الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استطلاعات الرأي العام في المناطق الفلسطينية المحتلة

عامر راشد

2005 / 1 / 6
القضية الفلسطينية


تعميمات خاطئة ومدروسة مسبقاً

خلال السنوات الخمس الأخيرة انتشرت في مناطق السلطة الفلسطينية ظاهرة تنامي أعداد مراكز استطلاع الرأي العام ، ومؤخراً مع بدء التحضير للانتخابات الفلسطينية دخلت على خط استطلاعات الرأي عشرات المراكز البحثية غير المتخصصة ، والصحف والمواقع الإلكترونية، حتى بات لا يمر يوم لا تطالعنا فيه الصحف الفلسطينية الصادرة في المناطق الفلسطينية المحتلة بنتائج استطلاعات رأي عام، غالباً ما يتم تعميمها على وسائل الإعلام العربية والأجنبية كمقياس لتطور المزاج الشعبي الفلسطيني على ضوء التطورات الداخلية الفلسطينية بعد رحيل عرفات، ومجموع التطورات الإقليمية والدولية التي حصلت تبعاً لذلك . ومن هذه المراكز على سبيل المثال لا الحصر: المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي (د . نبيل كوكالي)، المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية (د . خليل الشقاقي)، مركز القدس للإعلام والاتصال، الهيئة العامة للاستعلامات (سلطة)، مركز استطلاعات الرأي والدراسات المسحية في جامعة النجاح الوطنية (نابلس)، مركز استطلاعات الرأي في جامعة بيرزيت ...الخ .
اللافت للنظر حجم التناقضات الواسعة التي تحملها نتائج استطلاعات الرأي في المعطيات داخل الاستطلاع الواحد، أو في استطلاعات رأي صادرة عن ذات المركز في فترات زمنية متقاربة، أو بين استطلاعات رأي أجرتها مراكز مختلفة في نفس الفترة الزمنية. وهو ما يخلق بلبلة واسعة في الأوساط الحزبية والشعبية الفلسطينية على حد سواء .
ويمكننا إعطاء عدة أمثلة على ما سبق ذكره:
المثال الأول: في استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في الفترة ما بين 1 ـ 5 كانون الأول/ ديسمبر 2004 وأعلنت نتائجه في 12/12/2004 استخلص مجرو البحث بأن شعبية فتح قد ارتفعت بشكل كبير 40% ـ أيلول/ سبتمبر 2004 كانت النسبة 29% فقط ـ مقابل انخفاض شعبية حركة حماس إلى (18%)، دون ذكر لباقي التيارات والقوى الفلسطينية الأخرى، وحسب ما ورد في الاستطلاع فإن فتح كانت ستحصد (78%) من مجموع أصوات الناخبين لو جرت الانتخابات الرئاسية في تلك الفترة ( 40% أبو مازن،37% مروان البرغوثي )، وهنا لا يحدد الاستطلاع من أين ستحصل فتح ـ آنذاك ـ عبر مرشحيها لرئاسة السلطة الفلسطينية ( الرسمي "أبو مازن" ، والمستقل "البرغوثي") على الفارق بين الـ (40% نسبة شعبيتها و 78% كتلتها الانتخابية)، علماً بأن الذين لم يحددوا آرائهم في هذا الاستطلاع تبلغ (13%) فقط.
وحسب نفس الاستطلاع ـ دون ذكر نسبة محددة رقمياً ـ فإن " نسبة المعتقدين أن الوضع سيكون أفضل بعد رحيل عرفات تفوق نسبة المعتقدين أن الوضع سيكون أسوأ فيما يتعلق بالموضوعات التالية: تقديم الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم، بناء مؤسسات قادرة على فرض القانون والنظام، بناء سلطة وطنية ذات حكم ديمقراطي)، في حين أن الاستخلاص الذي يسبق هذا الاستخلاص مباشرة يؤكد بأن نسبة (86%) راضية عن إسهام عرفات في تقديم خدمات أساسية كالصحة والتعليم، ونسبة (65%) راضية عن إسهام عرفات في بناء مؤسسة حكم قادرة على فرض القانون والنظام، ليفاجئك ذات الاستطلاع في فقرة لاحقة بأن نسبة (95%) ممن استطلعت آراءهم يقيمون بأن أوضاع الشعب الفلسطيني سيئة جداً، وأن نسبة (87%) تعتقد بوجود الفساد في السلطة الفلسطينية، وبأن نسبة (60%) تعتقد أن الفساد سيزيد، أو سيبقى كما هو في المستقبل. ويذكر استطلاع الرأي ـ دون تحديد نسبة رقمية ـ أن "نسبة المعتقدين بأن الوضع سيكون أسوأ تزيد عن نسبة المعتقدين بأنه سيكون أفضل فيما يتعلق بالحفاظ على الحقوق الوطنية الفلسطينية في المفاوضات مع إسرائيل، وحماية مكانة القضية الفلسطينية عالمياً)، ليذكر بعدها في فقرة لاحقة بأن (52%) تعتقد أنه يمكن التفاوض على تسوية حل وسط مع القيادة الإسرائيلية الراهنة)، وبأن (58% تعتقد أن القادة الإسرائيليين أقوياء بدرجة كافية بحيث يستطيعون إقناع الشعب الإسرائيلي بحل وسط). مما سبق نلاحظ مدى الناقض في المعطيات لدرجة تجعل من المستحيل البناء على أي منها .
المثال الثاني: في استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي (كوكالي) في الفترة ما بين 3 ـ 5 كانون أول/ ديسمبر 2004 ـ نفس فترة الاستطلاع السابق. حصل مرشحي فتح ـ آنذاك ـ للرئاسة الفلسطينية على ما نسبته (61.7) (الرسمي أبو مازن 39.8% ، والمستقل مروان البرغوثي 21.9% )، أي أقل من استطلاع المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية (الشقاقي) بـ 16.3% .
و يذكر استطلاع المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي أن نسبة شعبية فتح (48.9%)، وشعبة حماس (14%)، تليها الجبهة الديمقراطية (4.3%)، وبالمقارنة مع نتائج استطلاع المركز الفلسطيني للبحوث السياسية و المسحية نجد أن نسبة فتح ترتفع بـ (8.9%)، في حين تنخفض شعبية حماس بنسبة (4%)، وتظهر قوة ثالثة لم تكن مذكورة سابقاً هي الجبهة الديمقراطية (4.3%) .
وبمقارنة نتائج الاستطلاعين السابقين مع استطلاع ثالث أجرته الهيئة العامة للاستعلامات (تابعة للسلطة) أجري في نفس الفترة 7 ـ 8 كانون لأول/ ديسمبر 2004 نلاحظ التالي:
استطلاع الهيئة العامة يعطي مرشحي فتح (72.2%) (محمود عباس 53.4%، مروان البرغوثي 18.8%)، أي أكثر من استطلاع كوكالي بـ (10.5%)، وأقل من استطلاع الشقاقي بـ (5.8) .
وبأن استطلاع الهيئة العامة يعطي لمصفى البرغوثي المرشح المستقل (8.9%)، ويعطي تيسير خالد/ ديمقراطية (1.1%)، في حين يعطيهما استطلاع كوكالي (13.6%) مصطفى البرغوثي، (3.5%) تيسير خالد . ولا يحدد استطلاع الشقاقي نسبة لأي منهما، والفرق في النسب واضح هنا أيضاً .
وبالمقارنة مع استطلاع رابع أجراه مركز القدس للإعلام والاتصال أجري في ذات الفترة مطلع كانون الأول/ ديسمبر 2004 حصل مرشحا فتح على ما نسبته (58.3%) ، مصطفى البرغوثي (8.4%)، تيسير خالد (0.9%)، أما شعبية الفصائل المذكورة في الاستطلاعات السابقة فيقدرها هذا الاستطلاع بالنسب التالية: فتح (42.7%)، حماس (22.5%)، الجبهة الديمقراطية (0.7%)، ويظهر هذا الاستطلاع على خلاف ما أورده كوكالي بأن القوة الثالثة بعد فتح وحماس هي الجهاد الإسلامي (4.5%)، وهنا أيضاً نلاحظ الفروق الواسعة بين الأرقام المعطاة لنا .
المثال الثالث: عند طرح وثيقة جنيف ـ البحر الميت كانون أول / ديسمبر 2004 أجرى المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية استطلاعا للرأي في الفترة ما بين 4 ـ 9 /12/2003، وجاءت النتائج لتقول بأن (73%) من أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع سمعوا بالوثيقة من وسائل الإعلام (لاحظ هنا سمعوا)، أما (27%) فلم يسمعوا بها مطلقاً، في حين أن نسبة من اطلعوا عليها كاملة (4%) فقط. لكن واضعي هذا الاستطلاع يتبرعون باطلاع المستطلعة آرائهم على البنود السبعة الأساسية للوثيقة، لكن النتائج تأتي عكس ما يتوقع واضعو الاستطلاع، فقد صوت (72%) ضد المعالجة الواردة لقضية اللاجئين، (76%) ضد البند المتعلق بمحددات السيادة الفلسطينية والقيود المفروضة عليها، لكن واضعو التقرير لا يتورعون عن الاستنتاج بأنه بالإجمالي ترتفع نسبة التأييد للوثيقة بعد الاطلاع عليها ببنودها السبعة الرئيسية من (19% إلى 39%)، ويبنون هذا على موافقة أغلبية المستطلعة آرائهم على بنود غير أساسية في الوثيقة مثل: نشر قوات متعددة الجنسية بعد الانسحاب الإسرائيلي، علماً بأنه مطلب تجمع عليه كل القوى الفلسطينية وترفضه إسرائيل .
وحول قضية اللاجئين الفلسطينيين في استطلاعات الرأي التي تمس قضيتهم فإن أعداد اللاجئين في نسب المستطلعة آراءهم في الضفة والقطاع تتراوح بين (10% إلى 15% فقط)، ويغيب بشكل كامل رأي تجمعات اللاجئين الرئيسية في الشتات (الأردن، سوريا، لبنان)، ورغم ذلك يتم تعميم النتائج كأدوات قياس لتطور المزاج الشعبي الفلسطيني بمجموعه بما فيهم اللاجئين .
مما سبق يمكننا القول بأن أكثر استطلاعات الرأي التي يتم نشرها من قبل مراكز تعرف نفسها بأنها مراكز متخصصة وحيادية، تفتقد المهنية والدقة المطلوبة، بسبب من كون أسئلتها تصاغ لتصل إلى نتائج محددة سلفاً، ولا نقول جزافا بالتوافق مع أهداف الجهات الممولة، وهي في الغالب أمريكية ـ أوروبية . وأكثر من ذلك فإن العديد من استطلاعات الرأي تظهر أن تيرموميتر المزاج الشعبي الفلسطيني يرتفع وينخفض في الاستطلاع الواحد بأرقام قياسية، من خلال لعبة واضعي الاستطلاعات بإعادة تحوير وتدوير الأسئلة حول موضوع واحد، ليتم الخروج بنتائج يجري تعميم بعض جزئياتها المنتقاة كحقائق قطعية الثبوت، وهذا يؤدي حكما إلى محذور تحول استطلاعات الرأي إلى جزء من اللعبة الدعائية، والتي هي في غالب الأحوال ليست فلسطينية صرف، ويؤدي أيضا إلى بلبلة واسعة في أوساط الرأي العام الفلسطيني والعربي والدولي في مرحلة شديدة الحساسية والتعقيد، يسعى فيها الشعب الفلسطيني إلى إعادة بناء مؤسساته الوطنية، وتكثف فيها الجهود الفلسطينية والإقليمية والدولية لإعادة بناء العملية السياسية والتفاوضية في منطقة الشرق الأوسط .
وأنهي ما بدأت بذكر إحدى نوادر الاستطلاعات الفلسطينية، ففي الاستطلاع الذي يحمل الرقم 52 والصادر في مطلع كانون أول/ ديسمبر 2004 عن مركز القدس للإعلام والاتصال حاز الرئيس الراحل عرفات على ثقة (2.6%) فقط من استطلعت آرائهم في إجاباتهم على سؤال ما هي الشخصية الفلسطينية التي تثق بها أكثر، والأمر لا يحتاج إلى تعليق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملثمون يوقفون المحامية سونيا الدهماني من داخل دار المحامين ف


.. نبض أوروبا: هل حدثت القطيعة بين بروكسل ومالي بعد وقف مهمة ال




.. الأردن يُغلق قناة تابعة للإخوان المسلمين • فرانس 24


.. المبادرة الفرنسية و تحفظ لبناني |#غرفة_الأخبار




.. طلاب جامعة هارفارد يحيون الذكرى الثانية لاغتيال شرين على يد