الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدي

كامي بزيع

2012 / 1 / 30
سيرة ذاتية


بنبرة من نوع خاص كان يتحدث جدي، بصوت آمر مفعم بالكبرياء، كأنه يلقي موعظة، كان لديه زعامة فطرية، تجعل ممن يحيطون به يهابون التحدث اليه، ويحسبون الف حساب قبل التفوه في حضرته.
كثيرا ما حدثني عن تاريخ العائلة، فخورا بها، وكثيرا ما اخبرني عن بطولاته ومآثره وهو الذي صرع النمر، حيث ادخل ذراعه في فمه، جعل اثرا بارزا في عينه يرافقه على امتداد سنوات عمره التي تجاوزت المئة.
لم يكن جدي عجوزا، مضجرا او بائسا، بل على العكس تماما كانت امارات العنفوان تنضح من احاديثه وتصرفاته وافكاره بشباب دائم، وهو الذي لم يعرف المرض يوما، لانه طالما اعتبر نفسه اكبر من المرض الى ان هزمه الموت.
جدي لم يكن ليقتنع يوما بان الموت يمكن ان يطاله، بل كان يعيش جبروتا دفعه منذ وفاة جدتي الى العزلة مكتفيا بعالمه الخاص، المشيد بالشهامة والبطولة والمجد. ولما طلبت اليه ذات مرة ان يحكي لي حكاية، حدثني عن "الاميرة وحبة الفول" وقتها كنت في العاشرة من عمري تقريبا، وسألني مغزى الحكاية، التي لم افهم منها ضرورة وضع الفرشات السبع فوق بعضها، احتد غضبا: الاميرة تضايقت من حبة الفول لانها كانت اميرة، غير معتادة على التقشف والقساوة، كانت تنعم بالرخاء والرفاهية لدرجة ان حبة فول موضوعة تحت سبع فرشات قد ازعجتها. جدي الذي يعرف جيدا كيف يلقن العبر والدروس، افهمني انني يجب ان اكون انثى ناعمة، عذبة، وقد كان يعاملني على هذا الاساس بعكس اخوتي الذي زرع بهم معاني الرجولة والنخوة والقوة.
لكن ولع جدي الكبير كان للعلم، لان العلم برأيه وحده يستطيع تحرير الانسان، ولا شك ان ذلك ناتج عن المعاناة الكبيرة التي عاشها مع ابناء جيله من تعسف السيطرة العثمانية. كان يقدس التعليم والعلم وشعاره: "تعلم العلم يافتى وكن اميرا.... ولا تكن راعيا ترعى الحميرا" يرفعه ناموسا في كل المناسبات، فالعلم عنده هو المنقذ الوحيد من العدو الطاغي الذي هو الجهل.
لقد وضع العلم في مرتبة قدسية، جعلته ينفق ثروته في تعليم ابناءه، في وقت كانت تعز فيه لقمة العيش والقرش، لكن بالنسبة له، كان مدعاة فخر واعتزاز ان يرى في ابناءه اوائل المتعلمين في منطقته.
سنوات غير قليلة مضت على رحيل جدي، لكن كلماته مازالت تنبض في اعماق نفوسنا، في الامكنة والاراضي التي ملآها بكده وجهده وتعبه وعرقه، وهو الذي كان عصاميا، يداه لا تتعبان، ورجلاه ايضا تصول في البراري، تزرع بكل خطوة حبة من التشبث والعنفوان وحقولا من العزة والكبرياء.
هو لا يزال يجول في كبريائي وفي العنفوان الذي زرعه بي، ففي مدرسته تعلمت العظمة والمجد.
اصيلا كان جدي وشجاعا الى اقصى درجات الشجاعة، لا يكفي مقالا واحدا للحديث عنه، بل يحتاج الى موسوعة بحالها لانصافه واحقاقه ووضعه بمصاف الكبار، المكان الذي يليق به.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -السيد- حسن نصر الله.. رجل عاش في الخفاء وحوّل حزب الله إلى


.. عاجل | حزب الله يؤكد مقتل حسن نصر الله في الضربات الإسرائيلي




.. عاجل | الجيش الإسرائيلي: نحن في حالة تأهب قصوى وهذا ما سنفعل


.. القبة الحديدية تعترض صواريخ في سماء رام الله أطلقت من جنوب ل




.. ‏عاجل | حزب الله: استشهاد حسن نصر الله