الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلتنتصر إرادة الخير

شاهر أحمد نصر

2012 / 2 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


وردتني في هذا الصباح رسالة هامة من الأديب والمترجم المعروف عن اللغة الفرنسية، والحائز على جوائز عالمية في مجال الترجمة، ورئيس جمعية الترجمة في سوريا لسنوات الأستاذ عبود كاسوحة... وأجبته بالرسالة التالية:

"الأستاذ النبيل عبود كاسوحة المحترم

قلوبنا معكم...

كل كلام في مثل هذه المناسبات أجوف...

ندعو من القلب أن تنتصر إرادة الخير، وأن تبقوا بخير، وتبقى بلدنا كما نحلم.

أرجو أن توافينا برسائل يومية لنطمئن عنكم.

مع التحية العاطرة والمحبة الصادقة.

طرطوس 1/2/2012 أخوكم شاهر أحمد نصر"

ونظراً لأهمية الرسالة أنشرها كاملة:

“أيها الأحباء، يا أخوة الترجمة

احفظوا هذا التاريخ:

جرى قبل أربعة وخمسين عاما الإعلان عن الاتفاق بين مصر وسورية على إعلان الوحدة بين البلدين،

وكان اليوم الأكثر شؤماً في تاريخ سورية الحديث: جاءنا بالتعصب الديني، وبأنظمة المباحث، وحكم الفرد،

وإلغاء الآخر...وويلات عانينا منها وما نزال. وكنت يومها في آخر المرحلة الثانوية، لكن من جيل قادر على

أن يحكم على الأشياء. رغم أنّ البعض ما زال يكابر حتى اليوم فيعتبره يوما مضيئاً في تاريخنا الحديث.

لكن قلت لكم رأيي الشخصي...



وأنتقل الآن الى التاريخ نفسه .فإليكم أين نحن في القصير، بدءاً من عصر أمس الثلاثاء وحتى فجر الأربعاء 1/2/2012:



القصير تمثل سورية من حيث تنوّعها الديني، وهذا يحزنني حين أفكّر بأنّي تخرّجت من الجامعة بعد خمسة أعوام،

وبيننا زميلات وزملاء لا يعرفون ديني، بل يظنّون أنّي مسلم، رغم أنّ عددنا في كافة السنوات لمّا يبلغ أربعة عشر.

في القصير، أكثر من ثمانين بالمئة مسلمون، سنـّة، وقرابة خمسة عشربالمئة مسيحيون كاثوليك، والنسبة الباقية علويون وشيعة،

وعدد من البيوت الآشورية والأرمنية، والكردية والتركمانية... والكل يعيش في وئام، في الوئام السوري الأسطوري...



لست في صدد الحديث هنا عن حكم الحزب الواحد الذي تعرفون كلكم ما فعل بالبلاد...فأنا معارض. لكنّي أقبل بأن يُهدَم بيتي،

ولا يُكسَر لوحُ زجاج واحد، في نوافذ مباني شعبة الحزب أو البلدية أو المالية او المشفى او الجمارك...

وأخذت الأحداث تتوالى وتتصاعد من تموز الماضي يوم وقع أول قتيل في القصير، التي بدأ اسمها - وا أسفاه!!!- يظهر على الشاشات...

فاتني أن اقول لكم إنّ أكثر من ثمانين بالمئة من كاثوليك القصير شهرتهم "كاسوحة". وهم خمس عائلات على الأقل، ليسوا بالتاكيد

من أصل واحد. وهي مصيبة. ذلك أننا جميعاً، مسيحيين ومسلمين، نحمل التراث اليهودي الملعون -شئنا أم أبينا- ولا أخجل

من هذه الكلمة "ملعون"، لأنّه تراث يجعلك مذنباً، بل مجرماً، ومعرّضاً للقتل، إن كان لك قريب قتل نعجة في درعا أو بغلاً في دير الزور

أو كلباً في القامشلي: بلى، نحن بكافة طوائفنا، ورثة اليهود. فالجريمة عندنا موروثة.

ويشاء سوء طالع كافة آل كاسوحة، أن يكون هنالك بيت واحد، أبناء رجل واحد، اسمه "حنا" وهم أربعة أصغرهم الآن في الخمسين.

وأولادهم، أي ما لا يتجاوز العشرة، يشكلون شواذاً بكل معنى الكلمة: لم يتعلّم منهم أحد، بل يعملون في حرف كالتبليط والدهان...

وهم قادرون على ارتكاب كافة الموبقات, ويتعاونون مع الأجهزة الأمنية... ومع بدء استخدام السلاح قُتِل ابن أحدهم...

وحاول العقلاء التدخل والتهدئة والإصلاح، لكنّ الأوضاع ظلّت تسوء، لأنّ العقلاء باتوا مهمّشين، وأصبح الشارع تحت حكم الزعران.

وهذه ليست من خصوصيات القصير، بل هي حالة أضحت منتشرة في كل مكان:

الجيش، والشرطة، والأمن، يحتلون مواقع ثابتة عند المفارق، وخلف الحواجز. فهم ثابتون. وإذا ما رأيتَ بيت جارك أو أخيك،

وقد دخله اللصوص، واتصلتَ بأحد الأجهزة المذكورة، جاءك جواب واحد: "نحن لا نستطيع أن نتحرّك، دبّر حالك".

فمن يستطيع إذن أن يتحرّك؟ إنّهم اللصوص والمهرّبون ومتعاطو المخدّرات والسفلة وحثالة المجتمع...

قام هؤلاء عصر يوم أمس، بخطف واحد من آل "حنا"... فما كان من هؤلاء، إلا أن خطفوا ثلاثة من السنة، كانوا يمرون في الشارع.

وبعد ساعة واحدة ارتفعت من أكثر من عشرين مئذنة دعوات للجهاد والانتقام من "النصارى والنصيرية" !!! فيا للهول!!!

وجرى في أقل من ساعة اختطاف ما يزيد على ثلاثين شخصاً، أكثريتهم من آل كاسوحة، وليس من أواصر قرابة بينهم بالضرورة،

بالإضافة الى عدد من عائلات أخرى: حلاق، حداد، لويس...

وأرغمت القصير على النوم، بل على الانحباس داخل الجدران، قبل المغرب من أمس، وسط جو من الهلع:

ليس من يعرف ما جرى للمخطوفين... والحركة الوحيدة في خطوط الهاتف الأرضي: الكل يطلب من الكل البقاء في البيت،

وعدم فتح الباب لأيّ طارق. ومسلمون يوصون أصدقاءهم بالاحتراس، وآخرون يلحّون عليهم - إن كانوا جيرانا- أن يأتوا

فيحتموا عندهم إذا ما دعت الضرورة... تلك هي حالنا... تلك هي حال القصير التي كنت أزهو حتى حزيران الماضي،

بأنّها مركز إشعاع حضاري للمظاهرات، التي كانت تخرج يومياً، دون سماع طلقة واحدة، أو دون قطع ورقة من غصن شجرة...

أقول لكم، والحزن في أعماق قلبي، إنّي لا أدري ألى أين نحن ذاهبون. وهل تتحسّن الأوضاع بغتة، على وزن المثل الشعبي:

"إذا ما خربت، ما بتعمَر". أم أنّها ستتدهور فتجرنا الى هاوية بلا قرا؟؟؟ وهل سنتمكّن من اللقاء كالعادة، أم أنّكم ستسمعون عنّي؟...

إنّي لست أدري، لكن اشهدوا، إنّي أحبكم، عدد النجم والحصى والتراب... وإنّي أومن بإله واحد اسمه "الحب"...



ملاحظة:

نسيت أن أذكّركم باجتماعنا ظهر الاثنين،

6 شباط، وليعذرني سيدي الرئيس عن التغيب-إن حصل-

لا سيّما أنّ وليّة أمري لا تستطيع بدورها مرافقتي لتبرير الغياب...

وأرجو أن تنوب عني إحدى الزميلات، لا الزملاء، في كتابة المحضر...

ابو علي"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح والعلاقات بين مصر واسرائيل .. بين التوتر والحفاظ على الم


.. الجدل المتفاقم حول -اليوم التالي- للحرب في غزة.. التفاصيل مع




.. حماس ترد على عباس بشأن -توفير الذرائع لإسرائيل-.. فما انعكاس


.. قتلى ومصابون في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل وحزب الله | #ر




.. جدل مستمر وخلاف إسرائيلي وفلسطيني حول مستقبل حكم غزة | #التا