الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد مفهوم الاشتراكية عند ماركس - 1 – 2

أنور نجم الدين

2012 / 2 / 3
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


المقدمة:

يعود تاريخ هذا الانتقاد إلى عام 1992، فكتبت آنذاك كتابًا تحت عنوان (الشيوعية)، ولقد قمت بتنقيح ونشر أقسام منها تحت عنوان (الشيوعية وأسطورة الماركسية – ماركس ولينين) في الحوار المتمدن عام 2008 مع الكثير من التغيرات، و(الكومونة والسوفييتات) في 13 جزءًا عام 2010، مع الكثير من الإضافات إلى الموضوع.
أما بخصوص الموضوع الحالي، فكنت مضطرًّا أن أضيف جزءًا آخر إلى هذا النقد لغرض المقارنة بين أفكار ماركس حول الموضوع المتعلق بالتعاون في العمل وهو أساس أطروحات ماركس عن الاشتراكية.

يتعلق موضوعنا هنا بأفكار ماركس الاقتصادية المطروحة في (نقد برنامج غوته) وتناقضه مع أبحاثه النقدية الاقتصادية المطروحة في (رأس المال) بالذات. وإننا نحاول هنا إبراز التناقض الأساسي بين فكرة ماركس في (الحق المتساوي) بوصفه منظم العلاقات الاجتماعية في ما يسمى بالطور الأول للمجتمع الشيوعي، ومعالجته لنفس الموضوع –أي الحق المتساوي- بصورة مغايرة تمامًا في أبحاثه الاقتصادية في رأس المال بالذات.
وإن عودة الطبقات إلى ساحة الصراع في المستوى الأممي -أي انطلاق شرارة الثورة الاشتراكية في العالم من جديد- هي التي تضطرنا إلى إجراء دراسات تاريخية خاصة تتعلق بالثورة الاشتراكية ومهماتها عند انتصارها، فهل هي تحقيق (الحق المتساوي) أم الغاؤه؟ فهذا الحق المتساوي، أصبح أساسًا للكثير من التشويهات في البنية الأساسية لأطروحات ماركس الاقتصادية.

الاشتراكية والحق المتساوي:

إن ما نعرفه معرفة واضحة، هو أن المجتمع الاشتراكي -وليس هناك طور أول أو ثانٍ بل درجة تقدم الاشتراكية، حيث إن الاشتراكية والشيوعية مُسَمَّيَات مختلفة لنفس العلاقات البشرية في الإنتاج والتوزيع- لا يمكنه أن ينظم حسب حق الملكية، وبالأحرى فلا يمكنه أن يقيس المنتجات بقياس القيمة. وإن انتصار الاشتراكية دون الانتصار على علاقات القيمة، ليس إلا ضربًا من الخيال.

ليس الحق المتساوي سوى وحدة القياس لتعادل القيم. وإن أساس استثمار الإنسان من قبل الإنسان، هو هذا الحق المتساوي. لذلك فليس إلغاء علاقات الإنتاج الرأسمالية سوى إلغاء الحق المتساوي، وهو بالتحديد علاقات القيمة. فالفاصلة التاريخية بين الرأسمالية والاشتراكية هي تجاوز علاقات القيمة. فان إلغاء هذا الشكل الاستغلالي للإنتاج عن طريق جعل القيمة المتساوية علاقة راديكالية، يشبه في الواقع إلغاء الدين من خلال إلحاد الأفراد.

إن قانون القيمة التبادلية، يفعل بصورة عمياء في تنظيم العلاقات البشرية، أي أنه قانون طبيعي للمجتمع الرأسمالي يتحرك بصورة مستقلة عن إرادة المنتجين المشتركة. وبدون القضاء المسبق على قانون القيمة دفعة واحدة لا يمكن القضاء على الحركة التي تؤثر عشوائيًا على البشر. وان انتصار الثورة الاشتراكية لا يعني في الواقع سوى انتصار المجتمع في ايقاف فعل هذا القانون التاريخي.

ولكن كيف يعالج ماركس هذه المسألة في (نقد برنامج غوته)؟
إنه يعالج هذا الموضوع من زاوية الاقتصاد السياسي الذي يناقضه أكثر من غيره. ففي (نقد برنامج غوته) يقول ماركس:

"ومن الواضح أننا نواجه هنا (يقصد ماركس ما يسمى بالطور الأول للمجتمع الشيوعي) نفس المبدأ الذي ينظم تبادل البضائع طالما انه تبادل قيم متساوية .. فيما يتعلق بتوزيع هذه الأشياء بين المنتجين بصورة أفرادية، فان المبدأ الموجه هو نفس المبدأ الذي يسود فيما يتعلق بتبادل البضائع المتعادلة .. وهكذا فان الحق المتساوي يظل هنا، من حيث المبدأ، الحق البرجوازي" (ماركس، نقد برنامج غوته).

إذا كان الأمر هنا يتعلق بالقضاء التدريجي على علاقات القيمة في ما يسمى بالطور الأول للمجتمع الشيوعي، فإن هذه التدريجية لا تختلف عن فكرة الاصلاحات بوصفها طريق التحول السلمي للمجتمع نحو المجتمع الاشتراكي. أما إذا كان القصد السيطرة التدريجية على بقايا المجتمع الرأسمالي، فإننا لا يمكننا أن نتفق مع هذا التصور الفلسفي على أي نحو كان، حيث إن علاقات القيمة لا تعد بقايا الماضي، بل وهي الماضي كله، انه الجوهر التاريخي للرأسمالية ذاتها. ولدى ماركس نفسه، فان كل الصراع في المجتمع الرأسمالي، يدور فقط حول علاقات القيمة، وإن القضاء على العواقب التاريخية للرأسمالية –وهي العواقب التاريخية للقيم المتساوية ذاتها- لا يكون ممكنًا دون القضاء المسبق على القيم المتساوية. فلا توجد الاشتراكية دون إلغاء الحق المتساوي والعلاقات المنظمة له. وهذا ما يشير إليه ماركس عشرات بل ومئات المرات في أطروحاته الاقتصادية التي نعود إليها في الجزء الثاني من هذا الموضوع.

إن تصور إلغاء الرأسمالية من خلال القيم المتساوية التي هي في الأساس قاعدتها المادية – التاريخية، يشبه في الواقع تصور إلغاء الروح من خلال إلحاد الأفراد. كما أن تصور إلغاء المجتمع الرأسمالي من خلال الدولة البروليتارية، لا يضاهيه سوى إلغاء الدين من خلال إغلاق أبواب الكنائس والمساجد أو تدمير أبنيتها.

في (نقد برنامج غوته) ينجرف ماركس وراء الاقتصاد السياسي ويتابع موضوعاته على النحو الآتي:

"رُبَّ فردٍ يتفوق جسديًا أو فكريًا على فرد آخر، فهو إذن يقدم، خلال الوقت نفسه قدرًا أكبر من العمل أو أنه يستطيع أن يعمل وقتًا أطول، ولكن لكي يكون العمل مقياسًا، ينبغي أن يتحدد بمدته أو شدته، وإلا كف عن أن يكون وحدة القياس. ان هذا الحق المتساوي هو حق غير متساو لقاء عمل غير متساو. فهو لا يقر بأي امتياز طبقي لأن كل إنسان ليس سوى شغيل كغيره، ولكنه يقر ضمنًا بعدم المساواة في المواهب الفردية، وبالتالي في الكفاءات الإنتاجية بوصفها امتيازات طبيعية. فهو إذن، من حيث المحتوى، حق قائم على عدم المساواة، ككل حق ....
وبعد: رب عامل متزوج، والآخر أعزب، ورب رجل عنده من الأولاد أكثر من رجل آخر، الخ، الخ .. وهكذا، لقاء العمل المتساوي، وبالتالي مع الاستفادة المتساوية من الصندوق الاجتماعي للاستهلاك، يتلقى أحدهم بالفعل أكثر من الآخر، ويظهر أغنى منه، الخ" (نفس المرجع السابق).

بعد أكثر من ثلاثين سنة من عهد (نقد الاقتصاد السياسي)، يعود ماركس إلى ذلك العهد دون أي مبرر مادي. وهل هذا تفلسف، أم خطأ، أم ماذا؟

إننا نعرف سلفًا أن عدم إنتاج القيم –أي الخلاص من إنتاج القيم- لا يعني بكل تأكيد أن الإنسان قد تحرر من الكفاءات التي هي في الأساس أو من البداية "كفاءات طبيعية".
إن الاختلاف في التفوق الجسدي بين فرد وآخر، بين الرجل والمرأة .. إلخ، هو في الأساس نتاج التقسيم الطبيعي للعمل، أي إنه ليس له العلاقة بالتقسيم التاريخي للعمل. وكما نعرف، فإن التقسيم المبني على القدرات الطبيعية المتفاوتة للبشر، يعود تاريخه إلى ما قبل تكوين أي علاقات اجتماعية، وهو كان موجودًا أيضًا في المجتمعات البدائية، ولكن دون مس أساسه الاجتماعي في التوزيع، أي انه ليس له العلاقة بالحق والمساواة إلا في مجتمع الحق.
إن التقسيم التاريخي للعمل، يعمق ويتجاوز هذا التقسيم الطبيعي: الى تقسيم العمل إلى العمل الجسدي والعمل الذهني، إلى الزراعة والصناعة والتجارة، إلى المدينة والريف، إلى البلدان ذات الإنتاج المتنوع. وإن البشر لا يتخلصون من هذا التقسيم إلا عبر مسيرة تاريخية طويلة. وإن الاشتراكية ضرورية للقضاء على الفروق الطبقية أولا، وتقسيم العمل ثانيًا، فلا يمكن مثلا إلغاء تقسيم العمل إلى العمل الجسدي والعمل الذهني، والفروقات الموروثة من الطبيعة، في فترة قصيرة. والاشتراكية ضرورية لهدم القاعدة التاريخية التي تقف عليها هذه الفروقات، وهي أساس كل التناقضات الاجتماعية. إن هذه العملية، لا تستكمل في فترة تسمى الطور الأول للمجتمع الشيوعي، حيث ان هذه الفترة قصيرة جدًّا، حسب ماركس.

ولكن على أية حال، إن العمال حتى في المجتمع الحالي، لا يضطرون إلى إطالة وقت عملهم -إلا في حالات الأجور بالقطعة- بسبب التفوق الجسدي. فلماذا يجب أن يعمل الإنسان وقتًا أطول في المجتمع الذي يعطيه فرصة امتلاك نتاج إنتاجه الخاص؟ لماذا يجب أن ينتج الفرد أكثر من غيره لأنه يفوق الآخرين جسديًا، وحسب الحق المتساوي في المجتمع الذي ينظمه المنتج بنفسه، أو ينظم بمشاركته؟ وماذا فعل الإنسان؟ وأين وصل المجتمع إذا كان يضطر الفرد فيه أن يعمل حسب نفس المبدأ الذي يضطهده؟

ومن جانب آخر، إن الشخص الذي عنده خمسة أولاد في المجتمع الحالي، له الحق أن يأخذ من صندوق المعونة الاجتماعية مثلا في الدول الصناعية المتطورة، نفس المستوى المعيشي الذي يسمى الحد الأدني للمعيشة الذي يأخذه الشخص الذي له ثلاثة أطفال أو أقل. وهكذا، فأي منهما لا يتلقى أكثر من الآخر، ولا يظهر بالأحرى، أغنى منه. فلماذا يجب أن يستهلك الفرد في مجتمع الملكية الجماعية أقل من غيره بسبب أنه عنده من الأولاد أكثر من الآخر؟
إن هذه الملكية هي في الواقع ملكية معوقة إذا لم تصبح بإمكانها أن تؤمن معيشة الفرد (استهلاك الفرد) ووسائل تطوره وإمكانياته الطليقة منذ نشوء أول الكومونات الإنتاجية. ويمكن حل هذه المعضلة في أبسط صورتها الرياضية حتى في مجتمع الحق المتساوي نفسه، فلماذا سيكون من الصعب حلها في المجتمع الذي سيظهر على أنقاض الحق المتساوي؟ وقام ماركس نفسه بحل هذه المعضلة بطرق مختلفة في أطروحاته الاقتصادية وانتقاده لأطروحات الاقتصاد السياسي، فلماذا يعود من جديد إلى أطروحات ولَّى زمنها في عصر المادية التاريخية؟ فماركس لا يتحدث عن الإنتاج واستهلاك الوسائل الإنتاجية إلا في صورته الجماعية، فالعمل الجماعي لا الفردي، أي العمل المتراكب اجتماعيًّا، والأجور الوسطية لا الفردية، هو أساس أطروحات ماركس الاقتصادية، فما سبب عودته إذن إلى أطروحات الاقتصاديين العاميين الذين لا يرون في الاقتصاد سوى ظواهر متفرقة لا تقوم بينها أية صلة مادية؟

على الأرجح سيكون من الصعب جواب هذا السؤال، ولكن سيكون من السهل جدًّا التحقيق عن تناقض ماركس مع أطروحات (نقد برنامج غوته). فهل صاحب (نقد برنامج غوته) هو بالفعل كارل ماركس؟

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الصديق و الزميل انور
جاسم الزيرجاوي-مهندس أستشاري ( 2012 / 2 / 4 - 17:45 )
الصديق و الزميل انور
تحية لك
هذا الجهد الاستثنائي يفترض ان تقام حلقة دراسية حوله
لندع تكمل البحث ونعود اليك
شكرا لك على تهديم عروش الخرافة


2 - العزيز الزيرجاوي
انور نجم الدين ( 2012 / 2 / 4 - 18:49 )
شكرا لك، وسأنتظر ملاحظاتك القيمة.
خالص تحياتي

اخر الافلام

.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع


.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم




.. كلمات ادريس الراضي وخديجة الهلالي وعبد الإله بن عبد السلام.


.. الشرطة الأمريكية تعتدي على متظاهرين داعمين لغزة أمام متحف جا




.. الشرطة الأميركية تواجه المتظاهرين بدراجات هوائية