الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عرقنة مصر...وطغيان ديمقراطية القصاص

اكرم هواس

2012 / 2 / 2
العولمة وتطورات العالم المعاصر


عرقنة مصر...وطغيان ديمقراطية القصاص
د. اكرم هواس- اكاديمي عراقي- الدنمارك
بالامس خرج علينا الرجل الكبير ذو مظهر الوقور و المسالم ليطالب بالقصاص من اصحابه السابقين...امام الحشود الهائلة المنادية... القصاص... القصاص... فان رئيس الزراء ربما وجد ان القصاص يبدو اكثر تأثيرا و اكثر نجاعة بل من المؤكد اسرع تحقيقا من كل الوعود الاخرى التي طالما وضعته وزارته هذه و تلك التي سبقت و بين هذه و تلك ايضا وزارات و وزارت عديدة دون ان تحق شيئا.. و خاصة وعود بناء تنموي يقلص الفقر و يوفر الخبز والمسكن للملايين الجائعة و المشردة.
المشهد بلغة المسرح يبدو شيئا من الكوميديا المأساوية المبكية... فالجوعى يطالبون بالقصاص بدلا من الخبز و المشردون يطالبون بالقصاص بدلا من بيوت تأويهم و المثقفون يطالبون بالقصاص بدلا من الحرية و الفنانون يطالبون بالقصاص بدلا من التحرر و الرياضيون يطالبون بالصاص بدلا من نشر الاحترام و القضاة و المحامون يطالبون بالقصاص بدلا من العدالة... و المحرومون يطالبون بالقصاص بدلا من الكرامة و غير المتزوجين و المتزوجات و هم ملايين يطالبون بالقصاص بدلا من الحب.... اصوات تدعي الانتماء الى اليسار و اليمين و الى المتدينين و الليبراليين و المحافظين و الى القوميين و الوطنيين و الفرانكفونيين... تخرج هنا و هناك و تصدح بلا كلل و ملل مطالبة بالقصاص و كأن مشاكل مصر كلها انتهت و لم يبق سوى التخلص من صورة الهزيمة الموضوعة على رف من رفوف متحف التاريخ المصري و من ذاكرة التسلط المحفوظة على صفائح الكمبيوتر الوطني العملاق.
ماذا يجري في مصر...؟... هل يتم اختزال الثورة التى كان هدفها البناء الى الية للثأر و الثأر المقابل؟ هل يمكن البناء بالقتل و الجماجم؟ هل تم التخلص من النموذخ الكوري الشمالي لمبدأ الجمهورية الوراثية لكي يتم اعادة انتاج نموذج جمهورية الجماجم لدولة الخمير الحمر في كمبوديا؟ هل نحن ازاء انتاج نموذج متطور من الديمقراطية المبنية على حرية الفرد ليس في البناء كما توحي الافكار الليبرالية بل في المطالبة في القتل هكذا دون رادع اخلاقي لقيمة الانسان؟ هل ستشيع ثقافة القصاص كبديل واقعي للتسامح التاريخي في المجتمع المصري؟
ماذا يجري في مصر.....هل يجري صوملتها, لبلنتها, بلقنتها .... ام عرقنتها؟ الصوملة مصطلح ظهر بعد زوال مؤسسات الدولة في الصومال اثر وفاة محمد سياد بري ,اخر رئيس لدولة صومال الحديثة التي تحولت الى ساحة صراعات دموية شديدة ما تزال جارية بين مجموعات اثنية و دينية و قبلية بهويات مختلفة يتم اعادة انتاجها. اللبننة و البلقنة متشابهان من طبيعتهما الطائفية الاثنو-دينية اي ان الطائفية تعكس تطابقا ذهنيا و ثقافيا و تاريخيا بين الدين و العرق في اشارة الى صراع الطوائف الدينية في لبنان منذ خمسينات القرن الماضي و في منطقة البلقان في وسط القسم الشرقي من اوروبا في ازمنة مختلفة و متجددة.
في الحقيقة منذ سقوط الدولة في الصومال و كثير من المثقفين يحذرون من صوملة الشرق الاوسط و بلقنتها كما جرى الحديث عن لبننة العراق اثر اندحار قواته في حرب الخليج او ما سمي بحرب تحرير الكويت. و لكن كل هذا جرى في انتقاد لدور الولايات المتحدة الاميريكة و استراتيجتها غير الواضحة تجاه المنطقة, اما الان و قد اصبحت امريكا لاعبا حاضرا في كل المناسبات فان النموذج الاكثر واقعية و الذي يمكن توقعه للشرق الاوسط هو ما صنعته امريكا بشكل واضح و جلي في العراق ...و النموذج العراقي يختلف عن النماذج الاخرى مثل الصوملة و اللبننة و البلقنة ليس فقط فيما يتعلق بالبعد التاريخي بل ايضا في شيء اكثر اهمية و هو تعدد الرؤوس غير الفاعلة و العمل دون الافصاح عن اية هوية واضحة.
في العراق هناك الكثير من المؤسسات التابعة للدولة و المتعاونة معها و اموال بالمليارات تتحرك هنا و هناك دون ان تبني شيئا او تغير شيئا من واقع البؤس الذي يزداد كل يوم. هناك الكثير من المؤسسات المخابراتية و الاستخبارية و اربع جيوش رسمية هم الجيس العراقي و البشمركة او جيش اقليم كردستان و جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر و قوات الصحوات و لم تستطع هذه الاجهزة المخابراتية و الجيوش ان تمنع اي من الجرائم و الانفجارات المستمرة التي لا يعرف من يقوم بها ... و لا اسنطاعت هذه الاجهزة و الجيوش ان تمنع تدخل كل من هب و دب في شوؤن العراق. كل الاحزاب و الجماعات و الجيوش و الميليشيات تدعي العمل من اجل العراق و الجميع يتهم الاخرين بالطائفية دون ان يتجرأ احد الاعلان عن تمثيل طائفته بشكل حصري و صريح. و هكذا فالقرار ضائع و المسؤولية يتهرب الجميع منها و الجرائم و الانفجارات تستمر دون ان يعرف احد ماذا يجري.
اعتقد ان هناك مؤشرات كثيرة تدل على تطور الاوضاع في مصر بهذا الاتجاه فالثورة التي كانت تشكل جسدا هائلا بلا رأس ظهرت لها رؤوس كثيرة لكن ان دون يتمتع بدور حاسم و كذا ظهرت قوى كثيرة دون ان يتحمل احد المسؤولية.
هناك الان رئيس وزراء ووزراء دون مهام واضحة و هناك مجلس الشعب لا يمثل الثارين ولا يمتلك سلطات اقالة الحكومة و احزاب فازت في الانتخابات دون ان تستطيع تشكيل حكومة و سيظهر قريبا رئيس جمهورية لا يستطيع ان يحكم... بينما يظل مجلس عسكري يمارس هواياته السلطوية من وراء الكواليس و دون ان يتحمل اية مسؤولية تجاه عملية التنمية التي يحتاجها الجميع. الاخوان المسلمون تخلوا عن شعارهم التاريخي (الاسلام هو الحل) و كذا فعل السلفيون في ظل ضرورات الحكم... و نجيب سويرس رئيس اول حزب قبطي مسيحي يقول عن نفسه انه اول قبطي مسلم و الليبراليون يتحدون مع السلفيين و اليساريون يتكتلون مع الاخوان و الوطنيون و القوميون بين هؤلاء و هؤلاء... هكذا تضيع التصنيفات و الكل يتسلم جزءا من السلطة دون ان يمارس شيئا و بالتالي يبقى المواطن ضائعا لا يجد من يشتكي اليه...
و على ذات النسق فقد جرت احدات كثيرة دون ان يعرف احد المسؤول عنها مثل حادث السفارة الاسرائيلية و خريف وزارة الداخلية و تفجير انبوب الغاز الى اسرائيل و الاردن و خوادث الاعتداء على المتظاهرين و المتظاهرات و فتل البعض هنا و اغتصاب اخريات هناك...و...و.... نعم كل هذا يماثل بالضبط ما جرى و ما يزال في العراق.
وسط كل هذه الفوضى يرتفع صوت ... حيى على القصاص... تردده الكثير من الماذن السياسية و الدينية و الثقافية و الشعبية, يسكت العقل و يعم الصمت و يخشع الجميع لصلاة الموت... او الديمقراطية الشرق-اوسطية , هبة الجبار المتسلط الاوحد, امريكا. وسط هذا الصمت الرهيب ينسى الجميع ان صدام و مبارك و القذافي و اعوانهم و امثالهم ممن سبقهم و من يعقبهم من الظالمين و السارقي و ناهبي حقوق الناس في هذا العصر انما هم جميعا من ثمرات و بركات النظام العالمي الذي يقف على رأسه و يديره خيوطه امون العصر التكنولوجي امريكا... الجميع مأخوذون بالمشهد و لا يقوون الا يرددو... لبيك...لبيك.. القصاص...القصاص...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - true
saadmosses ( 2012 / 2 / 2 - 15:28 )
yes DR. you pointed the truth and looks to all middle east and arab and moslims countries they drive backwards and the other world drive forward and nobody understand where they are going and every leader after takeover any arabic coutries start to lie and lie that the one before him was bad and dictator and him is the best but the truth he is more worst than before if we try to compaire everything and considering the time and the world needs so i believe we are lie to ourself then we try to believe this lier and we sell it to others as a truth that what itis today and alots of our writers doing this job so god bless our nations and you too thanks again for your article iam very interst with it keep going god bless


2 - world system
اكرم هواس ( 2012 / 2 / 3 - 11:49 )
Dear Saad,
Thank you for your interest. The essential problem is not in the leaders as such, it is primarily in the world system that produces them and offers the best basis of a political development that flourishes regardless the interests, the wishes and dreams of the peoples.

اخر الافلام

.. نتنياهو لجنود الاحتياط على الحدود مع لبنان: نقدر خدمتكم ونعم


.. مؤسس موقع ويكيلكس يقر بالتهم الموجهة إليه بعد اتفاق مع الحكو




.. مسيرة حاشدة في كوريا الشمالية لإحياء الذكرى الرابعة والسبعين


.. الشرطة البريطانية توقف 4 أشخاص لاقتحامهم حديقة منزل رئيس الو




.. أخبار الصباح | زوجة نتنياهو تتهم الجيش بمحاولة الانقلاب عليه