الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاغتراب عن المال العام

زياد زنبوعة

2005 / 1 / 6
الادارة و الاقتصاد


إن من المواضيع الساخنة على الساحة الاقتصادية لدينا في سورية هو حال مؤسسات القطاع العام -بشكل عام- و’’المتعثرة‘‘ منها -بشكل خاص- (لأن المؤسسات المتعثرة هي فقط التي تظهر على السطح، مع العلم أن هناك أخريات قد لا تكونن أحسن حالاً بكثير من وجهة نظر الفعالية والكفاءة الاقتصادية)، وكمثال لا الحصر شركة الكرنك –على الرغم من أنها من القطاع المشترك- ولكنها تعد كما لو أنها من القطاع العام لسببين: الأول هو الرعاية المميزة والطويلة للأم الرحوم (الدولة) لهذه الشركة. والثاني هو أن الدولة منفردة أخذت قرار تصفيتها بعد أن أعيتها الحيلة في صلاح ابنتها. والغريب في الأمر هنا أن المتحدثين الكثر عن هذه النقطة (إنفراد الدولة بقرار التصفية وكأنها شركة عامة) يرون شيئاً ولا يرون -لا بل يتجاهلون- أشياء كثيرة، فلماذا يجب على الدولة دائماً أن ترعى وتنفق وتقيل من عثرة هذه الشركة، وكأن هذا واجب عليها، وهم هنا يتناسون أن هذه الشركة ليست شركة عامة، ويتذكرون ويذكرون بهذا فوراً عندما تريد الدولة تصفيتها؟
أنا في مقالي هذا لا أريد الحديث عن هذه الشركة بالذات، أو أي شركة غيرها من شركات القطاع العام بذاتها لأنني - من جهة أولى- لا أملك بيانات محددة تسمح لي بالدخول في التفاصيل، ومن جهة ثانية لأن هذا ليس هدفي من هذا المقال، وإنما كل هدفي هو توضيح الوضع الإداري للقطاع العام وعلاقة موظفيه والمواطن العادي به، بغض النظر عن الشركة أو المؤسسة.
إن مؤسسات القطاع العام تمر الآن بمرحلة جديدة سماتها الأساسية كشف المستور عن أوضاع هذه المؤسسات والذي كان لعقود بمثابة الأسرار من جهة أولى، وطرح مشاكلها للبحث بعد أن تفاقمت وما عاد ممكناً إخفائها، فلو كان ذلك ممكناً لاستمرينا أيضاً ربما عقود في إخفائها، فقد تعودنا أن لا نعالج المريض إلا بعد موته أو إشرافه على الهلاك، وهنا في أغلب الأحيان لن تكون هناك معالجة أفضل من الدفن قبل أن يتفسخ (يفسد)، أو يُشرَّح ويفضح المستور، ويُنشر فساده بعد أن استشرى في الخفاء.
ترى ألا تستحق الملكية العامة والتي يُفترض أنها شكل من أشكال ‘‘مكتسبات وممتلكات الشعب’’ السؤال عن حالها وما آلت إليه؟ وهل مازالت فعلاً ملكية عامة، أم تحولت إلى ملكية خاصة للمتنفذين في هذه المؤسسات من إدارة فاسدة وعملاء وشركاء وسماسرة يعتاشون من خيراتها، والتي لم يبق منها إلا الضرع الجاف؟
ترى ألم يساهم صغار موظفي وعمال هذه المؤسسات المنكوبة في تردي حالها، أو على الأقل ألم يكونوا مسارب –وإن كانت متفرقة أو صغيرة- ساهمت –بشكل مباشر أو غير مباشر- في رفد التيارات الكبيرة المستنفذة لخيرات هذه المؤسسات؟
ترى ألم يساهم كل مواطن في هذا التردي لأوضاعها بعدم وعيه أنه شريك بملكيتها؟ (نظرياً على الأقل).
لماذا العامل في المؤسسة العامة في الدول المتقدمة والمواطن والمدير كلهم سواء في الاهتمام بمصلحة ونجاح المؤسسة، أي مؤسسة لمجرد كونها عامة؟
لماذا أحدنا يشعر باغترابه عن المال العام؟ ألا يفترض أن هذا المال العام هو جزء من ماله وله مصلحة فيه؟ وإن أنسى شيء لا أنسى تلك العجوز في روسيا السوفيتية، التي غضبت مني ونهرتني في إحدى حافلات النقل العام لمجرد أني كنت أسند حذائي على مسند المقعد الذي أمامي لأصلح الرباط ، وعندما نهرتها بأن الأمر لا يعنيها، أجابتني بغضب بأن هذه الحافلة هي ملكية عامة، وهذا يعني أن كل مواطن في البلد له حصة فيها، وهي منهم، ويجب عليهم أن يحافظوا عليها!! ما أبعدنا عن هذا الحس الوطني، وما أبعد إداريي مؤسساتنا العامة عن العمل للمصلحة العامة. إن انعدام هذا الحس الوطني هو تعبير عن انفصال أو تناقض المصلحة العامة و المصلحة الخاصة، و بالتالي فإن المصلحة العامة لا تنعكس إيجاباً على المصلحة الخاصة، و بالتالي نصبح في حالة من الاغتراب عن هذا المال العام كما هو حاصل لدينا في سوريا. وكنت في مقال ومنذ عامين ونصف قد أكدت على ضرورة معالجة قضية اغتراب المواطن عن المال العام وسلبيته تجاه التطوير والتغيير، من خلال التوفيق بين المصالح العامة والمصالح الخاصة ولكن لكل المواطنين وليس لحفنة منهم كما هو حاصل لدينا.
باختصار يجب أن يعلم كل القائمين على إدارة وتشغيل المؤسسة العامة وتسويقها وتسويق منتوجها، أنهم جميعاً –من أعلى الهرم إلى أدناه- مسئولين عن نجاح أو إخفاق هذه المؤسسة، ولا يجب أن نلقي العبء فقط على الإدارة العليا، حيث أن صغار العمال والموظفين، وخاصة في المؤسسات الخدمية، هم المسوقون الحقيقيون لهذه المؤسسة ولمنتوجها فهم في الواجهة وهم الذين يتركون الانطباع الأول والأساسي عند المتعامل مع هذه المؤسسة. أفلا تؤثر –على سبيل المثال- بشاشة أو فظاظة ’’المضيف‘‘ في البولمان السياحي (الكرنك أو غيرها) أو حتى قاطع التذاكر في الترويج لعمل ونجاح هذه المؤسسة أو للهروب منها؟ وخاصة في زمن المنافسة الشديدة ووجود شركات النقل الكثيرة والتي –بعد شبه توحيد أسعارها- لم يعد لديها من مجال للجذب وزيادة رقم الأعمال أفضل من حسن المعاملة؟
لماذا إدارة المؤسسات –الخدمية منها بشكل خاص- لا تنتبه لهذا الأمر الحساس في نجاح المؤسسات، أم أنها تعرف ولا تملك القرار؟ ولكن في كلتا الحالتين لا نجد لها العذر، فإما أن أقوم بعملي على أكمل وجه أو أعتذر عن العمل.
لذلك يجب أن يعلم طاقم العمل –بكل مستوياته- أنهم سيتحملون تبعة تقصيرهم في العمل والتطوير والحفاظ ليس فقط على نجاح مؤسستهم ولكن أيضاً –قد يكون- على وجود واستمرار هذه المؤسسة. وهنا أحب أن أشير إلى ما أعجبني كثيراً في تصريحٍ مؤخراً لوزير الاقتصاد، عندما أشار –بما معناه- أن الخصخصة محتملة –بشكل أو بآخر- لتلك المؤسسات التي ستبقى متعثرة ولا تعمل على الخروج من عنق الزجاجة، الذي استكانت إليه وألفته منذ زمن ليس بالقصير، ووطنت نفسها على هذا الحال، وتطلب من الأم (الدولة) (أي جيوب كل المواطنين بكل فئاتهم) المساعدة الدائمة والحماية إلى مالا نهاية كالولد القاصر لا بل العاجز، لأن القاصر لا بد أن يبلغ يوماً ما، أما العاجز فلا حول ولا قوة إلا بالله؟!
إذا نصيحة إلى كل العاملين في مؤسسات القطاع العام بمختلف مستوياتهم: خذوا حذركم وحافظوا على المكتسبات التي حصلتم عليها على مدار عقود من الزمن، فكل ما هو مطلوب منكم –وليس أبسط من ذلك لكل ذي لب- هو السهر والعناية بمؤسساتكم مورد رزقكم، ولا تفرطوا بها بإهمالكم وتسيبكم ولامبالاتكم، وبالتالي وحدكم دون سواكم مسئولين عن مصير مؤسساتكم، والذي قد لا ينبهكم إليه إلا ضياع مؤسستكم، ولكن يكون عندها قد سبق السيف العزل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سعر الذهب اليوم الثلاثاء 14 مايو 2024


.. ما خطة ليبيا لإنتاج زيادة النفط؟




.. لماذا اختار بوتين رجلا اقتصاديا وزيرا جديدا للدفاع؟


.. ليبيا: محاولة تهريب نحو 26 طنا من الذهب خارج البلاد




.. أسعار الذهب تنخفض 35 جنيها فى مصر.. واستقرار سعر الدولار