الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


( مطر صيف ) المسرحية التي بللت ذاكرة فصول كائنات الحروب بدال النص ومدلول الأداء

أحمد ابراهيم السعد

2012 / 1 / 29
الادب والفن


( مطر صيف )
المسرحية التي بللت ذاكرة فصول كائنات الحروب
بدال النص ومدلول الأداء


أحمد ابراهيم السعد




من الجميل أن يجتمع ثلاثي المكون المسرحي النص والاخراج والتمثيل بقيمة أبداعية متساوية من حيث النسبة والتناسب أو النسق والتنسيق ، أو الأثر والتأثير . هذا ما أنجزته مسرحية ( مطر صيف ) للكاتب عبد النبي الزيدي وأخراج علي عادل وتمثيل علي عادل ، وأسل الجنابي .. تلك المسرحية المميزة التي تم عرضها في مهرجان البصرة المسرحي الأول لهذا العام . لقد اطرت هذه المسرحية نفسها كنص بأطار فنها المحكم لتكون مسرحية لا غير .. فلا يمكن بحال أن تقدم خطابها جمالياً وبلاغياً عبر كتابتها قصة أو رواية أو سيناريو . أن سباكة النص أثثت لفعل الأخراج وفاعلية الأداء بتنويع أيقاعي بين اللغة الفصحى والعامية ليتشكل المعنى الدلالي كسلم تصعد وتنزل عليه أيقاعية العرض ببيانية ترسم مقاساتها بأحكام وتحكم . أعتقد كوني متلقي كاتب نصف مثقف أتعامل مع الفن المسرحي بوصفه جمال حسي ، ورسالة معرفية ، ووظائفية تجريبية ، وبنيه سيسيولوجية ، لذا فأن من الممكن أن تقرأ هذه المسرحية قراءة سيميائية بوصفها انموذجاً لتجربة مسرحية عراقية خالصة من شوائب المحاكات وأحابيل الترميز وأنفلات التجريب من عقال النظام المفاهيمي ، ولعل كتابتي هذه لا تنحو في تبني منهج قرائي عن هكذا عمل مسرحي مميز .. وما جاء في هذا المقال مجرد أنطباع ثقافي ألهمتني به معطيات هذا العمل . ففي مسرحية مطر صيف ثمة تناغم هرموني بين أنزياحات الشعر والمحكي اليومي . المحكي المنطوق على لسان المرأة العراقية في ثقافة السمع الذكوري .. صوت وجعها وأنينها المتجسد بأفعالها ألا أرادية حيث الزوجة التي عاشت زمن غياب الزوج في عام نهاية الحرب الأولى ليعود اليها في عام بداية سقوط الدكتاتور . هنا تتمحور الثيمة التي تشكلت عليها بنية المسرحية دراماتيكياً. حيث الغياب القسري والحضور القسري الذي تحركه عصا الدكتاتوريات العسكراتية في مصائر وقود الحروب .. الرجال الذين أستسلموا للأسر كخيار أفضل من الموت والنساء اللواتي طال أنتظارهن فحنطن زمن الغياب على وجوه الغائبين عن أسرتهن وسرائرهن المكبوتة ، وعندما يعود الغائب في لحظة من رضا الزمان ويطرق باب بيته متأخراً تعيش المرأة الزوجة تداعيات التقبل والرفض .. التصديق والتكذيب .. وهذا الأحساس هو واقع حال عاشته المراة العراقية كتابو لا يمكن الأفصاح عنه .. فكيف بها أن تتقبل هذا الوجه الذي حظر اليها بتجاعيد وشعر أشيب وهي التي حنطت بذاكرتها وجه شاب وعاشت معه في زمن الغياب بذكريات وتفاصيل لا تشيخ . ولكي لا تسير المسرحية في طريق بث حمولاتها الواقعية المحزونة تقترح الكتابة أنزياحات الشعر التعبيرية بكلمة هي خلاصة دلالية لحيرة تقبل الزوجة للعبة الغياب والحضور في حياتها وهي كلمة ( الزوج المستنسخ ) ولهذا التعبير بعد فلسفي نفسي . لأن استنساخ الشيء هو معيار لتقبل الوهم المادي – لأن قراءة كتاب قديم مستنسخ لا يفقدنا خطابه اللغوي أو المعرفي أنما يصيبنا بخيبة الأحساس بأصالة خامته الأولى وأنفعالنا الثقافي مع مصداقيته التأريخية والمادية – تنتهي مسرحية مطر صيف بتقبل الوهم كحقيقة تستوعبها ثقافة النفس ونواميسها . لقد قدمت هذه المسرحية جانباً أنسانياً حاضراً غائباً في ثقافة المسكوت عنه بأبداع قل نظيره . وبالمقابل لا يمكن أغفال قراءة قدرة التأثير على وجوه النظارة لهذه المسرحية .. لقد شاهدت دموع وتصفيق حار يشبه الطم على الصدور .. وأنين سمعته يخرج من صدور وصلتها رسائل الحزن لتذكرها بما لم تستطيع البوح به من خلجات الا من خلال هذه المسرحية الدافقة بشجن انساني أعتمل في صدور كائنات الحرب المدنية والعسكرية . بتصوري أن هذا التأثير هو نتاج حزن مناخ عقائدي أقتربت به حمولات المسرح الديني المنظور أو الحكواتي المتخيل لحزن نساء مسبيات يندبن الحظ والحرب وقسوة الجلاد .. فقد أجادة الممثلة المسرحية المبدعة أسل بصوتها النائح بأنوثة دلعت الحزن ليصبح حزن أنثوي لا نسائي .. وثياب سوداء صادقتها العيون العراقية.. كذلك حركاتها المتموسقة بين أشتراطات المسرح وتقمص أنفعالات المرأة المقهورة في الواقع . وأجدني أتساءل الأن بقدر تساؤلي وأنا أشاهد هذه الممثلة : ماهي الطريقة التي بها أن ندعم ونحافظ على هكذا طاقة تمثيلية ؟ أنقل هذا السؤال الى المعنيين بثقافة السينما والمسرح .. وفي صدري الشكر لهم والأمتنان لخطوتهم الجادة في أعادة الروح لخشبة المسرح البصري التي ما خيبت الظن بأبداعاتها المسرحية في هذا المهرجان وغيرة . فقد رأيت في هذا المهرجان ممثل بارع وصادق بأحساسه كممثل وهو الفنان زيد طارق العذاري في مسرحية ( العرس الوحشي ) وهذا دليل على أن ثاني خلاص اليأس هو الا يأس . هذا ما أكده اليوم المسرح البصري خاصة والعراقي عامة أن العولمة بوصفها ميزة تواصل ثقافي متسارعة غيرت بنية المزاج الجمعي .. فضلاً عن ألموهيمن الثيوقراطي وتموضعاته الأحادية في النسيج الأجتماعي العراقي الا أن المسرح اليوم أختار الطريقة التي بها يستطيع أن يصنع جمهوره من خلال نص مسرحي يكمن أبداعه وهو يوائم بين صورة الأنسان المحفورة في ذاكرة الألم وبين ذاته المعلنة عن سر ألمها وهذا بالضبط ما أجاد تحقيقة الكاتب عبد النبي الزيدي .. وصنعه المخرج المبدع علي عادل .. وتمكنت من تأديته باحتراف مميز الممثلة المتألقة أسل الجنابي في مسرحية ( مطر صيف ) الذي يستحق عنوانها غائية التأمل وغاية الروعة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم زهايمر يعود لدور العرض بعد 14 سنة.. ما القصة؟


.. سكرين شوت | خلاف على استخدام الكمبيوتر في صناعة الموسيقى.. ت




.. سكرين شوت | نزاع الأغاني التراثية والـAI.. من المصنفات الفني


.. تعمير - هل يمكن تحويل المنزل العادي إلى منزل ذكي؟ .. المعمار




.. تعمير - المعماري محمد كامل: يجب انتشار ثقافة البيوت المستدام