الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وثائق الاعتذار – في محراب قلب الحبيبة – هاجر.

عبدالحق فيكري الكوش

2012 / 1 / 31
الادب والفن


ابنة توسيوس،
أيتها الحبيبة الغالية، المطرزة بالكبرياء المغربي،
وسليلة مجد الآباء والأمهات الحبيبات،
الزمن وكأنه ليلة تتوجع، عذراء لعلها ستنجب نهارها الأول، ليلة بلا بداية ولا نهاية، قلقة وضجرة وممتلئة بالوحدة مثلي والترقب، والمكان كنت أنا نفسه، وكنت انت، وليس في قاموسي شيء اسمه المكان، فحيثما أحاسيسنا، فثمة المكان، وكنت كل الأحاسيس، الهواء الناعم والرطب ورائحة البحر وأشجار الصفصفاف والليمون والنوارس والماء والمطر وفصل الربيع.. وكنت متوجها إليك، أرتدي بعض الضوء، وأحتضن الشوق والشغب ومزاجيتي ورعشة الحمى، وكنت أتأبط أيضا سيمفونية "شهرزاد"، وسير ذاتية لكواكب بعيدة، وكنت كأني بدون ملامحي، وهي اللحظة الأولى تبق أبدية، لننجبها، نحتاج إلى جمع محصول تناقضاتنا...
ابنة زبد البحر، وسليلة مملكة النجوم الاطهار،
لأول مرة سأذيع اسمك، هاجر، أنت أيتها الحبيبة الغالية، سأذيعه، لا لتشهده الكائنات، فهذا الكوشي تجاوز الزمن والمكان والكائنات، وأنا سيد الأزمنة والأمكنة، اعترافا واعتذارا وبوحا، وأتقن جدا ترويض النجوم، والسفر الى أرواح شعب الله من المخلوقات الجميلة، الماء وخرير الأشجار ورائحة البحر وضفائر الشمس..، وهاأنذا أكتب إليك، وأنت سيدة مخلوقات اله الجميلة، في ليلتنا هته، اعتذارا طويلا وقد يبدو مملا، وأنا وراء كواليس زيارة قصيرة لم تكتمل، لحظات خديج، عرجت وأسريت فيها كما يعرج الأنبياء إلى قلبك، وإلى أدغال عينيك، المأهولة بشعب من النوارس الطيبة وأزواج من الطيور البهيجة، وحيث صنعة الله، الفرح والنبل والقلق.، وحيث كل شيء فاكهة من ضوء وأجنحة، حمامات ونوارس وأنهار ونجوم وعشب وكمانات..، وكتب بيمين مؤمنين أطهارا، وكم انتظرت هته اللحظة التاريخية، التي لا تتكرر ولا تحدث مرتين، اللحظة الأولى التي ولدت في زمن غريب، ومشيت إليك فيها، بعد أن نظفت حواسي الخمس من غبار الضوء ووجعه.
معذرة يا ابنة زبد البحر، سأهتك في هذا المساء، بكارة الصمت على شهيق نظراتك السالفة، نظراتك القزحية الطفولية، وعلى شهقات لقاء الأمس، وسأتلو الاعتذار تلو الاعتذار في هته العتمة حيث غيابك...
وسأشحذ الحب من وطن الأمس والغد، صدرك يا ابنة توسيوس، حيث أخط بحروف من دمي " ديباجة هذا الاعتذار الاستثنائي" ، وسأصلبه على صدرك النحاسي.. وسأتلو ورد الاعتذار تلو الورد، .. على إيقاع مساءاتي المتعبة.
وهذا المساء، سأكنس المستقبل من الأحلام المزعجة والكوابيس، فلن تسكن بعد اليوم عيونك الحبيبة، وعد علي.. وحده الحب واعتذاري المتكرر، يحدث ويتكرر في مسائك..
لدي رغبة في البوح والاعتراف والاعتذار، لكن لا ادري كيف أبدئها، ولا كيف انهيها، فهل لديك رغبة للحضور إلي- أيتها الحبيبة- في أشكالك المختلفة، لأرتب اعترافاتي ووثائق الاعتذار هته، وكم تراودني هته الرغبة عن نفسي، ان استلقي على صدرك الغائب : الناعم كالعشب !
لكن قبل الحكاية، تعالي نلعب معا لعبة البداية ولعبة الغموض، لعبتنا الكاثوليكية المألوفة، أن أرقص رقص "زوربا" على صهيل المساءات، الطاقة الخفية لتكسير الصقيع الذي دثر المساءات اللاحقة بيننا، وقبل أن أعترف على شهيق صوتك "أحبك"، تعالى لنتلو الاعتراف تلو الاعتراف قبل الاعتذار، ثم نلعب لعبة الصعود والنزول إلى العالم العلوي حيث حبيباتنا تلك الكثيبة من "النجوم" المجنحات الصافيات الحبيبات، وحيث الحبية الضائعة التي تشهبك، المجنحة اللامعة المشتعلة، الهاربة من أغلالها وقيودها، والتي كسرت قيودها وتربعت في هزيع الآلهة الصامتة والمصلوبة في هذا العالم العلوي..
لا أدري كيف امسك ضوء القمر الهارب هته اللحظة التي يراودني فيها أن أكسو شفتيك ببعض الثياب من لهب من مشاعري الملتهبة، لا أدري كيف أمسك فراشات اعترافاتي العفوية واعترافاتك الفطرية وهي تغادر مآقي قلبك الطيب... لا ادري كيف أمسك هذا الاعتذار، ولا شكله، ولا كيفيته، لكني أريد أن اعتذر ، وحتى أصعد الى روحك رقصا واعتذارا..
جميل يا ابنة زبد البحر "هاجر"، أن أتوسد هذا المساء شعرك البهيم وأن أتوسد صدرك النحاسي الناعم وأداعب عينيك المغلفتين بالفرحة والمطرزتين ببعض البراءة والمنمقمتين والموشيتين ببعض الهواجس والقلق وهذا شعور النبلاء والعظماء، واذكر الأمس حيث كانت نظراتك تلازمني، وكأنه القدر يتنهد في صقيع سفري المسائي، وإسرائي ومعراجي إلى روحك، وكم هي ليال استثنائية، وغير مسبوقة في حياتي، وأنت في ثياب القلق والفرحة والتوجس، تبعثين إلي بالأمنيات والعتاب واللوم وترجميني الحب بالمقاليع "نظرات" غير مألوفة لدي ، وتشهقين من جرحي مشاعرك الرقيقة جدا، وكم كنت أنت معي في كل هته الرحلة، جذابة وناعمة ورقيقة، الرحلة الشاقة والمرهقة، ورحلة الانتظار والترقب، ورحلة الحب العاصف والممطر، وكنت كطفلة مشدوهة من شيء ما لذيذ ومختلف وغريب..
يا ابنة زبد البحر، شيء ما يجذبني إليك بقوة، رائحة الفجر تغادر عشب عينيك، وملامحك المألوفة إلي، أعماق صدرك حيث تختبئ مسودتي من الأحلام الحبيبة والوساوس المؤمنة، أذرعك الضامرة واللامعة، الروح، القلب.. فلو تقتربي أكثر يا ابنة توسيوس وتقتربي، فكم مزاجي أنا في الحب وأنت تدرين، وهمجي المشاعر وأنت تدرين، وليس بجديد عنك هذا التصريح ولا بغريب...
استأذن في أن أقول: أعتذر، وأنحني لروح سيدتي، وأن ألثم اليد التي طالما امتدت إلي في ثلاثون ليلة مشتعلة، وكنت كل ليلة تحضرين إلي في ثياب تختلف عن ثياب ليلة الأمس، لم تكوني تضعين أحمر شفاه، ولا كحلا، فقط تتعمدين دبغ الشفاه بالآهلات، والروح بالهتاف، وكنت تقتربين، حتى تحدث قهقهة الرعد في الروح...
ابنة زبد البحر،
الحب والاعتذار، وجهين لعملة واحدة، من لا يعتذر لا يتقن الحب ولا يفهمه، والاعتذار لغة المحبين، و الحب كما هو متعارف عليه عندي و عندك، له ملامح مألوفة غير معروفة لدى السلالة البشرية، انه شيء مختلف تماما، بل كما هو مسطر تماما في أبجديات أهل السماء، وكما هو متعارف عليه في مملكة النجوم و الطيور و إمبراطوريات الورود و الأزهار، خيط من المودة الرفيع، لا يدركه إلا من يمتلك قلوب جميلة، ويتقن قنص الحب و له حظ في الرماية..
بادئ ذي بدء، اعترف أني ترددت قبل أن أتورط في أعماقك، فقلبي تتزاحم فيه الخفقات مثل تتزاحم على أبوابه ونوافذه فراشات قزحية تنشد غايتها في تلاوة قداس "صلاة الروح للروح…"
أعترف بترددي، وقد كثر في عهدنا المخطئون مثلما كثرت الخطيئة في شكل وعدد المفسرين للنصوص حتى و لو كانت نصوصا أدبية صرفة، اعترف بجبني و تخاذلي، في أن أحرك النصف الأيمن من قلبي، خشية من أن تستيقظ مشاعر ناعسة فيه، فانا اعتقد أني مقاتل خلق لأجل تعقب طواحين الريح الدونكيشوتية، وتدوير نواعير الأجداد التعسة...
و بادئ ذي بدء، أسمح لنفسي أن أنحني بأدب و أقبل يديك الكريمتين، إني كما قال الفنان الاسباني المرهف خوليو " احترم النساء الذكيات، و للنساء فضل كبير علي أكثر من الرجال"… وصدقا أقول لك انك -خاصة -مثل ضوء القمر الفضي أبصرك كثيرا تداعبين حافة جفوني…
قد كان بودي أن أهديك شيئا مختلفا، قدحا من السعادة و المشاعر المتوهجة الساخنة، حديقة من أزهار شقائق النعمان، أقداحا من الشفق، نشربها نخب حبنا الاسطوري الممتدة و العميق و القوي و الصادق، أن أهديك القمر طفلة في ثوب عرس ، النجوم ماسات زرقاء، أن احتفي و إياك و الشمس في عربة إمبراطورية متلألئة، تجرها خيول فضية، و نختلي لنمارس طقسا يشبه ذاك الذي تمارسه سحابات الصباح حول الشمس، و نحمل كما نوح زوجين من جميع أصناف مخلوقات الله الجميلة، ما عدا هته السلالة البشرية التي تؤرقني حضورها وتلصصها، ثم نزحف في رحلة أزلية إلى العالم العلوي، بعيدا عن أعين المتلصصين، بعيدا جدا .. عن كل ما تبقى من مخلوقات الله، و نبني وطنا غير هته الأوطان، ناعما كسرير من العشب، دافئة كعينيك، تنتظم فصولها و تتساوى أعراقها، و أجناسها... وقبل ذلك تقولين: قبلت اعتذارك، أيها الرجل الكريم..
بودي، يا ابنة زبد البحر، أن أهديك أجنحة ملكية و عرشا بيزنطيا و خيول عربية وعربة انجليزية و كل الحب المختبئ في صدري منذ عصور ما قبل خلق الأرض والسموات، وبودي –أيتها الأميرة- ذات الروح الفضية الصافية المتلألئة ، أن أقطر لك من بزوغ الفجر والليالي المحمقات ومن شعب الورود ، شعبا ووطنا وسريرا وصدرا... ومن شعب الأزهار رعايا، وأن أطرق النجوم على قمم الجبال و أصوغها لك أقراطا، و الكوكب أصوغها لك خواتم، أن أهديك حفيف الأشجار و خرير الجداول ومرح الياسمين والحبق والزنبق ..، وأغاريد البلابل والأطيار كرنفال موسيقى، ولكن ما أنا إلا شاعر يملك قلبا مجنحا و جميلا وعاصفة من المشاعر الملتهبة الصادقة ، أكسر أضلع الليل و أرتق المسافات، و أمزج السحر بالتضرع، وكل سحري هو صدقي….
شاعر، أستبسل في تمديد جرحي وجرحك وجراح الماء والعشب والموسيقى، وأخيط بشعاع الشمس بعض الفرح لي و لك و بعض السعادة نخبئها لأرذل العمر، واطعم بعض الكلمات المرهفة نخاع النمور، لتسرق لي حقا ضائعا من فم أسد جائع و بليد.
شاعر يسرق بعض الرنين من نبضك الحار وبعض الحياة من أنفاسك الدافئة والملتاعة، و يتنفس كثيرا شجاعة النبلاء من وصاياك وإصحاحاتك..، و ينجب في اليوم الواحد و في الثانية الواحدة، شعبا من الآهات في شكل سرب من الفراشات المشلولة مثل تلك المصلوبة على لوحات ميروو، و قد تجذبه نفس الأسطورة، قصة بروميثوس، فيكرر سرقة قبس من النار لصالح هؤلاء المغفلين في الأرض " البؤساء مثلي"، فيقع فريسة أحلام "كهلة "بالسيطرة على تلك النار و الأقدار، فتعاقبه بوضع أغلال و سلاسل و تربطه على قمة جبل توبقال، فيتغذى على كبده المحروقة طيور من حجم طيور ستيمفالوس….
ما أنا إلا شاعر تتيسر له سبل الموت -سيدتي الأميرة-، و ليس بائسا كما قال الفيلسوف الرواقي سينيكا من توفرت له سبل الموت…، هكذا أدمن هوايتي المفضلة- البحث عن أجداد ضائعين في قمم الجبال…
ما أنا إلا شاعر ، تائه في غبش الليل و بين الوديان و الحقول أطارد ثغرا مزعوما وشفاه مفترضة لصلوات أجدادي، و أتوهم كل حشرجة في هته العتمة مخالب حدأة ستفترسني، إني حذر جدا ..
لم أتروض في معبد روماني على مصارعة الوحوش، و لم أتدرب على سلك المفازات، أحيانا أبدو كطفل و أحيانا في هيئة وحش، تهاجمني الفوضى و تستوطن السحب الرطبة أحشائي، فأبدو كما الحالات السالفة الذكر، لكن في جميع حالاتي لا أكون إلا أنا الإنسان ….
كان بودي أن أقوم بعمل خارق يليق بمقامك الملكي، أن افعل كما فعل هرقل و اجعل منتصف الليل – بإرادتك-يرى الشمس، أن اجعل ضوء النهار يتوقف لأجلك، وان اجعل الغابات – بمشيئتك- تزهر في منتصف الشتاء، وأن أمنحك الخاتم السحري الإمبراطوري، و أتأملك أنت سيدة الشمس الخارقة تسوقين قطعان الجبال المتعطشة والأحراش الشائكة لترضع الغمامات الممطرة .
كان بودي أن أقوم بعمل خارق، لكن لا أملك من كل هذا، غير تسليتك بحكاية سخيفة ومملة، ملحمة نبدد بها المساء تلو المساء.
أعتذر يا ابنة توسيوس، نسيت فهذا المساء كان للاعتذار وقد فعلت...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال