الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بلاغة الصورة الشعرية في عتبات العناوين عند الشاعرة رشيدة بوزفور

مصطفى لغتيري

2012 / 1 / 31
الادب والفن


بلاغة الصورة الشعرية في عتبات العناوين عند الشاعرة رشيدة بوزفور
مصطفى لغتيري
هناك تحولات عميقة طالت وتطول القصيدة العربية بسبب عدة عوامل ومؤثرات أهمها المثاقفة ، وخاصة في شقها المتعلق بما حققته القصيدة في الآداب الغربية من تطور ملفت ممثلا في قصيدة النثرالتي تلامس عمق الشعر، بعيدا عن الإنشغال بأمور جانبية لا تكاد تضيف للقصيدة شيئا. هذا فضلا عن التطور الداخلي والطبيعي للقصيدة العربية نفسها، التي نفضت عن نفسها غبار التقليد منذ ظهور قصيدة التفعيلة أو ما يصطلح عليه بالشعر الحر.كما أن التحولات الاجتماعية العميقة التي تعرفها المجتمعات العربية ساهمت في هذا التطور مما حتم بروز ذائقية أدبية مختلفة، بررت ظهور أشكال تعبيرية جديدة.

نتيحة لهذه التحولات راهنت القصيدة العربية المعاصرة على الصورة الشعرية باعتبارها الأداة التي ستمكنها من تعميق الملمح الشعري ، عبر الحفر عميقا في الدلالة . كما تساهم في تجسيد ما يفكر الشاعر في التعبير عنه، مستلهما في ذلك بمصطلح المعادل الموضوعي الذي اجترحه وروج له على نطاق واسع الشاعر الناقد الألمعي ت.س.إليوت، صاحب " الأرض اليباب" تلك القصيدة التي لا يجهل أحد مدى تأثيرها على رواد الشعر الحر، وفي مقدمتهم بدر شاكر السياب .

ومن بين حسنات الصورة الشعرية تعميقها للبعد التجسيدي للنص الشعري، مما يجعلها تنأى بنفسها عن التجريد، الذي يصيب الفن الأدبي عموما في مقتل ، فالأدب الناجح هو ذلك الذي يجسد المعنى بدل تجريده.

وفي وقفتنا هذه عند ديوان " ينام الليل في عينيك" للشاعرة المغربية رشيدة بوزفور ، سنحاول ملامسة تعاطي الشاعرة مع صورها الشعرية خاصة على مستوى عتبات العناوين، إذ أننا لا حظنا أن هذا الملمح مهيمن على الإشتغال الشعري في الديوان، مما يؤشر على أنه أحد مداخل ومفاتيح القصيدة الشعرية لدى بوزفور.نتوخى من ذلك الوقوف عند الكيفية التي تنهجها الشاعرة في بناء صورها الشعرية، واستثمارها من أجل تعميق المعنى.
ولعل المراهنة على الصورة الشعرية تجلت – كما سبق الذكر – انطلاقا من العناوين .فالعنوان الرئيسي للديوان جاء دالا بذاته ولا يحتاج إلى كثير من القول لتوضيح ذلك، فأن ينام الليل في عيني محاطب الشاعرة ، لا يمكن إلا أن يخلق الدهشة المرتجاة لدى المتلقي ، ويعمق الدلالة، ويفتح باب التأويل على مصراعيه . جاءت الجملة هنا بسيطة تحترم الرتبة النحوية : فعل مضارع " ينام " المضارعة تعني المشابهة ، وسمي المضارع كذلك لأنه يضارع الاسم أي يشبهه، فحن هنا أمام فعل يشبه الاسم ، أقصد النوم، ونعرف أن الصورة الشعرية حين تعمد إلى توظيف الإسم فإنها تسعى إلى الثبات والا
ستقرار. وبعد الفعل المضارع جاء الفاعل وهو " الليل " الذي يشكل مع الفعل عمدة الجملة ، وهما كافيان بذاتهما .لكن فضلة الجملة وهي هنا الجار والمجرور ومضاف إليه "في عينيك" فبقدر ما تبدو بسيطة فإنها بالقدر ذاته مخاتلة ، تلمس شغاف قلب المتلقي بلمسة حانية فتفجر في الذهن والوجدان الكثير من الأسئلة والأحاسيس، وتلك لعمري صفة الإبداع الشعري اللازبة والأثيرة.
وإذا كانت الشاعرة رشيدة بوزفور قد حرصت على أن تكون عتبة ديوانها الأولى والأساسية ، أقصد عنوان الديوان، مدخلا تجسيديا قويا وبصريا يدل على اعتناء الشاعرة بالصورة الشعرية ، فإن العناوين الداخلية، أقصد عناوين باقي القصائد، سارت في جلها على نفس المنوال ، وكأني بشاعرتنا لا تفكر إلا من خلال الصورة، وتلك ميزة تسجل في ميزان أعمالها.فالقصيدة الأولى في الديوان اتشح عنوانها بالصورة الشعرية اتشاحا كاملا " عري المذاق منارات " لقد حافظت الشاعرة في تعاطيها مع الصورة الشعرية في هذا العنوان على نفس النمط الذي لامسناه في العنوان الرئيس، فالجملة تتكون من عمدة وفضلة ، ويمثل العمدة المبتدأ والخبر ،" عري" " منارات" ، ثم فضلة مضاف إليه" المذاق "أما من حيث الدلالة ، فأن يتعرى المذاق فذلك لا ريب يحير الذهن ويلقي به في عالم التأويل حتى يستقيم له المعنى، ثم أن يكون هذا العري منارات، فذلك ما يضاعف الحيرة والتساؤل.إننا هنا أمام صورة مركبة ، أو تخييل وتجسيد مضاعف. وهذا النوع من التعاطي مع الصورة الشعرية لا يمكن إلا أن يعمق الإحساس والدلالة ، ويربك بالتالي الذائقة التقليدية، التي اعتادت على الصورة الشعرية البسيطة، التي تعمد إلى تجسيد المحسوس بالمحسوس من قبيل :
" له أيطلا ظبي وساقا نعامة "
وحين نتقدم في قراءة الديوان تصادفنا عناوين أخرى تنام في عيني صورشعرية تتميز بلمسة فنية بديعة، من قبيل " أعتاب الجمر " و " تغار الشفاه...ما أبخلك !!....ما حق لك.. !!..." إن هذين العنوانين توسلا المجاز في انبنائهما ، وهو مجاز يدفع بالتفكير والإحساس إلى حدودهما القصوى، فقد استدعت الشاعرة الأعتاب من مجال غيرالمجال المعتاد للجمر، لتؤاخيه معه.واستعارت الغيرة من الإنسان لتلصقها بالشفاه . هذا التعاطي الجميل مع الصورة الشعرية يخدم – بلا شك – جمالية النص الشعري ، ويساهم في تعميق الدلالة ، ويبث ظلالا من المعاني ، تسعف على تحريك آلية التأويل . وهذا الأمر ينطبق كذلك على باقي العناوين، فعنوان " للقلق اشتهاء " الذي اختارته الشاعرة ليتوج قصيدتها الأخيرة في الديوان ، يشي بذلك الحس الجمالي القلق والعميق الذي تتغيى الشاعرة إشراك القارئ في ملامسته، وقد نجحت صورها الشعرية في إثارته وتعميقه.
في ختام هذه الوقفة العجلى عند ديوان " ينام الليل في عينيك " للشاعرة رشيدة بوزفور، نستطيع القول بكثير من الإطمئنان أن الشاعرة وفقت في تعاطيها مع الصورة الشعرية ، التي اتسمت عندها بكثير من الأحاسيس الجياشة ، منسجمة في ذلك مع تيمات الديوان، مما أهلها لتشكل بلاغة تعبيرية ، ساهمت بشكل كبير في تعميق الدلالة والإحساس لدى المتلقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في


.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد




.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي




.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض