الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورات العربية: الثابت والمتحول؟

هشام عابد

2012 / 1 / 28
مواضيع وابحاث سياسية




كثيرون حول السلطة وقليلون حول الوطن...
غاندي

للثورات العربية جذور وسنحاول الغوص في المكونات الرئيسية لهذه الجذور المشتركة التي قامت عليها هذه الثورات والظروف المتشابهة التي كانت تعيشها الأنظمة المنهارة. وهو ما أطلقنا عليه مصطلحا شاملا هو "الثابت". أي الظروف التي كانت قبل الثورة أو في خضم الثورة نفسها وهي متشابهة رغم بعض الاختلافات البسيطة...
كما في الثورات العربية "متحول" أي مظهر جديد تحصل في واقع هذه الشعوب فأعاد صياغة هذا الواقع وتلك العلاقة بين الحاكم والمحكوم. العنصر المتحول الذي ساد قبل الثورة وخلالها، حيث مهد للثورة وسندها خلال قيامها وسيعمل في المستقبل لتثبيت والاستفادة أقصى ما يمكن من نتائج هذه الثورة.


الثابت...
الثابت جم وكثير، وعاش فيه وتحت وطأته ويعرفه الجميع، والحديث عنه ذو شجون... ولذلك فإننا سنتحدث عن بعض منه، وعن عناصر أساسية تاركين ما تبقى لنباهة القارئ وذكائه...
فالجغرافية العربية تنهل من نفس الحياض؛ حياض الفساد المعتق منذ تاريخ قديم، زمن ماض عنوانه الظلم والفساد والقمع، وعنوانه خوف الشعب الذي كانت تعوزه الإرادة الجماعية لبعث الرسالة بقوة ودفعة واحدة وبصوت واحد ومن خلال مكان واحد...
جغرافية أثتتها الأغلبية الصامتة النائمة التي تعودت على تحمل الذل والتسلط، وجمعت من الغل والحقد الكثير انتظرت النقطة التي أفاضت كأس الظلم العربي لتتدفق في ثورة عارمة عابرة للحدود.
دول عاشت أكذوبة "جهاز أمن الدولة" وتركيع الشعوب كما يدل على ذلك ما وجده ثوار من مصر دخلوا مراكز أمن الدولة فوجدوا أزياء لراقصات يبدو أنها كانت تستخدم لإذلال وتعذيب المواطنين المصريين.
وشعوب عاشت تحت تهديد "توريث الحكم"؛ كما في سوريا، وكان يعد لنفس الأمر في مصر وليبيا وتأبيد لرئاسة زين الهاربين بن علي... وتمرير الحكم لنفس العشيرة ولإبن علي صالح في اليمن... إنها جمهوريات بطعم الملكية، أو هي "جملكيات" كما كان يحلو لرئيس تونس الحالي "منصف المرزوقي" وهو في المعارضة والمنفى تسميتها.
لقد عانت هذه الأنظمة كلها من قانون ظالم لا يحمي إلا النظام ويقمع المواطنين والشعوب، إنه "قانون الطوارئ".
لقد كان القناصة أيضا قاسما مشتركا منذ ثورة تونس إلى ثورة سوريا مرورا بالثورة الليبية والمصرية واليمنية... قناصة يترصدون للمصورين والصحفيين ومتزعمي الحشود.
كما وقد ظهر بالواضح أزلام وعبيد الأنظمة الذين تعددت أسمائهم وتوحدت ملامحهم وصفاتهم، بوليس مدني في تونس، بلطجية في مصر ومرتزقة بليبيا، وبلاطجة في اليمن، وشبيحة بسوريا، وشماكرية في المغرب... فئات حقيرة سمتها الجهل والارتزاق، برزت من تحت غطائها الذي كانت تعيش تحته بتزكية من الأنظمة الفاسدة لتعلن عن نفسها وبشكل جلي وواضح لا غبار عليه لكن هذه المرة بشكل دولي وعالمي وليس بشكل محلي كما كانت عليه منذ زمن بعيد.
كذلك لعبت الأنظمة لأوراقها الأخيرة والمتشابهة والتي تنتمي إلى عهد الأسطوانات القديمة المشروخة والتي علاها الغبار؛ فبعد أن اتهم بن علي المتظاهرين التونسيين بأنهم متطرفين ومحرضين، وقال مبارك بأن المتظاهرين المصريين كانوا مسلحين ومخربين، وتحدث القذافي عن حبوب هلوسة تعطى للشباب والأطفال، لم يجد بشار من عذرا سوى نظرية المؤامرة والجماعات المسلحة التي لم يسبق لسوريا أن عرفتها...
فأبان حكام الدول العربية البائدون عن خرف في عقولهم وسفه في نفوسهم كانت الأمة تستطيع الصبر عليه في السابق... أما وقد وصل الظلم إلى العظام، وتمخض الضغط عن انفجار طبيعي.. فلا راد لقضاء الله عبر ثورات الشعوب...


المتحول...
أول ما هبت به الثورات العربية، هي رياح التحرر من الخوف وتكسير الطابوهات وأكبر هذه الطابوهات هو تكسير حاجز الصمت والخوف.
لقد أحست الشعوب بعد نزولها إلى الشارع بقوتها تتزايد وبحناجرها تجلجل، وبانسجامها يزداد، وبفوارقها الطبيقية تتقلص وتذوب، ومن ثم أحس الشعب بقوته، وبقيمة "إرادة الشعب الواحد" والتي لا يستطيع إن تحققت أن يقف في وجهها أي سلاح وأي جيش. ومن ثم أصبحت الإرادة الجماعية هذه مفتاح النصر فهرب بن علي، وتنحى مبارك، وقتل القذافي، واستسلم صالح...
ومن المقومات التي وسمت ربيع العرب أيضا أن الاحتجاجات والوقفات والتظاهرات كانت تتم بالطريقة "السلمية" فكانت رسائل حضارية للعالم عن رغبة شعوب وحقها في التغيير والحرية والعدالة والعيش الكريم.
وقبل أن ينزل الشارع إلى الشارع، فقد كانت مهمة "المدونات" والمواقع الاجتماعية والطفرة الإعلامية والاتصالاتية أداة غير مسبوقة في أيدي أبطال تحدوا الأنظمة و تنفسوا عبير الحرية وعبروا عن عشق الوطن وحاربوا الفساد. حمل واد الحانقين وتوطدت الصلات وتلاقحت الأفكار وتزايدت الإرادات الفردية والتحمت في بوثقة إرادة جماعية واحدة.
ولم تكن "الساحات" والميادين العامة، إلى مسرحا وعنوانا بارزا من عناوين الثورات العربية، فمن ساحة التحرير، إلى ساحة التغيير، إلى باب العزيزية، إلى ساحة الأمويين، إلى ساحة الشهداء... عناوين قديمة وأخرى جديدة... وصراع مواقع حول ساحات وأمكنة ذات بعد رمزي بين أنظمة قديمة وأنظمة بديلة وواعدة... ساحات وميادين كانت وطنا رمزيا موحدا للشعب تحت هدف واحد؛ مواطنون لوطن واحد في ساحات واحدة يناضلون من أجل مطالب واحدة، سواء أكان أمازيغيا أو كرديا أو أشوريا... فميادين التحرير فازت على القبيلة، وحين فاز الانسان العربي على نفسه فاز الوطن في النهاية.
أما "الجمعة" فكانت هي الأخرى كلمة-مفتاحا في ميزان الثورة، إنها موعد أسبوعي وطاقة متجددة ونقطة تجمع بشرية ودينية، وجامعة للشق الديني والموت فداء للوطن في الميادين. لقد لعبت الجمع التي وظفها الثوار دور الخزان البشري للشهداء والثائرين ودور الشاحن الروحي لنفوس أتعبها الفقر والظلم والذل. وبينما كانت في السابق بوقا للأنظمة لتدجين وإفراغ الشحنات الجماهيرية من أي خطر، أعادت الشعوب استرجاعها إلى أحضانها من أجل تحقيق الاستمرارية والصمود وأهداف الثورة.
ولم يكن إسقاط "قانون الطوارئ"، إلا مكسبا تاريخيا آخر ينضاف إلى عمليات تكسير ترسانة الأنظمة الفاسدة. هذا القانون العسكري القاسي الذي كان بمثابة حكم دكتاتوري متجبر على رعية مغلوبة على أمرها، مفروض عليها العيش دون شكوى أو ألم وإلا فالسجون والتعذيب في الانتظار.
نفس الأمر بالنسبة لـ"أمن الدولة"، الأكذوبة والبعبع الذي زج بكل من نطق بالحق، أو حارب أو فضح الفساد في السجون بتهمة خيانة الوطن! حيث تمت تعرية هذا الجهاز في الأنظمة البائدة وتسليط أضواء الفضح على تجاوزاته وجرائمه السابقة في حق الشعوب.
إن محك الثورات والحراك الإجتماعي أماط اللثام عن نوعين من الشارع؛ شارع البلاطجة و"موقعة الجمل" وشبيحة النظام وأتباع الرئيس اليمني ومرتزقة القذافي... وشارع الأحرار الذي تحلق حول الوطن والقضايا العادلة للشعب.
كما تم وخلال نار الثورات ولهيبها تسليط الضوء على أفضل شرائح المجتمع وأكثرها حبا وتشبثا بأهذاب الوطن، وبين المطبلين والمزمرين والمتشبثين بالأنظمة المنهارة التي استرزقوا واستفادو منها حين كانت قائمة... فنانون وأدباء ومقدموا برامج وسياسيون... انتظموا في ما سمي بـ"لوائح الشرفاء" و"لوائح العار"...
ومن بين ما جلبته الثورة كمتحول في تاريخ شعوبها؛ إسقاط مسألة إفلات المسؤولين من من العقاب من قاموس الحكم والسلطة، إذ أصبح الكل سواسية أمام القانون حسب ما تمليه شروط العدالة والديمقراطية الجديد. وما هروب بن علي، ومحاكمة مبارك، وقتل القذافي، ومحاولة اغتيال صالح، والحبل على الجرار، ولا زالت الشعوب تأخذ حقوقها بيديها تباعا...
ينضاف إلى معول هذا "المتحول" الجبار؛ "إسقاط القداسة" عن الحكام وإرجاع القداسة والجلالة لله. لقد قالت الشعوب لحكامها؛ عفوا أيها الطغاة المكان الثالث بعد الله والوطن محجوز للشعب.. تونس لم تعد تخف من فزاعة بن علي ودولته البوليسية، و"الله معمر وليبيا وبس" سقطت، ورحل الطاغية بأبشع صور الرحيل الممكنة، وفرعون مصر ممدد على سرير الذل وراء قضبان الشعب المصري الحر، والقداسة عن الرئيس السوري سقطت وخلد سقوطها بلبل الثورة السورية "إبراهيم قاشوش"...


والحصيلة...
وبينما كان "المتحول" يفعل فعله ويتسرب، وينمو ويتسارع، وينحث في جدار "الثابت" ويخلخله ويصارعه، ويرجه بقوة. كان الثابت الذي جثم على صدور الشعوب ومنعها من الحرية والعدالة الاجتماعية والتعبير والرأي الحر، بل وحتى دخول المساجد الذي أصبح شبهة وجريمة يعاقب عليها القانون كما في تونس، والإبحار في مواقع الإنترنيت الذي كان يعتبر تجاوزا للخطوط الحمراء كما في تونس وسوريا، يتوارى ويتقادم ويتراجع دون هوادة لصالح التجمهر في الشارع، والإبحار في الإنترنيت بكل حرية والتعبير على جذران التويتر والفايس بكل حرية، والصلاة في الميادين، والخروج بشكل مليوني كل جمعة... لقد عصت الشعوب وما أجمله وأروعه من عصيان جميل ولأول مرة، عصت حكامهما ووزراءها ومسؤوليها الكبار وجيوشها القوبة... وقالت بكلمة واحدة للنظام: إرحل...
ولم تكن النقطة التي أفاضت الكأس مع "البوعزيزي"، إلا فرصة كان بالإمكان أن تكون مع "العياشي" بالمغرب، أو "الهواري" بالجزائر أو "حسنين" بمصر أو ...
إن ما تحصل من حراك وثورات و "فوضى خلاقة" كما سماها بعض الاستراتيجيون الأمريكيون وغيرهم، هو أهم حدث حصله العرب في تاريخهم المعاصر بعد ركود طويل، ومهما شوش عليه المحللون وغير المحللين، فإنه يضل الحدث الأبرز بدون منازع.. إذ أن ما وقع سنة 2011، لم نكن لنحلم به حتى، فبالأحرى التحدث عنه قبل وقوعه، لذلك أقول أنه حدث فاصل في تاريخ العرب المعاصر، كسر الكثير من الثوابت والطابوهات القديمة والتي استمرت لعقود طويلة: الصمت، الخوف، الظلم، القهر، الإفلات من المحاكمة، قانون الطوارئ، أقسام أمن الدولة، الشطط في استعمال السلطة، تأليه الحكام...
وكما أقول دائما حين أسمع حديثا سرياليا عن "أياد خارجية" هي التي أدت أو ساهمت أو دبرت وخططت للأمر... أقول أن أطروحة أو أسطوانة الأيادي الخارجية أسطوانة بالية ومشروخة ومكرورة، بل وأذهب أكثر من ذلك وأقول أنها معطى ثابت وموجود منذ بدء الخليقة على وجه البسيطة، وأننا علينا استحضاره دائما كمعطى ثابت في التحليل وليس كمعطى مستجد نفتخر بذكائنا في الوصول إليه أو اكتشافه كل مرة... فمنذ "بني قريظة" و"بني القينقاع"، مرورا بالحروب الصليبة وغير الصليبية مع المسيحيين، والقضاء على تجربة "محمد علي" الإصلاحية بمصر من طرف الغرب، وعرقلة الوحدة المصرية-السورية وغيرها من محاولات الوحدة العربية، وبروتوكولات حكماء صهيون، ووعد بلفور، وسايس بيكو و... وصولا إلى إبادة المسلمين بالبلقان أمام صمت المجتمع الدولي، ومسح أفغانستان من الخريطة، وإرجاع العراق المتطورة إلى نقطة الصفر، وفصل المقال فيما بين لبنان وسوريا وإيران من توافق واتصال... والأيادي الخارجية لا تتوقف ولن تتوقف عن محاولة قتل كل محاولة إسلامية جادة. ولا أدل على ذلك من أن مجمل المآسي والكوارث الإنسانية مرتبطة بالعالم الإسلامي والإنسان المسلم على العموم؛ مجاعة وفقر وحروب إبادة وتقاتل وتخلف وطائفية...
ومهما قيل عن الحكام الجدد فإنهم أرحم من سابقيهيم، ومهما قيل عن ارتباطهم بالغرب فإنه أقل، ومهما قيل عن الشعوب فهي أقل خوفا من السابق، ومهما قيل عن الظلم فهو أقل من السابق، ومهما قيل عن إمكانية الإفلات من العقاب والمحاسبة فإنه أقل عن قبل، ومهما قيل عن الشطط في استعمال السلطة فهو اليوم أقل، ومهما قيل عن إهانة المواطن فإنها اليوم أقل... وهذا هو الربح من الثورات أما كون الأنظمة الجديدة تحمل نفس خصائص السابقة وأنها مرتبطة بالغرب والتملق له والعمل تحت إمرته فهو أمر غير مناقش، أكثر من مناقشة ضرورة زوال الظلم السابق عن الشعوب وبعدها نفكر في تفاصيل الحكام الجدد... ومادامت الثورات لا تنتهي الواحدة إلا لتبدأ الأخرى في إطار الحتمية التاريخية لبني البشر... المهم أن يكون القادمون الجدد أفضل ولو "أكثر قليلا"من السابقين... إلى أن يصل العالم الإسلامي إلى نصاب الديمقراطية الكافي للعيش الكريم في يوم من شهر من سنة من سنوات الله القادمة...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي اللهجة السودانية والسعودية مع اوسا وفهد سال ??????????


.. جديد.. رغدة تتحدث عن علاقتها برضا الوهابي ????




.. الصفدي: لن نكون ساحة للصراع بين إيران وإسرائيل.. لماذا الإصر


.. فرصة أخيرة قبل اجتياح رفح.. إسرائيل تبلغ مصر حول صفقة مع حما




.. لبنان..سباق بين التهدئة والتصعيد ووزير الخارجية الفرنسي يبحث