الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو منهج بديل لدراسة المسألة الكردية - 1

أميرة الطحاوي

2002 / 9 / 13
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

عندما يدرس أحدهم حركة انفصالية معاصرة فانه عادة ما يقع بين نمطي تحليل – كلاهما مبتسر و مضلل بمفرده – أولهما التعويل الزائد على الدور الخارجي في مسيرة الحركة بأن ينفق جهدا هو الأكبر في إظهار شبكة علاقاتها الخارجية ، و الذي قد يعد بإنصاف مؤشر نضج لهذه الحركة إذ ينتج عن فهم عميق منها للتناقضات الإقليمية وربما الدولية للعاصمة الدائر ضدها نضال تلك الحركة ، أما النمط الثاني للتحليل فهو تركيز البعض على تلك العاصمة بما يصدر عنها من سياسات قمعية للقوميات و الأقليات بها ، فيفهم بالتالي هذا السعي للانفصال باعتباره محاولة من الهامش للتمرد أو توكيد موقعه أمام المركز .
تبدو خطورة هذين التقاربين عندما يتعلق الأمر بحركة  انفصالية أو تحررية ذات أساس عرقي أو قومي ؛ فالمنصف لا يستطيع أن يلخص تاريخ هذه الحركات باعتباره متغيرا تابعا لتأليب و دعم القوى الخارجية  ، بل إن استثمار هذه الحركات للتناقضات الإقليمية و الدولية لصالحها يعد مؤشر نضج لها إن أحسنت توظيفه ، كما أن سعي هذه الحركات القومية  لنيل حقوق الشعوب التي تدافع عنها لم يكن متوازيا دوما مع قمع العاصمة المعنية لمطالبهم ، بل سابقا أحيانا لوجود هذه العواصم و الأنظمة ، إذ شاركت العديد من الحركات القومية ضمن نضال تحرري أوسع للاستقلال عن المحتل الأجنبي ، و حتى منتصف القرن العشرين تشكلت حكومات وطنية ( بمعنى أن شاغلي مناصبها من أبناء البلاد المحليين و ليسوا محتلين أو مفروضين من الاحتلال ، و ليس للوصف أي مغزى قيمي يذكر ) ، انفردت هذه العواصم بقمع المعارضة داخل البيت ، أهملت وعودا قطعتها بحل مشاكل القوميات ، تفرغت لوظيفة التغلغل و بسط يدها على كامل الإقليم ( أي وظيفتي الأمن و الانتشار ) دون الوظائف الأخرى المفترضة في الحكومات الرشيدة و هي التكامل الوطني و التنمية الشاملة ، و بالطبع حدث الاصطدام بأعراق و قوميات و جماعات انتظمت في حركات تمثلها ، فما كان من العواصم إلا إضافة صفات التمرد  و الإرهاب و الانفصالية عليها منددين بارتباطاتها مع قوى خارجية ، تماما مثلما كان يفعل المستعمر سابقا ، متذرعين في توجههم هذا بالمفهوم الكلاسيكي الضيق لسيادة الدولة على حدود ورثوها عن الاستعمار ، ممارسين نفس دوره ضد مواطنيهم ، فقدموا وعودا و مواثيق و مشاريع لحكم الذاتي لم تنفذ ، حتى إذا ما واتتهم الفرصة انقضوا على كل ما قدموا أو لوحوا به .
الحركة الكردية المعاصرة مثال حي على هذا السيناريو ، بل إن انقسام أبناء الأمة الكردية عبر حدود خمس دول هيأ تلاعب الأطراف الإقليمية و الدولية بقضيتهم ، ثم جاء بعض قادتهم ليضيفوا انقسامات من صنعهم أتت على المواطن الكردي بمزيد من الضعف و التهميش ، و انساق بعض القادة بقصد أو بدون وراء مخططات لا تخدم أبدا الصالح الكردي ، حتى غدت القضية الكردية في نظر الكثير من باحثي العلاقات الدولية و النظم السياسية المقارنة بالشرق الأوسط مجرد مختبر لتطلعات و قدرات الدول التي تقتطع فيما بينها كردستان ، أو مجرد قضية تستخدمها القوى الكبرى بقدر رغبتها في التأثير على مجريات الأحداث بالمنطقة و ليس لرغبتها في معالجة عادلة للقضية ، في حين انبرى بعض محللي النظم السياسية في تفسير الحركة الكردية على مجرد كونها محاولات من الشعب الكردي للحصول على حقوق المواطنة الكاملة في دولهم
( أي تلك الدول التي ورثتهم عن محتليها كأقليات بالمفهوم العددي و القومي للكلمة ) و قليلون قدموا طرحا يتناول الأكراد كوحدة تحليل أساسية ، انطلاقا من فرضية مفادها :
" إن الحركات التحررية القومية المعاصرة ، و الملقبة أحيانا بحركات التمرد و الانفصال ، لا تقل في شرعيتها عن حركات التحرر الوطني ضد المستعمر الغربي ، و إن تأخرت عنه زمانا ، و أنها حركات أصيلة منبعها الشعب الذي تعبر عنه ، و هو وحده  المسئول أفرادا و قادة عن عثرات و نجاحات مسيرتها ، و إن توازت مع دعم خارجي أو قهر داخلي ، و على هذا تبقى دراسة الحركة الكردية و من ثم تقييمها متغيرا في عامل أهم  و هو تعبيرهاعن مصالح الشعب الكردي ، فحتى لو توقف الدعم الخارجي لها لن يعدم الأكراد الوسيلة لمواصلة النضال ، و حتى لو خففت الحكومات من قبضتها ملقية للأكراد بما هو دون الحد الأدنى من حقوقهم ، فلن يثني ذلك عزمهم و لن ينفي عن كفاحهم السياسي و العسكري شرعيته ، و إن أوجب عليهم تفويت الفرص على المتربصين دوما بهم ، بأن يستغلوا أي فرصة للحل السلمي شريطة ألا يعني ذلك تعلقهم بما يلقى لهم من فتات " .
لسنا بصدد تقديم المنهج الأمثل لتناول القضية الكردية ، فهناك محددات عديدة منها التكامل المنهجي و ظروف كل دراسة و صعوباتها ، و غير ذلك ، لكننا نشير إلى لبعض نقاط طرقها باحثون مجتهدون و تحتاج لبلورة و تراكم  من أجل أن يثبت تناسبها مع البحث في هذه القضية ، لقد قدم إسماعيل بيشكشي ،عالم الاجتماع التركي ،  الباحث محمد نور الدين من لبنان و الراحل د. جلال معوض من مصر  ، و المستشرقون الأوائل الروس و البريطانيون و غيرهم الكثيرون ، قدموا  العديد من الاسهامات في فهم القضية الكردية ، و ذلك بموضوعية و حياد .
 و الان و خلال العقد الماضي و ربما سابقه صار السؤال المطروح  هل تصلح المناهج و المعطيات ذاتها لدراسة القضية الكردية بعد كل ما طرأ عليها من تغيرات و تبدلات  عل أبسطها ان يكون تاريخ علاقات أي حزب بالاخر  منحنى زجزاجي ups and downs  على طول العلاقة و لا ثبات في شيء ( انظر نموذج الحزبين الكرديين في كردستان العراق و الذي نتمنى دوام توافقهما الأخير  )
لقد قرأنا مقالا لنزار اغري منذ فترة  يقول فيه ان الأكراد بالعراق بدأوا أخيرا في فهم الدرس بدليل أن كل طرف خارجي يعتقد أنهم معه – على حد قوله -  ، و يرى في هذا مؤشر قوة ، و الحقيقة انهم لا زالوا يتصرفون برد الفعل و هو ما لا يصنع دائما خياراتك المثلى ، و هذا لا ينفي أن هناك من وعي الدرس لكن وعي التطورات  أمر و التصرف على أساس هذا الوعي الجديد أمر آخر .
حزب العمال الكردستاني - مثالاً -  بدوره قدم طوال مسيرته مادةجيدة للبحث فقد طرح  فكرة العنف لخدمة قضية مشروعة ، و قضية القبضة الحديدية التي يسيطر بها على اعضائه أو حتى مواطني الأماكن التي يهيمن عليها ، و طرح افكار عالمية الصراع التحرري ، و وحدة و تضامن النضال للشعب الكردي ، و كردستان الكبرى و كردستان الواحدة المحررة … و غير ذلك من قضايا هامة ، تستحق المراجعة ، لكنه سبق الجميع بالتراجع عنها بصورة أو أخرى .
أكراد ايران ثبات عميق ، هل هو الهدؤ الذي يسبق العاصفة
القضية الكردية ببساطة  تحتاج لاعادة نظر ، و بحث ، و اجتهاد ، و قبل كل ذلك ، ألا يبحثها من يخلط العام بالخاص ، أو من يساوي أوراق بحثه بأوراق البنكنوت ، القضية الكردية بحاجة ، أكاديميا ، لاعادة طرح و صياغة و تناول و تطبيق مناهج عمل ، فهي رغم كل انتكاساتها ، لازالت بقادرة على تحريك خيال الباحثين المجتهدين و المهتمين اعلاميا ، لازالت قادرة على  دهشتنا كل يوم ، و هو ما فقدته قضايا كبرى أخرى بالشرق الأوسط رغم قدسيتها و مأساويتها في الآن ذاته .

ملحوظة : نشرت الأهالي العراقية هذا المقال ، و يتبعه جزء ثانٍ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاتس: تركيا رفعت العديد من القيود التجارية المفروضة على إسرا


.. واشنطن تفتح جبهة جديدة في حربها التجارية مع الصين عنوانها ا




.. إصابة مراسلنا في غزة حازم البنا وحالته مستقرة


.. فريق أمني مصري يتقصّى ملابسات حادث مقتل رجل أعمال إسرائيلي ف




.. نزوح الأهالي في رفح تحت القصف المستمر