيب الجاكيت ولم أحرك ساكنا , أخذت أتلفت يمينا ويسارا فوجدت ثلاث تشكيلات أمن مركزي يصاحبها عدد من ضباط أمن الدولة وهنا أدركت أنني ضعت!

للوهلة الأولى ظننت أنهم جاءوا من أجلي غير أنه تبين لي بعدها أنهم جاءوا من أجل مقر حزب الجبهة الذي يقع بجوار منزلي , والذي كان مخصصا لعقد اجتماعات أعضاء الجمعية الوطنية للتغيير , ومن حسن الحظ أنني لم أزورهم في هذا اليوم علما بأني كنت قد هممت بذلك فعلا ثم تراجعت حتى لا أتأخر على موعدي

والواقع أن دعوة التظاهر يوم ٢٥ يناير لم تلق صديا قويا سوى في القاهرة والإسكندرية والسويس أما يوم ٢٨ يناير (جمعة الغضب) فقد كان الوضع مختلفا إذ خرجت المظاهرات بالملايين في جميع أنحاء مصر إلى أن تمكن الشعب المصري من إسقاط النظام

كانت تلك ذكرياتي في هذا اليوم المجيد , كل عام وأنتم بخير وتحية للشعب المصري ورحم الله شهداء الثورة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: مزارعون في الهند مصممون على إلحاق الهزيمة بالحزب ا


.. السباق إلى البيت الأبيض: حظوظ ترامب | #الظهيرة




.. ماهو التوسع الذي تتطلع إليه إسرائيل حالياً؟ وهل يتخطى حدود ا


.. ترامب: لم يتعرض أي مرشح للرئاسة لما أواجهه الآن | #الظهيرة




.. -كهرباء أوكرانيا- في مرمى روسيا.. هجوم ضخم بالصواريخ | #الظه