الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات لا يمحوها الزمن (ايام في معتقل قصر النهايه)(الحلقة العاشرة)

عبد الحسن حسين يوسف

2012 / 2 / 2
سيرة ذاتية


اكمالا للحلقة السابقة وهي وجودي مع رفاق آخرين في معتقل الاستخبارات العسكرية في منطقة الكسرة -بغداد لقد كان وجودنا ولحسن الحض وجودا مؤقتا لكونه معتقل سىء جدا كما اسلفت ولم تستمر ضيافتنا في هذا المعتقل اكثر من خمس عشر يوما قام المحققون فيه بتهيئة اوراقنا التحقيقية من اجل احالتنا الى المحكمة العسكرية نقلنا بعدها الى سجن رقم(1) في معسكر الرشيد وكان ذلك في بداية أيلول 1972 نقلونا جميعا ونحن بحدود اربعة عشر معتقلا مع آخريين سبقونا في سيارة مغلقة تماما من سيارات الاستخبارات وكانت تحمل ارقاما مدنيه وهي من السيارات المعده لنقل اللحوم.. وصلنا الى سجن رقم (1)ونحن في حالة يرثى لها من الحر الشديد وعدم وجود اي منفذ للهواء في السياره(ذكرتني هذه السيارة بقطار الموت الذي حشر فيه البعثيين المئات من رفاقنا بعد انتفاظة الشهيد حسن سريع الباسلة في 3 تموز 1963 عند نقلهم من سجن رفم(1)الى سجن نقرة السلمان )..اصف لكم قليلا سجن رقم واحد في تلك الايام هو في الحقيقة ليس سجنا تقليديا يشبه السجون الاخرى بل مجموعة قاعات متناثره على مساحة كبيرة من الارض تقع حافته الغربية والجنوبة بمحاذات السده المطلة على بغداد الجديدة (الف دار) والضلعين الباقيين تجاورهما بعض وحدات معسكر الرشيد تحيط بهذه القاعات سياج من الطابوق تعلوه اسلاك شائكة وفي اسفل السياج شريط عريض من الاسلاك يصعب اختراقه ..قاطع السياسيين فيه قاطع منعزل يتكون من مجموعة من الغرف المتداخلة. المرافق الصحية موجودة داخل المجمع نفسه والماء متوفر ويقابل المجمع حديقة يسمح للمعتقليين بالتجول فيها بعد نهاية الدوام وحتى المساء.وجدنا عند المعتقلين الذين سبقونا واغلبهم من الشيوعيين وبعض القوميين والبعثيين المؤيدين الى سوريا كثير من الروايات والمجلات وشطرنج نضامي وليس مصنع من العجين مثل الموجود في قصر النهاية ..سمحوا لنا بالاتصال بعوائلنا ..نضام المعتقل يسمح للعوائل بزيارة ابنائهم المعتقليين وجلب الطعام والملابس لاول مره استطعنا التخلص من الاسمال البالية التي كنا نلبسها القيناها في النفايات حاملة معها المئات من القمل الذي لم يفارقنا شهورا طويلة.كان العريف المسؤول المباشر عن معتقل السياسيين موجودا في هذا المكان وهو في رتبة جندي ولهذا فهو قاموس يعرف اغلب من مرعليه ومنهم صدام حسين فكان دائما يتندر ويقول( كنت نائب عريف وصدام حسين سجين ولآن انا عريف وصدام نائب رئيس مجلس قيادة الثورة).. كان قسم من المعتقلين الذين سبقونا قد صدر بحقهم الحكم وهم بانتضار اوراقهم التمييزيةلاجل ترحيلهم الى سجن (ابو غريب) والقسم الاخر وانا منهم ننتضر محاكمتنا ونحن نعرف انها محاكمة صورية كما قال لنا من سبقونا ف(العميد فهد جواد الميره)رئيس المحكمة العسكرية الدائمية الاولى المكلفة بمحاكمتنا رجل سىء الخلق وذو لسان بذىء يستطيع محاكمة مئة واحد في اليوم يسأل المتهم عن اسمه وتهمته ثم يوجه له (صلية)من قاموس سبابه هذا ما قاله لنا رفاقنا عن هذا المجرم وقد ثبتت محاكمتا من قبله صدق اقوال رفاقنا..(للعلم كان هذا المجرم على رأس القوة العسكرية التي اقتحمت العمال المضربين في معمل الزيوت النباتية في 1969 باشراف المجرم البعثي صلاح عمر العلي)... بعد شهرا تقريبا من وصولنا الى رقم واحد تم ابلاغنا قبل محاكمتنا بيوم واحد فقط ربما حتى يتجنبوا حضور عوائلنا للمحكمة وتثار ضجة حاول كل منا احضار ما في ذهنه للدفاع عن نفسه محاولة لتقليل الحكم جهد الامكان رغم معرفتنا ببذائة رئيس المحكمة وعدم وجود محامي للدفاع عنا لا من قبلنا ولا من قبل المحكمة كما تقتضي الاعراف القانونية (لقد حضر للدفاع عن المجرم صدام محامين من جميع البلدان العربية ومع هذا يتكلم ايتامه عن الضلم الذي وقع عليه اثناء المحكمة).. انها محكمة قرقوشية بكل معنى الكلمة. عندما أوصلنا حراس سجن رقم واحد الى المحكمة الكائنة في الباب المعظم(معسكر الكرنتيلة) لم تمر الا دقائق حتى بدء منادي المحكمة ينادي بأسمائنا وعند دخول اي واحد منا لا تستغرق محاكمته اكثر من خمس دقائق بعد ان يسأله رئيس المحكمة عن اسمه ورتبته وتهمته يطلب منه البرائه من الحزب الشيوعي العراقي وعندما يجيبه المتهم بالرفض (يسحب اقسام لسانه القذر)ويقول له مايجود به هذا اللسان من السب والشتم ويصدر بعد ذلك حكمه لينادي على المتهم الاخر.لم نعط نحن الاربع عشر شيوعيا البرائه من الحزب الا واحدا فقط اسمه (ماشاف غافل) وهو نائب ضابط في الكلية العسكرية بمنطقة الرستمية -بغداد ومن اهالي مدينة الثورة لان الرجل فعلا ليس شيوعيا لا من قريب ولا من بعيد ومع ذلك اصدر عليه ستة اشهر سجن مع الطرد من الجيش .. كان اكثرنا سجنا عريف من اهالي مدينة الحلة اسمه رزاق وكاتب السطور فقد حكم علينا بثلاث سنوات سجن والطرد من الجيش(حقيقة ان الطرد من الجيش كان هو الخدمة الوحيدة التي قدمها لي هذا الحاكم البذىء) ثم حكم على الملازم الاول محمد علي عبود بالسجن سنتين مع الطرد من الجيش اما الباقيين فجميعهم حكموا سنة وستة اشهر مع الطرد من الجيش ( للعلم كنا ثلاث من المحكوميين من القيادة المركزية اما الباقون فهم من الحزب الشيوعي اللجنة المركزية).انتهت المحكمة وحكم على اربع عشر شخصا بمدة اقل من ساعتين. هذه هي محاكم النظام السابق وهؤلاء قضاته جميعهم سيئي الخلق لا يعرفون اصول المحاكمات .غيبوا آلاف العراقيين وحكموا عليهم بالاعدام بنفس طريقة وسرعة محاكمتنا . عدنا الىسجن رقم واحد وكان الرفيق الملازم الاول محمد علي عبود يقرء لنا اشعار مظفر النواب الثورية ونحن في الطريق وعند وصولنا استقبلنا رفاقنا الاخرين وهيئوا لنا الغداء وقد اعتذر منا (ماشاف غافل)الذي اعطى برائة من الحزب خشية ان أساء ألينا طيبنا خاطره وقلنا له يكفي انك اصبحت صديقنا وخجلت من تصرف اعتقدت انه أساء الينا ..بقينا اكثر من شهر عادت بعدها اوراقنا التمييزية دون اي تغير بالاحكام رحلنا بعدها الى سجن (ابو غريب) لاكمال محكومياتنا. ثم خرجنا بعد ذلك الى السجن الكبير الذي هو (العراق)كان ما مررنا به في هذا السجن الكبيرمع اغلب العراقيين يكاد يكون امر من سجن قصر النهاية..ستكون حلقتي الحادية عشر والاخيرة من ذكرياتي هي دراسة متواضعة عن الحزب الشيوعي العراقي (القيادة المركزية) الذي يشرفني الانتماء اليه في تلك الفترة العصيبة من تاريخ العراق التي كان فيها الصراع الفكري والايدلوجي على اشده لا داخل الحركة الشيوعية العراقية فقط بل كل الحركة الشيوعية العالمية وهذه الدراسة المتواضعة التي ستكون حلقتي الاخيرة كما قلت هي محاولة (استفزازية)لمن عاش في تلك الفترة وكان مرتبط بها اوشاهد على احداثها وله القدرة على توثيقها اكثر من ان يكتب عنها واني مقتنع انهم كثيرين لاني نضرت اليها من كوة صغيره .سواء من السجن او من خلال وجودي كعضو بسيط في هذا التنظيم الشامخ الذي اعطى في مسيرته النضاليه عشرات الشهداء ومئات المعتقلين.تحياتي والى الحلقه الاخيرة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية حب ايها المناضل
فؤاده العراقيه ( 2012 / 2 / 2 - 19:02 )
عزيزي يمكن تكون انت محظوظ بهذه المحاكمه التي اخذت خمسة دقائق , اعرف اشخاص اعتقلهم النظام الساقط وأعدموا بدون محاكمه وحتى لم يعلموا اهاليهم بأعدامهم الا بعد سنوات من اعدامهم وهم بذلك لم يعلموا كيف عدموا وكيف كانت ايامهم الاخيره وكيف كان عذابهم , هذه هي جرائمهم البشعه والتي لا تضاهيها جرائم وهم يعترضون على محكمة صدام فهذه هي المهزله بعينها
شكرا لذكرياتك


2 - تحياتي يا استاذتي فؤاده العراقيه
عبد الحسن حسين يوسف ( 2012 / 2 / 2 - 20:21 )
شكرا سيدتي الفاضله فؤاده العراقيه على متابعتك لما اكتب واني فعلا محظوظ وبقيت على قيد الحياة وأرى نهاية البعث والسبب ان فترة بداية السبعينات من القرن الماضي حاول البعث ان يطرح نفسه على انه حزب تقدمي فكان أقل عنفا وعندما اكمل بناء اجهزته الامنيه ظهر على حقيقته وما القبور الجماعيه وتغييب الاف العراقيين الا من بركات هذا الحزب الملعون شكرا لك سيدتي الغاليه

اخر الافلام

.. فيضانات عارمة تتسبب بفوضى كبيرة في جنوب ألمانيا


.. سرايا القدس: أبرز العمليات العسكرية التي نفذت خلال توغل قوات




.. ارتقاء زوجين وطفلهما من عائلة النبيه في غارة إسرائيلية على ش


.. اندلاع مواجهات بين أهالي قرية مادما ومستوطنين جنوبي نابلس




.. مراسل الجزيرة أنس الشريف يرصد جانبا من الدمار في شمال غزة