الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرهان الرابح

إكرام يوسف

2012 / 1 / 29
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


ما أعظمك يا شعب! ما أروعك يا وطن!..سأظل أرددها ماحييت، كما كتبتها في أوائل أيام الثورة.. ها هو الشعب المصري يثبت، مرة أخرى، أن الرهان عليه لايمكن أن يخيب أبدا.
فلم تنجح عصا التخويف، والحديث عن التخريب، وأقنعة فانديتا (بانديتا كما أسمته جريدة الحرية والعدالة!) وفزاعة البلطجة. كما فشل التلويح بالجزرة المسمومة (الإفراج عن نحو 1960 محكوم عليه في المحاكم العسكرية، وإعلان رفع حالة الطوارئ فيما عدا حالات البلطجة). وخرجت ملايين المصريين من مختلف الأعمار والشرائح الاجتماعية، في نحو سبع عشرة محافظة، تؤكد إصرارها على مواصلة ثورتها.
وانكشف تهافت أكاذيب عملاء الثورة المضادة في وسائل الإعلام، ومرتزقة اللجان الإليكترونية عبر الشهور الماضية، الرامية إلى تشويه صورة الثوار. كما ثبت تدليس من صدعوا أدمغتنا بالقول أن المرابطين في ميادين التحرير، ليسوا ثوار الثمانية عشر يوما التي انتهت برحيل المخلوع؛ من دون أن يقولوا لنا أين ذهب الثوار الحقيقيون في نظرهم؟ خاصة وأن مطالب العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، لم تتحقق وأضيف إليها مطلب آخر، هو محاسبة المسئولين عن قتل زملائهم الثوار؟
وطوال عام كامل، سعى فحيح عملاء الفلول والعسكر في كثير من وسائل الإعلام ومواقع الإنترنت لإقناعنا أن الثوار الحقيقيين تبخروا بمجرد غياب رأس النظام الساقط وأسرته وبعض رجاله، مع بقاء أركان النظام تقاوم السقوط بشراسة! وهل يمكن إقناع ساذجبأن الثوار توقفوا بمجرد تحويل رأس الأفعى إلى محاكمة حول رشوة الثلاث فيلات ؟.. كما لو أن ثورة الشعب المصري انطلقت من أجل هذه الفيلات، باعتبار ان التهمة الثانية الموجهة لهذه الرموز وهي قتل الثوار، كانت تالية على قيام الثورة؟
ولكن، ما أن نفخ نفس الثوار في نفير استمرار الثورة يوم ذكرى قيامها، حتى انتفضت نفس الملايين ـ لم يتغيب عنها إلا الشهداء ومن أعاقتهم إصاباتهم ـ وزاد عليها عشرات الآلاف ممن كان يطلق عليهم "حزب الكنبة"، بعدما نفضوا عنهم قيود الخوف والتردد. وهم يختلفون عن عناصر الثورة المضادة من أذناب نظام المخلوع وعملائهم في وسائل الإعلام ومواقع الإنترنت. وتؤكد صور نشرها موقع "جوجل إيرث"، أن الحشود التي خرجت يوم الأربعاء الماضي تزيد كثيرا عن حشود يوم 25 يناير 2011.
وكنت شاهد عيان.. كان المفترض أن أخرج في مسيرة الشهيد الشيخ عماد عفت من ميدان مصطفى محمود (الذي استعاد شرفه ومكانته، بعدما ارتبط ذات يوم بصبيان الثورة المضادة) ولظروف صحية، قررت اختصار جزء من المسافة، والبدء من أول كوبري الجلاء.. ألفيت حشودًا غفيرة تغطي شارع التحرير بالدقي.. جاءت من الجيزة وجامعة القاهرة، بانتظار أن تنضم إليها مسيرة مصطفى محمود. لكن الشارع لم يعد به موطئ قدم، فقرر قادتنا الشباب أن نتقدم على الكوبري لنفسح مجالا للمسيرة القادمة وراءنا. واستغرق مرورنا على كوبري الجلاء ثم كوبري قصر النيل نحو الساعتين ونصف الساعة، قبل أن نصل إلى ميدان التحرير، المكتظ بالحشود، على نحو لم يسمح بدخول معظم المسيرة فبقي جزء كبير منها على كوبري قصر النيل. وهو ما تكرر في بقية الشوارع المؤدية للتحرير.
سرت مع الزميل الصحفي أبو المعاطي السندوبي والصديقة المخرجة ليالي بدر، وشاهدناعلى الكوبري شخصا يجلس فوق السور وظهره للنيل، حاملا لافتة مكتوب عليها "القصاص".. قال أنه جاء لرد حق صديق له لا يعرف اسمه؛ تعرف عليه عند أول كوبري الجلاء يوم جمعة الغضب الأولى 28 يناير 2011 وشاركه التصدي لقنابل الغاز ومياه الشرطة وقبل أن ينتهي الكوبري، استشهد من دون أن يعرف اسمه! وأضاف بسخرية مريرة "أطوف الميدان منذ السادسة صباحا حتى الآن بحثا عن الطرف الثالث ولم أجده".
عند مدخل الميدان، وجدنا رجلا في الخمسينيات رافعا لافتة تقول "ابني وبنتي اتقلتوا وابني التاني اتصاب برصاص الظالمين"، حاولنا أن نتمتم بكلمات عزاء فارغة، نعرف ألا معنى لها، لكننا دعونا أن يلهمه الله الصبر وينتقم من الظالمين.
كان الميدان يزخر بمئات الآلاف ممن لم يتوقفوا عن الثورة منذ عام، فضلا عمن انضموا إليهم من أهالي الشهداء والمصابين وأصدقائهم وجيرانهم، وربما لم يكونوا ليشاركوا لولا أنهم فقدوا أحباء، يريدون القصاص لهم. كما انضم أيضا آلاف ممن خرجوا للمرة الأولى بعدما آمنوا بحتمية الثورة، وأرادوا تعويض عدم خروجهم في الموجة الأولى منها.
كنت أتطلع إلى الوجوده التي تردد الهتافات، وأحاول التعرف على من يخرجون للمرة الأولى، وأتذكر مصطلح "حزب الكنبة" العبقري. وتذكرت صديقة خرجت تشارك للمرة الأولى يوم جمعة الغضب الثانية في 27 مايو، قالت لي " بعنا الكنبة خلاص ومش راجعين لها وحنفضل معاكم، كملوا!".
وفكرت في أن من أطلق عليهم هذا التعبير، دلالة على التخاذل عن المشاركة في الثورة، ليسوا شيئا واحدا: فمنهم من لا يستطيع ـ بطبيعة شخصيته ـ المواجهة أو تحمل الصدام دفاعًا عن حقه. وهؤلاء عادة من الشخصيات المنسحقة "قليلة الحيلة" التي لا تصد ولا ترد مهما أصابها من قهر وظلم. وهؤلاء يرتعبون من رياح الحرية، لأنها تعني المسئولية! وأكثر ما يهمهم الاستقرارـ حتى لو كان ثمنه استمرارهم تحت نير الظلم ـ ويخشون التغيير. لكنهم سيكونون أول المدافعين عن الثورة عندما يتأكد انتصارها.
وهناك من يصفون أنفسهم بأنهم "في حالهم، ولايحبون المشاكل".. لكنهم يراقبون الأوضاع دائما، انتظارًا لمعرفة الكفة الراجحة والانحياز لها. وإذا انتصرت الثورة، سيكونون أول من يهتفون باسمها، ويطالبون بالثمار باعتبارها "ثورة الشعب بكامله" وليس الثوار وحدهم، ومن ثم فمن حقهم الحصول على نصيبهم من المكاسب، لأنهم من الشعب! وربما يختلقون قصصا عن مشاركتهم في الثورة أيضا!
فضلا عمن لايهمهم سوى مصالحهم الآنية، من صغار ومتوسطي المستثمرين، الذي كانوا مجبرين على دفع عمولات ورشاوى للمسئولين من أجل إنجاز أعمالهم، وظنوا أنهم سوف يتخلصون من هذا العبء بمجرد رحيل المخلوع ورجاله. ولكن ما أن تبينوا أن الطريق مازال طويلا للقضاء على الفساد، سرعان ما انقلبوا إلى الشكوى من توقف عجلة الإنتاج!
وإلى جانب هؤلاء، توجد فئات كثيرة من الوطنيين الحقيقيين المحبين لهذا البلد، تلهج السنتهم بالدعاء للثوار وتنبض قلوبهم خوفا عليهم، لكن ظروفهم لا تسمح، أو يشعرون بضعف قدرتهم على تحمل المخاطر. وهؤلاء هم من سوف يتسربون تدريجيا من هذا الحزب، وينتقلون من الكنبة إلى الميدان. مع تزايد وعيهم وإيمانهم أن زمن إصلاح النظام بالمسكنات ولى، وأن التغيير الجذري هو ما يضمن لهم وأولادهم حياة كريمة. وعندما يدركون أن السير بجوار الحائط لايمنع قدرا، ويؤمنون حقا بأن "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا". وبهؤلاء سوف تضخ دماء جديدة في شرايين الثورة، ويقوى ساعدها ويشتد عزمها. فهم الأغلبية الصامتة الحقيقية التي ستؤكد مرة إثر أخرى، صحة الرهان على معدن هذا الشعب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متداول.. أجزاء من الرصيف الأميركي العائم تصل شاطئا في تل أبي


.. قطاع الطاقة الأوكراني.. هدف بديل تسعى روسيا لتكثيف استهدافه




.. أجزاء من الرصيف الأمريكي الذي نُصب قبالة غزة تظهر على شاطئ ت


.. حاملة طائرات أمريكية تصل إلى كوريا الجنوبية للمشاركة في تدري




.. طلاب فرنسيون يحتجون من أجل غزة بمتحف اللوفر في فرنسا