الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة أولية لمشروع دستور حزب النهضة: نحو جمهورية إسلامية سنية؟ (1)

محمد عمامي

2012 / 2 / 3
مواضيع وابحاث سياسية




تعتبر الثورة التونسية، إلى حدّ ما، النموذج المتقدم للثورات الجارية في المنطقة العربية. وهي تكثف ضعوفات وإعاقات تلك الثورات. فمن الواضح أن الشعوب لم تتخطّ بعدُ سلسلة الحواجز التي استنبطتها القوى الدولية والإقليمية الكافلة للرأسمال العالمي، لتجييرها وحصرها في مهمة إعادة هيكلة الأنظمة المتداعية، وإنقاذ هياكل الدول القائمة بعد تكييفها لمقتضيات المرحلة الحالية من تطوّر المنظومة الرأسمالية.
و يقوم مشروع أمريكا وحلفاؤها على الملائمة بين التيار الإخواني الإسلامي لحيويته و شعبيته من جهة، وارتباطه العضوي بمصالح الرأسمال العالمي وأعوانه في المنطقة من جهة أخرى، وبين بيروقراطية الجيش والبوليس والأحزاب الحاكمة في الأنظمة البائدة.
ومن خلال تجربتي تونس ومصر، توزّع الأدوار صلب هذا الائتلاف بكيفية يحكم فيها الإسلاميون في تعايش مع أجهزة وإداريي وأعوان النظم السابقة، وبرقابة العسكر.
ويواجه هذا المسار كوابح معقدة أوّلها تلك التي تتعلق بتخليص الحركات الإخوانية المصنّفة في خانة القوى الإسلامية المعتدلة، وليبرالية التوجه الاقتصادي، من شوائب الأجنحة الراديكالية السلفية والجهادية التي لا تزال تتشبث بنقاء المشروع الأصولي وتكفّـّر كل الحضارة الحديثة. وتكمن الصعوبة في كون تلك التيارات لصيقة بالتيارات الإخوانية نفسها وتتماهى أو تمتزج بقواعدها.
اما التحدي الثاني الذي يواجه المشروع الامريكي في المنطقة فيتمثل في تحويل البيرواقرطيات الحاكمة الى مجرد خدم لكبار الراسماليين والتضحية مقابل ذالك بامتيازاتها الفئوية ومحاولة التخفيف من وطأة الفساد والجمود الذي تضفيه هيمنتها على المعاملات الاقتصادية والسلطات الإدارية والسياسية.
ويبقى التحدي الأكبر والأخطر للمشروع الامبريالي في المنطقة هو طبعا اندفاعة الشعوب نحو مواصلة الثورة وتخلصها من الخوف والطاعة بعد أن تخلصت من سلبية وبلادة عقود من الركوع والخنوع.
ويصل الآن مشروع الاحتواء نقطة الذروة التي ستفضي إلى أحد الأمرين: تدعيم نظام الإلتفاف، وتجيير الثورات لعقود طويلة، وبالتالي فتح الطريق أمام مرحلة جديدة من هيمنة النظام الرأسمالي المعولم، أو فشل ذلك المشروع، وفتح الطريق أمام تدعيم مسار التحرّر من ربقة الرأسمالية بإرساء أنظمة اجتماعية وسياسية أكثر عدلا وتحررا، لا فقط في المنطقة بل في جميع أنحاء العالم.
ويمثل الصراع في صلب المجلس التأسيسي التونسي حول صياغة الدستور الجديد من جهة، والصراع على الأرض بين ما يسمى "الشرعية الدستورية" والشرعية الثورية من جهة أخرى قمة الصراعات المعقدة التي تميّز المسار الثوري الجاري.
ويعدّ مشروع الدستور الذي أعدته حركة النهضة شاهدا على التوجه العام الذي تحضّره قوى الردة بمستوياتها الوطنية والإقليمية والعالمية. ومن خلال قراءة أوّلية لذلك المشروع، يمكن تبيّن مدى خطورة أهداف ورهانات القوى المعادية للثورة.
من جمهورية مدنية تبرّر بالدّين الإسلامي عند الإقتضاء إلى جمهورية إسلامية تبرّر بالمدنية عند الاقتضاء، أو تلازم الديني والمدني.
لطالما أكّد الإسلاميون أنّ النظام البورقيبي المنبثق عن دستور1957 هو نظام علماني، يعادي الإسلام والمسلمين وهو ما تكذّبه كل الوقائع التاريخية. والبند الأوّل الذي وقع الاحتفاظ به تقريبا ليس سوى تأكيد على أنّ للدولة دين رسمي هو دين الأغلبية المسلمة يقصي معتنقي بقيّة المعتقدات وغير المؤمنين. وهو يحدّد الدولة لا بوصفها كيانا سياسيا فقط بل أيضا كيانا دينيا وثقافيا يمثل المسلمين دون غيرهم، ويستثني بقية المواطنيين.
وإذ يدرك الإسلاميون ما لهذا الفصل من غموض يحدّد تأويله النظام السائد احتفظوا به، مقرّين بذلك، نفس التفرقة ونفس دونية غير المسلمين من التونسسين. وبهيمنتهم على النظام السياسي يتأكد ذلك التمييز وينقشع الغبار الذي يلف تلك الصيغة المبهمة لطبيعة الدولة.
و ينضاف الى ذالك سلطة المقدس في الفصل العاشر من المشورع المقدم الذي يجعل من الشريعة "مصدرا أساسيا من مصادر التشريع". ولكون الشريعة تدخل في المجال المقدس تصبح التشريعات المتأتية منها مقدسة بدورها. ولا يمكن، بأيّ حال من الأحوال، المساس بها أو مخالفتها. وهو ما يرفع تلك التشريعات إلى مصاف التحريم أو الإلزام، ويجعل السياسيين الناطقين باسم الشريعة مصدرا متعاليا لإصدار القوانين، ويعطيهم مفاتيح الأمر والنهي.
دولة القمع المقدّس:
يتناول مشروع دستور "النهضة" قمعا لا غبار عليه في ميادين المعتقد والفكر والتعبير والصحافة. ولقد نصّ، صراحة، على تقييد الحريات بفعل تدخّل المقدس في الحياة العامة. ففي الفصل العشرين تعتبر "حرية الفكر والتعبير والصحافة والنشر مضمونة، مع مراعاة مقدّسات جميع الشعوب والأديان". وهنا يقع الالتفاف على حرية الفكر والتعبير والصحافة بجرّة قلم، طالما أنّ "مقدّسات جميع الشعوب والأديان" يجب أن تراعى في تلك الحرية التي تصبح جريمة بفعل تلك المقدسات متى قرّر الحاكم/المؤوِّل ذلك. فالحاكم/المؤوِّل هو من يرعى تلك المقدّسات ويقوم على تدخّلها في الشأن العام، وهو من يعيّر الأثر الفكري أو الأدبي أو الفني أو الصحفي... ويقرّ أو ينفي مطابقته للمقدّس. وهو،إذن، من يرسم، اعتباطيا، حدود الحرية في المجالات المذكورة ويتحكم في مصير الإبداع والنقد والمعلومات...
و لا يفوتنا ان نلاحظ هروب المشروع الى صيغ مبهمة من قبيل " مقدسات الشعوب والأديان" وكأن الأمر يتعلق بكتابة إعلان عالمي لتقييد الفكر والتعبير والصحافة والنشر، لا بكتابة دستور للبلاد التونسية يضمن، قبل كل شئ، حقوق المواطنين التونسيين في حرية لا فقط الفكر والتعبير والصحافة والنشر دون قيود، بل أيضا حرية المعتقد واللامعتقد.

(يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في لبنان


.. المبادرة المصرية بانتظار رد حماس وسط دعوات سياسية وعسكرية إس




.. هل تعتقل الجنائية الدولية نتنياهو ؟ | #ملف_اليوم


.. اتصال هاتفي مرتقب بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائي




.. مراسل الجزيرة يرصد انتشال الجثث من منزل عائلة أبو عبيد في من