الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوادر الحركة اليسارية في العراق - القسم الأول -

قاسم طلاع

2005 / 1 / 6
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


( 1 )
تعود بدايات الحركة اليسارية في العراق الى مستهل القرن العشرين ، عندما قام حسين الرحال، وكان وقتها طالب في مدرسة الحقوق، بتأسيس أول حلقة ماركسية عام 1924 في مدينة بغداد، ضمت كل من محمد سليم فتاح، وكان طالب يدرس الطب، مصطفى علي وكان معلم في إحدى مدارس بغداد، والذي أصبح وزيرا للعدل في أول حكومة عراقية بعد ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958، وعوني بكر صدقي، الذي أصبح رئيس تحرير صحيفة " صوت الأحرار " في أواخر الخمسينيات، ومحمود أحمد السيد ( 1903-1937 )، الذي أعتبر واحد من مؤسسي القصة العراقية الحديثة وواحد من أوائل المثقفين الذي شارك العمال في إضرابهم.
كانت هذه الجماعة تلتقي مع بعضها أو بالأحرى تعقد اجتماعاتها في إحدى غرف جامع الحيدر خانة يتداولون فيما بينهم " أفكار جديدة " كما كانوا يرددون دائما، إذا سئلوا.
أن أول ما فعلته هذه الجماعة لنشر أفكارها هو تأسيس صحيفة أطلق عليها اسم " الصحافة " في 28 كانون الاول عام 1924. وقد أصبح واضح للجميع، ومن صدور العدد الاول ، بأنها تنحوا النهج الماركسي، حيث أعلنت في هذا العدد ( العدد الأول )، بأن " المادية التاريخية تشكل التفسير الأفضل لعملية التاريخ. وكتب حسين الرحال مقالا في هذه الصحيفة، بهذا الصدد، حمل عنوانا " الحتمية في المجتمع " بأن المجتمع في حالة من التطور المستمر وأن مؤسساته الاجتمعية هي مؤسسات إنتقالية بطبيعتها " إضافة الى هذا فقد ركزت هذه الصحيفة على قضية المرأة على إعتبار أنها جزء من الوضع الاجتماعي المتأزم والنظر من جديد في عملية التطور الاجتماعي وحثت على تحريرها من موروث الماضي، الذي لا زالت تأن من آثاره. وكتب حسين الرحال حول هذا الموضوع، مؤكدا على أن وضع المرأة يخضع لهذا القانون العام ( القوانين الديالكتيكية ) ، حيث ذكر " أن العائلة في وضعها الراهن هي جزء من النظام الاقطاعي السائد في منطقتنا العربية. واستنادا الى هذا، فإن الحريم والحجاب هما بصمات أخلاقيات هذا النظامن وأن القضاء على مثل هذه الظاهرة، لا يتم إلا عندما تقيم الطبقة الشعبية سيادتها. " أي أن قضية المرأة وما تعانيه من تخلف هي مشكلة إجتماعية ترتبط بالنظام السياسي القائم.ولم تقف الصحيفة عند هذا الحد، بل توجهت بنقدها ، أيضا، الى المؤسسة الدينية وشريعتها التقليدية، التي أكدت على عدم صلاحيتها، " لأنها وضعت في عهد سابق ( قبل ألف سنة ونيف ) ولمجتمع كان قائما آنذاك، لا يتناسب والمرحلة التى نحن فيها. "
ولم تصدر من هذه الصحيفة التى كانت نصف شهرية، سوى ستة أعداد، لم تتمكن بعدها من الوقوف أمام جبروت الفكر السلفي، بمؤسساته الدينية والسلطة التى كان يمتلكها، فأغلقت نهائيا عام 1927.
إن غلق هذه الصحيفة لم يثن عزم أعضاء هذه الحلقة الماركسية بالاستمرار في مسيرتها من أجل المشاركة في عملية الوعي الاجتماعي، فشاركت في تأسيس " نادي التضامن " في أواسط عام 1926 ولعبت دورا كبيرا، وخصوصا، حسين الرحال، في عملية التوعية بين الشباب، الذين كانوا يمثلون نسبة عالية من أعضاء هذا النادي، الذي اهتم بالدرجة الاولى بتطوير مسألة الوعي والمعرفة بين الشباب، والحث على دراسة الأفكار التى تهدف الى تحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وجعل حرية الرأي/ الفرد /المجتمع واحد من الأهداف الرئيسية التى كان يناضل من أجلها هذا النادي إضافة الى المطالبة ببناء إقتصاد وطني يخدم مصلحة الشعب العراقي ( الاهتمام بالقطاع الصناعي الخاص وحمايته من المنافسة الأجنبية ووضع خطط للتنمية الاقتصادية الوطنية. ) . والجدير بالملاحظة هنا أن هذا النادي لم يضع له نظاما أو برنامج عمل يسير عليه، كونه كان يضم تيارات فكرية مختلفة .

لقد شكل هذا النادي نقطة تحول في تاريخ العراق السياسي في وضع اللبنات الاولى لحركة يسارية ، سيكون لها، مستقبلا، قاعدة شعبية واسعة تضم جميع فئات الشعب العراقي، عندما انطلقت منه مظاهرتين. كانت الأولى احتجاجا على فصل مدرسا في المدرسة الثانوية لكونه كان قد أصدر كتابا عن الولة الاموية في الشام في كانون الثاني عام 1927، حيث تعرض فيه لنقد الإمام علي بن أبي طالب متحزبا لمعاوية بن أبي سفيان، وعلى شكل مقارنة تتميز بالسطحية، دون تحليل العوامل الاجتماعية والسياسية التى كانت تحيط كل واحد منهما، مما أثير حفيظة رجال الدين ومنع الكتاب من التداول. فخرجت مظاهرة تظم مجموعة من الطلبة نظمها هذا النادي إحتجاجا على فصل المدرس مطالبتا بحرية الفكر. وقد أعتبرت هذه أول مظاهرة في تاريخ العراق الحديث ، وشكلا جديدا من أشكال الاحتجاج السلمي ضد النظام الذي كان قائما آنذاك ، وهي أول مظاهرة بشرة ببوادر حركة يسارية، وهذا ما أكد عليه التقرير الذي بعث الى المخابرات البريطانية في حينها، بأن هذا النادي مهتما بنشر الأفكار الاشتراكية، وأن قادته على اتصال بالاممية الثالثة.
أما المظاهرة الثانية فقد تمخضت عن نتائج أكثر ايجابية لعبت دورا بارزا في تأسيس حركة يسارية منظمة انعكست بكثرة الحلقات الماركسية في بغداد ثم تبلورها على شكل حزب سياسي لعب ولا زال يلعب دورا بارزا في تاريخ العراق. ففي هذا النادي، وأثناء القيام بهذه المظاهرة، تعرف كل من عاصم فليح ومهدي هاشم وزكي خيري على حسين الرحال، الذي تعلموا منه الماركسية، وهؤلاء الثلاثة، أيضا، ساهموا بشكل مباشر في تأسيس الحزب الشيوعي العراقي عام 1934. وكان من اللذين شاركوا في هذه المظاهرة أيضا، كل من حسين جميل وعبدالقادر اسماعيل، وكانت لهم علاقة، أيضا، بحسين الرحال، وهم الذين أسسوا جماعة الأهالي، وكانت في حينها حركة يسارية تنبت في عملها مبادئ الاشتراكية الديمقراطية/الاصلاحية الذي ترجمته في بيان أو كراس يحمل اسم الشعبية، وبدأت باصدار صحيفة لها عام 1930 سميت باسم ( صحيفة الأهالي ). وقد اشار حسين جميل في مقابلة له مع مجلة الثقافة الجديدة أنه " ... حصل على البيان الشيوعي منه ( أي من حسين الرحال ) .
لقد كان حسين الرحال، الذي ساهم، بشكل فعال، في تأسيس الحلقات الماركسية في بغداد، واحد من رجال النهضة الفكرية في العراق، الذين وضعوا بدايات الحجر الاساسي لحركة وطنية يسارية واعية، لعبت دورا بارزا في تاريخ العراق السياسي المعاصر.
ولد حسين الرحال، بمدينة بغداد في 21 آب سنة 1900 من أب عربي وأم تركمانية. وكان حنا بطاطو قد وصفه ب " أبي الماركسية في العراق ".
اكتسب الرحال تجاربه من خلال الرحلات التي رافق فيها والده، عندما كان ( أي والده ) منخرطا في سلك العسكرية الثمانية، وما رافقته من تنقلات في أنحاء الامبراطورية العثمانية، ومن ضمنها الولايات العراقية، مما أتاح له إلقاء نظرة على الواقع العراقي آنذاك، وخصوصا الأوضاع الاجتماعية وحينما حصل والده على بعثة عسكرية الى ألمانيا، أثناء الحرب العالمية الاولى، طال مكوث حسين الرحال لدخوله احدى المدارس الثانوية وحصوله على الشهادة الاعدادية. وكان مكوثه هناك لعب دورا مهما في تطور وعيه السياسي، اذ عايش أحداث الثورة التى اندلعت في كانون الثاني من عام 1919 بقيادة عصبة سبارتكوس الشيوعية، التي انتهت باغتيال روزا لكسمبورغ وكارل ليبنخت.
لقد تمكن حسين الرحال من قراءة الادب الماركسي باللغة التى كتب فيها، وليس عن طريق الترجم، كونه كان يجيد اللغة الألمانية، إضافة الى اللغة الفرنسية والانكليزية وبالطبع اللغة التركية الى جانب لغة الأم " العربية " وبقى على اتصال مستمر بهذا الادب، حتى عند رجوعه الى بغداد، حيث كان يطالع الشيوعية التي كانت تصدر في بريطانيا وفرنسا، إضافة الى ما كان يصدر في الدول العربية وخصوصا في سوريا ولبنان ومصر.
لقد كانت مرحلة اللقاء في غرفة جامع الحيدر خانة بداية للتثقيف الذاتي، التى تمخض عنها صدور صحيفة أرادة أن تأخذ على عاتقها وضع الحجر الاساسي لتوعية عامة ، كان المجتمع بحاجة إليها، وكما رأينا أعلاه، فإن هذه الصحيفة ومنذ صدور عددها الأول، جوبهت بالمقاومة من الفكر المحافظ المساند من قبل السلطة التى كانت قائمة آنذاك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا قرر بوتين استبدال وزير الدفاع شويغو الآن؟


.. أية تبعات لتوقيف صحافيين في تونس؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. نتنياهو: عازمون على النصر وتحقيق أهدافه وعودة الرهائن إلى ال


.. أين سيلعب النجم الفرنسي مبابي الموسم المقبل ومن سيخلفه في هج




.. الأضواء القطبية : ظاهرة كونية تُبهر سكان الأرض.. فما سر ألوا