الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هادي العلوي ومنهج النقد المتمرد!

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2012 / 1 / 28
سيرة ذاتية


هناك شخصيات تتحدد قيمتها بمزاياها الشخصية أكثر مما بفكرها النظري. واقصد بذلك الشخصية التي تجعل من العقل العملي أولوية كبرى بحيث تتماهى معه كما نراه على سبيل المثال في شخصيات مثل سقراط وديوجين والحلاج.
لم يكن هادي العلوي ممثلا لتقاليد العقل النظري. انه كان ممثلا لتقاليد العقل العملي. من هنا خلو أعماله من التفلسف واجتهاد التأسيس النظري. ومن الممكن رؤية ملامح هذه الظاهرة المفارقة في اعتناقه للماركسية مع ضعف في تفعيل واستعمال منهجها النظري ومقولاتها الفلسفية. الأمر الذي وجد انعكاسه في هذا الخليط الغريب أحيانا بين نظريات ومناهج ومفاهيم ومقولات متنوعة ومختلفة. وقد تكون ظاهرة الاستطراد والخروج عليه في استعراض الأفكار والمواقف احد مظاهر هذه الحالة. وهذا مؤشر على انعدام المنهج بالمعنى الفلسفي الدقيق. وليس مصادفة أن يتقاسم في الكثير من مؤلفاته نموذج طه حسين في الرواية والحكاية. كما انه ليس مصادفة فيما يبدو أن يعجب أيما إعجاب بشخصية أبي العلاء المعري. وإذا كان هذا الأمر ليس معزولا بالنسبة لطه حسين عن عماه وصداه، فان السر القائم وراء إعجاب العلوي به كان مرتبطا بنفسية وذهنية ونموذج التمرد الروحي والأخلاقي. إننا نعثر عنده على تمرد أخلاقي خالص ومخلص. وإذا كان من الممكن وصف ذلك بالمنهج، فانه اقرب ما يكون إلى منهج القيم. انه مهم وفعال بالنسبة للوجدان الفردي والاجتماعي لكنه لا يصنع عقلا نظريا متناسقا. ومن الممكن العثور على ذلك في بحثه الدائب والجميل أيضا عن حالات التمرد والعصيان عند الشعراء والأدباء والفقهاء وغيرهم. وهذا بدوره لم يكن معزولا عن تأثير الأيديولوجية (الشيوعية) التي جعلت من التمرد والعصيان والثورة والانقلاب مفاهيم قيمية أو قيم مفاهيمية. ولا فرق بين القيم والمفاهيم في الوعي الشيوعي العادي والسائد، وذلك لأنه في الأغلب خليط من جهل وتقليد. غير إنهما انفصلا عند هادي العلوي، بمعنى أن للقيم والمفاهيم استقلاليتهما في الوعي وتوحدهما في الوجدان. وبما أن اغلب كتابات العلوي لا تخلو من وجدان مستتر أو علني لهذا عادة ما يجري انتهاك الرؤية المنهجية، بما في ذلك الماركسية ونمطها العملي (الشيوعية).
لقد ظل هادي العلوي أسير مقولات ومفاهيم وقيم أيديولوجية (ماركسية). ولا فرق هنا أن نقول ماركسية صرف أو سوفيتية. فالأخيرة ليست أسوء أو أفضل من غيرها، بقدر ما أنها نوع من أنواعها. والسبب هنا يكمن في أن الشيوعية الماركسية أيديولوجية صرف ولا علاقة منطقية بينها وبين الفلسفة بالمعنى الدقيق للكلمة. أما ادعاء العلمية في الماركسية فهو أيضا وهم أيديولوجي. إذ لا علم فيها باستثناء الادعاء والتمني. وقد وقع جميع الماركسيين في هذا الوهم، بما في ذلك هادي العلوي. مما حدد بدوره طيعة الحالة المتناقضة التي وقع فيها هادي العلوي. فمن جهة نقف أمام شخصية متمردة، ومن جهة أخرى أمام خضوع لعقيدة توتاليتارية كالماركسية. وسبب ذلك يكمن في تناقض العلوي وضعف الثقافة والحالة السياسية.
فقد سار العلوي وراء الأنساق الدوغمائية المتشددة والتوتاليتارية في الفكرة الشيوعية الماركسية فيما يتعلق بالخصوم الأيديولوجيين (من بعثيين وإسلاميين وأمثالهم). ذلك يعني أن حدود هذه الشيوعية والماركسية كانت عراقية وليست فكرية. بينما نراه يمدح شخصيات "ليبرالية" عربية وغربية. ومع ذلك كان هذا "الخضوع" جزئيا ونسبيا، وذلك لان الماركسية بالنسبة للعلوي كانت اقرب ما تكون إلى شيوعية قيم وليس إلى فلسفة واضحة المعالم وأيديولوجية صرف. لهذا نراه يتوصل أواخر حياته إلى أن العقيدة (الشيوعية) نفسها مجرد فخ تضعه القيادات الحزبية من اجل اصطياد الآخرين!
بعبارة أخرى، أن الأيديولوجية بالنسبة لهادي العلوي كانت اقرب إلى مجموعة قيم منها إلى أفكار محددة ومنهجية، أي أنها كمية قيم مثل العدالة والمساواة والحق والعدل والحرية والإنسانية. ومن ثم يمكن العثور عليها في اغلب الأيديولوجيات بما في ذلك المتضادة والمتصارعة. وعند العلوي كانت اقرب ما تكون إلى "أيديولوجية حسينية"! أما الماركسية فقد جرى اختزالها إلى مجرد أحكام أيديولوجية اجتماعية سياسية (فكرة الصراع الطبقي). وفي الوقت نفسه لا نعثر في كل كتابات هادي العلوي على استشهاد بمؤلفات كلاسيكي الماركسية. كما لا نعثر في أي من كتاباته على تناول أية قضية منهجية ضمن هذا السياق. وليس ذلك بأمر غريب على الماركسية "العربية". فهي لا تتعدى كونها شيوعية متحزبة بمقولات ومفاهيم سياسية وعقائدية صرف.
وعموما يمكننا القول، بان هناك منهج أو مناهج تعمل بمعايير العلم الطبيعي وأخرى بمعايير العلم الفلسفي وأخرى بمعايير الايديولوجيا. ويمكن العثور عليها جميعا بصورة عشوائية في كتابات العلوي. وفيما لو طبقنا ذلك على بعض كتبه "المتمردة" ضمن السياق المذكور أعلاه، فان ذلك يفترض منا في بادئ الأمر القول، بان عنوان أي كتاب هو تعبير عن رؤية وموقف ومنهج. وبالنسبة لهادي العلوي كان المقصود بعبارة (في الإسلام) الملازمة لعناوين التعذيب والاغتيال، هو الإشارة إلى أنها في تاريخ الدولة الإسلامية (الخلافة)، مثلما يقال الفلسفة في الإسلام والشعر في الإسلام وما شابه ذلك. والاستعمال مجاز، مع انه يمكن اختيار العبارة وتدقيقها بصورة لا تثير الالتباس و"الفهم السيئ". وذلك لان مهمة الفكر تنظيم الرؤية وعقلنتها وجعلها أكثر حرية وعقلية وإنسانية وواقعية. غير أن لكل كاتب ومؤلف مزاجه الشخصي أيضا. ومن ثم فهو لا يخلو من تأثير الحياة الشخصية وتراكم مكوناتها الجوهرية ونزوعه العملي. وقد كان مزاج العلوي نتاجا لتداخل الوجدان الصادق والفكرة الشيوعية (اليسارية).
فمن الناحية المنطقية كان من الأفضل اختيار عنوان أدق وأجمل. وهذا أمر ممكن بما في ذلك في حال الرغبة بالإبقاء على الإثارة في العنوان. لاسيما وان مضمون الكتاب وحيثياته لا تعدو كونها تجميع أحداث ومآثر تشير إلى أن السلطة هي مصدر التعذيب والاغتيال. وان الفكر العميق والحر في التاريخ الإسلامي هو من إبداع المعارضة. وهي فكرة تتبعها العلوي بثبات ووضوح في جميع ما كتبه. أما لماذا كتب هادي العلوي عناوينه بهذه الطريقة، فأنها نتاج وجدانه العارم وشخصية التمرد والعصيان الكامنة في أعمق أعماقه. وفي الوقت نفسه، كان العلوي شخصية نموذجية في نزوعها الإنساني اللطيف والمتسامي. بعبارة أخرى، أنها نتاج نفسية وذهنية التمرد والوجدان الإنساني الرفيع، التي تدفع الشخصية أيضا إلى الغلو، بوصفها الطريقة المناسبة لإثارة الاحتجاج والعصيان على حالات الخروج الهمجية على فكرة الحق والإنسانية.
وفيما لو تناولت هذه القضية ضمن مقاييس الرؤية النقدية العلمية، فقد كان من الأجدر تناولها بمعايير المنطق المجرد والتاريخ الواقعي، بوصفها القاعدة الضرورية للأحكام السياسية. لكن العلوي أبقى عليها ضمن معايير الوجدان الأخلاقي. من هنا سلامة مادتها ولحد ما تأويلها وتوظيفها السياسي. لكنها كانت تسير في طريق مضاد لتأسيس الرؤية العلمية الدقيقة، أي لتأسيس الوعي النظري والتاريخي والثقافي السليم. وذلك لان الوقائع التاريخية تشير إلى أن الإسلام الأول لم يمارس التعذيب والاغتيال. وان تجاربه بهذا الصدد هي الأكثر نبلا وسموا مقارنة بغيره. فالنصرانية على سبيل المثال انتقمت من مراحل ما قبل سطوتها بقسوة لا تقل عما كانت تواجهه في بداية أمرها من همجية ووحشية. بحيث نراها تدمر ليس معارضتها الأولية بل والتاريخ الثقافي برمته. بينما استعمل الإسلام أسلوب العفو والتوبة المقرون بفكرة تراكم وحقيقة القيم كما هو في فكرة خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام) وأمثالها العديدة. إضافة إلى فكرة "الطلقاء". ومفارقة الظاهرة تقوم في أن هذا العفو الهائل أحتوى على خطأ سياسي مميت. فقد انتقم الطلقاء (بني أمية) لاحقا من الإسلام بمعايير العائلة والقبيلة. إنهم انتقموا من بني هاشم أولا وقبل كل شيء. وقد يكون توريث السلطة وحرف الخلافة إلى ملكية وراثية عائلية قبلية هي الصيغة الأكثر جلاء لذلك. وكرر العباسيون هذه التقاليد التي رسختها الأموية. فقد انتقموا من بني أمية بمعايير العائلة والقبلية. ذلك يعني أن احد مكامن الخطـأ التاريخي الهائل في أسلوب العفو وفكرة الطلقاء هنا تقوم في كونها قد فسحت المجال أمام إمكانية دمجهم في جسد المجتمع والدولة والدين (الايديولوجيا) رغم اغترابهم وعدائهم الشامل لهذه المكونات. وفيما لو جرى معاقبتهم بمعايير الحق والعدالة آنذاك لما كان بإمكان الطلقاء الظهور كقوة سياسية. وذلك لافتقادهم الشامل لأي رصيد أخلاقي وروحي وأيديولوجي وسياسي. وضمن هذا السياق يمكن القول، بأن ممارسة أبي بكر السياسية حال تسلمه الحكم تجاه الردة كان سلوكا سليما ومتجانسا بمعايير الدولة والمجتمع والسياسية والدين. أما القسوة المفرطة أحيانا فأنها أيضا ذات قيمة أخلاقية كبرى. وذلك لان القسوة المفرطة التي عادة ما تلازم صيرورة الدولة الأولى تحتوي على قدر ضروري ومستقبلي بقدر واحد. فهي الدَيْن الذي يصنع "دين" الوحدة، ومن ثم ينقل المجتمع من جحيم التجزئة وأعرافها وتقاليدها الضيقة إلى نمط الحياة المحكومة بالقانون.
وقد كان هادي العلوي يدرك هذه الحقيقة، إلا أن وجدانه العارم ومساعيه الشخصية النبيلة للحرية قد أفرزت على الدوام فيما بين سطور الكتابة والتأليف موجات التمرد. فالتمرد صفة ملازمة لأعماقه السحيقة. وهذه بدورها لم تكن إلا الصيغة الوجدانية لفكرة الحرية عنده.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حسن نصر الله يلتقي وفدا من حماس لبحث أوضاع غزة ومحادثات وقف


.. الإيرانيون يصوتون لحسم السباق الرئاسي بين جليلي وبزكشيان | #




.. وفد قيادي من حماس يستعرض خلال لقاء الأمين العام لحزب الله ال


.. مغاربة يجسدون مشاهد تمثيلية تحاكي معاناة الجوع في غزة




.. فوق السلطة 396 - سارة نتنياهو تقرأ الفنجان