الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجليات حضور الآخر في أدب ميسلون هادي القصصي

هديل عبد الرزاق أحمد

2012 / 1 / 30
الادب والفن


لعلنا لا نبالغ إذا ما قلنا إن الحديث عن الآخر –أياً كان- لم ولن ينتهي يوماً، فما دام هناك (أنا، ونحن)، فهذا يعني بكل تأكيد وجود (آخر). وليس غريباً أن يحضر الآخر أياً كان -ولاسيما الغربي- في عموم الأدب، لأنه لسان حال الأديب المبدع الذي ينطلق من ذاته إلى العالم المحيط، الذي بالتالي لا يخلو من وجود آخر، لاسيما بعد انفتاح الشرق على الغرب وحدوث اللقاءات الكثيرة أياً كانت دواعيها أو أسبابها، وشيوع ظاهرة التأثر بهذا الغربي، وبالتالي حضوره في هذا الأدب أياً كان جنسه. وبالتأكيد حضورنا (نحن) أيضاً في أدب هذا الآخر، وهذا أمر طبيعي جداً، أوجده التلاقي والتلاقح الفكري والثقافي والإنساني.
وقد شغل موضوع الآخر اهتماماً كبيراً، أدى إلى أن يكون موضوعة العصر، التي سيطرت على جميع أصعدة الحياة ومجالاتها الفكرية والثقافية، إلخ. وحظي بالعديد من الدراسات والبحوث التي بدأت مؤخراً بالظهور المتزايد.
ويبرز الآخر وفقاً لجدليات عديدة أبرزها جدلية الاختلاف، واللاتكافؤ. وهو ما قامت على أساسه الثنائية الشهيرة (نحن/الآخر)، ومعروف إن ما يحكم العلاقة بيننا وبين الآخر –وهو هنا الغربي- هو عنصر اللاتكافؤ، والاختلاف في معظم نواحي الحياة المختلفة، سواء الاجتماعية أو الثقافية أو السياسية أو التقنية، وغيرها وعموماً تبدو النظرة إلى الآخر في عموم الأدب العربي متفاوتة نسبياً، فالآخر سجل حضوراً لا يمكن التغاضي عنه في مجمل الأجناس الأدبية سواء في الرواية أو القصة أو الشعر أو المسرح، وجاء بصيغ وأشكال متنوعة، منها الإعجاب أو النقد السلبي أو الرفض المطلق له. ومهما يكن من شيء فإننا نعدّ هذه الصور أمراً طبيعياً جداً، إذ ليس شرطاً أن يحضر الاتفاق معه، كما ليس شرطاً أن يحضر الاختلاف فـ "وجود آخر عبر الذات أو الـ (أنا) أو (نحن)، من أي نوع كان يعني بالضرورة حضور الاتفاق أو الاختلاف معه. ولأنّ الآخر موجود في كل مكان وزمان ما دام البشر موجودين، فإنّ ذلك يعني بالضرورة أنّ الاختلاف، كما الاتفاق موجود دائماً" .
ويتراوح حضور الآخر الغربي في أدب المبدعة ميسلون هادي بين مستويات عديدة ومختلفة ويتخذ أشكالاً وصيغاً متنوعة. فأدبها القصصي يحفل بتمثلات عديدة لحضور الآخر، فضلاً عن أدبها الروائي الذي تشكل موضوعة الآخر فيه ظاهرة لا يمكن التغاضي عنها، أما هنا فنحن بصدد البحث في تمثلات حضور هذا الآخر في أدبها القصصي الذي لا يعدّ إلا ظاهرة تستحق الدرس أيضاً.
ومما يلاحظ إن المبدعة ميسلون هادي تتعامل مع الآخر تعاملاً إيجابياً، إذ لا يرد الآخر في قصصها عدواً أو شخصاً سلبياً، بل يرد بصورة نستطيع أن نصفها بالإيجابية نوعاً ما، فهي قد تجعل من الآخر فضاءً لمتخيلها القصصي، وهو ما نجده تحديداً في مجموعتها (أشياء لم تحدث) إذ تصادفنا قصة (طلاب المسز روبنسون) التي تبرز فيها شوارع بريطانيا فضاءً تستخدمه الكاتبة لمحيط أجواء قصتها، مثل (فكتوريا هول، وشارع الوايت لبديز). فضلاً عن إن الشخصية الرئيسة في القصة هي المسز روبسون، وهي سيدة غربية. ويلاحظ أن السرد يكون من خلالها، وهذا تطور يمكن أن نسجله للكاتبة في بنية السرد وتقنياته حين تجعل من الآخر بطلاً وسارداً يرد السرد من خلال رؤيته، ويكون هو المحور الرئيس في القصة. فالفضاء آخر بزمانه ومكانه، والشخصية الرئيسة أيضاً تعد آخراً غربياً، فضلاً عن بقية الشخصيات الأخرى في القصة التي تكون بعضها غربية والبعض الآخر من العرب، داخل أجواء حميمية، يتآلف أحدهما مع الآخر.
وقلنا إن المستويات والأنماط التي يحضر فيها الآخر لديها تتعدد وتتنوع، لكنها تحافظ على جانبها السلمي والإيجابي، ومنها حضوره بصيغة ثقافية (أدبية وفنية)، وفي هذه الظاهرة تحديداً ينطلق الكاتب عادة من إعجابه بهذا الآخر، بثقافته، وفنونه، وفلسفته، وغير ذلك. فتحضر أسماء شخصيات عديدة تتشكل في وعيه وأفكاره التي تتجسد في قصصه، معبرة عن مستوى انبهاره بهذا الآخر، الذي يكون في العادة من كبار الأدباء أو المفكرين أو الفنانين، أو المشاهير عموماً، والذين لا يشك في مستوى ثقافاتهم، فضلاً عن حضور أعمالهم أيضاً. وفي الواقع إن هذا النوع من الحضور يرد بكثرة في قصص المبدعة ميسلون هادي، ففي مجموعة (رومانس) وتحديداً في قصة (الكاتب ينسى... القارئ هو الذي يتذكر) ترد أسماء كبار الأدباء والفنانين والفلاسفة من الغربيين بكثرة وعلى طول امتداد القصة، ولكنها لا ترد اعتباطاً بل يتم ذكرها على إنها شخصيات حاضرة في القصة وتدور الأحداث حولهم. فهم ضيوف الحفل الذي يقيمه القاص جليل القيسي، وحضورهم يبرز كشخصيات لها دور فاعل في بناء الحدث. ومنهم مثلاً (هيرمان هيسة، غوته، صموئيل بيكيت، إيزابيل الليندي، دالي، لوركا، بورخس، وغيرهم) ، فضلاً عن ورود ذكر كتاب (ذئب البوادي) لهيسة الذي يعدّ الأساس الذي بنيت عليه القصة. علما بأن هذا الكتاب يرد ذكره في قصة أخرى في مجموعة أخرى ولكن يكون ذكراً عابراً، وتحديداً في قصة (حياة بالمقلوب).
أما في قصة (رومانس أو نصف هنا.. نصف هناك) فتبدأها الكاتبة بقول لإيزابيل الليندي "إن أفضل دواء لضيق التنفس هو العناق الطويل من محبوب" والذي تورده الكاتبة في هذا الموضع ليعبر عن محتوى وموضوعة القصة ويتناسب معها لكونها تدور حول فراق المحبوب والفراغ العاطفي الذي يحل بالنفس من بعده. وفي قصة (انقطاع) يرد حديث بين امرأة وزوجها حول بعض الأقوال لبعض الشخصيات الأدبية والمفكرين، إذ تسأله أهو هيسة من يقول عن عصرنا بأنه عصر الخوف الأسود، فيخبرها بأنه ريمارك، فتقول أهو من يقول إن الأمل المؤجل يجعل شيئاً ما عليلاً، فيخبرها أنها لصموئيل بيكيت.وفي (أذن من طين) تلتقي بطلة القصة في حلمها بشخصية (كيرك دوغلاس) الذي يقوم باختطافها، وغير ذلك.
وفي الواقع إن هذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على ثقافة الكاتب الأديب وتأثره بالآخر الغربي، ثقافياً وفكرياً لذا يرد هو وأقواله ومؤلفاته في إبداع الكاتب، وهو دليل الإعجاب بهذا الآخر، بإبداعه وفلسفته ومستوى ثقافته. فالكاتبة عبرت عن مديات وعيها وثقافتها من خلال جوانب عديدة، منها تجلي صورة الآخر الثقافي في إبداعها القصصي، فضلاً عن حضوره فضاءً لمتخيلها السردي، منح السرد رؤية جديدة، وأغنى تقنيته من خلال توظيف الآخر سارداً له.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم ولاد رزق 3 يحصد 175 مليونا خلال أسبوعين


.. المخرج محمد الملا يكشف لصباح العربية أسرار من الفيلم الجديد




.. أسباب غياب الفنان عبدالله رشاد عن الساحة الفنية


.. -كان ودي نلتقي-.. دويتو يجمع بين الفنانين عبدالله رشاد ونوال




.. -نحتاج أكاديمية لتطوير مدراء الأعمال-.. الفنان الدكتور عبدال