الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وثائق الاعتذار في محراب قلب الحبيبة-الى الحبيبة هجر-(02)

عبدالحق فيكري الكوش

2012 / 2 / 2
الادب والفن


ابنة توسيوس،
أيتها الناعمة جدا، والدافئة جدا،
كم هو مناسب هذا المساء للحكي عما تبفي مني، وأنا أحاول أن أضيء كالحجر، لكني لا أضي.. ظل من جندي المهزوم، عبئ علي، أرتدي نوافذ وأبواب مفتوحة على مصراعيها على كل ريح، قد سقط مني مني، أضحك وأبك...ي، وأنا كجندي يهدد بتصفية شبحه المهزوم، شجاعة اللحظة الأخيرة، مستعد أن يطلق النار حتى على ما تبقى فيه من أشباح وظل، وكم هو مناسب أن أتوهمك أو أخلقك، وأنت حقيقة تعلو فوق كل الحقائق، حليب أبيض وشعب من الياسمين وكثيبة من النوارس ولؤلؤ وموسيقى..
الأمر سيان - ياسيدتي، قد صرت كائنا من غبار ورماد ورؤى، وخسائري فاقت كل توقعاتي... ومناسب جدا –هذا المساء- لإحصاء عدد القتلى مني، وعدد جرحاي، وعتادي العسكري، المدرعات والطائرات المقاتلة... وهو هكذا هو الحب، وكما قال الطروادي محمود درويش، ينتهي بوداع حرج... وكم هو مناسب أن أتأملك، في ثياب الانتصار الصغير: عروسا تذرف دمعتين على لعبتها المفقودة، عروس القصب، وكم هو مناسب أن أشاهد غيابك يشيع نهايتي، وتشعلين شمعة ما بعد هدوئي، وتسحقين الحزن ما بعد غيابي.. !
هذا المساء، وأنا كالغبي شاردا، وقد نقصت أعدادي مني، وحيث أمسك بكوب قهوتي، المزيج من الانتظار والاحتمالات والترقب، أسكبه على طاولة التخمينات المستعجلة، ربما... وربما... وأسحق ما تبقى مني بقسوة، وحيث رائحة المنفى تعبق من مداخن الروح، وترسو على ملح جروحي، وهواء ندي يغادر أعماق البحر المسجى، ويخنق الماسات البيضاء في حنجرتي، نوارس محلقة تفرك المسافات ذهابا وإيابا، جيش أتعبه التحديق في زرقة الهوية، وربما هو جيش مهزوم مثلي، لم يجد غير البحر، ملعبه الروماني، يمارس فيه هواية الذهاب والإياب، نكاية بالبحر والياسمين، في انتظار جنازة مستلقية على الملح والماء، يشيعها إلى مثواها الطارئ، ولعل الأسماك أكثر الكائنات حظا في الموت،..
هذا المساء وحيث ذراعيك البيضاويين المحلقتين في العتمة، وشفتيك المطرزيتين بأحمر شفاه أرجواني ناعم ثياب المحاربين في معابد الشرق الأقصى، و هذا البحر الذي أعرفه ولا يعرفني، وهذا الغروب القاتم المتألم الذي يهددني بإطفاء النعاس في أجفاني المرهقة.. أحس أني مرهق جدا، وأني قطعة تافهة من القطن..
هذا المساء، أتوهمك، تقتربين أكثر يا ابنة زبد البحر، وتسقطين هذا العشاء المستحيل "ذكرى" و "حقيقة" على كرسي طاولتي المعزول والفارغ والممتلئ بوحدتي، و تقتربين حتى لا تصيبني علة الضجر، وتقتربين وتسكبي عواطفك في أحداقي عيني، وتشربين نخب "الحضور" ونخب الشمس، ونحن نصعد إلى نشوتنا باسمين، ولعل صفير نهديك يرشدني إلى احتساء أنفاسك الحارة.. ولو تقتربين، لأنطق بالحقيقة الأبدية: كم أحببتك، وهزمني قدرك الغريب...
معذرة يا ذات الأنوثة المتوحشة، هبت ريحك عكس سفني ، و أقدراك غريبة جدا، أقدار من الفحم ترتدي المكيدة، تعمدت تصويب البنادق نحوي.
معذرة ذات الوجنتين المشتعلتين، هذا المساء، أغمض ما تبقى من جسدي وعيني التي لم تتذوق سلال فاكهة النوم أربعون مساء، وأرتق شقوق الشفق الحبيب، وأتوهمك، تمشين بوضوح على صراط حواراتنا المسائية، أتوهم تغاريد العصافير تداعب شفتيك الحبيبتين، وتلتهم كلأها المعتاد شقاشق صدري، وعلى ضجيج تلك النوارس الشقية الرابضة في عينيك، أتوسد المساء على صدرك عشبا، أتنفس رائحة العشق والحزن، مثلما تتنفسين هته الرغبات الحارة على صدري، ومثلما تتنفس ضفائر شعرك رائحة البحر والحب... هذا المساء، أتوهمك، ولا أجدك !
هذا المساء وأنا الراوية والحاكي "شهريار"، أهذي حينا بكلمات متعبة متلعثمة وخجول، وأهددني حينا، وأتنبأ حينا مثلما يفعل الكهنة وكما يفعل المتنبئون والعرافات، أنك ترقصين يابنة توسيوس كلما أتعبتك بالحكي، رقصة كتلك التي رقصها زوربا رقصة حالمة، رقصة قوس قزح رقصة أبدية، رقصة الحواس والذاكرة، رقصة القلق، رقصة جلال الدين الرومي حتى تصعدين والروح إلى مدارج الشمس الحبيبة رقصا.
ولك ما شئت، هذا المساء، أن تهز أقدامك ضجيج خلاخلها، ارقصي في جنازتي، وتخلصي من أغلال حبي وعشقي وتحرري مني يا سيدة الشمس... لك أن تكوني عاطلة عن الحب وتكتفي بتنظيف مساءاتك مما علق بها مني !
لست العراف الإغريقي تريسياس، أتلو على صدر أقدارك بعض النبوءات، وأقرأ طالع المستقبل الميت، ولكني "جني" وأنت من راوده عن نفسه، وما أنا غير ساحر هارب من جزيرة ألوانه"قوس قزح" حيث معبد ايريس، ولكني طفل مهووس تمنى ترويض الألوان على أعتاب جفونك المسدلة، حيث مرج من الورود الدافئة تحضن أطفالا يشبهونني ويشبهونك..
طفل أنا-يا ابنة توسيوس في ثياب شيخ- نبت من ضلع حوريات البحر ومن شقاشق الوجع، وطفل من سلالة الغياب، وكل رغبته أن يقطر رائحة "حبك" كما حاول أن يفعل جان باتيست جرينوي، تقطير جلد حبيبته، لكني ما أملك شيئا عجيبا، بل قلبا كبير وواسعا، ممتلئ بالرغبات والأحلام والألوان .
ابنة توسيوس، أيتها الناعمة جدا..
وابنة زبد البحر، مقسمة حظي وغازلة عمري واعتقد أنك أنت رابعة مقسمات الحظوظ الإغريقية، ربات القدر: كلوثو و لاخيسيس و أتربوس، ولكن الحظ، أقصد حظي، كان أن يغزل القدر رداء مسموما ويقول لي: هنيئا لك بالموت، فاشرب الموت نخبك وبصحتك.. !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى